من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني  - 14

افهموا وتفقهوا

 

من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني  - 14

وكان رضي الله عنه يقول إن كنت تريد دخول دار الملك فلا تختر الدخول إلى الدار بالهوى حتى يدخلك إليها، جبرا أعني بالجبر أمرا عنيفا متكررا ولا تفنع بمجرد الأمر بالدخول لجواز أن يكون ذلك بمكر أو خديعة. لكن اصبر حتى تجبر على الدخول فتدخل الدار جبراً محضاًوفضلاً من الملك. فحينئذ لا يعاقبك الملك على فعله وإنما تتطرق إليك العقوبة من شؤم شرك وقلة صبرك وسوء أدبك. وترك الرضا بحالتك التي أقامك الحق فيها. ثم إذا دخلت الدار فكن مطرقاً غاضاً بصرك، متأدباً محافظاً لما تؤمر به من الخدمة. غير طالب للترقي إلى الطبقة الوسطى ولا إلى الذروة العليا. قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم {ولا تمدن عينيك} الآية. وكان رضي الله عنه يقول لا تختر جلب النعماء ولا دفع البلوى فإن النعماء واصلة إليك بالقسمة استحليتها أم كرهتها. والبلوى حالة بك ولو كرهتها ودفعتها فسلم لله تعالى في الكل، يفعل ما يشاء. فإن جاءتك النعماء فاشتغل بالذكر والشكر، وإن جاءك البلوى فاشتغل بالصبر والموافقة، والرضا والتنعم بها، والعدم والفناء عنها، على قدر ما تعطي من الحالات، وتنتقل فيها حتى تصل إلى الرفيق الأعلى، وتقام في مقام من تقدم ومضى من الصديقين والشهداء. فلا تجزع من البلوى. ولا تقف بدعائك في وجهها وقربها فليس نارها أعظم من نار جهنم. وفي الخبر: (أن نار جهنم تقول للمؤمن جزيا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي) وليس نور المؤمن الذي أطفأ لهب النار إلا الذي صحبه في دار الدنيا وتميز به عمن عصي فليطفئ بهذا النور لهب البلوى. فإن البلية ثم تأت العبد لتهلكه وإنما تأتيه لتختبره. وكان رضي الله عنه يقول: لا تشكون لأحد ما نزل بك من ضر كائنا ما كان. صديقاً أو قريباً. ولا تتهمن ربك قط فيما فعل فيك ونزل بك من إرادته بل أظهر الخير والشكر ولا تسكن إلى أحد من الخلق ولا تستأنس به ولا تطلع أحدا على ما أنت فيه. لا فاعل سوى ربك، {وكل شئ عنده بمقدار}. {وإن يمسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو}. واحذر أن تشكو الله وأنت معافى وعندك نعمة ما طلباً للزيادة، وتعامياً لما له عندك من النعمة والعافية ازدراء بها. فربما غضب عليك وأزالها عنك وحقق شكواك وضاعف بلاءك. وشدد عليك العقوبة. ومقتك وأسقطك من عينه. وأكثر ما ينزل بابن آدم من البلايا لشكواه من ربه عز وجل. وكان رضي الله عنه يقول لا يصلح لمجالسة الملوك إلا المطهر من رجس الزلات والمخالفات ولا تقبل أبوابه تعالى إلا طيبا من الدعاوى والهوسات. وأنت يا أخي غارق ليلاً ونهاراً في المعاصي والقاذورات. ولذلك ورد (حمى يوم كفارة سنة)، فالأمراض والشدائد جعلها الله تعالى مطهرات لك لتصلح لقربه ومجالسته لا غير. وقد ورد أيضا (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل)، ودوام البلاء خاص بأهل الولاية الكبرى. وذلك ليكونوا أبدا في الحضرة ويمتنعوا من الميل إلى غير الله تعالى. ثم إذا دام البلاء بالعبد قوى قلبه وضعف هواه. وكان رضي الله عنه يقول ارض بالدون ولا تنازع ربك في قضائه فيقصمك، ولا تغفل عنه فيسلبك. ولا تقل في دينه بهواك فيرديك. ولا تسكن إلى نفسك فتبلى بها وبمن هو شر منها. ولا تظلم أحداً ولو بسوء ظنك به وحملك له على محامل السوء، فإنه لا يجاوز بك ظلم ظالم. وكان رضي الله عنه يقول إذا وجدت في قلبك بغض شخص أو حبه فأعرض أفعاله على الكتاب والسنة، فإن كانت محبوبة فيهما فاحبه، وإن كانت مكروهة، فاكرهه لئلا تحبه بهواك وتبغضه بهواك. قال تعالى {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} ولا تهجر أحدا إلالله وذلك إذا رأيته مرتكباً كبيرة أو مصراً على صغيرة قلت ومعنى رأيته مرتكباً كبيرة العلم بذلك ولو ببيّنه فلا يشترط في جواز الهجر رؤية الهاجر لذلك العاصي ببصره ولذلك قال سيدي على الخواص رضي الله عنه شرط جواز الهجر علم الهاجر بوقوع المهجور فيما هجر لأجله يقيناً لا ظناً وتخميناً فلا يجوز لك الهجر من غير تحقق وتثبت وهذا الباب هلك فيه خلق كثير، ولم يموتوا حتى ابتلاهم الله تعالى بما رموا به الناس والله أعلم. وكان رضي الله عنه يقول: إذا أحب الله عبداً لم يزد له مالاً ولا ولداً، وذلك ليزول اشتراكه في المحبة لربه تعالى. والحق غيور لا يقبل الشركة. قلت فإن بلغ الولى إلى مقام لا يشغله عن الله شاغل، فلا بأس بالمال والأولاد، وكان رضي الله عنه يقول لا تطمع أن تدخل زمرة الروحانيين حتى تعادى جملتك وتباين جميع الجوارح والأعضاء، وتنفرد عن وجودك وسمعك وبصرك وبطشك وسعيك وعملك وعقلك وجميع ما كان منك قبل وجود الروح. وما أوجد فيك بعد النفخ، لأن جميع ذلك حجابك عن ربك عز وجل كما قالالخليل للأصنام في قوله تعالى {فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} فاجعل انت جملتك وأجزاءك أصناماً مع سائر الخلق ولا ترى لغير ربك وجودا مع لزوم الحدود وحفظ الأوامر والنواهي. فإن انخرم فيك شيء من الحدود. فاعلم أنك مفتون. قد لعب بك الشيطان. فارجع إلى حكم الشرع، والزمه ودع عنك الهوى لأن كله سموم. حقيقة لا تشهد لها الشريعة، فهي باطلة، وكان رضي الله عنه يقول كثيراً ما يلاطف الله تعالى عبده المؤمن، فيفتح قبالة قلبه باب الرحمة. والمنة والإنعام. فيرى بقلبه مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، من مطالعة الغيوب، والتعريف والكلام اللطيف، والوعد الجميل، والدلائل والإجابة في الدعاء، والتصديق، والوعد والوفاء، والكلمات من الحكمة ترمى إلى قلبه وغير ذلك من النعم الفائقة، كحفظ الحدود والمداومة على الطاعات، فإذا اطمأن، العبد إلى ذلك واغتر به واعتقد دوامه، فتح الله عليه أنواع البلايا والمحن، في النفس والمال والولد، وزال عنه جميع ما كان فيه من النعم فيصير العبد متحيراً منكسراً، إن نظر إلى ظاهره رأى ما يسره، وإن نظر إلى باطنه رأى ما يحزنه. وإن سأل الله تعالى كشف ما به من الضر، لم يرج إجابة، وإن طلب الرجوع إلى الخالق لم يجد إلى ذلك سبيلاً، وإن عمل بالرخص تسارعت إليه العقوبات وتسلط الخلائق، على جسمه وعرضه وإن طلب الإقاله لم يقل، وإن رام الرضا والطيبة والتنعم بما به من البلاء لم يعط فحينئذ تأخذ النفس في الذوبان والهوى في الزوال والإرادات والأماني في الرحيل، والأكوان في التلاشي فيدام له ذلك ويشدد عليه حتى تفنى أوصاف بشريته ويبقى روحاً فقط فهناك يسمع النداء من قلبه (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) وردت عليه جميع الخلع وأزيد منها، وتولى الحق سبحانه وتعالى تربيته بنفس {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين}. وكان رضي الله عنه يقول ما سأل أحد الناس من دون الله تعالى إلا لجهله بالله. وضعف إيمانه ومعرفته ويقينه وقلة صبره، وما تعفف من تعفف عن ذلك إلا لوفور علمه بالله عز وجل، ووفور إيمانه، وحيائه منه سبحانه وتعالى وكان رضي الله عنه يقول إنما كان الحق تعالى لا يجيب عبده في كل ما سأله فيه إلا شفقة على العبد، أن يلغب عليه الرجاء والغرة فيتعرض للمكر به، ويفغل عن القيام بأدب الخدمة، فيهلك. والمطلوب من العبد ألا يركن لغير ربه والسلام. وكان رضي الله عنه يقول علامة الابتلاء على وجه العقوبة والمقابلة عدم الصبر عند وجود البلاء والجزع والشكوى إلى الخلق. وعلامة الابتلاء تكفيراً وتمحيصاً للخطيئات، وجود الصبر الجميل من غير شكوى ولا جزع ولا ضجر، ولا ثقل في أداء الأوامر والطاعات، وعلامة الابتلاء لارتفاع الدرجات وجود الرضا والموافقة، وطمأنينة النفس والسكون للأقدار حتى تنكشف. وكان رضي الله عنه يقول من أراد الآخرة فعليه بالزهد في الدنيا، ومن أراد الله فعليه بالزهد في الأخرى وما دام قلب العبد متعلقاً بشهوة من شهوات الدنيا أو لذة من لذاتها من مأكول أو من ملبوس أو منكوح أو ولاية أو رئاسة أو تدقيق في فن من الفنون الزائدة على الفرض، كرواية الحديث الآن وقراءة بالروايات السبع وكالنحو واللغة والفصاحة فليس هذا محبا للآخرة، وإنما هو راغب في الدنيا وتابع هواه. وكان رضي الله عنه يقول تعام عن الجهات كلها ولا تعضض على شيء منها، فإنك ما دمت تنظر إليها فباب فضل الله عنك مسدود فسد الجهات كلها بتوحيدك وامحها بيقينك ثم بفنائك ثم بمحوك ثم بعلمك وحينئذ تفتح من عيون قلبك جهة الجهات، وهي جهة فضل الله الكريم فتراها بعين رأسك، فلا تجد بعد ذلك فقراً ولا غنى. وكان رضي الله عنه يقول كلما جاهدت النفس وغلبتها وقتلتها بسيف المجاهدين أحياها الله عز وجل ونازعتك وطلبت منك الشهوات واللذات المحرمات. منها، والمباح، لتعود معها إلى المجاهدة والمقاتلة ليكتب لك نوراً وثواباً دائماً وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (رجعنا من الجهاد الاصغر إلى الجهاد الأكبر). وكان رضي الله عنه يقول كل مؤمن مكلف بالتوقف والتفتيش عند حضور ما قسم له فلا يتناوله ويأخذه حتى يشهد له الحكم بالإباحة والعلم بالقسم كما قال عليه السلام (المؤمن فتاش والمنافق لفاف) والله تعالى أعلم.

السابق  التالي

 

افهموا وتفقهوا

زيارة قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم

لا ريب في أن زيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام من أعظم القُرُبات وأجلِّها شأناً، فإن بقعةً ضمَّت خير الرسل وأكرمهم عند اللّه لها شأنٌ خاص، ومزية يعجز القلم عن وصفها، ومما لا خفاء فيه أن زيارة قبر المصطفى صلى اللّه عليه وسلم تفعل في نفوس أولي الألباب أكثر مما تفعله أي عبادة أخرى، فالذي يقف على قبر المصطفى ذاكراً ما لاقاه صلى اللّه عليه وسلم في سبيل الدعوة إلى اللّه، وإخراج الناس من ظلمات الشرك إلى نور الهداية، وما بثه من مكارم الأخلاق في العالم أجمع، وما محاه من فساد عام شامل، وما جاء به من شريعة مبنية على جلب المصالح للمجتمع الإنساني، ودرء المفاسد عنه، لا بد أن يمتلئ قلبه حباً لذلك الرسول الذي جاهد في اللّه حَقَّ جهاده، ولا بد أن يُحبب إليه العمل بكل ما جاء به، ولا بد أن يستحي من معصية اللّه ورسوله، وذلك هو الفوز العظيم. وكيف يسكن قلب المؤمن المسلم الذي يستطيع أن يحجَّ البيت، ويستطيع أن يزور المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ولا يبادر إلى هذا العمل؟ كيف يرضى المؤمن القادر أن يكون بمكة قريباً من المدينة مهبط الوحي، ولا تهتز نفسه شوقاً إلى زيارتها وزيارة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم؟ أما ما ورد من الأحاديث في زيارتها فسواء أكان سنده صحيحاً أو لا، فإنه في الواقع لا حاجة إليه بعد ما بينا من فوائد زيارتها ومحاسنها التي يقرها الدين، وتحث عليها قواعده العامة.

هذا، وقد بين الفقهاء آداب زيارة قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم، وزيارة المساجد الأخرى على الوجه الآتي: قالوا: إذا توجه لزيارة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يكثر من الصلاة والسلام عليه مدة الطريق، ويصلي في طريقه من مكة إلى المدينة في المساجد التي يمر بها، وهي عشرون مسجداً، متى أمكنه ذلك، وإذا عاين حيطان المدينة يصلي على النبي صلى اللّه عليه وسلم، ويقول: اللّهم هذا حرم نبيك فاجعله وقاية لي من النار، وأماناً من العذاب وسوء الحساب، ويغتسل قبل الدخول وبعده إن أمكنه، ويتطيَّب ويلبس أحسن ثيابه، ويدخلها متواضعاً عليه السكينة والوقار، وإذا دخل المدينة يقول: اللّهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه البلدة، وخير أهلها، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر أهلها، اللّهم هذا حرم رسولك، فاجعل دخولي فيه وقاية لي من النار، وأماناً من العذاب وسوء الحساب، وإذا دخل المسجد فعل ما يفعله في سائر المساجد من تقديم رجله اليمنى، ويقول: اللّهم اجعلني اليوم من أوجه من توجه إليك، وأقرب من تقرَّب إليك، وأنجح من أتاك وابتغى مرضاتك،ويصلي عند منبره ركعتين ويقف بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه الأيمن، وهو موقفه عليه السلام، وهو بين القبر الشريف والمنبر، ثم يسجد شكراً للّه تعالى على ما وفَّقه، ويدعو بما يحب، ثم ينهض فيتوجَّه إلى قبره صلى اللّه عليه وسلم فيقف عند رأسه الشريف، ثم يدنو منه ثلاثة أذرع أو أربعة، ولا يدنو أكثر من ذلك، ولا يضع يده على جدار التربة ويقف كما يقف في الصلاة، ويمثل صورته الكريمة البهية، كأنه نائم في لحده، عالم به يسمع كلامه، ثم يقول:

السلام عليك يا نبي اللّه ورحمة اللّه وبركاته، أشهد أنك رسول اللّه، فقد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في أمر اللّه حتى قبض اللّه روحك حميداً محموداً، فجزاك اللّه عن صغيرنا وكبيرنا خير الجزاء، وصلى عليك أفضل الصلاة وأزكاها، وأتم التحية وأنماها، اللّهم اجعل نبينا يوم القيامة أقرب النبيين، واسقنا من كأسه، وارزقنا من شفاعته، واجعلنا من رفقائه يوم القيامة، اللّهم لا تجعل هذا آخر العهد بقبر نبينا عليه السلام وارزقنا العود إليه يا ذا الجلال والإكرام، ولا يرفع صوته ولا يخفضه كثيراً، ويبلغه سلام من أوصاه فيقول: السلام عليك يا رسول اللّه من فلان ابن فلان يتشفَّع بك إلى ربك، فاشفع له ولجميع المسلمين، ثم يقف عند وجهه مستدبراً القبلة، ويصلي عليه ما شاء، ويتحول قدر ذراع حتى يحاذي رأس الصديق رضي اللّه عنه، ويقول: السلام عليك يا خليفة رسول اللّه، السلام عليك يا صاحب رسول اللّه في الغار، السلام عليك يا رفيقه في الأسفار، السلام عليك يا أمين على الأسرار، جزاك اللّه عنا أفضل ما جزى إماماً عن أمه نبيه، ولقد خلفته بأحسن خلف، وسلكت طريقه ومنهاجه خير مسلك، وقاتلت أهل الردة والبدع، ومهَّدت للإسلام، ووصلت الأرحام، ولم تزل قائماً بالحق، ناصراً لأهله حتى أتاك اليقين، السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته، اللّهم أمتنا على حبه، ولا تخيِّب سعينا في زيارته برحمتك يا كريم، ثم يتحول حتى يحاذي قبر عمر رضي اللّه عنه. ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مظهر الإسلام، السلام عليك يا مكسر الأصنام. جزاك اللّه عنا أفضل الجزاء. وصلة الأرحام. وقوي بك الإسلام. وكنت للمسلمين إماماً مرضياً. وهادياً مهدياً. جمعت من شملهم. وأغنيت فقيرهم. وجبرت كسرهم. السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته. ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول: السلام عليكما يا ضجيعي رسول اللّه. ورفيقيه. ووزيريه. ومشيريه، والمعاونين له على القيام في الدين. القائمين بعده بمصالح المسلمين جزاكم اللّه أحسن الجزاء. ثم يدعو لنفسه ووالديه ولمن أوصاه بالدعاء ولجميع المسلمين. ثم يقف عند رأسه الشريف كالأول ويقول: اللّهم إنك قلت وقولك الحق: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه تواباً رحيماً}. وقد جئناك سامعين قولك. طائعين أمرك. متشفعين بنبيك ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا. ربنا إنك رؤوف رحيم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين. والحمد للّه رب العالمين، ويدعو بما يحضره من الدعاء، ثم يأتي أسطوانة أبي لبابة التي ربط نفسه فيها حتى تاب اللّه عليه، وهي بين القبر والمنبر. فيصلي ركعتين. ويتوب إلى اللّه. ويدعو بما شاء. ثم يأتي الروضة. وهي كالحوض المربع. فيصلي فيها ما تيسر له ويدعو ويكثر من التسبيح والثناء على اللّه تعالى والاستغفار. ثم يأتي المنبر فيضع يده على الرمانة التي كان صلى اللّه عليه وسلم يضع يده عليها إذا خطب. لتناله بركة الرسول صلى الله عليه وسلَّم. فيصلي عليه. ويدعو بما شاء. ويتعوذ برحمته من سخطه وغضبه. ثم يأتي الأسطوانة الحَنَّانة، وهي التي فيها بقية الجذع الذي حن إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم حين تركه وخطب على المنبر. ويستحبُّ بعد زيارته عليه السلام أن يخرج إلى البقيع. ويأتي المشاهد والمزارات فيزور العباس ومعه الحسن بن علي. وزين العابدين. وابنه محمد الباقر. وابنه جعفر الصادق رضي الله عنهم جميعاً. ويزور أمير المؤمنين سيدنا عثمان رضي الله عنه وقبر إبراهيم ابن النبي صلى اللّه عليه وسلم. وجماعة من أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم وعمته صفية، وكثيراً من الصحابة والتابعين. خصوصاً سيدنا مالكاً، وسيدنا نافعاً. ويستحب أن يزور شهداء أحد يوم الخميس، خصوصاً قبر سيد الشهداء سيدنا الحمزة، ويقول: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء اللّه بكم لا حقون. ويقرأ آية الكرسي، وسورة الإخلاص، ويستحب أن يأتي مسجد قباء يوم السبت، ويدعو بقوله: يا صريخ المستصرخين، ويا غياث المستغيثين، يا مفرج كرب المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين، صل على محمد وآل محمد واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك كربه وحزنه في هذا المقام، يا حنان يا منان، يا كثير المعروف، ويا دائم الإحسان، يا أرحم الراحمين، ويستحب له أن يصلي الصلاة كلها في مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم ما دام في المدينة، وإذا أراد الرجوع إلى بلده استحب له أن يودع المسجد بركعتين، ويدعو بما أحب ويأتي قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويدعو بما شاء، واللّه مجيب الدعاء.

من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة