قصص
من أدب
الزيات
كان
بلديُّنا
الشيخ عبد
الجبَّار
خادمُ المسجد
شموسَ الطبع
طائشَ الحلم،
يدُه أسرعُ من
لسانِه، ولسانُه
أطوعُ من
عقلِه،
ولكنَّه كان
كسائر النَّزِقين
أبيضَ القلب
سليمَ الصدر،
لا تُبطيءُ
ريحُه أن
تَسكُن، ولا
تلبث أناته أن
تعود، ذهب ذات
يومٍ إلى
المنصورة
يقبض مرتَّبه
من مأمورية
الأوقاف،
ويمتارُ
لعياله من سوق
المدينة،
فلمَّا كان
عائداً إلى
القرية، فوقه
مظلَّته
العتيقة،
وتحته جحشته
الحرون، قابله
في مضيق
الطريق
حماران
يسيران
متوازيين وعليهما
سماد الزبل،
فاقتحم
العقبة من
بينهما فصدم
خرجُه الأبجر
أحدَ
الحمارين
فأزال عن ظهرِه
السرج
والسماد،
فاستشاط سائق
الحمار غضباً
وقال للشيخ في
فورة غضبه: لا
عجبَ ولا
ملامة، خُرجٌ
فوقَ خُرج . فوقفَ عبد الجبَّار
دابَّته وصعَّر خدَّه، وقال للمتهكِّم الغضبان بلهجة المتَّحدي: ولمِ لا تقولُ
حمارٌ وراءَ حمار؟، فأجابه الفلاح وقد تنمَّر له وهمَّ به: مُخطيءٌ وتسفه، ثمَّ
جذبه من ذراعه بقوَّة فسقط في حفرة، فبرَكَ فوقه وأعانه شابٌّ آخر وانهالا عليه
طحناً بالصدر وعجناً بالأيدي، والمسكين تحتهما ملقىً على صدره، يضربُ الهواء برجليه
ويحاولُ أن يدفع اللكم بيديه، ولكنه كان أشبه بالسلحفاة المقلوبة، تحرِّك أطرافها
ولا تتحرَّك وتقلبُ رأسها ولا تقوم، حتى شاء الله الذي يؤخِّر النفس إذا لم يجيء
أجلها أن يمرَّ به هذه اللحظة الشيخ عبد الرحمن، أخوه في القرآن وزميله في الحرفة،
وجاره في الحارة، فلم يكد يراه على هذه الحال حتَّى ترجَّل وانقضَّ على الرجلين
انقضاض النسر فأزاح هذا بيمناه وذاك بيسراه، ثمَّ أعملَ فيهما يديه جميعا، ورأى
الشيخ عبد الجبَّار صدره خفيفاً فنهض كأنَّما نشط من عقال،وأسرع إلى حمارته ووثب
عليها، ونهض دون أن ينفض التراب عن ثوبه، ودون أن يقول للشابين بارك الله فيكما
وللشيخ عبد الرحمن السلام عليكم، وشفى غليله من الحمارة فانهال عليها سبَّاً
باللسان وضرباً بالعصا وطعناً بالمهماز ولكزاً بالفخذين حتَّى بلغ الدار وضرب رأسه
بالجدار.
وفي
المساء أقبل
الشيخ عبد
الرحمن وعلى
إهابه
وجِلبابه
آثار المعركة
فجمع له
الناسَ وقال: يا
شيخ عبد
الجبَّار،
كيف أنصرك
وتخذلني، وأحييك
وتقتلني،
وأرفع عنك
العبء فتلقيه
علي، وأُنقذك
من الرجلين
فتترُكهما
إليَّ؟
فأجابه في
لهجةٍ هي
خليطٌ من
الخِزيِ
والمكابرةِ: كان
بيني وبينَ
فلانٍ موعدٌ
في صلاةِ
العصر، ومعاذ
الله أن أخيس
بوعدٍ أو
أحنثَ في يمين.
فقال له: أمرُك
يا مولانا
عجب، تُحافظُ
على وعدٍ وتفرِّط
في روح، وتنظر
إلى مصلحةٍ
وتُغضي عن
كرامة. فقال له الشيخ عبد الجبَّار ودمه يغلي وهو
لايغلي إلا في السِّلم: سبحان الله يا أخي، لماذا تتجهَّمني هذا التحهُّم،
وتعنِّفني هذا التعنيف؟ من قال لك: انزل؟ هل كنتُ مغلوباً فانتصرتَ لي، أو مكروباً
ففرَّجتَ عني أو ضعيفاً فأشفقتَ عليَّ؟ وهب الأمر كان كذلك، فهل بعد خُرجي مأرب، أو
بعد حمارتي مركب، أو بعد روحي حياة.
قالوا كان للغزالة ولدٌ
فنازعتها الضبع فيه وقالت: هو ولدي، فاحتكما إلى القاضي، فأعطى كلاً من الغزالة
والضبـع حفنةً من القمح وقال: كُلاهُ حبةً حبَّةً حتى الصباح، ثم ائتياني في
الصباح، فانصرفتا.
�أما
الضبع
فقَمحتـه
في لقمةٍ واحدةٍ
ثمَّ نامت
وأما الغزالة
فأكلته
حبَّةً حبَّة
حتى طلع
الصباح ثمَّ
ذهبتا للقاضي
فقال للضبع: ما
فعلت النجوم؟
قالت: ذهبت
خِزَع مَزَعْ
ذا طار وذا
وقع. وقال للغزالة: ما فعلتِ النجوم؟ قالت: ذهبتْ غوراً موراً
غيرَ بنات نعشٍ شتون طورا.
�فعرف كذب
الضبع وحكم للغزالة بولدها وإنما دفعها للسهر خوفها على ولدها.
جاء في الـتاج في
أخلاق الملوك:أنَّ بعضَ ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم: لا
ينبغـي للمـلك أن يسـتشير أحداً إلا خالياً بــه،، فإنَّه أصونُ
للسرِّ وأحزمُ للرأي، وأجدر بالسلامة وأعـفى لبعضنا من غائلة بعـض،
فإنَّ إفشاء السرِّ إلى رجـلٍ واحدٍ أوثـق من إفشائه إلى
اثنـين وإفشـاؤه إلى اثنين أوثق من إفشائه إلى ثلاثة وإفشاؤه إلى
ثلاثةٍ كإفشائه إلى العامَّة.
نفحات وعبر
زعموا
أنَّ رجلاً من
العرب صنعَ
قوساً تخيَّرها
من أحسن فروع
الشجر ثمَّ
تعب في صنعها
وكان ينشد وهو
يبريها:
ياربِّ
ســـدِّدني
لنحتِ قوسـي
فإنــها
مـن
لــذَّتـي
لنفسـي
وانفعْ بقوسي وـلدي
وعـِرسـي
أنحـــتُ
صفراءَ كلونِ
الورسِ
كَبـْداءَ ليسـت
كالقـسيِّ النُّكـسِ
ثمَّ صنع
من بقيَّة
الفرع خمسةَ
أسهمٍ أعجبْته
فقال فيها:
هــنَّ
وربــِّي
أسـهمٌ
حسانُ
يلــــــذُّ
للرمي بـها
البنانُ
كأنَّمــا
قوَّمــها
مِيــــزانُ
فأبشروا بالخصــبِ يا
صبيـانُ
إنْ لم يَعُقني الشؤم
والحـرمـان
ثمَّ خرج
لصيد حمر
الوحشِ في
ليلةٍ مقمرةٍ
وبنى لنفسِه
قُترةً فوق
نبع ماء (والقُترة
هي بيتُ
الصائد) ودخلَ
فيها حتيوردت
حمر الوحش
الماء فرمى بالسهم
الأوَّل فضرب
الصخرة حتى
أورت ناراً
فظنَّ أنَّه أخطأ
فقال:
أعـــوذ
بالمهيمــن
الرحمنِ
من نكدِ
الجدِّ
مــع
الحِــرمانِ
مالي رأيتُ السهمِ في
الصـوَّانِ
يوري
شـرار
النــار
كالعقيانِ
أخلــف
ظنــي ورجا
صبياني
ثمَّ رمى
الثاني فأورى
ناراً فقال:
ما بال
ســهمي يظهرُ
الحَباحبا
قد كنتُ أرجو أن يكونَ
صائبـا
إذ
أمكــنَ
العـيرُ
وأبدى جانبا
فكـان
رأيــي
فيـه رأياً
خائبا
فرمى
الثالث فرآه
يصطدم
بالصخرة فقال:
إني
وحظــي
فـي شقاءٍ
ونكد
قد شفَّ منـِّي ما أرى
حرُّالكبـِدْ
أخلــف
ما أرجوه
ظنِّي والولد
ثمَّ رمى
الرابع فظنَّ
أنه أخطأ فقال:
أعوذ بالرحمن من شـرِّ
القدرْ
لا بارك
الرحمن فـي
أمِّ
القُتَرْ
أأُمْغط
السـهمَ
لإرهاق
الضررْ
أم ذاك من
سوء احتمالٍ
ونظْر
�أم ليس
يُنـجي
حذرٌ عند
قـدر
ثمَّ رمى
الخامس فأورى
ناراً فكسَّر
قوسه من الغضبِ
وقال:
أبعد
خمسٍ قد حفظتُ
عدَّها
أحمل
قوسـي
وأريد رِفدها
أخزى
إلهــي
لينَها
وشدَّها
والله لا
تســلم
عندي بعدها
ولاأرَجِّــي
ما حييتُ
رفدها
ثمَّ بات
مكانه ولما
أصبح الصباح
رأى خمسةً من
حُمر الوحش
مصرَّعةً
فكان سهمه
يصيب الحمار
ويخترق جسده
ثمَّ يصطدم
بالصخور فندم
ندما شديداً
على كسر قوسه
وعضَّ إصبعه
حتى قطعها من
شدَّة الندم
ثم أنشد:
�ندمــتُ
ندامــةً
لو أنَّ نفسي
�تطاوِعني
إذن لبترتُ
خمــسي
�تبيَّــنَ
لـي
سـفاهُ
الرأي مني
�لعـمـرُ
الله حينَ
كسرتُ قوسي
فضُربَ به المثل في
الندم.
أمثال
وحكم
يضربُ
أخماساً في
أسداس
العرب
تقولُ لمن
يخادع وهو
يُظهرُ شيئاً
ويريد غيره:يضربُ
أخماساً
لأسداس،
وأصلُ ذلك
أنَّ شيخاً
كانَ في
إبلِه، ومعه
أولاده وهم
رجال فطالت غُربتُهم
عن أهليهم
واشتاقوا
إليهم وكان أبوهم
قد ابتعد بهم
عن الحيِّ
فقال لهم ذات
يومٍ: ارعوا
إبلكم رِبعا،
فرعوَا
رِبْعاً نحو
طريق أهلهم
وهو لا يشعر،
ثمٌّ قال لهم: ارعوها
خِمسا. فرعَوها خمساً نحو طريق أهلهم أيضاً ثمَّ
قالوا له: لو رعيناها سِدساً؟ ففطن الشيخ لما أرادوا وقال لهم: ما أنتم إلا ضربُ
أخماسٍ لأسداس، أي أنَّ همَّكم هو الوصولُ إلى أهلكم وليس رعيَ الإبل.
* * * * * * * *
قبسٌ من
نور
الإمام
السجَّاد
قال أبو
حمزة الثمالى:
أتيتُ باب
علىّ بن
الحسين رضي
الله عنهما
فكرهت أن
أنادى فجلستُ
على الباب إلى
أن خرج فسلمتُ
عليه ودعوتُ
فرَّد علىِّ
ثم انتهى بى
إلى الحائط
فقال: يا أبا
حمزة ألآ ترى
إلى هذا
الحائط. قلت: بلى يا سيدى.
قال: فإنى متكئ عليه
وأنا حزين مفكر إذ دخل عَلَىَّ رجل حسن الثياب طيب الرائحة ثم نظر فـي وجهى وقال:
يا علىّ بن الحسين رضي الله عنهما أراك كئيباً حزيناً على الدنيا، فهو رزق حاضر
يأكل منه البار والفاجر.
فقلت: أتتخوف
من فتنة؟ قال: يا
علىّ هل رأيت
أحد سأل الله
فلم يعطيه؟
قلت: لا. ثم نظرت فإذا ليس بأحد أمامي فعجبت من ذلك،
وإذا بشخص أسمع صوته ولا أرى شخصه يقول: يا علىّ بن الحسين رضي الله عنهما هذا
الخضر ناجاك.
* * * * * * * *
وهل جزاء
الإحسان
إلا
الإحسان
روي أنَّ
شاباً كان
يصطاد
بالبازي
فاصطاد في بعض
الأيام حجلة
ونزل ليذبحها
فنادت بلسانٍ
فصيح: من
تمتَّع
بالشهوات
تغصَّص
بالزقُّوم في
نار جهنَّم،
يا شابُّ هل
سبقت مني
إساءةٌ إليك؟ إنَّما
أنا طائرٌ
عشَّش على
التراب ومنه
أقتات، فأطلق
الفتى
البازيُّ
والحجلة،
وهام على وجهه
في البريَّة،
لا يدري ما
يصنع، وإذا بهاتف
يقول له: يا
شابُّ إلى أين
تريد؟ فقال: أفرُّ
من نفسي إلى
ربِّي، وما
أدري ما أصنع؟
فقال له: إنَّ
لله عزَّ
وجلَّ بيتاً
يقال له
الحرم، فاقصده
لعلَّه
يحرِّم جسدك
على النار،
فأتى الفتى
مكَّة وأقام
بها سنة،
فلمَّا كان في
ليلةٍ من
الليالي، رأى
في منامه
كأنَّ
القيامة قد
قامت،
والصِّراط قد
مدَّ على متن
جهنَّم، والخلائق
كالسلاسل
متَّصلٌ
بعضها ببعض،
ولم يقدروا
على جوازه،
فلم يشعر إلا
بآخذ أخذه وحمله
عبر به
الصراط، وقال:
يا فتى من
أعتق أُعتق. قال:
فانتبهتُ
مرعوباً
فتوضَّأتُ
للصلاة وأتيتُ
الركن،
فقبَّلته
وطفتُ سبعاً
وصلَّيتُ في
المقام وقلت: مولاي
أقبلتَ عبدك
أم طردته، فما
أن أتممتُ الدعاء
إلا وأنا
برقعةٍ تحتَ
أذيال الكعبة
مكتوبٌ فيها
بماء الذهب: وهو
الذي يقبلُ
التوبةَ عن
عباده ويعفو
عن السيئات
من كتاب
النطق
المفهوم
عذب
الحديث
تحية إلى
أمِّ
المؤمنين
السيدة خديجة
الكبرى
حدِّث عن
الفُضلى
فأنتَ
مُصدَّق �والفضــلُ
فيها ثابتٌ
ومحققُ
وأدِرْ
حديثَ خديجةَ
الكبرى أدِر
فحديثُها
بشذى
الفضائـلِ
يَعبقُ
مهما
أفـاضَ
الواصفونَ
بوصفها
وتسـابقوا
بالمدحِ
فيـها
أخفقوا
لا
تَحصُـرُ
الألفـاظُ
غُرَّ
صفاتِها
بلْ لا
يَفـي
التَّبيينُ
مَهما
نمَّقوا
من لي
بحبـَّاتِ
النجوم
أصوغُها
عِقـداً
لجيدِ
مَكارمٍ
تتـــألَّقُ
في السابقين إلى الهُدى فخديجـة
في رأسِ
قائمةِ
الهـُداةِ
تُحلـِّقُ
اختارها
اللهُ
العظيمُ
لنصرةِ الـــ
دينِ
الحنيفِ
تُحيطــُه
وتُطوِّقُ
كم هوَّنت صعباً وحلَّت مُعضـلا
لتُثبِّتَ
المُختــارَ
فيمـا يُقلـقُ
قد
صدَّقتـه
وآمنـتْ
وترفَّقــت
والناسُ
عنه
تَباعــدوا
وتفرَّقوا
ما زالَ
يَذكرُها
ويَذكرُ
فَضلَــها
وإلى
صدائقـها
يَحـِنُّ
ويُنفــقُ
�جبريـلُ
ينـزلُ
بالسـلامِ
مُبلِّغـا
من ذي
الجـلالِ
وبالتَّحيـَّةِ
يَنطِقُ
�ومُبشِّراً
لكِ في الجِنـانِ بمنـزل
قَصَبٍ
دَعائمُه
يُضـيءُ
ويُشرقُ
�يا أمَّ
فاطمةَ
البتــولِ
وأمَّ مَـن
وَلَدَ
الرسولُ
الهاشمـيُّ
المُعـرِقُ
يا جدَّة
الحسنينِ
والأشرافِ مـن
يَعلو
علاكِ وفي
المَفاخـرِ
يَلحقُ
�يا أختَ
آسيةٍ ومريمَ فـي
الهُدى
وبِصحبةِ
المُختارِ
فضلــُك
أسبقُ
�هذي
خديجةُ لا
تُقــاسُ
بغيرِها
إلا وكان
لها
المكـانُ
الأشهــقُ
�إني
لأخجـلُ أن
أَلـوذَ
ببابــِها
وصحائفــي
سودٌ وفِعليَ
موبـقُ
�لكنَّـها
أمــِّي
أَحِـنُّ لبيتــها
مهما
جَنيتُ
فبابـُـها
لا
يُغلـَــقُ
�ياربِّ
صلِّ على النبيِّ محمــد
وعلى
خديجةَ ما
دَعـاكَ
المُمْلـِقُ
�وعلى جميع
الآلِ ما قالَ امـرؤ
حدَّثْ
عن الفَضـلى
فأنتَ
مُصدَّقُ
رضـوانُ
اللـه
عليهـا
|