|
انتصار أولياء
الرحمن على أولياء الشيطان
-
3
|
بيان مزايا أهل البيت التي
اختصوا بها رضي اللّه تعالى عنهم
فمنها تحريم الصدقة عليهم، لكونها أوساخ الناس، وتعويضهم خمس الخمس من
الفيء والغنيمة. وقصر مالك وأبوحنيفة رضي الله تعالى عنهما: تحريمهما
على بني هاشم. وقال الشافعي وأحمد رضي الله تعالى عنهما: بتحريمها
على بني هاشم وبني عبدالمطلب. وروي عن أبي حنيفة جوازها لبني هاشم
مطلقا وقال أبويوسف تحل من بعضهم لبعض، ومذهب أكثر الحنيفة والشافعية
وأحمد جواز أخذهم صدقة النفل، وهي رواية عن مالك. وروى عنه حل أخذ
الفرض دون التطوع، لأن الذي فيه أكثر ومنها الاصطلاح على إطلاق
الإشراف عليهم دون غيرهم، قال الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في
رسالته الزينبية، اسم الشريف يطلق في الصدر الأول على كل من كان من
أهل البيت، سواء كان حسنياً أو حسينياً، أم علوياً من ذرية محمد بن
الحنفية، أو غيره من أولاد علي بن أبي طالب، أم جعفرياً، أم عقيلياً،
أم عباسياً، ولهذا نجد تاريخ الحافظ الذهبي مشحوناً في التراجم بذلك.
يقول الشريف العباسي، الشريف العقيلي، الشريف الجعفري، الشريف
الزينبي،فلما ولي الخلافة الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية
الحسن والحسين فقط واستمر ذلك بمصر إلى الآن. وقال الحافظ ابن حجر في
كتاب الألقاب: الشريف ببغداد لقب لكل عباسي، وبمصر لقب لكل علوي.
ولا شك أن المصطلح القديم أولى وهو إطلاقه على كل علوي وجعفري وعقيلي
وعباسي كما صنعه الذهبي، وكما أشار إليه الماوردي من أصحابنا،
والقاضي أبويعلى القراء من الحنابلة. كلاهما في الأحكام السلطانية.
ونحوه قول ابن مالك في الألفية. وآله المستكملين الشرفاء، وقد يقال
على اصطلاح أهل مصر، الشرف أنواع: عام لجميع أهل البيت، وخاص
بالذرية، فيدخل فيه الزينبيون، وجميع أولاد بناته، وأخص منه وهو شرف
النسبة، وهذا مختص بذرية الحسن والحسين.
وسيأتي عند ذكر السيدة زينب الكلام على العلامة الخضراء إن شاء اللّه
تعالى. ومنها أنه يطلب إكرامهم، وتوقيرهم وإيثارهم، والتجاوز عن
مساوئهم، واعتقاد أن فاسقهم سيهديه الله تعالى، كل ذلك لأجل قرابتهم
من رسول الله . كما دل على بعض ذلك ما تقدم من الأخبار، وعلى بعضه
قوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيراً}. وقوله (يا بني عبدالمطلب إني سألت اللّه لكم ثلاثاً. أن
يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم). الحديث رواه الحاكم
وصححه، وفي خبر حسن (ألا إن عيبتي وكرشي أهل بيتي والأنصار، فأقبلوا
من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم). أي في غير الحدود وحقوق الآدميين.
والمراد بكونهم عيبته وكرشه، أنهم موضع سره ومعدن معارفه، تشبيهاً
بالعيبة التي هي اسم لما يحوز نفيس الأمتعة، والكرش الذي هو اسم
لمستقر الغذاء الذي به النمو وقيام البنية. وأخرج الدار قطني أن
الحسن جاء إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله . فقال: أنزل عن مجلس
أبي، فقال: صدقت إنه مجلس أبيك. ثم أخذه وأجلسه في حجره وبكى. فقال
علي أما واللّه ما كان على رأيي. فقال أبوبكر صدقت واللّه ما اتهمتك
ووقع نحو ذلك للحسين مع عمر. فانظر يا أخي عظم محبة الصديق وكمال
توقيره لآل البيت وعدم تكدره مما قاله الحسن رضي الله عنهما وقد صرح
العلماء بأنه ينبغي إكرام سكان بلده . وإن تحقق منهم ابتداع أو نحوه
رعاية لحرمة جواره .
فما بالك بذريته الذين هم بضعة منه، ولو كان بينهم وبينه وسائط.
وقد روى في قوله تعالى: {وكان أبوهما صالحاً}، أن الأب الذي حفظا من
أجله كرامة له كان سابعاً أو تاسعاً.
وعن عبداللّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب. قال أتيت عمر ابن عبدالعزيز
في حاجة لي: فقال لي إذا كانت لك حاجة فأرسل أو اكتب بها، فإني أستحي
من اللّه أن يراك على بابي. وحكي عن بعضهم، قال: كنت أبغض أشراف
المدينة بني حسين لتظاهرهم بالرفض فرأيت النبي في المنام تجاه القبر
الشريف، فقال: يا فلان باسمي، مالي أراك تبغض أولادي؟ فقلت حاشا لله
ما أكرههم، وإنما كرهت ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة، فقال في
مسألة فقهية أليس الوالد العاق يلحق بالنسب؟ فقلت بلى يا رسول الله،
فقال هذا ولد عاق. فلما انتبهت صرت لا ألاقي من بني حسين أحد إلا
بالغت في إكرامه، فينبغي أن الفاسق من أهل البيت، وإن كان يبغض من
حيث فعله، يحب ويحترم من حيث قرابته منه وجاء في بعض الطرق تحريمهم
على النار.
واعلم أن مقتضى الاحتياط أن تحب وتحترم المنسوب إليه من حيث قرابته
منه، وإن طعن في نسبه كما قاله الشعراني وغيره. لاحتمال بطلان الطعن
وصحة النسب، في الواقع، بل محبته واحترامه من حيث قرابته أبلغ في
رعاية جانبه عليه الصلاة والسلام، من محبة واحترام من لا طعن في نسبه
فافهمه. ومنها انتفاعهم بنسبهم له ، وانتفاع من صاهرهم بمصاهرتهم يوم
القيامة. إذ مصاهرتهم مصاهرة له وصح أنه قال على المنبر (ما بال
أقوام يقولون إن رحم رسول الله لا تنفع يوم القيامة بلى إن رحمي
موصولة في الدنيا والآخرة وإني أيها الناس فرط لكم على الحوض). وصح
أن عمر بن الخطاب خطب لنفسه أم كلثوم بنت فاطمة من أبيها علي بن أبي
طالب، فاعتل بصغرها، وبأنه حابسها لولد أخيه جعفر، فألح عليه عمر ثم
صعد المنبر فقال: أيها الناس واللّه ما حملني على الإلحاح على علي في
ابنته إلا أني سمعت النبي يقول: (كل سبب ونسب وصهر ينقطع يوم
القيامة إلا سببي ونسبي وصهري) فأمر بها علي فزينت وبعث بها إليه
فلما رآها قام وأجلسها في حجره فقبلها ودعا لها فلما قامت أخذ بساقها
وقال لها قولي لأبيك قد رضيت فلما جاءت قال لها ما قال لك فذكرت له
جميع ما فعله وما قاله، فأنكحها إياه فولدت له زيداً، مات رجلاً، قال
ابن حجر: وتقبيلها وضمها على وجه الإكرام، لأنها لصغرها لم تبلغ حداً
يشتهي حتى يحرم ذلك، ولولا صغرها ما بعث بها أبوها. لذلك قال ابن
الصباغ وكان ذلك في سنة سبع عشرة من الهجرة، ودخل بها في ذي القعدة
من السنة المذكورة وكان صداقها أربعين ألف درهم.
(تنبيه) لا ينافي ما في
هذه الأحاديث من نفع الانتساب إليه ما في أحاديث أخرى من حثه لأهل
بيته على خشية الله تعالى وطاعته، وأن القرب إليه يوم القيامة إنما
هو بالتقوى، وأنه لا يغني عنهم من الله شيئاً كالحديث الصحيح أنه لما
نزل قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين}، دعا قريشاً فاجتمعوا، فعم
وخص وطلب منهم أن ينقذوا أنفسهم من النار، إلى أن قال يا فاطمة بنت
محمد، يا صفية بنت عبدالمطلب، يا بني عبدالمطلب، لا أملك لكم من الله
شيئاً غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها، أي سأصلها بصلتها.
وكالحديث الذي رواه أبو الشيخ، (يا بني هاشم ليأتين الناس يوم القيامة
بالآخرة يحملونها على ظهورهم، وتأتون بالدنيا على ظهوركم، لا أغني
عنكم من الله شيئاً). وكالحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد
(إن أوليائي يوم القيامة المتقون. وإن كان نسب أقرب من نسب لا يأتي
الناس بالأعمال، وتأتون تحملونها على رقابكم فتقولون يا محمد فأقول
هكذا وهكذا وأعرض في كلا عطفيه).
وكالحديث الذي أخرجه الشيخان عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله
جهاراً غير سر يقول (إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي، إن وليي اللّه
وصالحو المؤمنين).
زاد البخاري (لكن لهم رحما سأبلها ببلالها). ووجه عدم المنافاة كما
قاله المحب الطبري، أنه ، لا يملك لأحد شيئاً لا نفعاً ولا ضراً، لكن
اللّه عز وجل يُمَلِّكُهُ نفع أقاربه، بل وجميع أمته بالشفاعة
العامة والخاصة، فهولا يملك إلا ما يملكه له مولاه كما أشار إليه
بقوله غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها وكذا معنى قوله لا أغنى عنكم
من الله شيئاً. أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني به الله، من نحو
شفاعة، أو مغفرة، وخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف والحث على العمل،
والحرص على أن يكونوا أولى الناس حظاً في تقوى الله وخشيته، ثم أومأ
إلى حق رَحِمهِ لإدخال نوع طمأنينية عليهم، وقيل هذا قبل علمه بنفع
الانتساب إليه، وبأنه يشفع في إدخال قوم الجنة بغير حساب، ورفع درجات
آخرين، وإخراج آخرين من النار، نعم يستفاد من قوله في الحديث
السابق، أوليائي منكم المتقون. وقوله (إنما وليي الله وصالحو
المؤمنين)، أن نفعا رحمه وقرابته، وإن لم ينتف لكن ينتفي عنهم بسبب
عصيانهم وولاية اللّه ورسوله لكفرانهم نعمة قرب النسب إليه،
بارتكابهم ما يسوءه، عند عرض أعمالهم عليه. ومن ثم يعرض عمن يقول له
منهم في القيامة يا محمد كما في الحديث المتقدم.
وقد قال الحسين بن الحسن السبط لبعض الغلاة فيهم (ويحكم أحبونا لله فإن
أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فأبغضونا، ويحكم لو كان نافعاً
بقرابة من رسول الله بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من أهو أقرب إليه
منا، والله إني أخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين، وأرجو أن يؤت
المحسن منا أجره مرتين. وكأنه أخذ ذلك من قوله تعالى {يا نساء النبي
من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين}. كذا في الصواعق.
وفي طبقات المناوى حكاية هذا الكلام عن الحسن السبط نفسه، وزيادة
أبيه وأمه بعد قوله من هو أقرب إليه منا، فلعل القول تعدد، واعلم أنه
لا ينبغي لمنسوب إليه أن يتكل على ما ذكر لأنه إنما ثبت لمن هو في
الواقع متصل به عليه الصلاة والسلام من آل بيته ومن أين تحقق ذلك
لقيام احتمال زلل بعض النساء وكذب بعض الأصول في الانتساب وإن كانا
خلاف الظاهر، على أن المأثور عن أكابر آل البيت شدة خشيتهم من الله
تعالى، وعظم خوفهم من عذابه، وكثرة تأسفهم على أدنى تقصير وقع منهم
رضي الله عنهم ونفعنا بهم. ومنها أن وجودهم أمان لأهل الأرض، أخرج
جماعة منهم بسند ضعيف أنه قال: (النجوم أمان لأهل السماء وأهل البيت
أمان لأمتي) وفي رواية ضعيفة (أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل
بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون). وفي أخرى لأحمد (إذا
ذهب النجوم ذهب أهل السماء وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض). وفي
رواية صححها الحاكم على شرط الشيخين (النجوم أمان لأهل الأرض من
الشرق، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف).
وقد يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}.
أقام أهل بيته مقامه في الأمان لأنهم منه وهو منهم كما ورد في بعض
الطرق. ومنها أنهم أول من يدخل الجنة. روى الثعلبي عن علي كرم الله
وجهه قال (شكوت إلى رسول الله حسد الناس. فقال لي أما ترضى أن تكون
رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن
أيماننا وشمائلنا، وذريتنا خلف أزواجنا). وروى الطبراني عن أبي رافع
أنه قال لعلي:
(أنا أول أربعة يدخلون
الجنة، أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا خلف ذرياتنا، وشيعتنا عن
إيماننا وشمائلنا).
قال موسى بن علي بن الحسين بن علي وكان فاضلاً عن أبيه عن جده، إنما
شيعتنا من أطاع اللّه وعمل أعمالنا. وما يتراءى من التنافي بين هاتين
الروايتين في مرتبتي الأزواج والذرية يمكن دفعه بحمل بعض كل منهما
على كذا وبعضه الآخر على كذا والله أعلم.
|