وحسين من به سر الفدا

الـمـراقـبـة

 

وحسين من به سر الفدا ***�  للذبيحين فلم يضطربا

استشهد في يوم عاشوراء أبو عبد اللّه الحسين بن علي بن أبي طالب، سبط رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وريحانته، بكربلاء، عن ست وخمسين سنة، ومن أسباب ذلك: أنه كان قد أبى البيعة ليزيد، حين بايع له أبوه الناس، رابع أربعة: عبد اللّه بن عمر، وعبد اللّه بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلما مات معاوية جاءت كتب أهل العراق إلى الحسين، يسألونه القدوم عليهم، فسار بجميع أهله، حتى بلغ كربلاء، موضعاً بقرب الكوفة، فعرض له عبد اللّه بن زياد، فقتلوه، وقتلوا معه ولديه: علياً الأكبر، وعبد اللّه، وأخوته: جعفراً، ومحمداً، وعتيقاً، والعباس الأكبر، وابن أخيه: قاسم بن الحسن، وأولاد عمه محمداً وعوناً: ابنا عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، ومسلم بن عقيل بن أبي طالب، وابنيه: عبد اللّه، وعبد الرحمن، ومختصر ذلك: أن يزيد لما بويع له بعد موت أبيه، وكان أبوه بايع له الناس، فأرسل يزيد إلى عامله بالمدينة الوليد بن عتبة يأخذ له البيعة، فأرسل إلى الحسين وعبد اللّه بن الزبير، فأتياه ليلاً، وقالا له: مثلنا لا يبايع سراً، بل على رؤوس الأشهاد، ثم رجعا، وخرجا من ليلتهما، في بقية من رجب، فقدم الحسين مكة، وأقام بها، وخرج منها يوم التروية إلى الكــوفة، فبعث عبد اللّه بن زياد لحربه عبيد اللّه بن الحارث التميمي وقال له أن جعجع بالحسين، أي احبسه الجعجاع، المكان الضيق، ثم أمر معمر بن سعيد في أربعة آلاف، ثم صار عبيد اللّه بن زياد يزيد في العسكر، إلى أن بلغوا اثنين وعشرين ألفاً، واتفقوا على قتله يوم عاشوراء، قيل: يوم الجمعة، وقيل: السبت، وقيل: الأحد، بموضع يقال له: الطف، وقتل معه اثنان وثمانون رجلاً، فيهم الحارث بن يزيد التميمي، لأنه تاب آخراً، حين رأى منعهم له من الماء، وتضييقهم عليه، قيل: ووجد بالحسين رضي اللّه عنه ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة، وقتل معه من الفاطميين سبعة عشر رجلاً، وقال الحسن البصري: أصيب مع الحسين ستة عشر رجلاً من أهل بيته، ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبيه، وجاء بعض الفجرة برأسه إلى ابن زياد، وهو يقول:

أوقر ركابي فضة وذهباً

إني قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أماً وأباً

الإنتقام لهم في عهد المختار

هرب أشراف الكوفة إلى البصرة إلى مصعب بن الزبير، وكان ممن هرب لقصده شمر بن ذي الجوشن قبحه الله، فبعث المختار في أثره غلاماً له يقال: زرنب، فلما دنا منه قال شمر لأصحابه: تقدموا وذروني وراءكم بصفة أنكم هربتم وتركتموني حتى يطمع فيَّ هذا العلج، فساقوا وتأخر شمر فأدركه زرنب فعطف عليه شمر فدق ظهره فقتله، وسار شمر وتركه، وكتب كتاباً إلى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة ينذره بقدومه عليه، ووفادته إليه، وكان كل من فر من هذه الوقعة يهرب إلى مصعب بالبصرة، وبعث شمر الكتاب مع علج من علوج قرية قد نزل عندها يقال لها: الكلبانية عند نهرٍ إلى جانب تلٍ هناك، فذهب ذلك العلج فلقيه علج آخر فقال له: إلى أين تذهب؟

قال: إلى مصعب، قال: ممن؟قال: من شمر، فقال: اذهب معي إلى سيدي، وإذا سيده أبو عمرة أميري حرس المختار، وهو قد ركب في طلب شمر فدله العلج على مكانه فقصده أبو عمرة، وقد أشار أصحاب شمر عليه أن يتحول من مكانه ذلك، فقال لهم: هذا كله فرق من الكذاب، والله لا أرتحل من ههنا إلى ثلاثة أيام حتى أملأ قلوبهم رعبا، فلما كان الليل كابسهم أبو عمرة في الخيل فأعجلهم أن يركبوا أو يلبسوا أسلحتهم، وثار إليهم شمر بن ذي الجوشن فطاعنهم برمحه وهو عريان، ثم دخل خيمته فاستخرج منها سيفاً وهو يقول:

نبهتم ليث عرينٍ بــــاسلا        جهماً محياه يدق الكاهـــلا

لم ير يوماً عن عدوٍ ناكــلا         إلا أكرَّ مقاتلاً أو قــاتــلا

يزعجهم ضرباً ويروي العاملا

ثم ما زال يناضل عن نفسه حتى قتل، فلما سمع أصحابه وهم منهـزمون صوت التكبير، وقول أصحاب المختار: الله أكبر قتل الخبيث، عرفوا أنه قد قـتل قبحه الله، قال أبو مخنف: عن يونس بن أبـي إسحاق قال: ولما خرج المختار من جبانة السبيع، وأقبل إلى القصر يعني: منصرفه من القـتـال ناداه سراقة بن مرداس بأعلا صوته وكان فـي الأسـرى.

أمنن عليّ اليوم يا خير معد        وخير من حل بشحر والجند

وخير من لبى وصام وسجد

قال: فبعث إلى السجن فاعتقله ليلة، ثم أطلقه من الغد، فأقبل إلى المختار وهو يقول:

ألا أخبر أبــــا إسحاق أنا         نــــزونا نزوةً كانت علينا

خرجنا لا نرى الضعفاء شيئـا        وكــان خروجنا بطراً وشينا

نراهم في مــــصافهم قليلا        وهم مثل الربــا حين التقينا

بـــــرزنا إذ رأيناهم فلما        رأينـــا القوم قد برزوا إلينا

رأينــا منهم ضرباً وطـحنا         وطـــعناً صائباً حتى انثنينا

نصرت على عدوك كـل يوم         بكل كثيبةٍ تنعى حــــسيناً

كنصر مــحمدٍ في يـوم بدر        ويوم الشعب إذ لاقى حُــنينا

فاسجح إذ ملكت فلو مـــلكنا       لجرنا في الحكومــة واعتدينا

تقبــــــل توبةً مني فإني      سأشكر إذ جعلت العفو دينــا

وجعل سراقة بن مرداس يحلف أنه رأى الملائكة على الخيول البلق بين السماء والأرض، وأنه لم يأسره إلا واحد من أولئك الملائكة، فأمره المختار أن يصعد المنبر فيخبر الناس بذلك، فصعد المنبر فأخبر الناس بذلك، فلما نزل خلا به المختار، فقال له: إني قد عرفت أنك لم تر الملائكة، وإنما أردت بقولك هذا: أني لا أقتلك، ولست أقتلك فاذهب حيث شئت لئلا تفسد عليَّ أصحابي،

فذهب سراقة إلى البصرة إلى مصعب بن الزبير وجعل يقول:

ألا أخبر أبا إسحاق أني رأيت       البلق دهماً مـــــصمتات

كفرت بوحيكـم وجعلت نذرا       عليّ قتالكم حتى الممـــات

رأيت عيـناي ما لم تبصراه        كلانا عالمٌ بالترهـــــات

إذا قالوا أقول لهم كـــذبتم        وإن خرجوا لبست لهـم أداتي

قالوا: ثم خطب المختار أصحابه فحرضهم في خطبته تلك على من قتل الحسين من أهل الكوفة المقيمين بها، فقالوا: ما ذنبنا نترك أقواماً قتلوا حسيناً يمشون في الدنيا أحياء آمنين، بئس ناصرو آل محمد، إني إذاً كذاب كما سميتموني أنتم، فإني بالله أستعين عليهم، فالحمد لله الذي جعلني سيفاً أضربهم، ورمحاً أطعنهم، وطالب وترهم، وقائماً بحقهم، وأنه كان حقاً على الله أن يقتل من قتلهم، وأن يذل من جهل حقهم، فسموهم ثم اتبعوهم حتى تقتلوهم، فإنه لا يسيغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم، وأنفي من في المصر منهم، ثم جعل يتتبع من في الكوفة وكانوا يأتون بهم حتى يوقفوا بين يديه، فيأمر بقتلهم على أنواع من القتلات مما يناسب ما فعلوا،

ومنهم من حرقه بالنار، ومنهم من قطع أطرافه وتركه حتى مات، ومنهم من يرمى بالنبال حتى يموت، فأتوه بمالك ابن بشر فقال له المختار: أنت الذي نزعت برنس الحسين عنه؟فقال: خرجنا ونحن كارهون فامنن علينا، فقال: اقطعوا يديه ورجليه، ففعلوا به ذلك ثم تركوه يضطرب حتى مات، وقتل عبد الله بن أسيد الجهني وغيره شر قتلة.

مقتل خولي بن يزيد الأصبحي الذي احتز رأس الحسين

بعث إليه المختار أبا عمرة صاحب حرسه، فكبس بيته فخرجت إليهم امرأته فسألوها عنه فقالت: لا أدري أين هو، وأشارت بيدها إلى المكان الذي هو مختف فيه وكانت تبغضه من ليلة قدم برأس الحسين معه إليها، وكانت تلومه على ذلك واسمها العبوق بنت مالك بن نهار بن عقرب الحضرمي، فدخلوا عليه فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة فحملوه إلى المختار فأمر بقتله قريباً من داره، وأن يحرق بعد ذلك، وبعث المختار إلى حكيم بن فضيل السنبسي وكان قد سلب العباس بن علي بن أبي طالب يوم قتل الحسين فأخذ فذهب أهله إلى عدي بن حاتم، فركب ليشفع فيه عند المختار، فخشي أولئك الذين أخذوه أن يسبقهم عدي إلى المختار فيشفعه فيه،

فقتلوا حكيماً قبل أن يصل إلى المختار، فدخل عدي فشفع فيه فشفعه فيه، فلما رجعوا وقد قتلوه شتمهم عدي وقام متغضباً عليهم وقد تقلد منة المختار، وبعث المختار إلى يزيـد بن ورقاء وكان قد قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل، فلما أحاط الطلب بداره خرج فقاتلهم فرموه بالـنــبل والحجارة حتى سقط، ثـم حرقوه وبه رمق الحياة، وطلب المختار سـنان بن أنس، الذي كان يدعي أنه قتل الحسين، فوجدوه قد هرب إلى البصرة أو الجزيرة فهدمت داره، وكان محمد بن الأشعث بن قيس ممن هرب إلى مصعب فأمر المختار بهدم داره، وأن يبنى بها دار حجر بن عدي التي كان زياد هدمه.

الـمـراقـبـة

قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه درر الغواص في فتاوي الخواص نقلاً عن الإمام الخواص رضي الله عنه: وسألته رضي الله تعالى عنه عن المراقبة على التجريد عن رؤية الأسباب والأكوان هل هي أتم من المراقبة للحق تعالى في جميع الحالات من غير تجريد ولا رؤية؟ فقال رضي الله تعالى عنه: المراقبة لله تعالى عيناً لا تصح لأن المراقب ما راقب إلا ما تخيله في نفسه وتعالى الله عن ذلك فما راقب المراقب أو أنس إلا بما من الله لا بالله ثم قال واعلم أن المراقبة من حيث هي تنشأ عن إصلاح الجسد بواسطة القلب كما أن إصلاح القلب بواسطة إصلاح الطعمة وكما أن إصلاح الطعمة بواسطة الكسب في الكون مع التوكل على الله تعالى فإن التوكل هو عين المراقبة وكان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله تعالى عنه يقول المراقبة لله تعالى تكون من الله ابتلاء ومن العبد في النهاية اكتساب ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أكون عبداً شكوراً ولم يقل شاكر.

وسألته رضي الله تعالى عنه عن الطعمة هي تؤثر في القلب أكثر مما يؤثر السلب؟ فقال: نعم إلا أنه إذا استمر توجيه القلب إلى الحق في كل حركة وسكون من غير علة فباب الفتح موجود ولابد من دوام العبد متوجهاً فالمدد فياض على قلب من أريد له الكمال.

قال الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود في كتاب المدرسة الشاذلية الحديثة: من آداب الذكر فيما يرى الشيخ رضي الله عنه:

أن يجلس في الذكر على هيئة المتشهد متوضئ مستقبل القبلة ما أمكن مغمضاً عينيه وألا يشغل قلبه حال الذكر إلا بالمذكور وأن يراقب صورة شيخه في جميع عباداته وأن يستمد بقلبه من شيخه وأن يلاحظ أن استمداده من شيخه هو الاستمداد من النبي صلى الله عليه وسلم الصادق نائب عنه.

وقال الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم- أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الخرطوم سابقاً- الباب الثاني في الطريق وما يناله السالك في كتاب دستور السالكين، طريق رب العالمين:

... أذنه بالاسم المفرد اسم الجلالة بعدد مخصوص.. يجعل له من هذا العدد مقداراً في الخلوة يغمض عينيه عند ذكره ويستحضر المرشد قائلاً: الله الله الله وعاقبة كل مائة في الخلوة، فإذا أتم العدد المأذون به وظهرت عليه أحوال الخوف من مقام ربه والخشية التي تحصل لأهل الحضور مع المذكور جل جلاله لقنه الاسم الأعظم الله بالمد مرة وثلاثاً بالقصر، ويجعل له خلوة يذكر فيها الاسم الأعظم كما بينت مغمضاً عينيه متحضراً المرشد حتى يراه معه لتحصل له الطمأنينة عند ابتلاج أنوار الذكر، فإذا منحه الله السكينة وتولاه الولي القريب المجيب وصار قلبه مطمئناً لديها يبشر بالفتح القريب ولديها يلقنه الاسم الأعظم الله بالمد منقوش.

قال الأستاذ حسن البنا في كتابه المأثورات:

ورد الرابطة:

يتلو المسلم الآية الكريمة في تدبر كامل: ﴿قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب﴾.

ثم يتلو الدعاء المأثور بعد ذلك اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي ثم يستحضر صورة من يعرف من إخوانه في ذهنه ويستشعر الصلة الروحية بينه وبين من لم يعرفه منهم ثم يدعو لهم بمثل هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم إن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك والتقت على طاعتك وتوحدت على دعوتك وتعاهدت على نصرة شريعتك فوثق اللهم رابطتها وأدم ودها واهدها سبله...ووقت هذا الورد ساعة الغروب تماماً من كل ليلة.

الأستاذ أحمد عبد المالك