�ذكر الحبيب
التصفيق والدف
ذكرنا في نهاية الفصل السابق الإنشاد والسماع الذي هو من عادات
الصوفية في حلق ذكرهم أنه قد يحتاج لإيقاع ينظم حركة الذاكرين مع كثرة عددهم وفي
هذا الفصل نتعرض لهذا الأمر ونشرح علة التصفيق أو علة استخدام الدف ومشروعيته
أثناء الذكر. . وللإمام سيدي فخر الدين في هذا الباب كلام بليغ ننقله عنه فقد قال:
أما التصفيق الذي يحدث من قائد الذاكرين بالضرب على كفيه على مقتضى نغمة الذاكرين
بالذكر فهو جائز لأنه من قبيل النشيد الذي هو مشتق منشأه إشحاذ أذهان الذاكرين
وحملهم على جمع الهمة وجدهم واجتهادهم ليكون باعثاً لهم على قوته وتعلق قلب الذاكر
باسم المذكور سبحانه وتعالى فهو أكبر محرك لمشاعرهم وموافقاً لنفوسهم ومنه
لأرواحهم لتعلقها بخالقها ليكون التوجه منهم ظاهراً وباطناً حتى ينالوا الرحمة
التي وعدهم سبحانه ولا يخرجون من الذكر إلا بحظ وافر كما وعدهم سبحانه وتعالى في
قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} ولا يلذ لهم ذلك ولا
تسهل عليهم تلك الكثرة إلا بذلك المشجع. أما قول أعدائهم المستشهدين بقول الله
تعالى وما كان صلاتهم عند البيت إلا بكاءا وتصدية فهو مردود لأن الله تعالى عاب
على الكافرين صلاتهم بالتغيير له. إن التصفيق لتنظيم حضرة الذكر وشحذ همم
الذاكرين على الذكر حتى يكون معيناً لهم على الإكثار من ذكر الله تعالى يأتي في
مرحلة أخف من ضرب الدف الذي هو مباحاً في المساجد قوله صلى الله عليه وسلم (أعلنُوا
هذا النِّكاحَ واجعلوهُ في المساجدِ، واضربُوا عليهِ بالدُّفوف) سنن الترمذي،
لتنظيم حركة الذكر فإن جاز ضرب الدف لهذا جاز التصفيق وكان من باب أولى وقد جاء من
الأدلة على جواز ضرب الدف الكثير والكثير. وأما ما جاء من الأدلة على جواز ضرب
الدف فقد أخرج البخارى عن خالد ابن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ: جاء النبى
صلى الله عليه وسلم فدخل على صبيحة عرسى فجلس على فراشى كمجلسك منى فجعلت جويرات
لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل أبائى يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبى الله
يعلم ما فى غد فقال صلى الله عليه وسلم: (دعى هذا وقولى ما كنت تقولين) البخارى
وقوله: دعى هذا وقولى بالذى كنت تقولين: فيه إشارة إلى جواز سماع المدح مما ليس
فيه مبالغة تقضى إلى الغلو. ويستفاد من هذا الحديث مشروعية إعلان النكاح بالدف
والغناء المباح. وأخرج البخارى أيضاً عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها زفت
امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبى الله (يا عائشة ما كان معكم هو ؟ فإن الأنصار
يعجبهم اللهو). (عمدة القارىء فى شرح صحيح البخارى).� وفى رواية شريك: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فهل بعثتم جارية تضرب بالدف وتغنى ؟ قلت: نعم، قال:ماذا تقول؟ قلت: تقول:
أتينــاكـــم
أتينــاكـــم���
فحيانا
وحيـــــــــاكـم
ولولا الذهب الأحمـــــــر����� ما حلت بواديكـــــــــم
ولولا الحنطة السمــــــرا���
ما سمنت عذاريكـــــــم
وفي الحديث دلالة على جواز اللهو فى وليمة النكاح كضرب الدف والغناء
لإعلان النكاح وإظهاره وانتشاره حتى تثبت الحقوق فيه.
أحمد عبد المالك
تاريخ المدينة المنورة - العهد الراشدي
المدينة في خلافة أبي بكر (11 ـ
13هـ)
كانت المدينة المنورة في معظم هذا العهد عاصمة الدولة الإسلامية
المتنامية ومركز توجيه الفتوحات ونشر الإسلام في الأمصار، ومركز الحركة السياسية
والنشاط الاقتصادي. تولى أبو بكر الصديق الخلافة بعد مداولات بين المهاجرين
والأنصار جرت في سقيفة بني ساعدة، فبعث جيش أسامة بن زيد الذي أمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بتجهيزه قبل وفاته إلى أطراف الشام، وامتنعت بعض القبائل التي لم
يتمكن منها الإسلام بعد عن دفع الزكاة وارتدت بعض القبائل وادعى بعض الأفراد
النبوة، وجمعوا حولهم أنصارهم، واقتربت قبائل أخرى من المدينة طمعاً ببعض المغانم،
واجتهد أبو بكر في تثبيت الأمن في المدينة، وقاد بنفسه حملات سريعة لإبعاد الطامعين
وتأمين المدينة.
ولما عاد جيش أسامة بالنصر والغنائم جهز حملات أخرى لتأديب مانعي
الزكاة وقتال المرتدين والمتنبئين، وصارت المدينة منطلقاً لحملات نشطة استطاعت أن
تعيد الأمن والطمأنينة إلى الجزيرة العربية، ثم تحولت إلى حركة فتوحات في الشام
والعراق.
وانخرط كثير من أهل المدينة في الجهاد واستشهد عدد كبير منهم معظمهم
من حفظة القرآن، فأمر أبو بكر بجمع القرآن في مصحف موحد فجمع. ووردت إلى المدينة
الغنائم والسبايا، وأعتق الكثير منهن الإسلام وتزوجن، لينشأ جيل جديد تتعدد دماؤه
انصهر في مجتمع المدينة. وتوفي أبو بكر في 22 جمادى الآخرة عام
13 هـ، والمدينة عاصمة لمنطقة واسعة تشمل الجزيرة العربية كلها وجنوب
بلاد الشام.
�المدينة في خلافة عمر بن الخطاب (13 ـ
24 هـ)
تولى عمر بن الخطاب الخلافة سنة
13 للهجرة، وكان إدارياً حازماً صاحب
اجتهاد وفراسة، فانتدب الناس للجهاد وتوسيع الفتوحات في بلاد الشام وفارس وفتحها
الله في عهده ووردت الأموال الكثيرة إلى المدينة فأحدث عمر ديواناً للعطاء فرض فيه
لكل مولود مسلم راتباً سنوياً يأخذه طوال عمره، وأحدث دواوين الجند والبريد، وحرص
على تفقد أمور الرعية بنفسه، فكان يخرج في الليل والنهار ويطوف في الأسواق والشوارع
ويتتبع أحوال الناس باهتمام بالغ.
فعاشت المدينة سنوات من الطمأنينة والرخاء والازدهار وهاجر إليها
كثيرون واتسع العمران، وضاق المسجد النبوي بالمصلين فأضاف إليه عمر أرضاً من الدور
المجاورة ووسعه.
وفي سنة
18 هـ أحدث القحط مجاعة في المنطقة وزحفت القبائل إلى أطراف المدينة
تستغيث فخصص لها عمر ما يكفي من الطعام وأقام الموائد الجماعية وكتب إلى الأمصار
يطلب النجدة، وكان يطوف بنفسه على البيوت والخيام ويراقب توزيع الطعام وهو جائع لا
يأكل حتى يأكل الآخرون، ثم جمع الناس وعلى رأسهم العباس عم رسول الله صلى الله عليه
وسلم وصلى بهم صلاة الاستسقاء فكشف الله الغمة وهطلت الأمطار ووصلت النجدات من
الأمصار كما وصلت غنائم الفتوحات وخاصة كنوز كسرى وحاشيته فوزعها عمر على الناس،
ونفذ عمر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج غير المسلمين من جزيرة العرب،
وصفت المدينة وبقية الجزيرة للمسلمين، وانتشر العدل والرخاء وطلب عمر من الله أن
يرزقه الشهادة في المدينة، فاستجاب له، وطعنه أبو لؤلؤة المجوسي الحاقد على الإسلام
والمسلمين وهو في صلاة الفجر فتوفي بعد ثلاثة أيام في أول المحرم سنة
24
هـ.
معجم البلدان للحموي بتصرف
|