|
من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -
28 |
إعمال الفكر في فضل الذكر
مسألة - في الذكر والتسبيح والدعاء، هل هو معادل للصدقة ويقوم مقامها
في دفع البلاء؟.
الجواب - الأحاديث والآثار صريحة في ذلك، وفي تفضيله على الصدقة، وأما
كونه سبباً لدفع البلاء فهو أمر لا مريه فيه، فقد وردت أحاديث لا تحصى في أذكار
مخصوصة من قالها عصم من البلاء ومن الشيطان ومن الضر ومن السم ومن لدغة العقرب ومن
أن يصيبه شيء يكرهه، وكتاب الأذكار للشيخ محيي الدين النووي مشحون بذلك، وكذا كتاب
الدعاء للطبراني واللبيهقي، فلا معنى للاطالة بذلك، وقد صح في (لا حول ولا قوة إلا
باللّه) أنها تدفع سبعين بابا من الضر أدناها الفقر، وفي رواية (أدناها الهم).
وأخرج الحاكم - وصححه - عن ثوبان مرفوعاً (لا يرد القدر إلا الدعاء). وأخرج
الحاكم أيضاً من حديث عائشة مرفوعاً (الدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل. وأن
البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) وأخرج مثله من حديث ابن
عمر.
وأخرج أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعاً (من لزم الاستغفار جعل
اللّه له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرج. ورزقه من حيث لا يحتسب).
وأخرج ابن أبي شيبة عن سويد بن جميل قال - من قال بعد العصر لا إله إلا
اللّه الحمد لله وهو على كل شيء قدير قاتلن عن قائلهن إلى مثلها من الغد.
وأخرج اسحق بن راهويه في مسنده من طريق الزهرى قال - أتى أبو بكر
الصديق بغراب وافر الجناحين، فقال - سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول (ما
صيد صيد ولا عضدت عضاه ولا قطعت وشيجة إلا بقلة التسبيح) وأخرجه أبو الشيخ في كتاب
العظمة من طريق ابن عون بن مهران عن أبي بكر موقوفاً، وأخرج أبو نعيم في الحلية
مثله في حديث أبي هريره، وأبي الشيخ في العظمة نحوه من حديث أبي الدرداء مرفوعاً
(ما أخذ طائر ولا حوت إلا بتضييع التسبيح) ومن حديث أنس مرفوعاً ( آجال البهائم
كلها وخشاش الأرض في التسبيح، فإذا انقضى تسبيحها قبض اللّه أرواحها) ومن حديث يزيد
بن مرشد مرفوعاً (لا يصاد شيء من الطير والحيتان إلا بما يضيع من تسبيح اللّه).
أما تفضيل الذكر على الصدقة ففيه أحاديث كثيرة مرفوعة وموقوفة فمن
الموقوفة ما أخرجه الحاكم والترمزي عن أبي الدرداء مرفوعاً (ألا أنبئكم بخير
أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وأن
تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا وما ذاك يا رسول اللّه؟ قال -
ذكر اللّه).
وأخرج الترمزي عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
(سئل أي العباد أفضل درجة عند اللّه يوم القيامة؟ قال الذاكرون اللّه كثيراً قلت يا
رسول اللّه من الغازي في سبيل اللّه؟ قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى
ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون اللّه كثيراً أفضل منه درجة).
وأخرج الحاكم عن البراء مرفوعاً (من قال لا إله إلا اللّه وحده لا شريك
له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات فهو كعتق نسمة).
وأخرج البيهقي في شعب الايمان من طريق أنس مرفوعاً (لأن أقعد مع قوم
يذكرون اللّه منذ صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد
اسماعيل)، ففي هذين عدل الذكر بالعتق وتفضيله عليه.
ومن الموقوفات - أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابي مسعود قال: (لأن
أسبح تسبيحات أحب إلي من أن أنفق بعددهن دنانير في سبيل اللّه).
وأخرج عند قال (لأن أقول سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه
واللّه أكبر أحب إلي من أن أتصدق بعددها دنانير).
وأخرج عن عبداللّه بن عمرو بن العاص، قال: (لأن أقول سبحان اللّه،
والحمد لله، ولا إله إلا اللّه أكبر أحب إلي من أن أحمد على عدتها من خيل
بأرسانها).
وأخرج عن ابن عمر قال: (ذكر اللّه الغداة والعشي أعظم من حطم السيوف في
سبيل اللّه واعطاء المال سَحا).
وأخرج عن أبي الدرداء قال: (لأن أسبح مائة تسبيحة أحب إلي من أن أتصدق
بمائة دينار على المساكين).
وأخرج عن معاذ بن جبل قال: (لو أن رجلين أحدهما يحمل على الجياد في
سبيل اللّه والآخر يذكر اللّه، لكان الذاكر أعظم وأفضل أجرا) وأخرج عنه قال (لأن
أذكر اللّه من غدوة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أحمل على الجياد في سبيل اللّه).
وأخرج عن عبادة بن الصامت مثله.
وأخرج عن سلمان الفارسي قال: (لوبات رجل يعطي القيان البيض، وبات آخر
يقرأ القرآن أو يذكر اللّه، لرأيت أن ذاكر اللّه أفضل).
وأخرج عن ابن عمرو قال: (لو أن رجلين أقبل أحدهما من المشرق والآخر من
المغرب مع أحدهما ذهب لا يضع منه شيئاً إلا في حق والآخر يذكر اللّه حتى يلتقيا في
طريق كان الذي يذكر اللّه أفضلهما) فهؤلاء سبع صحابة صرحوا بتفضيل الذكر على
الصدقة.
ومن أقوال غير الصحابة - أخرج ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص قال (لتسبيحة
في طلب حاجة خير من لقوح صفي في عام أزبة أو لزبة أي شدة وجدب ومحل).
وأخرج عن أبي برده قال: (لو أن رجلين أحدهما في حجره دنانير يعطيها
والآخر يذكر اللّه كان ذاكر اللّه أفضل).
والآثار في هذا المعنى كثيرة، وفيما أوردناه كفاية.
ومما استدل به على تفضيل الذكر على سائر العبادات أنه لم يرخص في تركه
في حال من الأحوال، أخرج ابن جرير في تفسيره عن قتادة قال: (افترض اللّه ذكره عند
أشغل ما تكونوا، عند الضراب بالسيوف). فقال: {يا أيها الذين آمنو إذا لقيتم فئة
فاثبتوا، واذكروا اللّه كثيراً لعلكم تفلحون} واللّه أعلم.
نتيجة الفكر، في الجهر في الذكر
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، سألت - أكرمك اللّه - عما
اعتاده الصوفية من عقد حلق الذكر، والجهر به في المساجد، ورفع الصوت بالتهليل وهل
ذلك مكروه أم لا؟
الجواب - أنه لا كراهة في شيء من ذلك وقد وردت أحاديث تقتضي استحباب
الجهر بالذكر، وأحاديث تقتضي استحباب الإسرار به والجمع بينهما أن ذلك يختلف
باختلاف الأحوال والأشخاص كما جمع النووي بمثل ذلك بين الأحاديث الواردة باستحباب
الجهر بقراءة القرآن والأحاديث الواردة باستحباب الإسرار بها وها أنا أبين ذلك
فصلاً فصل.
ذكر الأحاديث الدالة على استحباب الجهر بالذكر تصريحاً أو التزام.
الحديث الأول - أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى
الله عليه وسلم - (يقول اللّه - أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني
في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه) والذكر في المأ لا
يكون إلا عن جهر.
الحديث الثاني - أخرج البزار والحاكم في المستدرك وصحهه عن جابر قال:
خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال (يا أيها الناس، إن الله سرايا من
الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض، فارتعوا في رياض الجنة، قالوا: وأين
رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر، فاغدوا وروحوا في ذكر اللّه).
الحديث الثالث - أخرج مسلم والحاكم - واللفظ له - عن أبي هريرة قال قال
النبي صلى الله عليه وسلم (إن لله ملائكة سيارة وفضلاء يلتمسون مجالس الذكر في
الأرض، فإذا أتوا على مجلس ذكر حف بعضم بعضاً بأجنحتهم إلى السماء، فيقول اللّه: من
أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويهللونك ويسألونك
ويستجيرونك، فيقول: ما يسألون؟ وهو أعلم، فيقولون: يسألونك الجنة، فيقول: وهل
رأوها؟ فيقولون: لا يارب، فيقول فكيف لو رأوها؟ ثم يقول ومم يستجيروني؟ وهو أعلم
بهم، فيقولون: من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ ثم
يقول: اشهدوا أني قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوني، وأجرتهم مما استجاروني،
فيقولون: ربنا إن فيهم عبداً خطاء جلس اليهم وليس منهم، فيقول: وهو أيضاً، قد غفرت
له، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).
الحديث الرابع - أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي
اللّه تعالى عنهما قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما من قوم يذكرون اللّه إلا
حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة وذكرهم اللّه فيمن عنده).
الحديث الخامس - أخرج مسلم والترمذي عن معاوية (أن النبي صلى الله عليه
وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر اللّه ونحمده،
فقال: إنه أتاني جبريل فأخبرني أن اللّه يباهي بكم الملائكة).
الحديث الساديس - أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الايمان عن أبي
سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (أكثروا ذكر اللّه حتى يقولوا
مجنون).
الحديث السابع - أخرج البيهقي في شعب الايمان عن أبي الجوزاء رضي الله
عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم (أكثروا ذكر اللّه حتى يقول المنافقون أنكم
مراءون) مرسل.
ووجه الدلالة من هذا والذي قبله أن هذا إنما يقال عند الجهر دون
الإسرار.
الحديث الثامن - أخرج البيهقي عن أنس قال - قال رسول اللّه صلى الله
عليه وسلم (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا يا رسول اللّه وما رياض الجنة؟
قال - حلق الذكر).
الحديث التاسع - أخرج بقي ابن مخلد عن عبداللّه بن عمرو أن النبي صلى
الله عليه وسلم (مر بمجلسين أحد المجلسين يدعون اللّه ويرغبون إليه، والآخر يعلمون
العلم، فقال - كلا المجلسين خير، وأحدهما أفضل من الآخر).
الحديث العاشر - أخرج البيهقي عن عبداللّه بن مغفل قال: قال رسول اللّه
صلى الله عليه وسلم (ما من قوم اجتمعوا يذكرون اللّه إلا ناداهم مناد من السماء -
قوموا مغفوراً لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات).
الحديث الحادي عشر - أخرج البيهقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (يقول الرب تعالى يوم القيامة سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل
الكرم، فقيل - ومن أهل الكرم يا رسول اللّه؟ قال: مجالس الذكر في المساجد).
السابق
التالي
|