شهر
الصوم على
لسان
الإمامين
قال سيدي عبد الوهاب الشعراني إن معظم محبتنا
للصوم من حيث كون الله تعالى قال (الصوم لي)، لا من حيثية أخرى كطلب ثواب أو تكفير
خطيئة ونحو ذلك، فإن من عمل لله تعالى كفاه هم الدنيا والآخرة وأعطاه ما لا عين رأت
ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فضلا عن الثواب وتكفيرا الخطايا، وغيرهما من
الأغراض النفسانية في الدنيا والآخرة، ولم يبلغنا عن الله تعالى أنه قال في شيء من
العبادات إنه له خالصا إلا الصوم.
فلولا مزيد خصوصية ما أضافه إليه،وسمعت سيدي
عليا الخواص رحمه الله يقول: معنى قوله تعالى (الصوم لي) يعني من حيث إنه صفة
صمدانية ليس فيه أكل ولا شرب ولذلك أمر الصائم أن لا يرفث ولا يفسق، ولا يقول الهجر
من الكلام أدبا مع الصفة الصمدانية التي تلبس بنظير اسمها،وقال سفيان بن عيينة في
معنى قوله تعالى: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، قال: إذا
كان يوم القيامة يحاسب الله تعالى عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى
لا يبقى إلا الصوم فيحمل الله تعالى ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة
وهو كلام غريب،ومن فوائد الصوم أن يسد مجاري الشيطان من بدن الصائم ويصير عليه
كالجنة فلا يجد الشيطان من بدنه مسلكا يدخل إلى قلبه منه من العام إلى العام، ومن
الاثنين إلى الخميس أو من الخميس إلى الاثنين، أو من الأيام البيض إلى الأيام
البيض، أو من الشهر الحرام إلى الشهر الحرام، أو من عاشوراء إلى عاشوراء، أو من يوم
عرفة إلى يوم عرفة، كل صوم يكون جنة منه إلى نظيره من الصوم الذي بعده كل جنس بما
يقابله، فللاثنين دائرة وللخميس دائرة، وللأيام البيض دائرة، وللشهر الحرام إلى
مثله دائرة، وليوم عرفة إلى مثله دائرة، وليوم عاشوراء إلى مثله دائرة، ولكل دائرة
حفظ من أمور خاصة، بها فلا يصل إبليس إلى العبد ليوسوس له بها كنظيره من الصلاة
والزكاة والحج والوضوء والركوع والسجود، فلكل منهما ذنوب تكفر بها، فلا يكفر عمل ما
يكفر غيره من الأعمال، ويؤيد ما قلناه خبر مسلم مرفوعا: الصلوات الخمس والجمعة إلى
الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر،وسمعت سيدي عليا
الخواص رحمه الله يقول: إنما كان صوم رمضان شهرا كاملا إما تسعا وعشرين أو ثلاثين،
لأن أصل مشروعيته كان كفارة للأكلة التي أكلها آدم عليه السلام من الشجرة، فأمره
الله تعالى بصومه كفارة لها، وقد ورد أنها مكثت في بطنه شهرا حتى ذهبت فضلاتها،
وورد الشهر يكون ثلاثين ويكون تسعا وعشرين فافهم،واعلم أن فائدة الصوم لا تحصل إلا
بالجوع الزائد على الجوع الواقع عادة في غير رمضان فمن لم يزد في الجوع في رمضان
فحكمه كحكم المفطر، سواء في عدم سد مجاري الشيطان لا سيما إن تنوع في المآكل
والمشارب وأنواع الفواكه وتعشى عشاء زائدا عن الحاجة، ثم تعتم بالكنافة أو الحلاوة
أو الجبن المقلي ثم تسحر آخر الليل كذلك، فإن مثل هذا ينفتح من بدنه للشيطان مواضع
زائدة عن أيام الإفطار فتكثر مجاري الشيطان التي يدخل منها إلى هلاكه في مثل هذا
الشهر العظيم، الذي فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وهي مدة أعمار الناس الغالبة
وهي ثلاث وثمانون سنة، فلو وزنت عبادة العبد طول هذا العمر مع أعماله في ليلة القدر
لكانت ليلة القدر أرجح من سائر أعماله الخالصة الدائمة التي لا يتخللها فتور فكيف
بالأعمال التي دخلها الرياء وتخللها معاص وسيئات وغفلات وشهوات، ومن نظر بعين
البصيرة وجد جميع صوم الأيام التي قبل ليلة القدر كالاستعداد والتطهير للقلب حتى
يتأهل لرؤية ربه عز وجل في تلك الليلة وأظن غالب كبراء الزمان فضلا عن غيرهم غارقين
فيما ذكرناه فيمضي عليهم شهر رمضان، وقد زاد قلبهم ظلمة بأكل الشهوات والنوم، وقد
كان المؤمن في الزمن الماضي لا يخرج من صوم رمضان إلا وهو يكاشف الناس بما في
سرائرهم لشدة الصفاء الذي حصل عنده من توالي الطاعات وعد المخالفات، وسمعت الشيخ
إبراهيم عصفور المجذوب رضي الله عنه يقول: والله إن صوم هؤلاء المسلمين باطل لأكلهم
عند الإفطار اللحم والحلاوات والشهوات، وما عندي صوم إلا صوم القوم الذين يفطرون
على زيت أو خل ونحو ذلك.� وكان الناس لا يهتدون لمعاني إشاراته لكونه
مجذوبا وكنت أنا أفهم معاني كلامه وإشاراته وتوبيخاته كأنه يقول المسلمون لا ينبغي
لهم في رمضان إلا الجوع الشديد،وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: من أدب
المؤمن إذا أفطر عنده الصائمون أن لا يشبعهم الشبع العادي وإنما يشبعهم شبع السنة،
وقد قال صلى الله عليه وسلم حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، قال أهل اللغة:
واللقيمات جمع لقمة من الثلاث إلى التسعة، فمتى أخرج الإنسان لمن أفطر عنده أكثر من
تسع لقيمات فقد أساء في حقه، ولا بقي له أجر إفطاره بما حصل له من تعدي السنة، وهذا
الأمر لا يفعله إلا من خرج عن حكم الطبع ومعاملة المخلوقين إلى قضاء الشريعة،
ومعاملة الله وحده حتى صار يشفق على دين أخيه المسلم أكثر مما يشفق هو على نفسه،
وعلامات خروجك من حكم الطبع أن لا تتأثر من ذمه فيك بين الأعداء إن لم تشبعه، لأن
حكم يتعدى السنة مع العارف كحكم الطفل على حد سواء والطفل لا يجاب إلى كل ما اشتهت
نفسه: وكان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يخرج للصائمين أقل من عادتهم في
الإفطار فاشتكوا النقيب له فقال إن شكوتم منه في الدنيا فسوف تشكرونه في الآخرة،
ومن وصية سيدي علي الخواص رحمه الله: إياك أن تخرج للضيف في رمضان كشيخ العرب أو
غيره فوق رغيف خوفا أن يتكدر منك إن لم تشبعه، فإنه لو كشف له عن صنيعك معه لقبل
رجليك، وقال جزاك الله عني خيرا الذي لم تعطي نفسي الخبيثة حظها من شهواتها، وسعيت
في كمال صومها،فاسلك يا أخي على يد شيخ حتى يخرجك عن حكم الطبيعة وتصير تعامل الخلق
بالرحمة والشفقة، وإلا فمن لازمك الخوف من عتاب المخلوقين، وسمعت سيدي عليا الخواص
رحمه الله يقول: أولياء الله أشفق على العباد من أنفسهم لأنهم يمنعونهم من الشهوات
التي تنقص مقامهم وهم لا يفعلون بأنفسهم ذلك أبدا ما أمكنهم وراثة محمدية، فاعلم
ذلك واعمل له، والله يتولى هداك:
﴿وهو يتولى الصالحين﴾.
جمع
وترتيب
سعد
الدين المصري
بالحقائق
ناطقين
سجن
المؤمن وجنة
الكافر
مرت السيدة رابعة العدوية رحمها الله برجل وهو
يذكر الجنة وما أعد الله فيها، فقالت له: يا هذا إلى متى تشتغل بالأغيار عن الواحد
الجبار، ويحك، عليك بالجار ثم الدار، فقال لها: اذهبى يا مجنونة، فقالت: أنا لست
بمجنونة وإنما المجنون من لم يفهم ما أقول، يا مسكين الجنة سجن من لم يكن الله
أنيسه، والنار بستان من كان الله مؤنسه وجليسه، ألا ترى إلى آدم لما كان فى الجنة
يرتع ويتهنى فلما تعرض للأكل من الشجرة صارت عليه سجنا، وإبراهيم الخليل لما حفظ
سره لمولاه قربه واجتباه فلما طرح فى النار صارت عليه بردا وسلام.
فعبادة
الله طلبا
للجنة عبادة
تجار وعبادة الله
خوفا من النار
عبادة عبيد
أرقاء ولكن
العبادة
للمعبود
المشهود
الموجود
عبادة المحب الموله
ولذا كان
الصيام من
العبادات ذات
المكانة
الخاصة بين
أقرانه من
الفرائض (إلا
الصوم فإنه لي
وأنا أجزي به) ما
أجمل الصيام
الذي يربطك
بالمولى في خط
مباشر
لايتدخل فيه
رقيب ولا عتيد
فالنية محلها
القلب لا
اللسان، وفي
رمضان يقول لك
الناس لاتغتت
أحدا ولا تفحش
بالقول أو الفعل
فذلك يفسد
الصيام، ولكن
هذا محرم أيضا
في غير رمضان
ولك في شهر
الصيام يحرم
عليك الحلال لأن
الحرام حرام
في رمضان وفي
غير رمضان أما
في رمضان
فتتخلى عما
أحل الله لك
من طعام وشراب
وجماع لتفسح
الطريق للروح
لكي تتنفس
وتنمو في
رمضان وتعلو
مطالب الروح
وأغذيتها على
مطالب الجسد
وشهواته
فترتقي الروح
وتعود لتكون
لها السيادة
على الجسد بعد
غياب قد طال
والله
قد كتب الصيام
بفضله كي
لاتضيق الروح
بالأبدان
هاديه
الشلالي
الـصــوم جُــنــة
روى الشيخان وغيرهما واللفظ للبخاري أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه
لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو
قاتله فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده لَخَلُوفِ فم الصائم أطيب عند الله من
ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر وإذا لقي ربه فرح بصومه وفي رواية
لمسلم:كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى
إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي،وفي رواية لمالك وأبي
داود والترمذي: وإذا لقي الله عز وجل فجزاه فرح الحديث قلت: وإنما كان الصائم يفرح
بهذين الشيئين لأن الإنسان مركب من جسم وروح فغذاء الجسم الطعام وغذاء الروح لقاء
الله، ومعنى قوله الصيام جنة بضم الجيم وما يجن العبد ويستره ويقيه مما يخاف، إن
الصوم يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المعاصي والرفث يطلق ويراد به الجماع ويطلق
ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به خطاب الرجل للمرأة فيما يتعلق بالجماع وقال كثير من
العلماء: المراد به في هذا الحديث الفحش ورديء الكلام والخلوف: بفتح الخاء وضم
اللام هو تغير رائحة الفم من الصيام.
وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا: الصيام لله عز
وجل لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل وروى الطبراني ورواته ثقات مرفوعا: صوموا
تصحوا وروى الإمام أحمد بإسناد جيد والبيهقي مرفوعا: الصيام جنة وحصن حصين من النار
وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه: الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال وروى
الإمام أحمد والطبراني والحاكم ورواتهم محتج بهم في الصحيح مرفوعا:الصيام والقرآن
يشفعان للعبد يوم القيامة فيقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب والشهوة فشفعني
فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان وروى ابن ماجه
مرفوعا:لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم وروى البيهقي مرفوعا:إن للصائم عند فطره
لدعوة لا ترد وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه واللفظ له وابن ماجه وابن خزيمة وابن
حبان في صحيحه مرفوعا:ثلاث لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر وروى الشيخان وغيرهما
مرفوعا:ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن
النار سبعين خريفا قال الحافظ: قد ذهب طوائف من العلماء إلى أن الحديث في فضل الصوم
في الجهاد وبوب على ذلك الترمذي وغيره، وذهبت طائفة إلى أن كل صوم في سبيل الله إذا
كان خالصا لله تعالى وفي قوله تعالى
﴿فمن كان منكم مريضا﴾ للمريض حالتان: إحداهما: ألا يطيق الصوم
بحال، فعليه الفطر واجبا الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له
الفطر ولا يصوم إلا جاهل قال ابن سيرين: متى حصل الإنسان في حال يستحق بها اسم
المرض صح الفطر، قياسا على المسافر لعلة السفر، وإن لم تدع إلى الفطر ضرورة قال
طريف بن تمام العطاردي: دخلت على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل، فلما فرع قال:
إنه وجعت أصبعي هذه وقال جمهور من العلماء: إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه أو يخاف
تماديه أو يخاف تزيده صح له الفطر قال ابن عطية: وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك وبه
يناظرون وأما لفظ مالك فهو المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به.
وقال ابن خويز منداد: واختلفت الرواية عن مالك
في المرض المبيح للفطر، فقال مرة: هو خوف التلف من الصيام وقال مرة: شدة المرض
والزيادة فيه والمشقة الفادحة وهذا صحيح مذهبه وهو مقتضى الظاهر، لأنه لم يخص مرضا
من مرض فهو مباح في كل مرض، إلا ما خصه الدليل من الصداع والحمى والمرض اليسير الذي
لا كلفة معه في الصيام وقال الحسن: إذا لم يقدر من المرض على الصلاة قائما أفطر،
وقاله النخعي وقالت فرقة: لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة المرض نفسه إلى الفطر،
ومتى احتمل الضرورة معه لم يفطر وهذا قول الشافعي رحمه اللّه تعاليقلت: قول ابن
سيربن أعدل شيء في هذا الباب إن شاء اللّه تعالى قال البخاري: اعتللت بنيسابور علة
خفيفة وذلك في شهر رمضان، فعادني إسحاق بن راهوية نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا
أبا عبدالله؟ فقلت نعم فقال: خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة قلت: حدثنا عبدان عن ابن
المبارك عن ابن جريج قال قلت لعطاء: من أي المرض أفطر؟ قال: من أي مرض كان، كما قال
اللّه تعالى:﴿فمن كان منكم مريضا﴾ قال البخاري: وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق
وقال أبو حنيفة: إذا خاف الرجل على نفسه وهو صائم إن لم يفطر أن تزداد عينه وجعا أو
حماه شدة أفطر .
محمد
عبد الهادي
السيد
|