الــعلـــم والفــقه والخــــبرة
لنا هاهنا وقفة مع الوقف في القرآن فقد ذكر سيدى فخر الدين رضي الله
عنه أن هناك وقفاً لازماً في سورة التحريم في الآية (6) على كلمة
الناس {قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة
غلاظ شداد} لأنَّ النار وقودها الناس وعليها ملائكةٌ كالحجارة غلاظٌ
شدادٌ لا يتأثرون بتلك النار وهذا أيضا تفصيلٌ لكلمة الحجارة الواردة
في سورة البقرة آية 420.
وقد كان لسيدى فخر الدين بعض اللمحات التى تشير إلى تمكينه من القرآن
مع طرافة الرد، فقد سألناه ذات مرة، هل صحيح أن النساء ناقصات عقل
ودين؟ فقال: وحظ أيضا، فقد قال تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر
مثل حظ الأنثيين} (النساء /11).
وقد سبق أن ذكرنا شرحه رضي الله عنه لمعنى النبى الأمى ومعنى السبع
المثانى وما هذه إلا القطرات التى تسبق الغيث، وقد سُئل سيدنا عبد
الله بن عباس رضى الله عنهما عن معنى قوله تعـالى {ما فرطنا في
الكتاب من شئ} (الانعام /30) قال: والله لو ضاع منى عقال بعير لوجدته
في القرآن، ويقول سيدى فخر الدين رضي الله عنه لو بحث أهل الظاهر عن
بعير ابن عباس رضي الله عنه لن يجدوه في القرآن فما بالك بعقال بعيره
رضي الله عنه!.
البعض بالقرآن ضل وما اهتدى ياخيبةَ المسعى
بطولِ سباتـِه
إنى لقـرآن اللسـان مرتٌّـلٌ
متـرنِّمـًا ومفصـِّلاً آياتِــه
وكذا لقرآن البـــيان مُبينُه وبه
أقيلُ الخِـلَّ من عثراتِـه
إنى لقرآن العـلـوم لـعـالمٌ أُنبيتُ عن
معـناه مـن كلماتِه
إنى لـقرآن العيـان معايـنٌ
في كلِّ مرقىً ألتقى بذواتِـه
إنى لقرآن المشـاهد شاهـد
وبه رعيتُ الحبَّ في إنباتِـه
وشـواهدُ الـوحيد فيه أكنة
ومشاهدُ التوحيد لُبُّ مواتـِه
أما عن سنة رسول الله فقد سُئل سيدى فخر الدين عن الحديث (لا
تسيِّدونى في الصلاة) فقال (إياكم وتكذيب أىِّ حديث عن رسول الله
لأن في بعض المذاهب أن تقول في التشهد اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
وهو التزام بالألفاظ التى قالها رسول الله ولكن إن كان حديثا فلا بد
أن يكون (لا تسودونى في الصلاة) والخوف من التكذيب هو الاعتياد عليه
فقد قال تعالى {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} (الواقعة /82) وهو دأب
أهل الزمان من تكذيب الأحاديث وقد حدث أن سيِّدنا عمر بن الخطاب رضي
الله عنه كان في المسجد وأذَّن المؤذن حتى بلغ (أشهد أن محمدًا رسول
الله) فقبَّل إبهاميه ومسح بهما عينيه وقال: مرحبا بحبيبى وقرة عينى
أبي القاسم، وقد لاحظ أنَّ الرجل الذى بجواره لم يفعل ذلك فسأله
سيدنا عمر رضي الله عنه، فقال له الرجل: أرى في هذا الحديث ضعفاً
فبكى سيدنا عمر وقال أما يكفيك أنه قال قال رسول الله .
وقال سيدى فخر الدين رضي
الله عنه إنَّ الحديث الذى لا يخالف كتاب الله تعالى ولا باقى السنة
ولا صحيح السيرة فهو حديث، أما الحديث الذى يخالف كتاب الله تعالى أو
سائر الأحاديث أو صحيح السيرة فهو ليس بالحديث وهذا هو حكم سيدنا على
بن أبى طالب رضي الله عنه، عن الحارث الأعور رضي الله عنه قال: مررت
في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على علىّ رضي الله
عنه فقلت: يا أمير المؤمنين ألا ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث؟
قال: أو قد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: أما أنى قد سمعت رسول الله يقول
(ألا إنها ستكون فتنةٌ. فقلت: وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال:
كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ...)
(الترمذى).
وعن زيد رضي الله عنه قال قال النبى (إنكم سيجيئكم رواة فما وافق
القرآن فخذوا به وما كان غير ذلك فَدَعُوُه)(بن جرير الطبرى) وهذا هو
منهاجنا في علم الحديث.
فعلى سبيل المثال هناك حديث يقول (لا تجعلوا آخر زادكم ماء) وهذا ليس
بحديث لأنه يخالف كتاب الله في قوله تعالى {فكلوا واشربوا}((البقرة -
الأعراف - الطور - الحاقة - المرسلات - مريم) وردت ست مرات، فقد أمر
الله تعالى بالأكل أولا وختم بالشراب وقد ورد بالحديث أيضا عن
المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله يقول (ما ملأ آدمىٌّ وعاء
شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث
طعام وثلث لشرابه وثلث لِنَفَسِه)(الترمذى - ابن ماجة) وهناك أيضا من
الأحاديث ما يخالف تاريخ السيرة النبوية كالأحاديث التى دسوها على
البخارى في الإسراء والمعراج عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها
قالت (إن ليلة الإسراء والمعراج كانت ليلتى مع رسول الله ومن قال إن
محمدا رأى ربه فقد افترى الفرى على الله) وهذا ليس بحديث لأنَّ كلَّ
أصحاب السنن والمسانيد قالوا: إن ليلة الإسراء والمعراج كانت من بيت
السيدة أم هانئ رضى الله عنها وهى السيدة فاختة بنت أبى طالب هذا
أولا، وثانيا أن الإسراء والمعراج كان من مكة وقد أجمع كلُّ أهل
السير أن دخول رسول الله بالسيدة عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما
كان بالمدينة بعد سنين فكيف كانت ليلتها مع رسول الله ! وإننا نرى أن
في هذه الروايات طعنا في السيدة عائشة رضى الله عنها.
محمد صفوت جعضر
|