الإخــاء
الصــادق
الحمد لله رب العالمين
الذي اختار سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم في الخلق أجمعين، وأرسله رحمةً
للعالمين، وجعل من جملة أمته الأنبياء والمرسلين، إذ أخذ عليهم الميثاق بالإيمان به
وبنصرته وقال: {اشهدوا وإنا معكم من الشاهدين} وصلى الله عليه وسلم وعليهم وعلى
آلهم وصحبهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال تعالى: {وما أرسلناك
إلا رحمة للعالمين} فهو صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، أرسله الله رحمة
للعالمين عامة دون خصاصة، وفيه قال تعالى: {عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم
بالمؤمنين رؤوف رحيم}، قال بعضهم من فضله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أعطاه
اسمين من أسمائه فقال {بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم}.� يقول
الشيخ
النبهاني في
كتابه جواهر
البحار في
فضائل
المختار: جمعت
جواهره
الحسان في
بحار العلم
والعرفان مما
أخذوه من
الآيات
القرآنية
والأحاديث
النبوية،
والمشاهدات
العرفانية
فكل ما قالوه
فيه حقٌ صحيح
لاستنادهم
فيه إلى
القرآن والحديث
والكشف
الصريح،
ولذلك كانوا
بعد النبيين
والمرسلين
والملائكة
المقربين،
أعرف خلق الله
بعلو قدر رسول
الله، كما
أنهم أعرف خلق
الله بالله
وبكمالاته
التي لا يجوز
أن يتصف بها أحد
سواه. واسترسل
قائلاً: فهنيئاً
لكم يا أهل
الإيمان
بأبدع مجموع
في هذا الشأن،
وقد اشتمل على
كل الحسن
وجميع الإحسان،
جمعت فيه من
الفضائل
النبوية ما
يُزري بعقود
الجُمان
واستخرجت
فرائد
جواهرها من بحور
العلم
الزاخرة بالحقائق
والعرفان،
وهم مع كل ما
أتوا به من المعقول
والمنقول
والأوصاف
التي تبهر
العقول إنما
وصفوه صلى
الله عليه
وسلم بحسب ما
وصلت إليه
علومهم إلا
فحقيقة فضله
صلى الله عليه
وسلم لا
يدركها إنسان.
وحسبك أنه صلى
الله عليه
وسلم حبيب
الرحمن، ونتيجة
جميع
الأكوان، فقل
في حقه هو عبد
الله ورسوله
ثم لا حرج
عليك مهما
بالغت فلن
تبلغ ما يجب
له عليه
الصلاة والسلام
في الأوصاف
الحسان،
ويرحم الله
الإمام
البوصيري حيث
يقول:
دعُ
مـا دعته
النَّصـارى
في نبيِّهم
�واحكمْ
ما شئـتَ
مدحاً فيه
واحتكمِ
وانسبُ
إلى ذاتِه ما
شئتَ من شرف
وانسبْ
إلى قدرِه
ما شئتَ
من عِظمِ
فإن فضلَ
رسولِ الله
ليسَ
لــــهُ
�حدٌ
فيعـربُ عنهُ نـاطقٌ
بفـــمِ
إنه صلى
الله عليه
وسلم أحسن
الناس خَلقاً
وخُلقاً
فخاطبه ربه
وإنك لعلى خلق
عظيم. قالت
السيدة عائشة
عندما سئلت
عنه صلى الله
عليه وسلم كان
خلقه القرآن. وقد روي
أن أعرابياً جاءه يطلب منه شيئاً فأعطاه ثم قال: أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: لا ولا
أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفوا، ثم قام ودخل منزله وأرسل
صلى الله عليه وسلم إليه شيئا، ثم قال: أحسنتُ إليك؟ قال: نعم فجزاك الله من أهل
وعشيرة خيرا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي من
ذلك شيء فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك، قال:
نعم، فلما كان الغد أو العشي جاء فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذا الأعرابي قال ما
قال فزدناه فزعم أنه رضي أكذلك، قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خير، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم
يزيدوها إلا نفوراً فناداهم صاحبها خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها منكم وأعلم،
فتوجه لها بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها
رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار) رواه
أحمد من فضائل كريم خلقه.
ما روي
عنه صلى الله
عليه وسلم قال:
(لا يبلغني
أحد منكم عن
أحد في أصحابي
فإني أحب أن
أخرج إليكم
سليم الصدر) رواه
أبو داود في
الأدب. كان صلى الله عليه وسلم هيناً ليناً مع
أصحابه، كان كثير التبسم في وجوههم حيث يلقاهم وفي حديثه إليهم تلطفاً بهم ومؤانسة
لهم.
روى ابن
سعد أن النبي
صلى الله عليه
وسلم قال لجعفر:
(أشبهت خلقي
وخلقي، فقام
جعفر فحجل حول
رسول الله - أي
دار - والحجل
هو رقص على
هيئة مخصوصة). وفي
رواية أنه قال:
(لعلي أنت مني
وأنا منك). وقال
لزيد: (أنت
أخونا
ومولانا فقام
الثلاثة
فحجلوا حوله
وبين يديه). وفي رواية أبي داود
فقام جعفر فحجل وقام زيد فحجل، قال العراقي وسنده حسن، وقال الحافظ السيوطي وذلك من
لذة الخطاب ولم ينكر عليه.
وقد أوصى صلى الله عليه
وسلم الصحابة بعضهم ببعض وآخى بين المهاجرين والأنصار حتى كان الأخ يرث أخاه، قال
حدثني أحمد بن الخليل عن محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن ثور بن يزيد عن حبيب بن
عبيد عن المقدام بن معديكرب وكان أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله
عليه وسلم: (إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه).
عن محمد
بن داود عن
أبي الربيع عن
حماد بن يزيد
عن ليث عن
مجاهد قال: ثلاث
يصفين لك
وأخيك: أن
تبدأه السلام
إذا لقيته،
وتوسع له في
المجلس،
وتدعوه بأحب
أسمائه إليه. وثلاث
من العيّ - وهو الجهل - أن تعيب على الناس ما تأتي، وأن ترى في الناس ما يخفى عليك
في نفسك، وأن تؤذي جليسك فيما لا يعنيك.
ويقال
عند العرب لا
يكن حبك كلفاً
ولا بغضك تلفا.
قال الحسن البصري: المؤمن لا يحيف - يجور ويظلم - على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب.
عن أحمد
بن الخليل قال
حدثنا عبد
الله بن موسى
عن إسرائيل عن
ابن اسحق عن
الحارث عن علي
بن أبي طالب
عليه السلام
قال: قال
النبي صلى
الله عليه
وسلم (للمسلم
على المسلم
خصال ست: يسلم
عليه إذا
لقيه، ويجيبه
إذا دعاه،
ويشمته إذا
عطس، ويعوده
إذا مرض،
ويحضر جنازته
إذا مات، ويحب
له ما يحب
لنفسه). وكتب رجل إلى صديق له: الشوق إليك وإلى عهد
أيامك، التي حُسِنَت بك كأنها أعياد، وقصرت بك حتى كأنها ساعات، يفوت الصفات ومما
جدد الشوق وكثرت دواعيه تعاقب الدار وقرب الجوار، تمم لنا النعمة المتجددة فيك
بالنظر إلى العزة المباركة التي لا وحشة معها ولا أنس بعدها.
وقال
جرير:
وإني
أستحي أخي أن
أرى له
عليَّ من
الحقِّ الذي
لا يرى ليا
قال صلى الله عليه وسلم
(المؤمن مرآة أخيه) فتخير أخاك تفز وأبقي على العهد فإنها من خصال العرب ولا خير في
الدنيا إذا لم يكن بها صديقاً صادق الوعد مخلصا.
يقول
ربيعة بن عامر
من بني دارم:�����
أخاك
أخاك إن من لا
أخاً له
كساعٍ
إلى الهيجا
بغير
سلاح
فالصاحب
الموافق معين
على الخيرات
موافٍ عند
عثرات الطريق
جوادٌ
بالنصيحة من
غير رياء. عن أبو حاتم الأصمعي عن أبيه
قال: كان يقال الصاحب رقعة قميص الرجل فلينظر أحدكم مم يرقع قميصه.
آخى رسول
الله صلى الله
عليه وسلم بين
أصحابه فعلمهم
التآسي فيما
بينهم وعلمهم
التآخي مع بعضهم
البعض فكانوا
كالجسد
الواحد، وكان
صلى الله عليه
وسلم قدوتهم
وقبلتهم
فكانوا المثل
الأسمى
والأروع في
التآخي وحسن
الخلق، ألا إن
لنا في رسول
الله أسوة
حسنة اللهم
أدخلنا
مدخلهم، ثبت
أقدامنا حيث
المزالق
عندهم.وصلى
الله على
سيدنا محمد
وآله
ستنا عبد
الرحمن
|