|
من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -
22 |
وكان رضي
الله عنه يقول:
اسلم التفسير
ما كان مروياً
عن السلف
وأنكره ما فتح
به على القلوب
في كل عصر. ولولا
محرك يحرك
قلوبنا لما
نطقت إلا بما
ورد عن السلف،
فإذا حرك
قلوبنا وارد
استفتحنا باب
ربنا
واستأذناه
وسألناه
الفهم في
كلامه فنتكلم
في ذلك الوقت
بقدر ما يفتحه
على قلوبنا. فسلموا
لنا تسلموا
فإننا فخارة
فارغة والعلم
علم الله
تعالى. وكان
يقول: فيض
الربوبية إذا
فاض أغنى عن
الاجتهاد،
فإن صاحب
الجهد قاصر ما
لم يقرأ في
لوح المعاني
سر عطاء
القادر. فقد يعطي المولى من يكون قاصراً ما لم
يعط أصحاب المحابر.
وليس مطلوب
القوم إلا هو،
فإذا حصلوا
على معرفته
عرفوا
بتعريفه كل
شيء من غير
تعب ولا نصب،
ثم إذا صحت
لهم المعرفة
فلا حجاب له
بعد ذلك إلا
إن خذل نسأل
الله السلامة.
وكان يقول: من
فني في الفناء
بقي في
البقاء،
والفناءمن الحجب
إلا أن يكون
فناء الباطل،
كما قال بعضهم
أفني موسى عن
موسى حتى عاد
هو المتكلم وكان
رضي الله عنه
يقول: من لم
يكن عنده شفقة
على خلق الله
لا يرقى مراقي
أهل الله
تعالى. وقد ورد أن موسى عليه السلام لما رعى الغنم
لم يضرب واحدة منهن بعصا ولا جوَّعها ولا آذاها فلما علم الله تعالى قوة شفقته على
غنمه بعثه الله نبياً وجعله كليماً راعياً لبني اسرائيل وناجاه، فمن أعز الخلق
وأشفق عليهم ترقى إلى مراتب الرجال والسلام.
وكان رضي
الله عنه يقول:
والله لو هاجر
الناس مهاجرة
صحيحة ودخلوا
تحت الأوامر
لاستغنوا عن
الأشياخ ولكن
جاؤا إلى
الطريق بعلل
وأمراض،
فاحتاجوا إلى
حكيم. وكان
إذا أخذ العهد
على فقير يقول
له: يا فلان
أسلك طريق
النسك على
كتاب الله
تعالى وسنة
نبيه صلى الله
عليه وسلم
وإقام الصلاة
وإيتاء
الزكاة وصوم
رمضان والحج
إلى بيت الله الحرام
واتباع جميع
الأوامر
المشروعة
والأخبار
المرضية
والاشتغال
بطاعة الله
تعالى قولاً
وفعلاً
واعتقاداً. ولا
تنظر يا ولدي
إلى زخارف
الدنيا
ومطاياها وملابسها
وقماشها
ورياشها
وحظوظها. واتبع
نبيك محمداً
صلى الله عليه
وسلم في أخلاقه
فإن لم تستطع
فاتبع خلق
شيخك فإن نزلت
عن ذلك هلكت
يا ولدي. واعلم أن التوبة ما هي بكتابة درج
ورق، ولا هي كلام من غير عمل، إنما التوبة العزم على ارتكاب ما الموت دونه، صُفَّ
أقدامك يا ولدي في حندس الليل البهيم ولا تكن ممن يشتغل بالبطالة ويزعم أنه من أهل
الطريقة، ومن استهزأ بالأشياء استهزأت به والسلام وجاءه فقير يطلب أن يلبس الخرقة
من الشيخ فنظر إليه وقال يا ولدي التلبس في الأمور ما هو جيد، لا يصلح لبس الخرقة
إلا لمن درسته الأيام وقطعته الطريقة بجهدها وأخلص في معاملته وقرأ معاني رموز
القوم ونظر في أخبارهم وعرف مقصودهم في سائر حركاتهم وسكناتهم وأسفارهم وخلواتهم
وجلواتهم، فإن كنت صادقاً فلا تكن مجَّاناً ولا لعّاباً ولا صبي العقل، فما الأمر
بقول العبد تبت إلى الله تعالى باللفظ دون القلب، ولا بكتابة الورق والدرج، وإنما
الأمر توبة العبد عن أن يلحظ الأكوان بعيني قلبه أو يراعي غير مولاه، فإذا صح
للفقير هذا الأمر فهناك يصلح للرقي في مقامات الرجال.
وكان رضي الله عنه يقول: قوت المبتدئ الجوع ومطره الدموع ووطره الرجوع
يصوم حتى يرق ويلين وتدخل الرقة قلبه وتفتح مسامع لبه ويزول الوقر من سمعه فيسمع
بأذنٍ وقلبٍ كلام القرآن ومواعظه، وأما من أكل ونام ولغا في الكلام، وترخص وقال:
ليس على فاعل ذلك ملام فإنه لا يجئ منه شيء والسلام.
وكان رضي الله عنه يقول: ما بنيت طريقتنا هذه إلا على التيار والنار
والبحر الهدار والجوع والاصفرار، ما هي بمشدقتك ولا بالفشار، دعني فما وجدت من
أولادي واحداً اقتفى آثارَ الرجال ولا صلح أن يكون محلاً للأسرار فلا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم من هذا الزمان الغدار.
وكان رضي الله عنه يقول: الفقير كالسلطان مهابة، وكالعبد الذليل
تواضعاً ومهانة قلت: وإنما كان السلطان لعفته وترك أسقاطه نفسه وكثرة صفحه وعفوه
وكرم نفسه وعدم منته وغير ذلك، بل هو أحق بالهيبة من السلطان لأنه جليس الحق وربما
لا يكون السلطان يصلح لمجالسة الحق، لكونه أخذ المرتبة بالسيف أو يكون مبتدعاً أو
غير ذلك والله أعلم.
وكان رضي
الله عنه يقول:
الشيخ حكيم
المريد، فإذا
لم يعمل
المريض بقول
الحكيم لا
يحصل له شفاء. وكان
يقول: مُذْ صرفا هممنا إليه أغنانا عما سواه، إنا لا نعرف قط إبليس اللعين.
وكان رضي
الله عنه يقول:خلوة
الفقير
سجادته،
وجلوته سره
وسريرته، وكان
يقول: يجب على
تالي القرآن
أن يطهر فمه
للتلاوة من اللغط
والنطق
الفاحش، ولا
يأكل إلا
حلالاً صرفاً
قوت الوقت من
غير سرف، فإن
أكل حراماً
أساء الأدب،
ويعطر ثيابه
وبدنه، وقد
كان صلى الله
عليه وسلم
يتعطر لذلك
حتى كان إذا
لمس شيئاً
يمكث يفوح
الطيب منه
زماناً، وكان
وميض المسك
يلمع من مفرقه
صلى الله عليه
وسلم. وكان
يقول:
الغيبة فاكهة القراء، وضيافة الفساق، وبستان الملوك ومراتع النسوان
ومزابل الأتقياء.
وكان رضي الله عنه يقول: يا ولدي لا تودعن كلامي إلا عند من كان منا،
وأحب أن يسلك طريقنا، ولا تُلقِهِ إلا لمحب محِقّ، يدخل تحت طينا وينقاد لنا، فإن
ذكر الكلام لغير أهله عورةٌ.
وكان يقول: طريقتنا
هذه ما هي
طريق تمليق،
بل هي طريق
تحقيق وصدق
وتصديق وموت
وكد وجهد وشد
وحزم وكدم وكسر
نفس من غير
دعوى واتضاع
وخضوع وذلة
وفراسة
ورقوم
وعلوم.
فيا أولادي إذا عملتم بموعظتي وعادت إشارتي كلها فيكم كانت إجازتي مطهرة
مكملة بالسر والمعنى، فإن المقامات ما هي محجوبة عنكم إلا بكم.
وكان رضي الله عنه يقول: لا يكون الفقير فقيراً حتى يكون حمالاً للأذى
من جميع الخلائق إكراماً لمن عبيده سبحانه وتعالى، فلا يؤذي من يؤذيه ولا يتحدث
فيما لا يعنيه، ولا يشمت بمصيبة، ولا يذكر أحداً بغيبة، وَرِعاً عن المحرمات،
موقوفاً عن الشبهات، إذا بُلي صبر، وإذا قدر غفر، غضيض الطرف، يعمر الأرض بجسده
والسماء بقلبه، طريقه الكظم والبذل والإيثار والعفو والصفح والاحتمال لكل من يتحدث
فيه بما لا يرضيه، وكان يقول: واغوثاه من أهل الزمان، والله لو كان في العمر مهلة
لسكنت في أكم الجبال وبطون أودية الوحوش فإن الرجل الآن بين هؤلاء الناس في أشد
جهاد، قلوب شاردة وأحوال مائلة، وشهوات غالبة قد عدموا الصدق في الأحوال، وكيف يقدر
الضعيف على صون الروح عن عشرتهم والود لهم وغض بصره عن رؤية عوراتهم ليلاً ونهاراً
ويصبر معهم على كل فتنة وشهوة وأذى من غير أن يقابلهم بمثله، هذا لا يطيقه إلا
الصالحون.
وكان رضي الله عنه يقول: كم من واقف في الماء وهو عطشان لهفان، أعني
إذا لم يحصل له الصدق في طلب مولاه بل عبد ربه على علة فاعملوا بالإخلاص لترووا من
ظمأ العطش فإن طريق الله تعالى لا تنال إلا بقتل الأنفس وذبحها بسيف المجاهدة
والمخالفة.
وكان يقول: كيف يدعى أحدكم أنه مريد طريق الله تعالى وهو ينام وقت
الغنائم، ووقت فتوح الخزائن، ووقت نشر العلوم وإشهار الرقوم، ووقت تجلي الحي
القيوم، يا كذابون ما تستحيون من الدعاوي الكاذبة، وهممكم راقدة وعزائمكم خامدة، ما
هكذا درج أهل الطريق فالله تعالى يلهم جميع أولادي طريق الفلاح آمين.
وكان يقول: ليس الزهد خروج العبد عن الشيء، إنما الزهد أن يكون داخلاً
في إمارته، أو صنعته وقلبه خارج حائل ذاكر فاكر حائر مجاهد مرابط مخمول الذكر
متشغلاً بذكر الله عز وجل.
وكان رضي الله عنه يقول: يا أولادي قلبي عليكم بشراب القهوة القرقفية
واستعمالها فوعزته وجلاله من صدق منكم وأخلص لا يمس أحدكم أحداً إلا نبعت فيه
الحكمة وحصل عنده الشراب والسكر عن هذه الدار، يا أولادي الدنيا كحلقة بين أعين أهل
التمكين، قوم يمشون إلى الأقطاب، وقوم تأتي إليهم الأقطاب، لا أحب من أولادي
إلا من أراه يترقى في كل ساعة من مقام إلى مقام فهناك تقر عيني وهناك يصير
ينتفع به، يا ولدي إن أردت أن يسمع دعاؤك فاحفظ لسانك عن الكلام في الناس،
وعن تناول الشبهات، يا ولدي إن شككت في قولي فاعمل بما أقول لك وجرب
نفسك شيئاً بعد شيء تعرف صدق قولي فمن ثبت ثبت ومن أطاع أطيع، فإذا أطعت مولاك أطاع
لك الماء والنار والهـواء والخطوة والإنس والجن.
وكان رضي
الله عنه يقول:
لا تفيد
الخلوة إلا إن
كانت بإشارة
شيخ، وإلا ففسادها
أكثر من
صلاحها. وكان
يقول: لا يحق
أن تأمر غيرك
إلا إن كانت
الشريعة تزكيك
بوقوفك على
حدودها. وكان يقول: الجسد ثلاثة أقسام قلب
ولسان وأعضاء، فاللسـان والأعضاء وكل بهما ملائكة، والقلب تولاه الله تعالى.
وجاءه رجل
فقال: أريد أن
أسلك طريق
الحقيقة. فقال:
يا ولدي إلزم
أولاً طريق
النسك، على
كتاب الله
وسنة رسول
الله صلى الله
عليه وسلم
المرضية الزاهرة
الباهرة التي
نورها جلا
الظلم وأنار
بطاح مكة
والمدينة
والشام ومصر
والعراق واليمن
والمشرق
والمغرب
والأفق العلوي
والسفلي. فإذا عملت بها انقدح لك منها
علم الحقائق والأسرار فاسلك يا أخي كما قلت لك على التدريج شيئاً بعد شيء والله
يحفظك إن صدقت.
السابق
|