وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين

وراثة أهل البيت العلم دون غيرهم

المحبة والـشـوق

 

وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين

عندما أراد الله عز وجل أن يهدى له الخلق فأقام بينهم وبينه مخلوقاً من جنسهم فى الصورة، وألبسه من نعمته الرأفة والرحمة، وأخرجه إلى الخلق سفيراً صادقاً، وقرن طاعته بطاعته، فقال تعالى ﴿من يطع الرسول فقد أطاع اللهوقال جل شأنه ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم وقرأ البعض ﴿من أنفَسَكم بفتح الفاء والجمهور على الضم، وسماه المولى تعالى ﴿رؤوف رحيم كما قال تعالى ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.

فقد زين الله تعالى سيدنا محمداًصلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة، فكان رحمة مهداه، وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، فمن أصابه شئ من رحمته فهو الناجى فى الدارين من كل مكروه، والواصل فيهما إلى كل محبوب، ألا ترى قوله جل شأنه ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فكانت حياته رحمة، ووفاته رحمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: حياتى خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتى خير لكم تعرض أعمالكم على فما رأيت من خير حمدت الله ومارأيت من شر استغفرت الله لكم، وكما قال صلى الله عليه وسلم:إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطاً وسلف.

ورحمة للعالمين: يعنى للجن والإنس، بل ورحمة لجميع الخلق، للمؤمن رحمة بالهداية، ورحمة للمنافق بالأمان من القتل، ورحمة للكافر بتأخير العذاب، فهو صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للمؤمنين وللكافرين، إذ عوفوا مما أصاب غيرهم من الأمم المكذبة.

وفى ذلك يقول الإمام فخر الدين رضي الله عنه:

هو رحمةٌ والأمهات بــه اقتدت       رب رحيمٌ ربه سمّــــــاهُ

فهو رحمة للملائكة ومنهم جبريل عليه السلام فقد حكى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: هل أصابك من هذه الرحمة شئ؟ قال: نعم، كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله عز وجل على بقوله ﴿ذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثم أمين.

وفى ذلك يقول الإمام فخر الدين رضي الله عنه:

هو القاب ذو الألقاب والروح دونه     وذو منبر لا يعتليه مكــــابر

أما عن الملائكة من أهل السموات فقد شرفهم الله سبحانه وتعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج بعروجه صلى الله عليه وسلم السموات ومروره عليهم فهو صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين والملائكة من ضمن العالمين.

وروى عن جعفر بن محمد الصادق فى قوله تعالى ﴿فسلام لك من أصحاب اليمين أى بك، إنما وقعت سلامتهم من أجل كرامة محمد صلى الله عليه وسلم.

وهو صلى الله عليه وسلم رحمة الله للإنس: فقد قال صلى الله عليه وسلم ؟أنا أمان لأصحابى؟ قيل من البدع وقيل من الاختلاف والفتن، قال بعضهم الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأمان الأعظم ما عاش، وما دامت سنته باقية فهو باق، فإذا أميتت سنته فانتظر البلاء والفتن.

وصدق الإمام فخر الدين رضي الله عنه إذ يقول:

يا رحمة يا قدوة يــا سيدى        بكم اكتفينا فالعتاب حسـاب

ومن رحمته صلى الله عليه وسلم ومحبته لأصحابه رضوان الله عليهم أنه أراد ألا يتغير قلبه تجاههم فقال صلى الله عليه وسلم:لا يبلغنى أحد منكم عن أحد من أصحابى شيئاً فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر.

ومن شفقته على أمته عليه السلام تخفيفه وتسهيله عليهم، وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم كقوله:لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء، ونهيهم عن الوصال، وكراهته دخول الكعبة لئلا يعنت أمته، ورغبته لربه أن يجعل سبه ولعنه لهم رحمة بهم، وادخاره شفاعته لأمته تعطفا عليهم، وفى ذلك يقول الصحابى الجليل سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه:

وحاشا يا رسول الله ترضى        وفينا من يعذب أو يســاء

ونرى صورة من رحمته صلى الله عليه وسلم عندما كان يسمع بكاء الصبى فيتجوز فى صلاته.

ومن شفقته صلى الله عليه وسلم أن دعا ربه وعاهده، فقال: أيما رجل سببته أو لعنته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة وصلاة وطهوراً وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة.

أشرف عيد

وراثة أهل البيت العلم دون غيرهم

الحق كل الحق أن أهل البيت النبوي المطهّر هم الأحق بميراث النبوة وهو العلم وإن كان في التاريخ قلة تَفرَّدوا به على الرغم مِن قصور نسبهم دون شرف الانتماء إلى سلالة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، تَلمَح هذا في قوله (نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لَمْ نُوَرِّثْ دِينَاراً وَلاَ دِرْهَما، وَإِنَّمَا نُوَرِّثُ الْعِلْم)، والقاعدة هي توريث أهل بيته، أمّا مَن أراد القول بإطلاق الميراث باعتبار ما ذكرناه مِن ظهور العلم على غيرهم فالجواب على ذلك أن رسول الله أَلحَقَ مَن لم ينتسب إليه بصلة الدم عند شرط التقوى وشدة المحبة ودليل ذلك: قوله(سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْت) مع أنه فارسي..وقوله(بِلاَلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْت) مع أنه حبشي..وقوله(صُهَيْبٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْت) مع أنه رومي..وقوله الجامع في كل تقي (أَنَا جَدُّ كُلِّ تَقِي). فعُلِم مِن ذلك انقسام أهل البيت النبوي إلى نوعين اصطلح أهل التحقيق والعلم على تسميتهم (أهل الشرف الرفيع، وأهل الشرف المؤبَد)، وإن شئتَ فقُل: أهل الحسب، وأهل النسب.. وهذا تشريف منه لِكل مَن جاهَد واجتهد وأَخلَص وأناب وداوَم قرْع الباب حتى فتَح الله عليه بمعية أحب الأحباب وأفاض عليه مِن بحار اسمه الوهاب، فمَن تأَمّل ذلك رجع إلى القاعدة الأولى، وهي لزوم العلم أهلَ البيت النبوي المطهر مطلقا، لأن مَن أصاب العلمَ مِن غير نسب الدم إلى رسول الله أُلحِقَ بهم فصار منهم على غرار السادة صهيب وبلال وسلمان رضي الله عنهم.

اعلم أن العقل والقلب والروح كلهم يأبى أن يخالف أو يناهض العالِم المجتهد كائناً مَن كان أولئك الذين اختصهم الله بصلة الدم وراثةً لِرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا ما أردتَ دليلاً على ذلك فالتمس حال السادة سلمان وبلال وصهيب رضي الله عنهم، وتأمَّلْ حبهم وودهم واتِّباعهم واحترامهم لِقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، لا يفارقهم ذلك شبراً ولا ذراعا، فإذا وجدتَ مَن يشتهر بالعلم ويحفظه حفظاً ثم يبغض أو يعادي أحداً مِن أحباب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه صاحب علم بِلا عمل، وسيؤول علمه إلى كِبْرٍ وعُجْبٍ صاحبُه هالك لا محالة، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

ولقد روى الشيخان حديثاً في فضل قريش على مَن سواها، يتعين على كل طالب علم وسالك لِطريق الهدى والنور أن يقرأه ويحفظه ويعمل به: فعن جابر أنه قال (النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْش، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِم، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِم، وَإِنَّ النَّاسَ مَعَادِن، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا)..

وفي رواية (يَا أَيُّهَا النَّاس.. لاَ تَذُمُّوا قُرَيْشاً فَتَهْلِكُوا، وَلاَ تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلاَ تُعَلِّمُوهَا، وَتَعَلَّمُوا مِنْهَا، فَإِنَّهَا أَعْلَمُ مِنْكُم، لَوْلاَ أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لأَعْلَمْتُهَا بِالَّذِي لَهَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَل)..

ويستفاد منه القضاء بالعلم لقريش لا عن تحصيل واكتساب، وإنما منحة مِن العلي الوهاب، فلا يزعم عالِم مهْما بلغ علمه أنه أعلم مِن آحادهم، لإطلاق قوله (فَإِنَّهَا أَعْلَمُ مِنْكُم).

وعليه فيتعين على كل مَن ظفر بهم أن ينزل منهم منزل التلميذ مِن الأستاذ، وكفاه شرفاً أن أَطلَعه الله على قرشي يحمل بين طياته نور النبوة الغرّاء، وحسب قريش فخراً دعاء جدهم رسول الله لهم فيما رواه الحاكم وصحّحه مِن قوله(يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِب.. إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ لَكُمْ ثَلاَثاً أَنْ يُثَبِّتَ قَائِمَكُمْ وَأَنْ يَهْدِيَ ضَالَّكُمْ وَأَنْ يُعَلِّمَ جَاهِلَكُم)، ولا جدال في قبول الله سبحانه وتعالى دعاء نبيه وحبيبه، ولا جدال في إجابته له، فإذا قال قائل: لقد أَثبَت رسول الله أن في قريش أو في بني عبد المطلب ـ كما ورد في الحديث ـ الضال والجاهل، فكيف يُتوهم أن يتعلم الجاهل في الأُمة مِن جاهل مثله أو يهتدي الضال بضال مثله ؟!! فيقال لِلسائل: إن اللفظَيْن الواردَيْن في الحديث ـ وهما (ضَالَّكُم)، (جَاهِلَكُم) ـ لا ينطبقان على مثليهما في عموم الناس، لأنهما مُرَكَّبان مِن مضاف ومضاف إليه، بمعنى أنّ ضال بني عبد المطلب وجاهلهم لا يستوي مع الضال مِن الناس والجاهل منهم، فإن الأول يملك مِن مفاتيح الخير التي قدَّرها له الله ووهبها له ما لا يملكها غيره، فهو سليل بيت النبوة الخاتمة، وهذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم في حقهم لا نقض فيه ولا إبرام ﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد سورة ق الآية 37

د. إبراهيم دسوقي - مصر

المحبة والـشـوق

نزه قلوب أوليائه عن الإلتفات لزخرف الدنيا، وصفى أسرارهم من ملاحظة غير حضرته واستخلصها للعكوف على بساط عزته، تجلى لهم بأسمائه وصفاته حتى أشرقت بأنوار معرفته، وكشف لهم عن سبحات وجهه حتى احترقت بنار محبته، فالمحبة هى الغاية من المقامات والذروة العليا من الدرجات فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها وتابع من توابعها كالشوق والأنس والرضا، ولا قبل المحبة مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها كالتوبة والصبر والزهد، وأما المحبة فقد عز الإيمان بها حتى أنكر البعض إمكانها قائلا: لا معنى لها إلا بالمواظبة على طاعة الله تعالى، مع أن كل من آمن بالحبيب صلوات ربى وسلامه عليه أحبه قبل أن يفعل الطاعات!!

قوام طريق القوم حب وطاعة        وكل مقام قام بالإستقــامـة

قال أبو رزين العقيلى يا رسول الله ما الإيمان؟ فقال صلى الله عليه وسلم:أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وفى حديث آخر:لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما،وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمحبة فقال:أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة وأحبونى لحب الله..

أرى من كريم المولدين إشارة       وإن إشارات الحبيب بشـائر

وفى الخبر المشهور أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت إذ جاءه لقبض روحه: هل رأيت خليلا يميت خليله؟ فأوحى الله تعالى إليه هل رأيت محبا يكره لقاء حبيبه؟ فقال خليل الرحمن عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: يا ملك الموت الآن فأقبض.. وهذا لا يجده إلا عبد يحب الله بكل قلبه فإذا علم أن الموت سبب اللقاء انزعج قلبه إليه ولم يكن له محبوب غيره حتى يلتفت إليه..

قضيت سنيا أرتجى ساعة اللقا      لذاك تعانقنا عناق الأحبـــة

وجاء أعرابى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثرة صلاة ولا صيام إلا أنى أحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:المرء مع من أحب،..ويروى أن سيدنا عيسى عليه السلام مر بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم، فقال لهم ما الذى بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا: الخوف من النار، فقال: حق على الله أن يؤمن الخائف.ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا وتغيرا، فقال: ما الذى بلغ بكم ما أرى؟ قالوا: الشوق إلى الجنة، فقال: حق على الله أن يعطيكم ما ترجون.

ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا وتغيرا كأن وجوههم المرائى من النور، فقال: ما الذى بلغ بكم ما أرى؟ قالوا: نحب الله عز وجل فقال أنتم المقربون أنتم المقربون..

كنزيه أسراره بقلوبـنـا     فالحب كنز والصفا مفتاح

وقال هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر للدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة وهى تحسره فى الدنيا وتروحه فى الآخرة.قال النبى صلى الله عليه وسلم:إذا أحب الله عز وجل العبد قال لجبريل: يا جبريل إنى أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادى فى أهل السماء: إن الله تعالى قد أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يضع له القبول فى الأرض..

أقول أجبت وما أجبت لطالب      أقول مناى ولا أقول منيتـى

وقال أبو بكر محمد الكتانى: جرت مسألة فى المحبة بمكة المكرمة أيام الموسم، فتكلم الشيوخ فيها وكان الجنيد أصغرهم سنا، فقالوا له هات ما عندك يا عراقى، فاطرق رأسه ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هويته، وصفا وده من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبه، فإن تكلم فبالله وإن نطق فعن الله وإن تحرك فبأمر الله وإن سكن فمع الله فهو بالله ومع الله.فبكى الشيوخ وقالوا: ما على كلامك من مزيد خيرك الله تعالى يا تاج العارفين.ويقول أبو الحسن سمنون بن حمزة الخواص: ذهب المحبون لله تعالى بشرف الدنيا والآخرة لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال:المرء مع من أحب، فهم مع الله..

لما استبقنا والمطايا جهزت     ما غير محبوبى أراه أمامى

وقال الحسين الأنصارى: رأيت فى النوم كأن القيامة قد قامت، وشخص قائم تحت العرش، فيقول الحق سبحانه: يا ملائكتى من هذا؟ فقالوا الله أعلم، فقال: هذا معروف الكرخى سكر من حبى فلا يفيق إلا بلقائى، وفى رواية أخرى: هذا معروف الكرخى خرج من الدنيا مشتاقا إلى الله تعالى فأباح الله عز وجل النظر إليه.وقال فارس: قلوب المشتاقين منورة بنور الله تعالى، فإذا تحرك اشتياقهم أضاء النور بين السماوات والأرض، فيعرضهم الله تعالى على الملائكة فيقول: هؤلاء المشتاقين أشهدكم أنى إليهم أشوق.ويقول سرى السقطى: الشوق أجل مقام للعارف إذا تحقق فيه، وإذا تحقق فى الشوق فإنه يلهو عن كل شئ يشغله عمن يشتاق إليه.قال الأستاذ أبا على الدقاق: بكى شعيب حتى عمى، فرد الله عز وجل بصره عليه، ثم بكى حتى عمى فرد الله عز وجل بصره عليه، ثم بكى حتى عمى فأوحى الله تعالى إليه: إن كان هذا البكاء لأجل الجنة فقد أبحتها لك وإن كان لأجل النار فقد أجرتك منها، فقال لا بل شوقا إليك فأوحى الله عز وجل إليه: لأجل ذلك أخدمتك نبيي وكليمى عشر سنين.وقيل أوحى الله تعالى إلى سيدنا داود عليه السلام: قل لشباب بنى إسرائيل: لماذا تشغلون أنفسكم بغيرى وأنا مشتاق إليكم؟ ما هذا الجفاء؟وقيل أيضا: أوحى الله إلى سيدنا داود عليه السلام: لو يعلم المدبرون عنى كيف انتظارى لهم ورفقى بهم، وشوقى إلى ترك معاصيهم لماتوا شوقا إلى وانقطعت أوصالهم من محبتى يا داود هذه إرادتى فى المدبرين عنى فكيف إرادتى فى المقبلين إلى.

وقيل من اشتاق إلى الله تعالى اشتاق إليه كل شئ، وسئل الجنيد من أى شئ يكون بكاء المحب إذا لقى المحبوب؟ فقال: إنما يكون ذلك سرورا به ووجدا من شدة الشوق إليه.

عبد المجيد إبراهيم عبد المجيد