صفة الكعبة للإمام علي (كرم الله وجهه) ا

الحجـر الأسـود

شراب الوصـل

مواطن الأشياء

 

صفة الكعبة للإمام علي
 (كرم الله وجهه)

قال كرَّم الله وجهه (ألا ترون أن الله اختبرَ الأوَّلينَ من لَدَنْ آدمَ عليه السَّلام إلى الآخِرِينَ من هذا العَالَمِ بأحجارٍ لا تَضرُّ ولا تنفع، ولا تُبصرُ ولا تَسمع، فجعلَها بـيتَه الحـرامَ الذي جعله للنَّاس قــياماً.ثمَّ وضعَهُ بأوعرِ بقاعِ الأرضِ حجرا، وأقلِّ نتائق الدُّنيا مَدَرا، وأضيقِ بطونِ الأوديةِ قُطُرا، بينَ جبالٍ خَشِنَة ورمالٍ دَمِثَة، وعيونٍ وَشِلة وقُرىً مُنْقطِعة، لا يزكو بها خُف ولا حافرٌ ولا ظِلفٌ ، ثمَّ أمرَ آدمَ وولدَهُ أن يثنوا أعطافَهُم نحوَه، فصارَ مَثابةً لمُنْتَجَعِ أسفارِهم، وغايةً لمُلْقَى رحالِهم، تَهْوي إليه ثمارُ الأفئدةِ من مَفاوِزِ قفارٍ سحيقة، ومَهاوي فِجاجٍ عميقة، وجزائرِ بحارٍ مُنْقطِعة ، حتَّى يهُزُّوا مَناكِبَهُم ذُلُلا لِله حَولَه ، ويَرمُلونَ على أقدامِهم شُعثاً غُبُرا له، قد نبذوا السَّرابيلَ وراءَ ظُهورِهِم، وشوَّهوا بإعفاءِ الشُّعورِ مَحاسنَ خَلْقِهم، ابتلاءً عظيماً وامتحاناً شديداً، واختباراً مُبينا، وتمحيصاً بليغا، جَعَلَه اللهُ تعالى سبباً لرحمته، وَوُصلةً إلى جنَّته. ولو أرادَ سُبحانه أنْ يَضعَ بيتَهُ الحرام، ومَشاعِرَهُ العظام، بينَ جنَّاتٍ وأنهار، وسهلٍ وقرارْ، جمِّ الأشجار، داني الثِّمار، مُلْتفِّ البُنَى، مُتَّصلَ القُرى، بينَ بُرَّةٍ سمراء، وروضةٍ خضراء، وأريافٍ مُحدِقة، وعِراصٍ مُغدِقة، وزروعٍ ناضرة، وطرقٍ عامرة، لكان قد صغَّر قدرَ الجزاءِ على حسب ضَعْفِ البلاء. ولو كانَ الإساسُ المحمولُ عليها، والأحجارُ المرفوعُ بها، بين زُمُرُّدةٍ خضراء، وياقوتةٍ حمراء، ونورٍ وضياء، لخفَّف هذا مُصارعةَ الشكِّ في الصُّدور، ولوضعَ مُجاهدةَ إبليسَ عن القلوب، ولنفى مُعْتَلَجَ الرَّيب من الناس. ولكنَّ اللهَ سُبحانه يختبرُعبادَه بأنواعِ الشَّدائد، ويتعبَّدُهم بألوانِ المَجاهِد، ويبتليهم بضروبِ المَكارِه، إخراجاً للتكبُّرِ من قلوبِهم، وإسكاناً للتذلُّلِ في نُفوسِهم، وليجعَلَ ذلك أبواباً فُتُحاً إلى فضلِه، وأسباباً ذُللاً إلى فضلِه).

تفسير كلامه رضي الله تعالى عنه:

النتائق هي الأماكن المرتفعة، المَدَر هو الطين اليابس الذي لا ينبت عليه شيء، دمثة أي لينة، وشِلة قليلة الماء، لا يزكو: لا يزيد، يثنوا أعطافهم: يميلون إليه، منتجع الأسفار: محل الفائدة، مُلقى رحالهم: نهاية قصدهم، تهوي: تسرع والثمار هنا الأرواح، المفاوز: جمع مفازة وهي الصحراء، السحيقة البعيدة، الفجاج: الطرق الواسعة بين الجبال، الرَّمَل: السير السريع، السرابيل: الثياب، إعفاء الشعور: تركها بلا حلق، جم الأشجار: كثير الأشجار، البُنى: البنيان، البرَّة: الحِنطة نوع من الحبوب، العِراص: ساحة الدار،المُغدقة: الكثيرة المطر، الإساس: جمع أُس، معتلج الرَّيب: تصارع الشك، فُتُحا: مفتوحةً.

يبيِّن لنا الإمـام علي كرَّم الله وجهه أن الله سبحانه وتعالى وضع بيته الحرام بمكَّة شرَّفها الله ووصفها تعالى بقوله {واد غير ذي زرع} ولم يجعل بيتَه حيث الجنات والأنهار لحكمةٍ أرادها سبحانه وتعالى، ولم يجعله مبنيَّاً من الياقوت والزُّمُرد بل جعله من أحجارلا تضرُّ ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع. وقد أمر الخلق منذ عهد آدم عليه السلام أن يزوروا بيته، وأن يطوفوا به وقد تجرَّدوا من المخيط، وتركوا شعورهم ولحاهم بلا حلق، ولم يغسلوا أبدانهم فهم شعث غبر يرملون حوله تذللاً لله تعالى.ولو كان بيته في جنَّةٍ خضراء وقد شُيِّدَ من نور وضياء لَما كان أجر الطواف به عظيما، ولما ساور الشكُّ النفوس ، والله تعالى يضع سره حيث شاء.

لجنة التراث

 

الحجـر الأسـود

هو يمينُ الله في بلادِه، يُصافحُ بها من أمَّهُ من عبادِه، عنده تُسكب العَبَرات، وتَذهبُ الحَسَرات. قيل:عندما حجَّ أبو بكر الصديق استلم الحجر الأسود وقبَّله وقال إني لأعلم أنَّك حَجَرٌ لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله  يُقبِّلك ما قبَّلتك، وعندما حجَّ عمر بن الخطاب قال ما قاله أبو بكر الصديق وكان الإمام علي كرَّم الله وجهه حاضرا عندئذٍ فردَّ على الخليفة عمر فقال بل يَضرُّ وينفع بإذن الله لأنَّ الله عنـــدما أخذ العهد على بني آدم أجرى نهراً أطيب من اللبن وألينَ من الزُّبد، فأمدَّ منه القلم الذي كتب العهد في رَقٍّ، وألقمه الحجر الأسود وقد سمعتُ رسول الله  يقول يُؤتى بالحجر الأسود يوم القيامة وله لسان يشهد لمن قبَّله بالتوحيد وروي عن الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه (إنَّ العهد الذي أخذه الله على ذريَّة آدم حين مسح ظهره: ألاَّ يشركوا به شيئا، كتبه في صكٍّ وألقمه الحجر الأسود، ولذلك يقول المُستلِم له إيماناً بك ووفاءً بعهدك.) وعن أبي هريرة رضي الله عنه (من فاوضَ الحجر الأسود فإنَّما يفاوض يد الرحمة) يقول الرشيد البغدادي:

وبالحجر الميمون لذنا فإنَّه        لربِّ السما في أرضه يُمْناهُ

 وقبَّله أهلُ المحبَّة كلَّهُ حتى تحظى شفاههم بالموضع الذي قبله رسول الله  وقال الشهاب محمود في هذا المعنى:

ولثِمناهُ كلَّهُ كي نلاقـــي      مَوضعاً خُصَّ بالتثامِ النذير

وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : (نزل الحجر الأسود من الجنَّة وهو أشدُّ بياضاً من اللبن، فسوَّدته خطايا بني آدم).وقال بعض الصالحين يصف الكعبة والحجر الأسود:

ألم ترَ خـالَها المِسكيَّ أضحـى      يفوقُ على الصَّـباحِ المستطيرِ

 تقـبِّلُهُ الطَّـوائف طـائـفات       فيا شرفَ المـباسمِ والثُّـغورِ

 تَكَـوَّن درةً بـيضاءَ لكــن        تسوَّدَ من ذُنوبِ أولي القصورِ

وشبَّه شمس الدين النواجي رضي الله عنه الكعبة بالحسناء والحجر الأسود بالشامة فقال:

ياربَّةَ الخال يا ذاتَ الجمالِ ويا        حبيبةَ الٌقلبِ يا أقصى أمانيهِ

 وقال الإمام الصرصري رضي الله عنه:

وهـلْ إلى ذاتِ الستور أوبةً في عُمُري

فأجتلي نورَ الرِّضا في روضِ حِجْرٍ نَضِرِ

وأجتني جنـى العُلا بلـثمِ ذاك الحجَـرِ

آمـيــــن                                
لجنة التراث

 

شـراب الوصـل

وإلـى رسول الله شدُّ رحالنا     نهفو إليه وفي الصدور حنين

 قوله رضي الله تعالى عنه (وإلى رسول الله) بدلا من أن يقول إلى قبر رسول الله فقد كان الإمام مالك رضي لله عنه يكره قولهم زرنا قبر النبيِّ ، ويُحبُّ أن يقال زرنا النبيَّ  وقد بدأ بقوله (إلى) لتأكيد هذه الحقيقة،أمَّا قوله (شدُّ رحالنا) إشارة لقوله عليه الصلاة والسلام (ولا تشدُّ الرحال إلا لثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي والمسجد الأقصى)ـ البخاري باب الحج. وقد ثبت أن حجرته الشريفة هي أفضل البقاع لا تفضلها بقعة.

قال الإمام السيوطي رضي الله عنه (إن البقـعة المعظَّمة المـكرَّمة الـزكية الذكية، الزاهرة الطاهرة، الشريفة المنيفة، العالية الغالية، الطيبة المطيَّبة، المقدَّسة المؤنسة التي ضمَّت جسده الأعظم وخلق منها بدنه الأكرم، هي أفضل البقاع من غير خلف ولا نزاع، بل نقل السبكي عن ابن عقيل الحنبلي أنها أفضل من العرش العظيم والشيخ رضي الله عنه يؤكِّد هذه الحقيقة وقول عليه الصلاة والسلام: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي) أما قوله (نهفو) ومعنى هفا إلى الشيء ذهب في أثره وطرب، وهفا أيضاً بمعنى ذهب في الهواء فإذا كان بهذا المعنى كانت رحلةُ أرواحٍ لا رحلةَ أشباح وقد استخدم الإمام الزمخشري هذا اللفظ في الرحلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فقال بعد أن وصف أداءه لمناسك الحج:

ومتى تضمُّ قتود رحلي ضامراً        يهفو به نحوَ المدينة ضامر 

يهوي إلى حرم النبيِّ مــحمد       خبباً كما رفَّ الظـليمُ النافرُ

أما قوله (في الصدور) إنما يعنى القلوب وقال تعالى {وإنما تعمى القلوب التي في الصدور} وقوله (حنين) والحنين هو البكاء الشديد والطرب، والحنين هو الشوق وتوقان النفس والأولياء من نور النبيِّ عليه الصلاة والسلام، فهو أصل وهم فرع فحنينهم حنينُ فرعٍ إلى أصل وحنين جزءٍ إلى كل.

وهم يشتاقون إليه وما غاب عنهم صلى الله عليه وسلَّم بل هو في سويداء قلوبهم وقال:

ومـن عجبٍ أني أَحـنُّ إليهمو      وأسأل شوقاً عنـــهمُ وهمو معي

وتبكيهمو عيني وهمْ في سوادها     ويشكو النوى قلبي وهمْ بين أضلعي

 د/ عبد الله محمد

 

مواطن الأشياء

اقتضت حكمة المولى عزَّ جلَّ أن يجعل لكلِّ شيء موطناً فيه علمه، فمنه يُتعلم ومنه يؤخذ هذا العلم. انظر هذ ا في الدنيا كلها تجده كذلك حتى أن الله تعالى قال: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} فالتجَّار خلفاء الله في المال، والمال مال الله أصلا ولكن استخلفهم فيه فقال (المال مالي والفقراء عيالي والأغنياء وكلائي، فإذا بخل وكلائي على عيالي أدخلتهم النار ولا أبالي) وإذا أردت أن تتعلَّم فنون المصحف من تجويد وأحكام من غنَّة وقلقلة وغيرها فاذهب لعلماء التجويد، وإذا أردت أن تتعلَّم الفقه فاذهب للفقهاء وإذا أردت أن تتعلَّم المعرفة الإلهية فاصحب العارفين، فإذا راقبتهم وصحبتهم بالأدب أعطوك النور الذي تراهم به كما قال سيِّدي بومدين:

القوم إن شئت حظاً من نفائسهم       ورمت تخطر في أبهى ملابسِهم

فاصحبهمو وتأدَّب في مجالسهم        وخـلِّ حظَّك مهما قدَّموك ورا

وفتَّحوا لك عيون القلب والروح فالعيون أربعة:

 أ/ عيون الرأس لتدرك بها المحسوسات.

 ب/ عيون العقل لتدرك بها العلوم بشرط إعمال العقل فقول من قال {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} ليس معناه أنه ليست لهم عقول بل أنهم لم يعملوا عقولهم

 ج / عيون القلب لتدرك الأحوال الغيبية.

 د/ عيون الروح لتدرك بها التجليَّات الإلهية.

من معرض الـحـوليـة 
  تـحــت إشـــراف

الشيخ الحسين الشيخ محمد  عثـمان عبده