ملاطفة
الله عز وجل
لنبيه الكريم
فـي الخطاب
عندما نقرأ خطاب المولى عز وجل فـي القرآن
للنبى صلى الله عليه وسلم تستوقفنا المحبة الإلهية الخصوصية لمصطفاه ومجتباه والتى
تتجلى فـي ملاطفته إياه أكثر من غيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين.
فمن ذلك قوله تعالى فـي سورة التوبة﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم﴾ قيل أن هذا افتتاح كلام بمنزلة: أصلحك الله
وأعزك الله، وقال عون بن عبد الله (أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب) وحكى عن
بعضهم أن معناه (عافاك الله يا سليم القلب لم أذنت لهم؟) قيل: ولو بدأ النبى صلى
الله عليه وسلم بقوله(لم أذنت لهم) لخيف عليه أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام، لكن
الله تعالى برحمته أخبره بالعفو حتى سكن قلبه، ثم قال له(لم أذنت لهم) بالتخلف حتى
يتبين لك الصادق فـي عذره من الكاذب، وفى هذا من عظيم منزلته عند الله ما لا يخفى
على ذى لب.
ومن إكرامه إياه وبره به ما ينقطع دون معرفة
غايته نياط القلب، قال نفطويه (ذهب ناس إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم معاتب بهذه
الآية وحاشاه من ذلك، بل كان مخيراً فلما أذن لهم أعلمه الله تعالى أنه لو لم يأذن
لهم لقعدوا لنفاقهم، وأنه لا حرج عليه فـي الأذن لهم).�
قال القاضى أبو الفضل (يجب على المسلم المجاهد نفسه، الرائض بزمام الشريعة خلقه أن
يتأدب بأدب القرآن فـي قوله وفعله ومعاطاته ومحاوراته، فهو عنصر المعارف الحقيقية،
وروضة الآداب الدينية والدنيوية، وليتأمل هذه الملاطفة العجيبة فـي السؤال من رب
الأرباب، المنعم على الكل، المستغنى عن الجميع، ويستثر ما فيها من الفوائد، وكيف
ابتدأ بالإكرام قبل العتب، وأنس بالعفو قبل ذكر الذنب إن كان ثم ذنب).
وقال
تعالى فـي
سورة الإسراء
﴿ولولا
أن ثبتناك لقد
كدت تركن
إليهم شيئا
قليلا﴾ قال
بعض
المتكلمين: عاتب
الله تعالى
الأنبياء
عليهم السلام
بعد الزلات،
وعاتب نبينا
صلى الله عليه
وسلم قبل وقوعه،
ليكون بذلك
أشد انتهاءً
ومحافظة لشرائط
المحبة، وهذه
غاية
العناية، ثم
انظر كيف بدأ
بثباته
وسلامته قبل
ذكر ما عتبه
عليه وخيف أن
يركن إليه،
ففى أثناء
عتبه براءته،
وفى طى تخويفه
تأمينه وكرامته.
ومثله قوله تعالى فـي سورة الأنعام
﴿قد نعلم إنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا
يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون﴾ قال الإمام على كرم الله وجهه ورضى الله عنه:
قال أبو جهل للنبى صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به، فأنزل
الله تعالى
﴿فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله
يجحدون﴾ وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما كذبه
قومه حزن، فجاءه جبريل عليه السلام فقال: ما يحزنك؟ قال: كذبنى قومى! فقال: إنهم
يعلمون أنك صادق، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ففى هذه الآية منزع لطيف المأخذ، من تسليته
تعالى له عليه أفضل الصلاة والسلام، وإلطافه به فـي القول، بأن قرر عنده أنه صادق
عندهم، وأنهم غير مكذبين له، معترفون بصدقه قولاً واعتقاداً وقد كانوا يسمونه -قبل
النبوة- الصادق الأمين، فدفع بهذا التقرير ارتماض نفسه بسمة الكذب، ثم جعل الذم لهم
بتسميتهم جاحدين ظالمين، فقال تعالى﴿ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون﴾.
فحاشاه
من الوصم،
وطوقهم
بالمعاندة
بتكذيب الآيات
حقيقة الظلم،
إذ الجحد إنما
يكون ممن علم
الشئ ثم
أنكره، كقوله
تعالى فـي
سورة النمل
﴿وجحدوا
بها
واستيقنتها
أنفسهم ظلما
وعلوا﴾ ثم
عزاه وآنسه
بما ذكره عمن
قبله، ووعده
النصر بقوله
تعالى فـي
سورة الأنعام
﴿ولقد
كذبت رسل من
قبلك فصبروا
على ما كذبوا
وأوذوا حتى
أتاهم نصرنا
ولا مبدل
لكلمات الله ولقد
جاءك من نبإ
المرسلين﴾ فمن
قرأ وإن
يكذبوك
بالتخفيف،
فمعناه: لا
يجدونك
كاذباً، وقال
الفراء
والكسائى: لا
يقولون إنك
كاذب، وقيل: لا
يحتجون على
كذبك ولا
يثبتونه.. ومن
قرأ بالتشديد
فمعناه: لا
ينسبوك إلى
الكذب، وقيل: لا
يعتقدون كذبك.
و مما ذكر من
خصائصه وبر
الله تعالى به
أن الله تعالى
خاطب جميع
الأنبياء
بأسمائهم،
فقال تعالى: يا
آدم.. يا نوح.. يا
موسى.. يا داود.. يا
عيسى.. يا
زكري.. يا
يحيى.. وخاطبه
رب العزة
سبحانه بقوله:
يا أيها
الرسول.. يا
أيها النبى.. يا
أيها المزمل.. يا
أيها المدثر.
أشرف
عيد
كيف
الوصول إلى
رؤية
الملائكة
ومجالسة الصالحين
مجالسة
النبي صلى
الله عليه
وسلم والنظر
إليه كذا
ومراقبته سبب
لحضور القلب
مع الله سبحانه
وتعالى حتى
أنها قد
توصلهم (المجالسين)
إلى مصافحة
الملائكة
وسبب ولوج نور
اليقين فـي
القلب من
لقائهم سر ذلك
أن المصطفى
صلى الله عليه
وسلم مجمع
الأنوار ففي
مجلسه يتلقى
كل منهم من
أنواره ما فـي
قوته فكأنهم
فـي الغيبة
والحضور
يشاهدون ذلك
العيان
لاجتماع
المقامات
والأطوار
النورانية
فـي وقت واحد
فإذا بعدوا
عنه صلى الله
عليه وسلم
رجعوا إلى
مواطن أجسامهم
ومراكز حسهم
نقص ذلك وهو
بالحقيقة لم
ينقص بل أخذ
كل منهم ما
رجع به إلى
عالمه لكن لما
كان الحس أغلب
فـي الرجعة
إلى الأهل كان
الحكم غالبا
فـي الظاهر لا
الباطن ألا
ترى أنهم إذا
حضروا ثانياً
تذكروا ما بطن
عنهم
بزيادة الفهم
عن الله!، وقد
قال هذا
المعنى
الإمام
المناوي رضي
الله عنه فـي
كتابه فيض
القدير شرح
الجامع الصغير
فـي شرحه
لحديث رسول
الله صلى الله
عليه وسلم (لو
أنكم خرجتم من
عندي
تكونون
على الحال
الذي تكونون عليها
لصافحتكم
الملائكة
بطرق
المدينة) رواه
السيوطي
فـي الجامع
الصغير، والبزار
عن أنس ما نصه:
(لو
أنكم إذا
خرجتم من عندي
تكونون على
الحال الذي
تكونون عليها
عندي من
الحضور وذكر
الجنة والنار
لصافحتكم
الملائكة
بطرق المدينة)
أي مصافحة
معاينة وإلا
فالملائكة
يصافحون أهل
الذكر ساعة
فساعة فانتفت
مصافحتكم
لانتفاء
الحالة
الحاصلة عنده
وذلك لأن
حالتهم عنده
فرق وخشية من
الله كما تقرر
والخوف سبب
لولوج نور
اليقين فـي
القلب وذا سبب
لموت الشهوة ورفع
الحجب وحينئذ
يشاهد الأرواح
الطاهرة
المطهرة
عياناً
لارتفاع الموانع
ذكره بعض
الكاملين. وقال
البوني: سر
ذلك أن
المصطفى صلى
الله عليه
وسلم مجمع الأنوار
فإذا كان فـي
مجلسه يتلقى
كل منهم من أنواره
ما فـي قوته
فكأنهم فـي
الغيبة
والحضور يشاهدون
ذلك على
العيان
لاجتماع
المقامات والأطوار
النورانية
فـي وقت واحد
فإذا رجعوا
إلى مواطن
أجسامهم
ومراكز حسهم
نقص وهو
بالحقيقة لم ينقص
بل أخذ كل
منهم ما رجع
به إلى عالمه
لكن لما كان
الحس أغلب فـي
الرجعة إلى
الأهل كان الحكم
غالبا فـي
الظاهر لا
الباطن ألا
ترى أنهم إذا
حضروا ثانياً
تذكروا ما بطن
عنهم بزيادة
الفهم عن الله.
انتهى كلام المناوي.
قلت: انظر كيف رأوا أنفسهم فـي حالة مداعبة
الأهل كأنهم منافقون وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالهم هذا وكيف يكون
المخرج منه فهذا حال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مع شيخهم وأستاذهم وقدوتهم
ومربيهم حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يظهر لنا من كلام الإمام المناوي رضي
الله عنه أن دوام الحال مع الرسول صلى الله عليه وسلم يورث مشاهدة الملائكة والتحدث
معهم، وكذلك السر فـي المراقبة والسر فـي تلقي الأنوار عند مراقبة الصالحين والنظر
إليهم وفي هذا القدر كفاية لمن أراد الهداية.
المراقبة لأهل بيته صلى الله عليه وسلم
وعلى
ذلك قول سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم فـي
أهل بيته صحيح البخاري.
فيوجهنا الصديق رضي الله عنه أن نراعي النبي
صلى الله عليه وسلم بحسن النظر إلى آل بيته ورثة علمه الكريم ويكون نظرنا إليهم
بتأدب وعدم إيذاء ملتمسين البركة من النظر إليهم رضي الله عنهم قد قال الإمام أبو
زكريا يحيى بن شرف النووي فـي كتابه رياض الصالحين راقبوه أي راعوه واحترموه
وأكرموه والله أعلم.
أحمد
عبد المالك
مـع
الـمـودة
فى
صحيحى
البخارى
ومسلم سئل إ بن
عباس عن قوله
تعالى:
﴿قل لا
أسألكم عليه
أجراً إلا
المودة فـي
القربى﴾، فقال
(هى قربى آل
سيدنا محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم)،وأخرج
الإمام أحمد
فـي مسنده
بسنده عن سعيد
بن جبير عن بن
عباس رضى الله
عنهم قال: لما
نزلت قل لا
أسألكم عليه
أجراً إلا
الموده فـي
القربى،
قالوا يارسول
الله: من
هؤلاء الذين
وجبت علينا
مودتهم؟ قال: (على
وفاطمة
والحسن
والحسين) أخرجه
الطبرانى فـي
معجمه الكبير
وإبن أبى حاتم
فـي تفسيره
والحاكم فـي
المناقب
والواحدى فـي
الوسيط
والحافظ أبو
نعيم فـي حلية
الأولياء
والثعلبى فـي
تفسيره، وقد
ثبت فـي الصحيح
أن رسول الله
صلى الله عليه
وآله وسلم قال
فـي خطبته
بغدير خم: (إنى
تارك فيكم
الثقلين كتاب
الله وعترتى
وإنهما لن
يفترقا حتى
يردا على
الحوض).وفى
رواية أخرى (إنى
تارك فيكم ما
أن تمسكتم به
لن تضلوا
بعدى، أحدهما
أعظم من الآخر
كتاب الله حبل
ممدود من
السماء إلى
الأرض،
وعترتى أهل
بيتى، ولن
يتفرقا حتى يردا
على الحوض،
فإنظروا كيف
تخلفونى
فيهما).أخرجها
الإمامين
البخارى
ومسلم
والحاكم فـي
المستدرك
وأقره الحافظ
الذهبى وإنظر
معى إلى قوله (إنى
تارك فيكم) إشاره
إلى أنهما
بمنزلة
التوأمين
الخلفين عن
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم
وأنه يوصى
الأمة بحسن
المعامله معهما
وإيثار حقهما
على أنفسنا،
كما يوصى الأب
المشفق الناس
فـي حق
أولاده،
وأنظر إلى وصيته
فـي قوله (كيف
تخلفونى
فيهما) أى
تكونوا من
بعدى خلفاء
عاملين
متمسكين بهما
لا تتركوهما
لأنهما
متلازمين ولن
يفترقا حتى
يردا على
الحوض فإن
هناك سرا
عجيبا فـي
إقتران
القرآن بأهل
بيته وعدم
فراقهما ما
دامت الدنيا
وحتى فـي
الآخره، فمن
منا حفظ
الوصية، ونحن
نعلم حكم
الشرع فـي
الوصية التى
يتركها
الموصى بأنها
واجبة
النفاذ، فما
بالكم بوصية
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم
التى تركها
لعامه المسلمين،
والحديث بطرق
أخرى أوصانا
فـي حجة
الوداع يوم
عرفه يوم تجمع
الناس من هنا
وهناك يوم
الجمع الغفير
فيوصى بخير
الدنيا والآخره.ويقول
الصحابى
الجليل جابر
بن عبد الله
رأيت رسول
الله صلى الله
عليه وسلم فـي
حجته يوم عرفه
وهو على ناقته
القصواء يخطب
فسمعته يقول: (يا
أيها الناس
إنى تركت فيكم
ما إن أخذتم
به لن تضلوا
كتاب الله
وعترتى أهل
بيتى) رواه
الترمذى. وما
أورده
البخارى عن بن
عمررضى الله
عنهما عن أبى
بكر الصديق
رضى الله عنه
قال: (إرقبوا
محمدا فـي أهل
بيته)، وتحقق
من كلمة (إرقبوا)
فمراقبة
الشىء أى
المحافظة عليه
وألا نحيد عنه
أبداً، ولهذا
قال سيدنا الإمام
أبو بكر
الصديق
للإمام على
كرم الله وجهه:
(لقرابة رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم أحب
إليَّ أن أصل
قرابتى)، وقال
عمر بن الخطاب
للعباس رضى
الله عنهما: (والله
لإسلامك يوم
أسلمت كان أحب
إلى من إسلام
الخطاب لو أسلم
لأن إسلامك
كان أحب إلى
رسول الله صلى
الله عليه
وآله وسلم من
إسلام الخطاب)،
وأخرجه
الإمام أحمد
فـي مسنده
والطبرانى فـي
الكبير
والحافظ وأبو
نعيم فـي
الحلية بإسناده
على إبن عباس
رضى الله
عنهما أن رسول
الله صلى الله
عليه وسلم قال:
(من سره أن
يحيا حياتى
ويموت مماتى
ويسكن جنة عدن
غرسها ربى
فليوال عليا من
بعدى وليوال
وليه، وليقتد
بأهل بيتى من
بعدى، فإنهم
عترتى،خلقوا
من طينتى
ورزقوا فهمى
وعلمى فويل
للمكذبين
بفضلهم من
أمتى القاطعين
فيهم صلتى
لاأنالهم
الله شفاعتى).وفيما
يرويه لنا
الإمام مسلم
والنسائى عن
زيد بن أرقم
أنه قال: قام
فينا رسول
الله صلى الله
عليه وآله
وسلم خطيبا
فقال: (أذكركم
الله فـي أهل
بيتى) ثلاث. وتأمل
وصف بن أرقم
للحديث حينما
قال (خطيبا) ذلك
لأن الخطبة
جعلت للإرشاد
إلى طريق الحق
والصواب، فما
معنى التذكره
هنا، فافهم
وقال صلى الله
عليه وسلم: (أحبوا
الله لما
يغذوكم به من
نعمه وأحبونى
لحب الله وأحبو
أهل بيتى لحبى)
أخرجه
الترمذى وكذا
البيهقى فـي
شعب الإيمان
وقبله الحاكم
وقال صحيح
الإسناد.تأمل
كيف قرن حبهم
بحبه وحبه بحب
الله إنها سلسلة
مترابطة لا
تنحل أبدا
محمد
سيد أحمد
|