الـبـرزخ المعـمـور

بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن

سـيدنا نـوح  عليـه السـلام

 

الـبـرزخ المعـمـور

إلى كل من يسعى إلى المعرفة ويطرق دروب التصوف الاسلامى ومشاربه وأسسه المبنية على دعائم الشريعة الخالية من الزيف والتهريج الرخيص فإننا نعيش فى زمن الخداع الذي يخدع  فيه البعض العوام وساعدهم على ذلك الاعتماد على المظاهر المطلية بثوب الدين .

فقد كثر الجدل حول قضية شغلت الكثير من الناس . وما زالت مثار جدل ونقاش وهى الحقيقه البرزخيه وكيفيةاتصال الولى بالوجود بعد انتقاله ، وإليك البيان ونسأل الله العلى القدير ان يفتح علينا فتوح العارفين. لنعلم ان أى حقيقة شرعية انما هى ستر على حقيقة ايمانية فالحقائق الغيبية امريمكن الاستدلال عليه بالعقل . فالولى مثلا عندما يقول الحق سبحانه وتعالى فى الحديث القدسى . والذى رواه الامام احمد . والطبرانى وابوتميم  . من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب ... الى ان قال . كنت سمعه .كنت بصره.فهو تشريع وتحقيق . فما هو حدُّ سمعِ الذى يسمع  بسمع الله . وما هو حدُّ بصر الذى يبصر بعين الله .مع ان الولي  يجلس معك . وياكل معك . فاين حقيقة سمعه وبصره من العقل . ولكـن الايمـان يقبل هذا وكذلك نقل عرش بلـقيس من اليمن الى الشام فالعـقل غيب وحقيقـة مستورة . وكذلك الموت الذى يقع كل يوم ما  كيفية خروج الروح من الجسد ؟ فأين العقل من مثل هذه الامور . فالشريعه الكونية اذا خرقت فلا يجوز للمؤمن ان ينكر أو يكذب امر هذا الخرق وعلى الرغم من ان الذين يحكمون العقل أجمعواعلى تصديق ماجاء به القرآن الكريم الا انه غاب عنهم ان القرآن جاء بالحقيقة والشريعة الا ان التشريع فيه كثير وذكر الحقيقه قليل . لأن اهلها قليلون . ولكن اذا تأملنا القرآن وجدناه يشرع ثم يحقق . فالمولى عزَّ وجلَّ يأمر وينهى  فيقول للخلق  افعلواكذا ولاتفعلوا كذا حتى يظن الجاهل ان الامر بيده ثم يقول لكى يحقق ذلك ولو شاء ربك ما فعلوه ويقول {ولو شاء الله مااقتتلوا ولكن الله يفعل مايريد} ويقول {ولو شاء ربك لجعل الناس امه واحدة ولايزالون مختلفين}

ويقول {وما تشاؤن الا ان يشاء الله}  فالعقل ينسب العقل دائما الى نفسه وحقيقه الامر غير ذلك فمن وقف عند ظاهر الشريعة وحجب عن الحقيقه فقد فاته الخير الكثير.

فاذا ظهر خرق لظاهر الامر . مثل اى معجزة اوكرامة لايجوز للظاهر ان يحكم على الباطن بل المؤثر فى الحكم هو التوحيد .مثل عصا سيدنا موسى ونقل عرش بلقيس فالحقيقة هى التى لها الحكم ورفع الحكم لله سبحانه وتعالى . فمثلا الحق اثبت لنفسه. الهرولة  والسعى. مع ان هذه من صفات الارجل . والعقل لايقبل هذه الصفة من غير دليل لان العقل يريد الدليل. ولكن الايمان يقبل الصفه ايمانيا دون دليل فالعقل دائما وأبداً  تحت حكم الشرع فيلزم العقل قبول الوصف المشروع وان جهل دليله عليها. فمن اجل ذلك لا يلزم إزالة كل وصف يقتضى التشبيه مثل الهرولة والسعى ونسبة اليد وغير ذلك . فعنـدما نقول ان التنزيه فى إطلاقه للحـق سبحانه وتعالى نجد انه سبحانه ما نزَّه نفسه عن التدبير لقـوله تعالى {ثم استوى على العرش يدبِّر الأمر}  وقال {يدبِّر الامر من السماء الى الارض} وهذا وصف يقتضى التشبيه . فكل انسان يدبِّر عمله .فالتدبير صفة بشرية كذلك نسب إلى نفسه الغضب يقول تعالى. {وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذابا عظيما} وقوله {ياايها الذين امنوا لاتتولوا قوما غضب الله عليهم } وهذه صفة بشرية ايضا  فنحن ملزمون بالإيمان بما نطق  به الله . سواء وجدنا عليه دليلا عقليا او لم نجد. فعندما يثبت الحق سبحانه وتعالى صفاته فلايمكن رفع صفة أثبتها الله . فهل يستطيع العقل ان يثبت ان للحق يداً . وانه يسعى وانه يهرول. قطعاً لا يستطيع. اذا اردنا ان نتحدث عن التشبيه والتنزيه فلا بد من معرفه النفى والاثبات. ولاتتم معرفة هذه الحقائق لا عن طريق الكشف ولا عن طريق الاستنباط العقلى .

حقيقة الموت

ان معقولية اى شئ فى الوجود على حالتين. ايمان وكفر ، هدى وضلال، ورحمة وعذاب. وهكذا حتى فى الحزبية حزب الرحمن وحزب الشيطان فالموت والحياة وصفان يقومان بالموصوف. فاذا توهمنا ان الموت عدم وفناء (تراب) فاننا بهذا المفهوم قد عطلنا صفة من صفات الحق وهى الحياة وصفات الحق لاتتعطل ابدا. فما من شئ فى الوجود إلا وله حياة يستمدُّها من الحى الذى لايموت . يقول الله {وان من شئ إلَّا يسبح بحمده} فكل ماسوى الله حى فانه مامن شئ والشئ انكر النكرات . الا وهو يسبح بحمد الله ولايكون التسبيح الا من حى . وان كنا لانفعل هذا اونسمعه  فقد اخذ الله بابصارنا عن ادراك حياة الحجارة والنبات .

الا لمن خرق الله له العادة كرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما كان من خرق العادة فى تسبيح الحصى وانما انخرقت العاده فى أسماعهم . فالعالم كله من عاقل ناطق . وهذا ثابت عند من خرق الله له العادة . ولكن اصحاب العقول  قالوا هذا لا يعقل وهذا موت وفناء وعدم . وقفوا عند الشيء الذي صوَّره لهم  بصرهم  الامر الظاهر . والمشكلة ان العقل فهم نقيض ما أراد به الحق . بقوله تعالى {اولا يتفكرون} فاستند الى الفكر وجعله إماما يقتدى به، وقال الامام فخرالدين الشيخ محمد عثمان . الفكر والتفكر يأتى بعد مراحل الذكر ، ويقول الله تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} بعد الانتهاء من مراحل السير إلى الله . {ويتفكرون فى خلق السـموات والارض ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك}  مراد الحق بالتفكر ان يرى الانسان علمه بالله. ويقول الله تعالى {الذى خلق الموت والحياة} فاذا كان الموت خلقاً فكيف نحكم على النبى او الولى انه مات. ثم ان الموت يأتى فى مواضع اخرى. فالجهل يسمى موتاً والكافر ميت. والغفلة عن الله موت. وهكذا فلماذا نقيد الموت بانه عدم وانه لاحياة لنبىٍّ ولارسولٍ ولاولى .

لكن ارباب العقول  فأصلهـم      نظر يصح بحكم عقل أرأس

فلأجل ذا غلطوا وفات عليهم      عين الصواب وكل امر انفس

فحاله النوم مثلا . هى انتقال العبد من مشاهده عالم الحس الى شهود عالم البرزخ . وهو اكمل العوالم لأنه اصل مصدر العالم فهو الوجود الحقيقى وله التحكم فى الامور كلها . ولهذا سماه الامام فخرالدين الشيخ محمد عثمان بالبرزخ المعمور  فقال رضى الله عنه :

البرزخ المعمور عنهم قد حكى     صدقا وبين الصحوتين قواما

فالبرزخ هو الحقيقة الجامعة لكل مظهر . فانت ترى الحجارة حجارة وترى النبات نباتاً وترى الانسان انساناً فما يميز الخلق الا بهذه الحقيقة البرزخية . وقال الشيخ محمد عثمان .

شواهدها فى الكائنات تبرزخت      وكل سليمان توليه عرشها

نعود ونقول ان النائم الذى لايرى فى نومه شيئا فهو كالمعدوم فى تلك الساعة . لانه لاهو فى عالم الشهادة فيقظان بين الخلق ، ولاهو فى عالم الغيب ( البرزخ) فيرى بروحه شيئا يدل على وجوده فهو فى ذاته موجود معدوم . فاذا كانت الصور المرئية فى رؤيا النائم تستخدم بالانتباه فالروح لها عالم الاطلاق فاذا حدث ذلك فى الدنيا وهى ليست دار الاقامة فما بالك بالدار الاخرة . فالرؤيا فى الاخرى اقوى منها فى الدنيا وسبب ذلك ان الروح فى الاخره متفرغة  لقبول مايرد عليها من المحبوب ن بخلاف الدنيا فان الجسم لكثافته يمنع الروح من هذا التفرغ . فالاخرة او عالم البرزخ افضل واوسع واشرف من الدنيا. فمن حكمت عليه حقائق تلك الدار (الدنيا) كان ميتا ويتوهم انه حى. ومن لم تحكم عليه تلك الدار كـان فى الجنة جعله الله حاكما ويقـول الحـق (يادنيـا من خدمك فاستخدميه ومن خدمنى فاخدميه) فله الحكم على حقائق هذا الدار. فاذا كان الله أعطاه الحكم فى الدنيا الا يكون فى الاخره اكثر عطاء واكثر حكما.

ويقول الله {ومن يعمل من الصالحات من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ...} فهى تعجيل البشرى فى الحياة الدنيا فهى حياة دائمة باقية .فكما قلنا سابقا ان الغفلة  والنوم والكفر والجهل كل ذلك يقع تحت لفظ الموت .والنبى صلى الله عليه واله وسلم يوضح ان الانتباه الحقيقى والحياة والحقــيقة بعد الموت فقال (الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا) فمن تزكا وتطهر وسلك مسلكا لاعودة فيه وتحققت عنده المعرفة الكاملة بالله تمكن من التصرف بما تحقق لديه بعلمه وهذا هو محل القرب الإلهى . المعرفة { عند مليك مقتدر} فهم العارفون بالله  الاترى قوله عزَّ وجلَّ {وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم} بمعنى وعلى مقام المعرفة بالله رجال، ذكرهم لجلال شأنهم ولأنهم مجهولون عند غيرهم. يعرفون كلابسيماه لأنهم عرفوا الله.

  وللحديث بقية

محمد رشاد حسين

 

بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن

الوسيلة ما بين الترك والفعل

ما زلنا نواصل مسيرتنا في مبحث التوسل والوسيلة من الموسوعة العلمية (انتصار أولياء الرحمن على أولياء الشيطان) ونتعرَّف اليوم على الوسيلة وهل هى مقصورة على العبادات أم أن هناك متسعاً من السبل لتحقيقها.يظن البعض أن الوسيلة مقصورة على العبادات ولكن هذا ليس صحيحا لأن المولى عز وجل جعلها مطلقة في قوله تعالى (اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) بعد أمره لعباده بالتقوى وملازمتهم لها وهنا ربط التقوى بالوسيلة وجعلها مطلقة.الوسيلة لايمكن أن تكون مقصورة على العبادة فقط فكما عرفناها مسبقا أنها ما يُتقرَّب به إلى الغير فهى يمكن أن تكون الحاجة أو الطاعةأو القرابةأوالمحبة،أما العبادة فهى لا تخرج عن كونها مجموعة تكاليف تنصب في قالبين: الأوَّل ترك المحارم وكانت الإشارة إليه (اتقوا الله) وهو أمرٌ معتبر في كل المجالات ففى الأفعال ما يجب تركه وهو المحرَّمات،وفي الأخلاق ما يجب تركه وهو الأخلاق الذميمة وفي الأفكار ما يجب تركه هو الالتفات الى الشبهات.أما القالب الثانى:فعل المأمورات وإليه الإشارة في (وابتغوا إليه الوسيلة) وهو أمر معتبر أيضا ففى ظاهر الأفعال ما يجب فعله وهو الواجبات، وفي الأخلاق الذى يجب حصوله وهوالأخلاق الفاضلة، ومن الأفكار ما يجب فعله وهو التفكر في الدلائل الدالة على التوحيد والنبوَّة والمعاد. نستخلص من كل هذا أن الوسيلة من العبادة مخصوصة بالفعل لأن الترك لايكون وسيلة إلا إذا كان هنالك امتناع عن الفعل القبيح ابتغاء مرضاة الله، لأن الترك في حد ذاته هو بقاء الشئ على عدمه الأصلى والوسيلة فيه عبارة عن فعل ضده. هنا نقف مع قول الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني:

توسلتُ بالأحبابِ من أهلِ وصلِها         ولا سيَّما الزهراءُ أمى وآلها

وأيضا قال:

والخير ما شئتم وما شئتم يكـن         طوعا فأنتم سادتى ووسيلتى

وإذا قمنا بقياسهما ببساطة وأيهما أفضل؟ التوسل بالأعمال التى هى في حكم القبول أو الرفض أم التوسل بالنبى المقبول عند رب العالمين وآل بيته الغر الميامين والجواب واضح.

هادية محمد الشلالي

 

سـيدنا نـوح  عليـه السـلام

سئل الشيخ رضي الله تعالى عنه عن ابن سيدنا نوح عليه السلام وهل كان ابنه حقا؟ فأجاب بأنه كان ابنه حقاً ولم يكن ابن سفاح لأن السفاح لا يكون في بيت النبوَّة، وقال الإمام الرازي: ما زنت امرأة نبيٍّ قط.، وقد كان ابنه حقاً من جهة النسبة الطينية والصورية ولكن لم يكن ابنه من جهة النسبة الدينية والمعنوية، فشرط الإلحاق بالأبوَّة في النعيم هو الاتصاف بالنسبتين الطينية والدينية وقال تعالى {الذين آمنوا واتبعتهم ذريَّتهم بإحسان، ألحقنا بهم ذريَّتهم وما ألتناهم من عملهم من شي}.

وسئل رضي الله عنه عن السفينة ولم وصفها المولى عزَّ وجلَّ فقال: ذات ألواح ودسر ولم يقل سفينة؟ فأجاب رضي الله عنه بأن السفن لم تكن معروفة حتى ذلك الزمان وأن سيدنا نوح عليه السلام كان أول من اخترع السفينة لذا كان قومه يتعجبون ويسخرون منه فلم يعرفوا الشيء الذي كان يصنعُه.ثمَّ سأل السائل عن معنى قوله تعالى {تجري بأعيننا} فأجاب الشيخ: لما وقع الطوفان فُتحت أبواب السماء فكانت مثل أفواه القرب، وفُجِّرت الأرض عيوناً وكلُّ هذا من شانه أن يغرق السفينة، وخاف عليه السلام أن تغرق السفينة في ذلك الطوفان، فتوسَّل برسول الله  وقد توسَّل به آدم عليه السلام قبله لما غضب الله تعالى عليه وأهبطه من الجنَّة فتحيَّر زماناً لا يدرى بم ينال رضاه وعفوه ثم قال: (اللهم إني أسألك وأتوسَّل إليك بحبيبك محمد  إلا ما غفرت لي. فسأله المولى عزَّ وجل: كيف عرفت أن محمداً حبيبي؟ قال: يا ربِّ لما خلقتني ونفخت فيَّ الروح رفعت رأسي إلى عرشك رأيت مكتوباً عليه: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، ولما أدخلتني الجنَّة وجدت مكتوباً على بابها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعرفت أنك ما أضفت إلى اسمك إلا اسم أحبِّ الخلق إليك فتوسًّلت به).وقد خلق المولى عزَّ وجلَّ آدم عليه السلام على صورة الاسم محمد فالرأس والعنق تمثلان الميم والحاء تمثل اليدين، والبطن تمثل الميم الثانية، والرجلان الدال، وهذا معنى قوله  خلق الله آدم على صورته نعود إلى قصة نوح عليه السلام وتوسَّله بالنبيِّ  فإنه لما توسَّل به جاءه جبريل عليه السلام بأربعة مسامير كلُّ مسمار مكتوب عليه حرف العين وهي أوائل حروف أسماء الخلفاء الراشدون وأسماؤهم كلها تبدأ بحرف العين: عبدالله أو عبد الناصر وهو سيدنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم جميعاً وهم عيون الفيوضات الأقدسيَّة الإلهية وفي مقدَّم السفينة على الصاري كتب (أملحلمهد)، وبها استقرَّت السفينة وجرت على وجه الماء وحرَّكتها القدرة الإلهية.

من كتاب قصص الأنبياء لسيدي فخر الدين رضي الله عنه.

محمد صفوت خعضر