عبير التاريخ
ما بين الصديق وربيعة
عن ربيعة بن كعب قال: كنت أخدم رسول الله نهاري أجمع حتَّى يصلي عشاء
الآخرة، فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول: لعلها أن تحدث لرسول الله حاجة، فما أزال
أسمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: سبحان الله وبحمده حتَّى أملّ فأرجع،
أو تغلبني عيناي فأرقد، فقال لي يوما لما يرى من حقي له وخدمتي إياه : يا ربيعة بن
كعب سلني أعطك، قال: فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك، قال: ففكرت في
نفسي، فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني، قال: فقلت:
أسأل رسول الله لآخرتي، فإنه من الله بالمنزل الذي هو به، قال: فجئته، فقال: ما
فعلت يا ربيعة؟ قال: فقلت: نعم يا رسول الله، أسألك أن تشفع لي إلى ربك، فيعتقني
من النار، قال: فقال: من أمرك بهذا يا ربيعة؟، قال: فقلت: لا والذي بعثك بالحق ما
أمرني به أحد، ولكنك لما قلت: سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به، نظرت
في أمري فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقاً سيأتيني، فقلت: أسأل
رسول الله لآخرتي، قال: فصمت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طويلاً ثم قال لي: إني
فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود، فقال لي ذات يوم: يا ربيعة ألا تزوَّج؟ قال: قلت:
يا رسول الله ما أحب أن يشغلني عن خدمتك شيء، وما عندي ما أعطي المرأة، قال: فقلت
بعد ذلك: رسول الله أعلم بما عندي مني، يدعوني إلى التزويج، لئن دعاني هذه المرة
لأجيبنه، قال: فقال لي: يا ربيعة ألا تزوَّج؟، فقلت: يا رسول الله ومن يزوِّجني؟
ما عندي ما أعطي المرأة، فقال لي: انطلق إلى بني فلان، فقل لهم: إن رسول الله
يأمركم أن تزوِّجوني فتاتكم فلانة، قال: فأتيتهم، فقلت: إن رسول الله أرسلني إليكم
لتزوجوني فتاتكم فلانة، قالوا: فلانة؟ قالت: نعم! قالوا: مرحباً برسول الله،
ومرحباً برسوله، فزوجوني فأتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله أتيتك من خير أهل بيت
صدَّقوني وزوَّجوني، فمن أين لي ما أعطي صداقي؟ فقال رسول الله لبريدة الأسلميّ: إجمعوا
لربيعة في صداقه في وزن نواة من ذهب، فجمعوها فأعطوني، فأتيتهم فقبلوها، فأتيت
رسول الله فقلت: يا رسول الله قد قبلوا فمن أين لي ما أولم؟ قال: فقال رسول
الله لبريدة: إجمعوا لربيعة في ثمن كبش، قال: فجمعوا، وقال لي: انطلق إلى عائشة
فقل لها فلتدفع إليك ما عندها من الشعير، قال: فأتيتها فدفعت إلي، فانطلقت بالكبش
والشعير، فقالوا: أما الشعير فنحن نكفيك، وأما الكبش فمُر أصحابك فليذبحوه، وعملوا
الشعير، فأصبح والله عندنا خبز ولحم، ثم إن رسول الله أعطاني من أرض أبا بكر أرضاً
لي، فاخلتفنا في نخلة، فقلت: هو في أرضي،وقال أبو بكر: هو في أرضي فتنازعنا، فقال
لي أبو بكر كلمة كرهتها فندم، فأحضرني فقال لي: قل لي كما قلت لك كي يكون قصاصا،
فقلت: لا والله لا أقول لك كما قلت لي، قال: إذا آتي رسول الله، قال: فأتى رسول
الله وتبعته، فجاءني قومي يتبعونني، فقالوا: هو الذي قال لك، وهو يأتي رسول
الله فيشكو؟ فالتفت إليهم فقلت:أتدرون من هذا؟ هذا الصديق، وذو شيبة
المسلمين، إرجعوا لا يلتفت فيراكم فيظن أنكم إنما جئتم لتعينوني عليه فيغضب،
فيأتي رسول الله فيخبره فيهلك ربيعة، قال: فأتى رسول الله فقال: إني قلت
لربيعة كلمة كرهتها، فقلت له يقول لي مثل ما قلت له فأبى، فقال رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم: يا ربيعة مالك وللصديق؟ قال: فقلت: يا رسول
الله، والله لا أقول له كما قال لي، فقال رسول الله: لا تقل له كما قال لك،
ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر
فهذا عبير تاريخ خدم رسول الله وصديقه الذي أراد أن يقتص لخادم رسول
الله من نفسه.
|