الإشـاعـة...وأثـرها على المجتمع

ما هي الإشاعة؟

يُقال في اللغة شاع الخبر يشيع إشاعة، وشيعوعة: ذاع، وأشاع الخبر: أذاعه.. ورجل مشياع: مذياع.. وشاع الشيء يشيع شيوعا: ظهر وانتشر. والإشاعة: هي تلقي الحديث على علاته، ونشره بين الناس من غير تروٍ أو تثبت، للتعريف على مدى صلاحه أو فساده، صدقه أو كذبه، وغالباً ما يكون هذا الحديث مفترى عليه، لا نصيب له من الصحة.

كيف تولد أو ما هو الدافع؟

قد يكون الدافع إلى الإشاعة هو الحقد والكراهية أوالثأر والانتقام عن طريق التشهير والتشنيع، ولا ريب في أنه يترتب على ذيوعها وانتشارها آثار سيئة وأضرار عظيمة وعواقب وخيمة تتفاوت باعتبار متعلقاتها فإن منها ما هو متعلق بالفرد أو الأسرة ومنها ما هو متعلق بالجماعة أو الأمة ومما لا نزاع فيه أن ضررها فيما هو متعلق بالجماعة أو الأمة أشد حيث تكون الطامة الكبرى والخطب الجسيم. والإشاعة في مثل هذه الحالة تعتبر خيانة عظمى وجريمة كبرى في نظر الإسلام يستحق صاحبها أن يقع تحت طائلة العقاب الشديد، لتسببه في إثارة المشاعر وبلبلة الأفكار وتهيج الشعب لإحداث الفتن والاضطرابات التي هي أساس الأمة ومصدر شقائها، قال تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك إلا قليلا} الإرجاف هو التحريك والاضطراب من الرجفة التي هي الزلزلة ووصفت به الأخبار الكاذبة لكونها مزلزلة غير ثابتة أو لتزلزل قلوب الناس واضطرابها منها والمرجفون هم المتلمسون الفتنة، المشيعون للأكاذيب والأباطيل وقد نزلت كثير من الآيات توضح شأن المنافقون ولا شك إن إذاعة السوء والأكاذيب التي يروجونها ضعفاء الإيمان تباعد بين الشعوب وتحول بينها وبين تحقيق أمانيها بما يترتب عليها من يأس وإشاعة الضعف حيثأنها تفت في عضد الجماعة وتقتل روح الشجاعة والإقدام لتبقى الأمة مصفدة في قيود الذل الذي يقوم به المرجفون والمروجون للإشاعات ليس بالأمر الهين قال تعالى في شأنهم فهم ملعونون ومطرودون من رحمة الله تعالى ومنبوذين من الناس وأينما وجدوا جزاؤهم الضرب والتنكيل بل والقتل إذا ظلوا وتمادوا في إشاعة السوء {ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتِّلوا تقتيلا}.

المصدر الأساسي للإشاعة؟

المصدر الأساسي للإشاعة والذي يعلم أنها كذب في كذب فهو عدو غادر أو حاقد كاذب، والمؤمن لا يكذب مهما حصل له أو عليه فالكذب هو فصل بين الإيمان والنفاق قال تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين همّاز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتّل بعد ذلك زنيم}، وقال صلى الله عليه وسلم: (كفى المرء نفاقاً أن يحدث بكل ما سمع).

المنهزمون هم الذين يتفنون في نشر الجهل والكذب والزور والبهتان والحقد والكراهية والتعصب لتحقيق مآرب لا علاقة لها بشعار مرفوع ولا مبدأ مطروح، نفوس مريضة وقلوب سوداء ما كنا نعتقد أنها تعيش في مجتمعاتنا ولا كنا نعتقد أن البغضاء لكل شيء وأي شيء قد وصلت بها إلى هذه الدرجة وهذه الحدة من المرارة القاتلة فيروس (أنا أكرهك) كما سماه توماس فريد مان، متغلغل في أجسادنا وقد كنا نعتقد أننا من سره بعيدون لا بالنسبة للآخرين من غير بني جنسنا ومن غير مثلنا، بل وبالنسبة لأنفسنا ذاتها، فجرثومة البغضاء عندما تتسلل إلى الجسم فإنها لا تفرق بين غريب أو حبيب في النهاية بل يصبح الجميع فريسة لها، حتى من كان يعتقد أنها سلاح طبع بين يديه، وعندما تكون النفوس مريضة، ويكون سواد الليل مغلفاً القلوب بردائه الداكن تتحول كل المبادئ الجميلة وكل الغايات النبيلة إلى مجرد مبررات ومسوغات لممارسة الحقد وما يمور في النفس من شرور وآثام.

الأثر الإعلامي للإشاعة؟

المؤلف دانييل شنيدر مان الصحافي في جريدة (اللومند) الفرنسية الشهيرة كان قد نشر عدة كتب منها الكابوس الإعلامي والمقصود من الكابوس الإعلامي حملة الإشاعات التي حدثت في فرنسا في السنوات الأخيرة والتي تخص موضوعاً معيناً والتي تنسقها وسائل الإعلام في لحظة ما وعندئذ ترتفع درجة حرارة الجمهور وتنتشر العدوى بين الناس ويصبح الجميع ضحية هذا الكابوس الإعلامي الغريب الشكل ويلتقي الحس النقدي ولا أحد يميز بين الصح والخط. لا يعود أحد قادر على مقاومة الإشاعة التي تضج صباح مساء بواسطة وسائل الإعلام الجبارة من إذاعة وتلفزيون وصحافة مكتوبة والواقع أنه يصعب حتى على الناس العقلاء أن يقاوموا الإشاعة عندما تكون في بدايتها أو عندما تنفجر كالسيل الهادر الذي يسحق في طريقه كل شيء. يلزمك عندئذ حس نقدي كبير لكي تستطيع أن تقاومها أو أن تقف في وجهها ألا تصدقها بكل بساطة ثم ينبغي ألا تنسى أهمية العدوى فكل شخص يعدي الآخر عن طريق نشر الإشاعة دون تمحيص أو دون تفكير حتى. ثم تقول بينك وبين نفسك لو لم يكن فيها شيء من الصحة لما انتشرت إلى مثل هذا الحد وأصبحت على كل شِفة ولسان وهكذا تتسرب الإشاعة إلى نفسك شيئاً فشيئ. ثم يتحدث الكاتب عن الإشاعة التي بثها اليمين الفرنسي قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي كان الهدف منها إسقاط حكومة ليونيل جوسبان المنافس لشيراك، ففي أثناء الحملة أو حتى قبلها بقليل انتشرت إشاعة تقول بأن الأمن منعدم في فرنسا وأن المواطن أصبح يخشى على نفسه في كل الأماكن وأن الأمن في ظل هذه الحكومة اليسارية منعدم وان البوليس لم يعد يؤدي وظيفته وإنما اختفى من الساحة وتركها مباحة للعصابات. وقد عرِف اليمين الفرنسي كيف يستخدم هذه الإشاعة إلى أقصى حد ممكن لزعزعة حكومة جوسبان وللقول بأن شيراك هو وحده القادر إذا ما انتخبوه رئيساً على إعادة الأمن إلى البلاد ونجحت الإشاعة فعلاً وصدّق الناس بأن المن منعدم في فرنسا، ولم يستطيع اليسار مقاومة الإشاعة أو قل لم ينتبه إليها منذ البداية وبعد أن انتشرت وملأت كل أنحاء فرنسا أصبح من المستحيل تبديدها أو تكذيبها وهكذا نجح شيراك وسقط جوسبان بسبب تركيز الإعلام على موضوع الأمن.

ما هو رأي علم الاجتماع في الإشاعة؟

فيرونيك كامبيون فانسين باحثة فرنسية في مجال العلوم الاجتماعية حيث تعمل أستاذة جامعة في باريس، بينما يقول الأستاذ جان برونورنار بتدريس مادة علم النفس في جامعة مونيلييه. سبق لهما ان نشرا معاً كتاب تحت عنوان (الأساطير المدينية: إشاعات اليوم: من مصدر موثوق: الإشاعات الجديدة) كتاب يبحث عنوانه في آليات تكوّن الإشاعات ونشرها في الحقبة الراهنة وذلك عبر محاولة الرد على مجموعة من الأسئلة، وقد أوضحا انتشار الإشاعات في سياق الحياة الحديثة مع الأخذ بعين الاعتبار آثار التقدم التكنولوجي الجديد وخاصة ثمرات ثورة المعلوماتية على رأسها شبكات الإنترنت على آليات تكوّن الإشاعات ورواجها، حيث إن ميزتها الأولى باستمرا هي أنها مجهولة المصدر ومتعددة الأشكال كما إنها محبكة الصنع لكنها كاذبة أو مشكوك بها مع ذلك تتم روايتها باستمرار على أساس أنها تعبر عن حقيقة في إطار أوساط اجتماعية محددة تكون معنية بها بالدرجة الأولى بحيث أنها تعبر عن مخاوفها أو تطلعاتها وتتوزع الإشاعات على مجالات الخوف الغذائي أو البعد التقني أو الإنترنت أو العنف المدني أو الجنسي او ميادين الحياة اليومية وأن تغطي دراستها جميع أشكال الخوف أو تطلع المجتمعات الغربية الحديثة وقد قاما من موقعهما كباحثين في ميدان علم الاجتماع (السوسيولوجيا) بدراسة الأصول التاريخية لبعض أنماط الإشاعات مثل تلك الصادرة عن الأطفال الذين يكتنفون أسرار ما يجري في منازلهم في نهاية عقد الثمانينات الماضي وإنها كانت قد سرت أولاً في الولايات المتحدة الأميريكية ثم إيطاليا، وكانت مثل هذه الإشاعة قد ترددت خلال القرون الوسطى وأصبح لها بذورها في المخيلة الغربية. إن الإشاعات التي يتعرض عالما الاجتماع لدراستها يقارب المائة وثلاثين إشاعة تم التطرق لمحاولة التعريف بأصولها وبقنوات انتشارها حيث أنها تتوصل في بعض المرات إلى اختراق عدة قارات، مثل الأمثال الشعبية. إن الدور الكبير الذي رافق سرعة انتشار الإشاعات بعد وصول شبكات الإنترنت التي حملتها بعيداً وبنفس اللحظة يتم الربط بين الإشاعة وسياقها التاريخي ويبدد أن الحداثة هي نفسها موضوع للقلق وتحمل في طياتها مخاطر انطلاق الإشاعات على قاعدة إمكانيات إنحراف السلطة ووسائل الإعلام، لكن ما هي الأسباب التي تجعل جميع البشر تقريباً مهما اختلفت مشاربهم الفكرية ومستوياتهم العلمية والتربوية، بل ومهما كانت درجة الحذر والشك لديهم بما يقدم لهم من معلومات كانوا قد اعتقدوا ذات يوم بصحة هذه الإشاعة أو تلك؟ !

ويجيب الباحثان الاجتماعيان بأن لمثل هذه الإشاعات وظائفها الاجتماعية كالتعرض بطريقة ملتوية لمشكلة اجتماعية حقيقية أو الكشف عن معلومة مدهشة أو ربما لتنشيط المخيلة الجماعية، لكن بكل الحالات يتم التأكد بأن الوظيفة الأساسية للإشاعات تكمن في محاولة نقل رسالة أخلاقية وفي أغلب الأحيان تكون أخلاقية هذه الإشاعة ومغزاها وحكمتها ذات طبيعة محافظة، مثل التعبير عن الخوف من التقنيات الجديدة أو الخوف مما هو أجنبي وغريب أو من جعل العادات أكثر تحررا، وبالمحصلة الخوف من أي تغيير اجتماعي.

د. عوض إبراهيم عوض

الإشاعة تكون أحياناً عفوية وتروج دون تخطيط أي بشكل تلقائي وفي هذه الحالة قد لا يكون هناك هدف معين منها وإنما تتشكل من الظروف المصاحبة بها والبيئة التي راجت فيه. وفي بعض الأحيان تكون الإشاعة مدروسة ومخططة ومقصودة لذاتها وفي هذه الحالة تكون لها أهداف معينة معرفة اتجاه الرأي العام، أو محاولة احتواء ظاهرة من الظواهر الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية وغيرها، وفي هذه الحالة تعتمد الأهداف على الجهة التي أمرت ببث الإشاعة وتعميمها ورعايتها، وكانت معظم الشائعات التي راجت في السودان قد نبعت من جهات معينة لتحقيق الأهداف المشار إليها آنف.

تكون الشائعة إيجابية إذا كانت مبثوثة لغرض مدروس حي تمكن الجهة الراعية لها من الوصول لمعلومات معينة أو تشكيل واقع محدد يراد منه تقييد المجتمع أو الرأي العام وفقاً للمعطيات المدروسة. سلبيات الإشاعة تكمن في أنها كذبة والكذب دائماً مرفوض ولا يقره الشرع الإسلامي وبالتالي فهو يدخل في جانب المحرمات ثم إنها قد تكون ضارة ببعض الأفراد أو القطاعات.

د. نجم الدين محمد أحمد

تهدف الإشاعة إلى خلق بلبة في أوساط الرأي العام المحلي أو العالمي بغرض إجهاض وصول رسالة ما، أو ترسيخ أخرى محلها تمرير أفكار سالبة، زعزعة قناعات إيجابية، التأثير على مصداقية حكومة ما، أو وسيلة إعلام ما، تسميم الأجواء وبث الزعر أو الخوف، التأثير سلباً أو إيجاباً على مبيعات سلعة ما، ومن سلبياتها تعتبر أداة لخلق الفوضى والبلبلة وأداة لتمرير أفكار مسمومة.

عبد الماجد زين العابدين مالك -مركز الأخبار -الإذاعة

من أهم أهداف الإشاعة خدمة أغراض الدعاية بأنواعها الثلاثة البيضاء والرمادية والسوداء، ومن فوائدها الإيجابية العمل في مجال الحرب النفسية برفع الروح المعنوية للقوات وهدم الجانب المعنوي لدى قوات العدو، وتتمثل السلبيات في توظيف الإشاعة لهدم القيم والأخلاق والمثل الاجتماعية وبث الفتنة والعمل على انبعاثها بما يزعزع وحدة المجتمع ويخلخل النسيج الاجتماعي.

ما هي أضرار الإشاعة؟

لم تخل أمة من الأمم من أن تكون فيها فئة أو جماعة من الناس، تذيع الأخبار وتفشي الأسرار وتشيع الإقاويل خصوصاً ما يتعلق بالحروب والمعارك بقصد سيء كالحاقدين وضعفاء الإيمان يرمون من وراء ذلك تمزيق شمل الأمة وتفريق الكلمة وتشتيت الجمع، وإلقاء العداوة والبغضاء بين الحاكمين والمحكومين أو بقصد حسن كما يحصل من عامة الشعب.

وقد أرشدنا الله عزّ وجلّ إلى أن الأمور التي تتعلق بالأمن والخوف يجب أن نترك الحديث فيها للقائد العام ولأهل الرأي والحل والعقد في الأمة فهم أدرى الناس بها وبالكلام فيها حسبما تقتضيه المصلحة. أما أن نتحدث نحن بما نعرف وما لا نعرف بقصد أو بغير قصد فهذا ضرر وأي ضرر يعود على الأمة قال الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن والخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}. أي الذين يستخرجون تدبيره بفطنتهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدة. وهكذا يجب أن يكون في الأمة رجالٌ أهل بصيرة ورأي في سياستها ومصالحها الاجتماعية وقــــدرة من الاستنباط يرد إليهم أمر الأمــن والخــــوف وســائــر الأمـــور السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهم الذين يسمون في عرف الإسلام أهل الشورى ويُعرفون بالعصر الحديث بالنوّاب (أعضاء مجلس الأمة) وفي هذه الآية إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحقيقها ويخبر بها ويغشيها وينشرها وقد لا تكون صحيحة ولو سكتوا حتى سمعوها من القائد العام وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر لعلموا صحتها وهل هي مما يُذاع أو لا يُذاع. وروى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلّق نساءه جاء من منزله حتى دخل المسجد، فوجد الناس يقولون ذلك، فلم يصبر حتى استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فاستفهمه أطلقت نساءك؟ فقال: لا، قال عمر: الله أكبر، وعند مسلم قال عمر: فقلت: أطلقتهن؟ قال: لا، فقمت على باب المسجد، فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ونزلت الآية: {وإذا جاءهم امر من الأمن أوالخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}وكنت أنا استنط ذلك الأمر.

دور الإشاعة في كسب المعارك:

والإشاعة كثيراً ما يستخدمها العدو بطريق مباشر أو غير مباشر كسلاح قوي يشهره في وجه خصمه لتحطيمه وإضعاف روحه المعنوية حتى لا يقوى على الصمود أمامه. وفي غزوة أحد عندما أشيع قتل النبي صلى الله عليه وسلم لجأ بعض الغزاة المسلمين إلى الفرار، وقيل في سبب ذلك إن عمرو بن قميئة الحارثي لما رمى الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجر فشج رأسه وكسر رباعيته أقبل عليه يريد قتله فنهض عنه مصعب ابن عمير صاحب راية المسلمين يومئذ حتى قُتل فظن ابن قميئة أنه قتل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قتلت محمد فصرخ بها الصارخ، حتى سمعها الكثير من المسلمين وقيل صاح الشيطان قد قتل محمد وفشت في الناس فوهن أكثر المسلمين وضعفوا واستكانوا من شدة الحزن وكانت هذه الإشاعة سبباً في شيوع مقاله السوء حتى قال بعض المنافقين: (لو كان نبياً ما قتل، ارجعوا إلى أخوانكم وإلى دينكم) وقال بعض أصحاب الصخرة أي الذين فروا إلى الجبل فقاموا على صخرة منه (يا قوم إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم إن يأتوكم فيقتلوكم) وفي تلك الساعة الرهيبة التي زاغت فيها الأبصار والبصائر واشتد الكرب حتى بلغت القلوب الحناجر انتهى أنس بن النضر إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد القوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم، قالوا: قتل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أنس: إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم شد سيفه فقاتل حتى قُتل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى عباد الله فاجتمع إليه ثلاثون رجلاً منهم أبوبكر وعلي وطلحة وأبودجانة الذي جعل نفسه ترساً دونه فكان يقع عليه النبل وهو لا يتحرك. ولمّا كانت هذه الإشاعة سبباً في انفضاض بعض المقاتلين عن النبي صلى الله عليه وسلم عاتبهم الله بقوله: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل إنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين}.فأعلم الله في هذه الآية أن الرسل صلوات الله عليهم ليسوا بباقين في أقوامهم أبداً وإنه يجب التمسك بما اتى به المرسلون وإن فُقد الرسول بموت أو قتل قال الله تعال: {إنك ميت وإنهم ميتون}.

كيف نميّز العمل ونبعده عن الإشاعة؟

الاهتمام بالجانب الأخلاقي والقانوني ويمثل هذا الجانب في العمل الإعلامي الجانب المذهبي أو جانب الإلتزام، وهو الذي يعطي العمل الإعلامي الصفة الإسلامية فكلما كان العمل الإعلامي عملاً ملتزماً بالأخلاق والقيم والأحكام الإسلامية أحكام الحلال والحرامكان إعلاماً إسلامياً في أسلوبه وطريقته ومنهجيته، وأما إذا تحلل في أساليبه ووسائله وممارساته من الجانب الأخلاقي و من الإلتزام بالأحكام الشرعية أصبح عملاً غير إسلامي فالكذب والخداع والصور الخليعة والتزييف واللعب بالعواطف والمشاعر واستعمال الكلمات النابية والمهاترات وهتك حرمات المؤمنين واعتيابهم ونشر الرذيلة والفساد الأخلاقي والفكري وما يؤدي للوقوع في الحرام أو ما هو محرم بذاته يجب أن يُستبعد من الإعلام الإسلامي ليحافظ الإعلام الإسلامي على سمعته ورصانته ونقائه وليقوم على أساس بيان الحقيقة وبوسائل نظيفة ملتزمة بالخُلق والأحكام الإسلامية.

كيف نتعامل مع الإشاعة؟

إذا سمع أحدنا إشاعة أو خبراً لا يعرف مصدره أو سمعه من مصدر لا يُوثق به كبعض الإذاعات والصحف والعناصر المعبرة عن مصالح أعدائنا فلا يصح التصديق أو الاعتماد عليه، كما يجب أن نتسلح بالقوة والمناعة النفسية فلا نتأثر بالإشاعات والأخبار التي يروجها خصومنا فقد يشك الإنسان في الخبر أحياناً ولكنه يتأثر به نفسياً فيؤثر على معنوياته وموقفه وبهذا التأثير وبتلك الاستجابة يتحقق غرض الإشاعة المخرّبة والدعاية المعتادة وهذا هدف من أهدافها، إذا سمعـت إشاعــــة أو خبــــراً مرجفاً يستهدف قوة المسلمين ووحدتهم أو مصالحهم فاحذر من أن تنقله فتساهم في نشر الإشاعة المضادة ولو على نحو الرواية بأن تقول يقولوا كذا حتى لا تجند نفسك لخدمة أغراض مصممي الإشاعة، وإذا سمعنا خبراً أو إشاعة صحيحة فاحذر أن تنشر ذلك لأن في نشره ضرر بمصلحة الأمة والرسالة الإسلامية ونشر مثل هذا الخبر يساهم في إضعاف المسلمين ويجعل منك أداة هدم من حيث لا تشعر، ومن الضروري أن يكون الدور الإعلامي الذي ينبغي أن تقوم به العناصر والأجهزة الإسلامية متصفاً بالميادرة والسبق إلى الرأي العام والناس الذين تعيش معهم فتوضح لهم الحقائق وتعرفهم بالأمور السياسية والفكرية والعسكرية قبل أن يُتعرضوا للإشاعة والتضليل، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (قولوا في الفاجر ما فيه ليحذره الناس)، فلا بد من فضح أعداء الإسلام وكشف خططهم وأساليبهم ونواياهم وجرائمهم ليحذرهم الناس وليحذروا عملائهم المسخرين لخدمتهم الذين يفرقون صفوف المسلمين ويشيعون الأباطيل والإشاعات. هذه أفكار ومبادئ أساسية تتعلق بالعمل الإعلامي والدعاية والإشاعة والخبر، ولا بد من مراعاتها لمواجهة الحرب النفسية ولإيصال الحقيقة إلى الناس ولصيانة الرأي العام وحمايته من التضليل والجهل والفوضى.

إذا كانت الإشاعة كسلاح مسموم يستغله العدو أحياناً للنيل من خصمه فالأحرى أن نعمل على وأدها في مهدها وان نقضي عليها بجميع الوسائل الممكنة حرصاً على مصلحة الفرد والجماعة وألا نهتز لها أو نتأثر بها ثقةً بالله واعتماداً عليه وحده القائل: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}، الذين قال لهم الناس وهو نعيم بن مسعود الأشجعي واللفظ عام ومعناه خاص وقيل رَكْبَ عبد القيس مروا بأبي سفيان بن حرب فدسهم إلى المسلمين ليثيطوهم وقيل المنافقون فقد قال السدي لمّا تجهز النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للمسير إلى بدر الصغرى لميعاد أبي سفيان أتاهم المنافقون وقالوا نحن أصحابكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم وعصيتمونا وقد قاتلوكم في ديارهم وظفروا فإن أتيتموهم في دياركم وظفروا فقالوا (حسبنا الله ونعم الوكيل)، وقيل: دخل أناس من هزيل من أهل تهامة المدينة فسألهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي سفيان فقالوا: (قد جمعوا لكم فاخشوهم) أي فخافوهم واحذروهم فإنه لا طاقة لكم بهم فزادهم إيماناً أي تصديقاً ويقيناً وجرأة وقوة واستعداد.

وقد دعانا الإسلام إلى الأدب الكامل والتريث في كل الأمور وحذرنا من العجلة والتسرع وعدم العمل بالخبر قبل الكشف عنه والتثبت فيه لكي نقف على حقائق الأشياء تحاشياً من الوقوع في الأخطاء فكم فرّق الكذب بين الأصدقاء وسفك دماء، وكم كان التسرع في الحكم مدعاة لشن حروب وغارات وإثارة.

هدي عبد الماجد /هاديه الشلالي