السيدة
فاطمة الزهراء رضوان الله عليها (2)
فضلها رضي الله تعالى عنها
أجمع المفسِّرون والمحدِّثون وكُتَّاب السير أن السيِّدة فاطمة وزوجها
وبنيها كانوا هم المعنيين في قوله تعالى {فقل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم}. وقد نزلت هذه الآية
عند مناظرة الرسول لنصارى وفد نجران، إذ دعا رسول الله السيدة
فاطمة والإمام علي والحسن والحسين رضوان الله عليهم للمباهلة بهم
وقال (اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي)
وجاء في حديث حذيفة قال رسول الله لأصحابه:إن هذا ملكٌ نزل لم ينزل
الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربَّه أن يُسلِّم عليَّ ويبشِّرني
بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنَّة.وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أفضل نساء أهل الجنة
مريم ابنة عمران، وفاطمة بنت محمد، وخديجة بنت خويلد وآسيا بنت
مزاحم امرأة فرعون.
جاء في صحيح البخاري أن النبيَّ كان يقول: (فاطمةُ بَضعةٌ مني فمن
أغضبها أغضبني). وروى مسلم في صحيحه: (فاطمةُ بَضعةٌ مني يريبني ما
رابها). وهذه العبارة قالها رسول الله في أكثر من موطن فقد روي أن
رسول الله سأل أصحابه: ما خيرٌ للنساء؟ فلم يعرفوا ما ذا يقولون
فذهب الإمام علي إلى السيدة فاطمة وسألها، فقالت: فهلا قلت له:
خيرٌ لهنَّ ألا يرين الرجال ولا يرونهن، فرجع فأخبره، فقال النبي
: من علَّمك هذا؟ قال: فاطمة. قال إنها بضعةٌ منِّي وفي حديث
الثلاثة الذين خلِّفوا انَّ أبا لبابة ربط نفسه إلى السارية وقال:
حتى يطلقني رسول الله ، ولما نزلت توبته جاءت السيدة فاطمة
لتطلقه،فقال: لا حتى يطلقني رسول الله ، فبلغ ذلك رسول الله فعتب
عليه وقال: فاطمةُ بضعةٌ مني ولو أطلقته كان فيها كفَّارة يمينه
فكأنَّما أطلقه رسول الله .وكان عمر بن عبد العزيز يكرم عبد الله
بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ولمَّا سئل عن هذا أجاب:لقد
حدَّثني الثقة كأني اسمع ذلك من فم رسول الله :فاطمة بضعةٌ مني
يسرُّني ما يسرُّها ويغضبني ما يُغضبها، وعبد الله هذا بَضعةٌ من
فاطمة وهي بَضعة رسول الله . وعن عمران بن الحصين قال: إنَّ
النبيَّ قال:ألا تنطلق بنا نعود فاطمة فإنها تشتكي؟ قلت: بلى قال:
فانطلقنا حتى انتهينا إلى بابها فسلَّم واستأذن فقال: أدخل أنا ومن
معي؟ قالت نعم ومن معك يا أبتاه؟ فوالله ما عليَّ إلا عباءة، فقال:
اصنعي بها كذا واصنعي بها كذا فعلَّمها كيف تستتر، فقالت والله ما
على رأسي من خمار، قال فأخذ مُلاءة كانت عليه فقال اختمري بها ثمَّ
أذنت لهما فدخلا فقال: كيف تجدينك يا بُنيَّة؟ قالت إني لوجعة وأنه
ليزيدَّ أنه مالي طعامٌ آكله. قال: يا بنية أما ترضين أنك سيِّدة
نساء العالمين قالت: فأين مريم ابنة عمران؟ قال: تلك سيِّدة نساء
عالمها، وأنت سيِّدة نساء عالمك، أما والله زوَّجتك سيِّداً في
الدنيا والآخرة. روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنه قالت: ما
رأيتُ أحداً قط أصدق من فاطمة غير أبيها.وكان بينها وبين السيدة
عائشة خلاف فقالت السيدة عائشة للنبي : سلها فإنها لا تكذب. تعني
السيدة فاطمة رضوان الله عليها.
مكانتها عند الإمام علي كرَّم الله وجهه
كان الإمام علي إذا غاضب السيِّدة فاطمة، لا يُكلّمها بشيءٍ تكرهه
ويخرج من بيته وقد وضع التراب على رأسه، فسماه رسول الله أبا
تراب، وكان كلَّما رأى التراب على رأسه علم أنه عاتب على فاطمة رضي
الله عنها، فأصلح بينهما.
وكانت السيِّدة فاطمة رضي الله تعالى عنها ترقِّص ولدها الحسن وهو
صغير والإمام علي يسمع فتقول له:
يا بأبي شبهَ أبــــي
غــــيرَ شبيهٍ بعلي
أي أنك تشبه جدَّك رسول الله ولا تشبه أباك علياَّ وكان سيِّدنا
الحسن أشبه الناس برسول الله في وجهه وصدره، ولو كان جدُّه رجلا
غير رسول الله لغضب الإمام علي كرَّم الله وجهه.
قال علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه لواحد من أصحابه:ألا أحدثك عني
وعن فاطمة بنت رسول الله وكانت أحبَّ أهله إليه؟ قلت: بلى قال: إن
فاطمة جرَّت بالرحى حتى أثرَّت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثَّرت
في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرَّت ثيابها، وأوقدت القدر حتى
دكِنتْ ثيابها، وأصابها من ذلك ضر، فأتى النبيَّ خدمٌ من الأرقاء،
فقلت لها: لو أتيتِ أباك فسألته خادما، فأتته فوجدت عنده بعض
أصحابه فاستحيت فرجعت،فأتاها من الغد فقال لها: ما كانت حاجتك؟
فسكتت، فقلت: أحدِّثك يا رسول الله ؛ جرَّت عندي بالرحى حتى أثَّرت
في يدها، وحملت بالقربة حتى أثَّرت في نحرها، وكسحت البيت حتى
اغبرَّت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، فلما جاءك الخدم
أمرتها أن تأتيك فتستخدمها خادماً يقيها حرَّ ما هي فيه. قال رسول
الله: اتقي الله يا فاطمة وأدي فريضة ربِّك، واعملي عمل أهلك، إن
أخذتِ مضجعك فسبِّحي الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدي الله ثلاثاً
وثلاثين، وكبِّري أربعاً وثلاثين فتلك مائة، فهي خيرٌ لك من خادم
قالت:
رضيت عن الله وعن رسوله
ولم يعطها خادما يخدمـهـا
هذه سيِّدة نساء العالـميــن
تقوم بخدمة بيتها بنفسهـا
فمها يرتِّل آي ربِّك بينـمـا
يدُها تديرُ على الشعيرِ رحاها
ولا ينبغي لامرأةٍ مهما بلغت عزَّتها أن تكون خيرا من سيِّدة نساء
العالمين، وقد منعها رسول الله الخادم. لما في خدمة المرأة لبيتها
وأهل بيتها من الفضل العظيم، وأحبُّ أن اسألَ كلَّ امرأة تستعين
بمن يخدمها في البيت لغير ضرورة مُلحَّة: هل يمكن الحصول على خادم
يتَّصف بالأمانة فلا يخون ولا يسرق، ويتقن عمله فيقوم به على أكمل
وجه، ويكتم أسرار بيتك فلا يذيعها بين الناس؟ إنَّ الحصول على مثل
هذا الخادم هو أمر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلا.
وهذا مقام الرضا قال أبو طالب المكي: طوبى لمن هُدي إلى الإسلام وكان
رزقه كفافاً فرضي به، وفي مثله أيضا من رضي من الله عزَّ وجلَّ
بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل، وقد روينا حديثاً
من طريق أهل البيت عن النبيِّ إذا أحبَّ الله تعالى عبداً ابتلاه،
فإنْ صبر اجتباه،، وإن رضي اصطفاه.
جودها وكرمها رضي الله تعالى عنها
من الفضل المشهـور الذي نسبه الله تعالى لبيـت فاطمة وعلي رضي الله
تعالى عنهما قوله تعالى:{ويطعمون الطعام على حبِّه مسكيناً ويتيماً
وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءٍ ولا شكورا} وقد
أشار المفسـِّرون إلى أن هذه الآية نزلت في آل البيت عليٌّ وفاطمة
رضوان الله عليهما ويروون أن الحسنين رضي الله عنهما مرضا مرضاً
شديدا فنذر سيِّدنا علي والسيدة فاطمة أن يصوما ثلاثة أيام إذا برء
الحسنان ولما آتاهما الله العافية وفوا بالنذر وصاموا ولما حان وقت
الإفطار وضعوا الطعام أمامهم فوقف سائلٌ بالباب وقال: أنا مسكين من
مساكـين أمة محمد ، وأنا والله جائع، اطعموني أطعمكم الله من موائد
الجنة، فأطعموه الطعام ومكثوا يومهـم وليلتهـم لم يذوقوا إلا
الماء، وتكرر هذا في اليومين الثاني والثالث وكلَّ يومٍ يأتيهم
سائـل حتى مرّت ثلاثة أيام لم يذوقوا فيها إلا الماء، فنزلت فيهم
هذه الآية، واعترض بعض المفسرين على هذه القصة وذكروا أن هذه الآية
لم تنزل فيهم ونزلت في بعض الصـحابة، ولعلَّ السبب في إنكار القصة
هو الزيادات الكثيرة التي زيدت فيها وذُكر فيها أن السائل كان يقول
أبياتـاً من الشـعر فيطلب الإمام علي كرَّم الله وجهه من السيدة
فاطمة أن تكـرمه بأبيات من الشعر و وترد عليـه أيضا بالشعر. وقد
ذكر الآلوسي هذه القصة وسرد الأقوال كلَّها ثم قال: احتمال النزول
في عليٍّ كرَّم الله وجهه وفاطمة رضي الله عنها قائم ولا جزم بنفي
ولا إثبات، وحتى على القول بعدم نزولهـا فيهما فإن هذا لا ينقص من
قدرهما، إذ دخولهما في الأبرار أمر جلي وهو دخولٌ أولى، وما عسى أن
يقول امرؤٌ فيهما سوى أنّ عليَّاً مولى المؤمنين، وفاطمة البضعة
الأحمدية، وأما الحسنان فالروح والريحان وسيِّدا أهل الجنـان، ومن
اللطائـف على القـول بنزولها فيهم، أنه سبحانه وتعالى لم يذكر
الحور العين، وإنما صرَّح عزَّ وجلّ بولدان مخلدين، رعايةً لحرمة
البتول، وقرَّة عين الرسول ، لكيلا تثور غيرتهـا الطبيعية ولو في
الجنة. وقد تحدَّث مولانا الشيخ في دروسـه عن هذه الآية وذكر سبب
نزولهـا مُبيِّنا أنهـا نزلت في آل بيت النبي عليٍّ وفاطمة
والحسنـين رضوان الله عليهم. وقد مدح رجلٌ من المحبين الإمام علي
كرَّم الله وجهـه بزواجه من السيدة فاطمة ونزول هذه الآية فيه وفي
أهل بيته فقال:
إلام أُلامُ وحـتَّى مــــتى
أعاتـبُ في حبِّ هـذا الفتى
وهل زُوِّجت غـيرَه فاطـمُ
وفي غيرِه هل أتى هل أتى؟
وقال الشاعر محمد إقبال في المسكين الذي رهنت السيدة فاطمة خمارها
لتعطيه ما يغنيه ومكثت رضي الله عنها بلا خمار.:
لما شكا المسكينُ خلفَ رحابِها
رقَّت لتلك النفس في شكواهـا
جادت لتُنقذَه بـرهنِ خـمارِها
يا سحبُ أينَ نداكِ من جَدواها
قيل لما نزل قوله تعالى {ولسوفَ يُعطيك ربُّك فترضى} وهي آية الشفاعة
فرح المسلمون بها فرحاً شديدا وأنشد سيِّدنا حسَّان بن ثابت:
سمعنا في الضحى ولسوف يُعطي
فســرَّ سمـاعَنا ذاك العـطاءُ
وحاشـا يا رسولَ الـلهِ ترضى
وفــينا مـن يعـذَّبُ أو يساءُ
وفي اليوم التالي لنزول آية الشفاعة العظمى وكان يوم عيد كان رسول
الله يسير في شوارع المدينة في صحبة أبي بكرٍ الصديق فمرَّ
على غلامٍ يبكي ممزَّق الثياب أشعث أغبر، فتغيَّر وجه رسول الله
ومدَّ يده الشريفة ليمسح القذر عن وجهه بثوبه، فابتدره أبو بكر
وأراد أن يقوم بهذا العمل بدلاً منه فقال له رسول الله : يابن أبي
قحافة لا تحقرنَّ صغار المسلمين فإنَّ صغيرهم عند الله كبير. فمسح
رسول الله وجهه ثمَّ سأله عن أهله، فأخبره أن أباه مات
وتزوَّجت أمُّه رجلا آخر فلم يعد أحدٌ يعتني به،فقال له رسول الله
: أما ترضى أن يكون الحسن والحسين أخويك، وفاطمة أمَّك وعليٌّ أباك
ومحمدٌ رسول الله جدَّك؟ فقال الطفل: رضيت يا رسول الله. فأخذه
رسول الله إلى بيت السيِّدة فاطمة رضي الله تعالى عنها وقال
لها: أكرمي مثواه. فأخذته، وغسلته وكسته وأطعمته،وصار كأنه واحدٌ
من أبنائها فصار إذا خرج إلى الشارع افتخـر على أقرانه من أبناء
الصحابة وقال لهم: من له أبٌ مثل أبي، ومن له أمٌّ مثل أمي؟ فخافت
السيِّدة فاطمـة رضي الله تعالى عنها أن يثيـر غيرة أبناء الصحابة
فأخذته فضربته ضرباً خفيفا، فنزل جبريـل عليه السلام تلك الليلة
بقوله تعالى {ألم يجدك يتيماً فآوى} مذكِّراً رسول الله
بفضله عليه إذ آواه في الصغـر وهو يتيم، فلم يقهر اليتيم { فأما
اليتيم فلا تقهر} وروي عن السيِّدة فاطمة رضوان الله عليها أنها
قالت: قال لي أبي رسـول الله إيـاكِ والبخلَ فإنه عاهـةٌ لا
تكـون في كريم، إياكِ والبخلَ فإنه شجرةٌ في النار، وأغصانُها في
الدنيا، فمن تعلَّق بغصنٍ من
أغصانها أدخله النار، و السخاء شجرة في الجنة و أغصانها في الدنيا
فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الجنة
د.
عبدالله محمد احمد
أولياء الله على أرض مصر
سيدي حسن الأنور رضي الله عنه
فهو رضي الله عنه سيدي حسن الأنور بن سيدي زيد الأبلج بن سيدنا الحسن
السبط بن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي
الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين.
ولد رضي الله عنهم سنة 101هـ وتوفي سنة
186هـ
وقد بلغ من العمر
85
عاماً، ودفن بمسجده بالقرب من جامع عمرو ومعه في مقامه ابنه
الإمام زيد الأصغر وليس والده الإمام زيد الأبلج كما يعتقد
عامة الناس.
تزوج من السيدة أم مسلمة (زينب) ابنة عمه الإمام الحسن بن الإمام الحسن
السبط بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله
تبارك وتعالى عنهم أجمعين.
أولاده إحدى عشر: تسعة من الذكور وهم السادة (القاسم - محمد- علي-
إبراهيم- زيد الأصغر- عبيد الله- يحيى المتوج- إسماعيل-
إسحاق) رضي الله عنهم.
واثنتان من الإناث وهما (السيدة أم كلثوم- السيدة نفيسة الصغرى)
رضي الله عنهما.
إشراف
الشيخ دسوقي الشيخ إبراهيم
السابق التالي
|
|