السيدة
فاطمة الزهراء رضوان الله عليها (3)
حزنها على أبيها
صلى الله عليه وسلم
كانت أكبر المصائب التي وقعت على السيدة فاطمة رضوان الله عليها وعلى
المسلمين عامة هي وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانت
أقرب الناس إليه وأشدهم حباً له.
عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
في مرضه الذي مات فيه، ما تغادر منا واحدة إذ جاءت فاطمة تمشي ما
تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلما رآها
قال: مرحباً بابنتي، وأقعدها عن يمينه، ثم سارها بشيء فبكت، فقلت
لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيننا
بالسرار وأنت تبكين، ثم سارها بشيء فضحكت، قالت فقلت لها: أقسمت
عليك بحقي لما أخبرتيني، قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى
الله عليه وسلم سرّه، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم سألتها،
قالت: أما الآن فنعم، أما بكائي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لي (إن جبريل عليه السلام، كان يعرض علي القرآن كل عام مرة،
فعرض العام مرتين، ولا أرى إلا أجلي قد اقترب) فبكيت، ثم قال: (يا
فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين أو نساء هذه الأمة)،
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لفاطمة رضي الله عنها (أنت أول أهلي لحوقاً بي) وقد حزنت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً وبكت حتى كان أهل
المدينة يبكون لبكائها.
قالت السيدة فاطمة رضي الله عنها في رثاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
عندما دخلت الحجرة الشريفة وأخذت حفنة من تراب القبر فشمتها ثم
قالت:
ماذا على من شم تربة أحمد
ألا يشم مدى الزمان غواليا
صبَّت عليَّ مصائبٌ لو أنها
صُبَّت على الأيام عدن لياليا
والغالية هي الطيب.
وقالت رضي الله تعالى عنها:
إنا فقدناك فـقـد الأرض وابلـهـا
وغاب مد غبت عنها الوحي والكتب
فليت قبلك كان الموت صـادفـنـا
لما نعيت وحالت دونـك الـكتـب
وقيل ما رؤيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكة قط بعد
وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفاتها رضي الله عنها
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء في طبقات ابن سعد أنها توفيت بعد
أبيها بثلاثة أشهر، وفي مستدرك الحاكم أنها عاشت بعد أبيها ثمانية
أشهر وقيل توفيت بعده بشهرين، وكان عمرها رضوان الله عليها ثمانية
عشر عاماً وصلى عليها علي كرم الله وجهه ودفنها ليلاً، وقيل صلى
عليها الصديق رضي الله عنه. وجاء في طبقات ابن سعد عن سلمى بنت أبي
رافع قالت: مرضت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا،
فلما كان اليوم الذي توفيت فيه خرج علي كرم الله وجهه لبعض شأنه،
فقالت لي: يا أماه اسكبي لي غسلا، فسكبت لها فاغتسلت كأحسن ما كانت
تغتسل، ثم قالت: ائتيني بثيابي الجدد، فأتيتها بها فلبستها، ثم
قالت اجعلي فراشي وسط البيت فجعلته واضطجعت عليه واستقبلت القبلة،
ثم قالت لي: يا أماه إني مقبوضة الساعة، وقد اغتسلت فلا يكشفن لي
أحد كتفاً، قالت: فماتت، فجاء علي فأخبرته فقال: لا والله لايكشف
لها أحد كتفاً. وقيل إنها أول من حُمل على نعش فعن عمارة بن
المهاجر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لأسماء
بنت عميس:يا أسماء إني استقبحت ما يصنع بالنساء، أن يطرح على
المرأة ثوب فيصفها، تعني أن المرأة المتوفاة كانت تحمل على سرير
كما يحمل الرجال فيبين جسدها للناظرين، فانظر إلى هذا الطهر وهذا
العفاف كيف أرادت الستر عن الرجال حتى وهي ميتة فقالت أسماء: يا
ابنة رسول الله ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة، فدعت بجرائد رطبة
فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً فقالت فاطمة رضي الله عنها: ما أحسن
هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل، ودفنت رضي الله عنها بالبقيع
وهو مشهد سيدنا العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل
السودان كما ذكر البروفسير عبدالطيب رحمه الله تعالي يدفنون موتاهم
على طريقة أهل المدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام فيكون
على سبيل الاقتداء بالسيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها.
قال الإمام علي كرم الله وجهه عند دفن السيدة فاطمة رضي الله عنها:
(السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك
والسريعة اللحاق بك! قلَّ يا رسول، عن صفيتك صبري ورقَّ عنها تجلدي
ألا إن في التأسي لي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك، موضع تعز، فلقد
وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك (فإنا لله وإنا
إليه راجعون) فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، أما حزني
فسرمد، وأما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها
مقيم، وستنبئك ابنتك على تضافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال
واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، والسلام
عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن انصرف فلا عن ملالة وإن أقم
فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين).
وكان سيدي أبوالعباس المرسي يقف عند قبرها ويقول: السلام عليك يا بنت
سيد المرسلين، السلام عليك يا خير من ولدت البنات والبنين، السلام
عليك يا أم سيدي شباب أهل الجنة أجمعين، السلام عليك يا سيدة نساء
العالمين، السلام عليك يا حليلة حامي حوزة الدين، السلام عليك
ورحمة الله وبركاته.
وقد زار الشاعر محمد إقبال مقامها الشريف وأنشد:
لولا وقوفي عند أمـر المصـطـفى
وحدود شرعـته ونحـن فـداهـا
لمضيت في التطواف حول ضريحها
وغمرت بالقبلات طـيـب ثراهـا
قصـة فــدك
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت السيدة فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى الخليفة الصديق رضي الله عنه أن يقسم
لها ميراثها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله
عليه، وهي قرية فدك وهي قرية ذات نخيل، وقد كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم أعطاها في حياته لابنته فاطمة رضوان الله عليها فقال: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن معاشر الأنبياء، لا نورث،
ما تركناه صدقة، وقد تحدث المؤرخون كثيراً في هذا الأمر وأضيفت
إليه أشياء كثيرة ودخل فيه أصحاب الأغراض، ونحن نقول إن السيدة
فاطمة رضوان الله عليها لا يمكن أن تحزن على شيء من الدنيا، وقد
عزفت عن الدنيا بأكملها، وقد عبَّر الإمام علي كرم الله وجهه عن
هذا الرأي وقال: وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مكانها في غدٍ
جدثُ، تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها. وقد اعتذر الصديق رضي
الله عنه للسيدة فاطمة رضي الله عنهما قبل وفاتها وسألها أن ترضى
عنه فرضيت عنه وما توفيت إلا وهي راضية عن الصديق رضي الله عنه.
ولما تولى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ردَّ فدك على الإمام
علي وأبناء السيدة فاطمة رضوان الله عليهم. ومن الأفضل ترك الحديث
في مثل هذه الأشياء فيما حدث بين الصحابة أو الصحابة والقرابة وقال
الواعظ الأندلسي على لسان السيدة عائشة رضوان الله عليها:
بين الصحابة والقرابة ألفة
لا تستحيل بنزغة الشيطان
شفاعة السيـدة فاطـمـة
رضي الله تعالى عـنـها
روي أن أكبر شفاعة بعد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم هي شفاعة ابنته
السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء رضي الله عنها فعندما يؤمر بها إلى
الجنة وهي أول داخل تحمل على ناقة صهباء تقودها امرأة كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول إنها أول من يدخل الجنة وذلك لأنها
تأخذ بزمام ناقة السيدة فاطمة الزهراء وعندما تأتي رضي الله عنها
عند باب الجنة تبكي، فتسأل فتقول (يا رب إن أولادي وأهل بيتي
وذريتي لاقوا أصناف العذاب في سبيل الدعوة لدينك والجهاد في سبيلك
وأوذوا وشرّدوا وقتلوا تقتيلا وحرِّقوا ونُكل بهم تنكيلا، وصبروا
على ما أوذوا واستشهدوا وأن من المسلمين من كانوا يتألمون لحالهم
وتنقطع نياط قلوبهم حسرة لما يرون، وما يسمعونه من أخبارهم ويبكون
بكاء مراً عزاءً ومواساةً لمصائبهم فكيف اتركهم خلفي!) فيأمر
المولى عز وجل بكل من يحب أهل البيت أن يشع من رأسه نور بقدر محبته
فيدخلون الجنة بشفاعة السيدة الزهراء رضي الله عنها. ولو تتبع
الناس سيرة آل البيت خاصة في كتاب (مقاتل الطالبيين) لتفطر قلبه
حزناً لما لقيه آل البيت رضوان الله عليهم من قل ونفي سجن وتشريد
وتعذيب على أيدي الخلفاء من بني أمية والخلفاء العباسيين، وما كان
هذا إلا خوفاً على سلطانهم وغيرة منهم لأن الناس آثروهم بحبهم
واحترامهم.
جاء عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا
كان يوم القيامة، نادى منادٍ: يا أهل الجمع غضوا أبصاركم حتى تمرَّ
فاطمة بنت محمد، فتمر وعليها ريطتان (ثوبان) خضراوان أو حمراوان،
وعن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا
كان يوم القيامة نادى منادٍ من بُطنان العرش: يا أهل الجمع نكسوا
رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد رضي الله عنها على
الصراط، قال: فتمر ومعها سبعون ألف جارية كالبرق اللامع. وعن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (تبعث الأنبياء يوم
القيامة على الدواب ليوافوا بالمؤمنين من قومهم المحشر، ويبعث صالح
على ناقته، وأبعث على البراق وفاطمة أمامي)، المستدرك للحاكم.
إن سرد سيرة آل البيت ليس الغرض منه التبرك بذكرهم فحسب، بل الغرض منها
هو الاتباع والاقتداء بهم، فلا يكفي أن نقرأ سيرة السيدة فاطمة
رضوان الله عليها لنرى عظمتها الكائنة في كل جانب من جوانب حياتها،
وتجري دموعنا تأثراً، بل يجب أن تكون نبراساً تهتدي به كل امرأة
تريد أن تنال رضا ربها.
وقد تحدث مشائخنا رضوان الله عليهم عن اجتماع كبار الأولياء في مقامها
الذي هو مقام بسط وجمال:
في مقام البتول طير يغـني
وغناء الطيور يشجي الثمالي
فالطير كناية عن أرواح الأولياء وأما غناؤهم فلأن المقام مقام بسط
وجمال، والنشيد إنما يكون على المسرة، والثمالي هم السكارى.
وقال سيدي فخر الدين:
إذا الطير في روض الكريمة أمِّنا
عظيمة آل البيت أرواح إخـوتي
وهذه أيضاً إشارة إلى أرواح الأولياء في روضها أي حضرتها وقال (إخوتي)
لأنهم جميعاً في مقام الفرد الجامع الكبير فهم أصحاب مقام واحد.
والسيدة فاطمة رضوان الله عليها رغم مكانتها الكبيرة فقد كانت من أهل
الخفاء الذين لم يطلع على أحوالهم وعباداتهم أحد سوى ربهم وهي التي
فطمت عن الغير والسوى. ونختم بأبيات الشيخ محمد عثمان عبده
البرهاني:
يا عز منفطم بـفاطـمـة التـي
في حجرها مهدي وطـابَ رضاعُ
إنا فُطِمنا عن سواكَ بفـضلـهـا
يا نعـمَ أمٌّ نحـتـذى ونـُطـاعُ
إنا شهدناها وطـابَ شهـودُهـا
نوراً تـجـلَّى ما علـيه قـِنـاع
وأخذت من فيها جواهرَ حكمتي
وكذا خفائي والخـفاء مـتــاعُ
د.
عبدالله محمد احمد
أولياء الله على أرض مصر
سيدي المرسي أبو العباس رضي الله عنه
فهو رضي الله عنه سيدي شهاب الدين أبوالعباس أحمد بن عمر بن علي
الخزرجي الأنصاري.
ولد في مدينة مرسية إحدى كبار مدن شرق الأندلس سنة 616هـ وقضى فيها
طفولته وصباه ثم رحل عنها مع أسرته نهائياً سنة 640هـ وقد
بلغ من العمر 24 عاماً.
اجتمع بشيخه سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه في الإسكندرية، وقد
لبث سيدي المرسي في الإسكندرية أكثر من 40 عاماً ينشر العلم
ويهذب النفوس ويضرب المثل بورعه وتقواه إلى أن انتقل بجوار
ربه في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 686هـ ودفن
بالإسكندرية في باب البحر وهي ساحة اشتهرت باسمه الآن.
إشراف
الشيخ دسوقي الشيخ إبراهيم
السابق
التالي
|
|