الإنشاد والسَماع

وفد بني حنيفة

شـراب الوصل

صوفيات

 

ذكر الحبيب

الإنشــاد والسَمــاع

استدل القائلون بإباحة الغناء بكثير من الأدلة من القرآن الكريم منها: قال تعالى: {يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير} قال بن كثير نقلاً عن الإمام الزهري وابن جريج في قوله تعالى: {يزيد في الخلق ما يشاء}. يعني حسن الصوت. ورواه عن الزهري البخاري في الأدب المفرد وقال القرطبي في تفسير الآية: إنه حسن الصوت كما ذكر بن كثير عن الزهري، وإلى هذا المعنى ذهب أكثر المفسرين كالنسفي والبيضاوي والخازن وغيرهم، وعن سيدنا أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وكان معه غلام يحدو بالنساء يقال له أنجشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير) قال أبو قلابة: يعني ضعفة النساء وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أيضاً قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حادٍ يقال له أنجشة وكان حسن الصوت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أنجش رويدك لا تكسر القوارير) قال قتادة: يعني ضعفه النساء، وقال الحافظ ابن حجر ي شرح البخاري: (قال ابن بطَّال: القوارير كناية عن النساء اللاتي على الإبل التي تساق حينئذ، فأمر عليه الصلاة والسلام الحادي بالرفق بالحداء، لأنه يحث الإبل حتى تسرع، فإذا أسرعت لم يؤمن على النساء السقوط، وإذا مشت رويداً أمن على النساء السقوط... إلى أن قـال: نقل ابن عبد البر الاتفاق على إباحة الحداء، وفي كلام بعض الحنابلة خلاف فيه ومن منعه محجوج بالأحاديث الصحيحة، ويلتحق بالحداء هنا الحداء للحجيج المشتمل على التشوق إلى الحج بذكر الكعبة وغيرها من المشاهد ونظيره ما يحرّض أهل الجهاد على القتال، وعن سيدنا أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي، وعن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار بغنين، فقلت: أي صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل بدر يُفعل هذا عندكم؟... فقالا: اجلس إن شئت فاستمع معنا، وإن شئت فاذهب، فإنه قد رخّص لنا في اللهو عند العرس. أخرجه النسائي، وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجـل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة ما كان معكم لهو؟) فإن الأنصار يعجبهم اللهو) وفي رواية شريك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: ماذا تقول؟ قال تقول:

آتيناكم... آتيناكــــم       فحيانا وحياكـــــم

ولولا الذهب الأحمــر        ما حلت بواديكــــم

ولولا الحنطة السـمراء        ما سمنت عذاريكـــم

أخرجه البخاري في الصحيح، والحاكم، والبيهقي، والأبيات هي من بحر الهزج، وهو نوع من بحور الشعر خفيف الإيقاع.

أحمد عبد المالك

 

وفد بني حنيفة

قدم وفد بني حنيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم مسيلمة الكذاب وكان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الانصار فحدثنى بعض علمائنا من أهل المدينة أن بنى حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه معه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سألتنى هذا العسيب ما أعطيتكه. قال ابن اسحق وقد حدثنى شيخ من بنى حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كل على خلاف هذا: أن وفد بنى حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وفى ركابنا يحفظها لنا قال فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم وقال أما إنه ليس بشركم مكانا أى لحفظه ضيعة أصحابه ذلك الذى يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوه بما أعطاه فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم وقال إنى قد أشركت في الامر معه وقال لوفده الذين كانوا معه ألم يقل لكم حين ذكرتمــونى له أما إنه ليس بشركم مكانا ما ذاك إلا لما كان يعلم أنى قد أشركت في الامر معه ثم جعل يسجع لهم ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا. وأحل لهم الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبى فأصفقت معه بني حنيفة على ذلك فالله أعلم أى ذلك كان. قلت كان مسيلمة صاحب(نيرو جات) يقال إنه أول من أدخل البيضة في القارورة وأول من وصل جناح الطائر المقصوص وكان يدعى أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب منها. قتله زيد بن الخطاب رضى الله عنه يوم اليمامة وقال رجل من نبى حنيفة يرثيه:

لهفى عليك أبا ثمامــه        لهفى على ركنى شمامه

كم آية لك فـيـهـــم     كالشمس تطلع من غمامه

حكاه السهيلى وقال كذب بل كانت آياته منكوسة يقال إنه تفل في بئر قوم سألوه ذلك تبركا فملح ماؤها ومسح رأس صبى فقرع قرعا فاحشا ودعا لرجل في ابنين له بالبركة فرجع إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في البئر والآخر قد أكله الذئب ومسح على عينى رجل استشفى بمسحه فابيضت عيناه.

 

 

صوفيات

ربما فهم بعض الناس أن من يلجأ إلى الباطن، أو إلى الحقيقة بعيداً عن الشريعة، أى عن الظاهر. وقد ثار جماعة الصوفية على من يخالف الشريعة، فهى نور طريقهم الأول لبلوغهم المراتب فبدونها لا يبلغون من أمرهم شيئاً ذلك أن الشريعة في أبسط صورة هى:

أمر للشخص بالتزام العبودية، بحيث لا يُرى حيث نُهى، ولا يُفقد حيث أُمر، لأن الشريعة هى ما شرّعه الله سبحانه وتعالى من الأحكام أمراً ونهياً، على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام.

أما الحقيقة فهى مشاهدة الربوبية في جميع الكائنات، بحيث أنه يرى الخلق بالحق على معنى القيام به. ومن ذلك مراقبته لله تعالى في عبادته بالتحقق بمقام الإحسان في قول النبى، الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

فالشريعة: ظاهر السلوك الأخلاقى في العبادة،والحقيقة: دوام النظر في صحة هذا السلوك لمالك الملك، فلا تفريق بين الشريعة والحقيقة، فالشريعة ظاهر الحقيقة، والحقيقة باطن الشريعة، وهما متلازمان لا يتم أحدهما إلا بالآخر.فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة غير مقبولة، وكل حقيقة غير مؤيدة بالشريعة غير حاصلة، فمن لا حقيقة له، لا شريعة له.

والجمع بينهما هو الجمع بين ظاهر سلوك الإنسان، بمعنى أخلاقه، ومعاملاته، وعبادته، وبين باطنه. فكيف يصح الظاهر إن لم يؤيد بباطن نقى، وكيف يطلب نقاء هذا الباطن إن لم يتم مجاهدته من جولات النفس والهوى وتصحيح مستمر لهما، وهناك من القصص المشهورة بين الفقهاء والصوفية، والتى تدل في أحد جوانبها على علاقة الشريعة بالحقيقة والفهم بينهما. فقد روى:

أن الإمام أحمد بن حنبل كان عند الشافعى يوماً، فمر شيبان الراعى الصوفى، فقال الإمام أحمد: أريد أن أنبه هذا على نقصان علمه، ليشتغل بتحصيل العلوم.

فقال الشافعى: لا تفعل. فلم يقتنع الإمام أحمد،

وقال لشيبان:ما تقل فيمن نسى صلاة من خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا يدرى أى صلاة نسيها، ما الواجب عليه يا شيبان؟ فقال شيبان: يا أحمد هذا قلب غفل عن ذكر الله، فالواجب أن يُؤدب حتى لا يغفل عن مولاه، فغُشى على الإمام أحمد، فلما أفاق، قال الشافعى: ألم أقل لك لا تحرك هذا.

 

شـــراب الــوصــل

فأصبر عنـها لا عليـها وإننـي     بصبري شكار وفي القاب صبرتي

الصبرهو ترك الشكوى من ألم البلاء واستقبال البلاء بالصفا والثبات.

والصبر خمسة أقسام وهي:

1- الصبر لله �������

2- الصبر في الله

3- الصبر بالله

4- الصبر مع الله ����

5- الصبر عن الله

فالصبر لله غنى ـ الصبر في الله بلاء ـ الصبر بالله بقاء ـ الصبر معه وفاء ـ الصبر عنه جفاء والجفاء هنا جفاء المضاجع زيادة في المرابطة والصبر ليس عليها حتى ولو كانت بلوى إذ يقول رضي الله عنه في موطن آخر (وأستعذب البلوى وصبري مطيتي) والفرق بين الصبر والمصابره هو مادون المرابطه إذ يقول الحق {إصبروا وصابروا ورابطوا} ومعناها اصبروا بنفوسكم على طاعه الله وصابروا بقلوبكم على البلوى في الله ورابطوا بإصراركم على الشوق الى الله تعالى.

وقال في حق سيدنا ايوب {وجدناه صابراً لله} ولم يقل صبورا والصبور أبلغ في معنى الصبرولكن سيدنا أيوب لم يكن في جميع احواله يلزم الصبر بل كان في بعض أحواله يتلذذ بالبلاء ويستعذبه فلم يكن في تلك الحاله صابرا لأن الصبر لا يكن إلا مع المشقه والكراهة.

وقال صلى الله عليه وسلم (الإيمان نصفان فنصف في الصـبر ونصف في الشكر) وقـد قسم رضي الله عنه البيت إلى قسمين فاستخدم صدر البيت لبيان صبره وعجز البيت في استخدام صبره سلما إلى شكره فـإن مبتغاه وجه الله الكريم ويلزمه الصبر.

كما أمر الحق سبحانه وتعالى حبيبه ومصطفاه بأن يلزم الصبر مع الذين يريدون وجهه سبحانه وهكذا يكون حال العارف بالله مع الله، فقد تقابل سيدي شقيق الدين البلخي مع سيدي معروف الكرخي رضي الله عنهما وسأله كيف حالكم في الكرخ؟.

فأجاب سيدي معروف (أذاأصابتنا ضراء صبرنا وإذا أصابتنا سراء شكرنا) فرد عليه سيدي شقيق الدين بقوله هذا والله حال كلاب بلخ ! فقال سيدي معروف إذاكان هذا حال كلاب بلخ فكيف الحال مع أوليائها؟ فأجاب (إذا أصابتنا ضراء شكرنا وإذا أصابتنا سراء خفنا).

محمد صفوت جعفر