افهموا
وتفقهوا
زيارة
قبر النبي صلى
اللّه عليه
وسلم
لا ريب في
أن زيارة قبر
المصطفى عليه
الصلاة والسلام
من أعظم
القُرُبات
وأجلِّها
شأناً، فإن
بقعةً ضمَّت
خير الرسل
وأكرمهم عند
اللّه لها
شأنٌ خاص،
ومزية يعجز
القلم عن
وصفها، ومما
لا خفاء فيه
أن زيارة قبر
المصطفى صلى
اللّه عليه
وسلم تفعل في
نفوس أولي
الألباب أكثر
مما تفعله أي
عبادة أخرى،
فالذي يقف على
قبر المصطفى
ذاكراً ما لاقاه
صلى اللّه
عليه وسلم في
سبيل الدعوة
إلى اللّه،
وإخراج الناس
من ظلمات
الشرك إلى نور
الهداية، وما
بثه من مكارم
الأخلاق في
العالم أجمع،
وما محاه من
فساد عام
شامل، وما جاء
به من شريعة
مبنية على جلب
المصالح
للمجتمع الإنساني،
ودرء المفاسد
عنه، لا بد أن
يمتلئ قلبه
حباً لذلك
الرسول الذي
جاهد في اللّه
حَقَّ جهاده،
ولا بد أن
يُحبب إليه
العمل بكل ما جاء
به، ولا بد أن
يستحي من
معصية اللّه
ورسوله، وذلك
هو الفوز
العظيم. وكيف يسكن قلب المؤمن المسلم الذي
يستطيع أن يحجَّ البيت، ويستطيع أن يزور المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ولا يبادر إلى
هذا العمل؟ كيف يرضى المؤمن القادر أن يكون بمكة قريباً من المدينة مهبط الوحي، ولا
تهتز نفسه شوقاً إلى زيارتها وزيارة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم؟ أما ما ورد من
الأحاديث في زيارتها فسواء أكان سنده صحيحاً أو لا، فإنه في الواقع لا حاجة إليه
بعد ما بينا من فوائد زيارتها ومحاسنها التي يقرها الدين، وتحث عليها قواعده
العامة.
هذا، وقد
بين الفقهاء
آداب زيارة
قبر النبي صلى
اللّه عليه
وسلم، وزيارة
المساجد
الأخرى على
الوجه الآتي: قالوا:
إذا توجه
لزيارة
المصطفى صلى
اللّه عليه
وسلم يكثر من
الصلاة
والسلام عليه
مدة الطريق، ويصلي
في طريقه من
مكة إلى
المدينة في
المساجد التي
يمر بها، وهي
عشرون
مسجداً، متى
أمكنه ذلك،
وإذا عاين
حيطان
المدينة يصلي
على النبي صلى
اللّه عليه
وسلم، ويقول: اللّهم
هذا حرم نبيك
فاجعله وقاية
لي من النار،
وأماناً من
العذاب وسوء
الحساب،
ويغتسل قبل
الدخول وبعده
إن أمكنه،
ويتطيَّب
ويلبس أحسن
ثيابه،
ويدخلها
متواضعاً
عليه السكينة والوقار،
وإذا دخل
المدينة يقول:
اللّهم رب
السموات وما
أظللن، ورب
الأرضين وما
أقللن، ورب
الرياح وما
ذرين، أسألك
خير هذه
البلدة، وخير
أهلها، وخير
ما فيها،
وأعوذ بك من
شرها، وشر ما
فيها، وشر
أهلها،
اللّهم هذا
حرم رسولك،
فاجعل دخولي
فيه وقاية لي
من النار،
وأماناً من
العذاب وسوء
الحساب، وإذا
دخل المسجد فعل
ما يفعله في
سائر المساجد
من تقديم رجله
اليمنى،
ويقول: اللّهم
اجعلني اليوم
من أوجه من
توجه إليك، وأقرب
من تقرَّب
إليك، وأنجح
من أتاك
وابتغى مرضاتك،ويصلي
عند منبره
ركعتين ويقف
بحيث يكون
عمود المنبر
بحذاء منكبه
الأيمن، وهو
موقفه عليه
السلام، وهو
بين القبر
الشريف والمنبر،
ثم يسجد شكراً
للّه تعالى على
ما وفَّقه،
ويدعو بما
يحب، ثم ينهض
فيتوجَّه إلى
قبره صلى
اللّه عليه
وسلم فيقف عند
رأسه الشريف،
ثم يدنو منه
ثلاثة أذرع أو
أربعة، ولا
يدنو أكثر من
ذلك، ولا يضع
يده على جدار
التربة ويقف
كما يقف في
الصلاة،
ويمثل صورته الكريمة
البهية، كأنه
نائم في لحده،
عالم به يسمع
كلامه، ثم
يقول:
السلام
عليك يا نبي
اللّه ورحمة
اللّه وبركاته،
أشهد أنك رسول
اللّه، فقد
بلغت
الرسالة، وأديت
الأمانة،
ونصحت الأمة،
وجاهدت في أمر
اللّه حتى قبض
اللّه روحك
حميداً
محموداً، فجزاك
اللّه عن
صغيرنا
وكبيرنا خير
الجزاء، وصلى
عليك أفضل
الصلاة
وأزكاها،
وأتم التحية
وأنماها،
اللّهم اجعل
نبينا يوم
القيامة أقرب
النبيين،
واسقنا من
كأسه،
وارزقنا من
شفاعته،
واجعلنا من
رفقائه يوم
القيامة،
اللّهم لا
تجعل هذا آخر
العهد بقبر
نبينا عليه
السلام
وارزقنا
العود إليه يا
ذا الجلال
والإكرام،
ولا يرفع صوته
ولا يخفضه
كثيراً،
ويبلغه سلام
من أوصاه
فيقول: السلام
عليك يا رسول
اللّه من فلان
ابن فلان يتشفَّع
بك إلى ربك،
فاشفع له
ولجميع
المسلمين، ثم
يقف عند وجهه
مستدبراً
القبلة،
ويصلي عليه ما
شاء، ويتحول
قدر ذراع حتى
يحاذي رأس الصديق
رضي اللّه
عنه، ويقول: السلام
عليك يا خليفة
رسول اللّه،
السلام عليك
يا صاحب رسول
اللّه في
الغار،
السلام عليك
يا رفيقه في
الأسفار،
السلام عليك
يا أمين على
الأسرار،
جزاك اللّه
عنا أفضل ما
جزى إماماً عن
أمه نبيه، ولقد
خلفته بأحسن
خلف، وسلكت
طريقه
ومنهاجه خير مسلك،
وقاتلت أهل
الردة
والبدع،
ومهَّدت للإسلام،
ووصلت
الأرحام، ولم
تزل قائماً
بالحق،
ناصراً لأهله
حتى أتاك
اليقين،
السلام عليك
ورحمة اللّه
وبركاته،
اللّهم أمتنا
على حبه، ولا
تخيِّب سعينا
في زيارته
برحمتك يا كريم،
ثم يتحول حتى
يحاذي قبر عمر
رضي اللّه عنه.
ويقول: السلام
عليك يا أمير
المؤمنين،
السلام عليك
يا مظهر
الإسلام،
السلام عليك
يا مكسر
الأصنام. جزاك
اللّه عنا
أفضل الجزاء. وصلة
الأرحام. وقوي
بك الإسلام. وكنت
للمسلمين
إماماً
مرضياً. وهادياً
مهدياً. جمعت
من شملهم. وأغنيت
فقيرهم. وجبرت
كسرهم. السلام
عليك ورحمة
اللّه
وبركاته. ثم
يرجع قدر نصف
ذراع فيقول: السلام
عليكما يا
ضجيعي رسول
اللّه. ورفيقيه.
ووزيريه. ومشيريه،
والمعاونين
له على القيام
في الدين. القائمين
بعده بمصالح
المسلمين
جزاكم اللّه
أحسن الجزاء. ثم
يدعو لنفسه
ووالديه ولمن
أوصاه
بالدعاء ولجميع
المسلمين. ثم
يقف عند رأسه
الشريف
كالأول ويقول:
اللّهم إنك
قلت وقولك
الحق: {ولو
أنهم إذ ظلموا
أنفسهم جاؤوك
فاستغفروا اللّه
واستغفر لهم
الرسول
لوجدوا اللّه
تواباً
رحيماً}. وقد
جئناك سامعين
قولك. طائعين
أمرك. متشفعين
بنبيك ربنا
اغفر لنا
ولإخواننا
الذين سبقونا
بالإيمان. ولا
تجعل في
قلوبنا غلاً
للذين آمنوا. ربنا
إنك رؤوف رحيم
ربنا آتنا في
الدنيا حسنة
وفي الآخرة
حسنة وقنا
عذاب النار. سبحان
ربك رب العزة
عما يصفون
وسلام على
المرسلين. والحمد
للّه رب
العالمين،
ويدعو بما
يحضره من
الدعاء، ثم
يأتي أسطوانة
أبي لبابة
التي ربط نفسه
فيها حتى تاب
اللّه عليه،
وهي بين القبر
والمنبر. فيصلي
ركعتين. ويتوب
إلى اللّه. ويدعو
بما شاء. ثم
يأتي الروضة. وهي
كالحوض
المربع. فيصلي
فيها ما تيسر
له ويدعو
ويكثر من
التسبيح
والثناء على
اللّه تعالى
والاستغفار. ثم
يأتي المنبر
فيضع يده على
الرمانة التي
كان صلى اللّه
عليه وسلم يضع
يده عليها إذا
خطب. لتناله
بركة الرسول
صلى الله عليه
وسلَّم. فيصلي
عليه. ويدعو
بما شاء. ويتعوذ
برحمته من
سخطه وغضبه. ثم
يأتي
الأسطوانة
الحَنَّانة،
وهي التي فيها
بقية الجذع
الذي حن إلى
النبي صلى
اللّه عليه
وسلم حين تركه
وخطب على
المنبر. ويستحبُّ
بعد زيارته
عليه السلام
أن يخرج إلى
البقيع. ويأتي
المشاهد
والمزارات
فيزور العباس
ومعه الحسن بن
علي. وزين
العابدين. وابنه
محمد الباقر. وابنه
جعفر الصادق
رضي الله عنهم
جميعاً. ويزور
أمير
المؤمنين
سيدنا عثمان
رضي الله عنه
وقبر إبراهيم
ابن النبي صلى
اللّه عليه وسلم.
وجماعة من
أزواج النبي صلى
اللّه عليه
وسلم وعمته
صفية،
وكثيراً من الصحابة
والتابعين. خصوصاً
سيدنا
مالكاً،
وسيدنا
نافعاً. ويستحب
أن يزور شهداء
أحد يوم
الخميس،
خصوصاً قبر
سيد الشهداء
سيدنا
الحمزة،
ويقول: سلام
عليكم بما
صبرتم فنعم
عقبى الدار،
سلام عليكم
دار قوم
مؤمنين، وإنا
إن شاء اللّه
بكم لا حقون. ويقرأ آية
الكرسي، وسورة الإخلاص، ويستحب أن يأتي مسجد قباء يوم السبت، ويدعو بقوله: يا صريخ
المستصرخين، ويا غياث المستغيثين، يا مفرج كرب المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين،
صل على محمد وآل محمد واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك كربه وحزنه في هذا
المقام، يا حنان يا منان، يا كثير المعروف، ويا دائم الإحسان، يا أرحم الراحمين،
ويستحب له أن يصلي الصلاة كلها في مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم ما دام في
المدينة، وإذا أراد الرجوع إلى بلده استحب له أن يودع المسجد بركعتين، ويدعو بما
أحب ويأتي قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويدعو بما شاء، واللّه مجيب الدعاء.
من كتاب
الفقه على
المذاهب
الأربعة
|