|
من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -
37 |
12-(ومنهم رضي
الله عنهم: الاخلاء)
ولا عدد
يحصرهم بل
يكثرون
ويقلون. قال تعالى: ﴿واتخذ الله ابراهم خليل﴾
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذاً خليلاً لا تخذت أبا بكر خليلاً ولكن
صاحبهم خليل الله).
13-(ومنهم رضي
الله عنهم: السمراء)
ولا عدد يحصرهم وهم صنف خاص من أهل الحديث
وهذا الصنف لا حديث لهم مع الأرواح فحديثهم مع الله تعالى.
14-(ومنهم رضي
الله تهم: الورثة)
وهم
ثلاثة
أصناف: ظالم
لنفسه ومقتصد
وسابق
بالخيرات. قال
تعالى: ﴿ثم
أورثنا
الكتاب الذين
اصطفينا من
عبادنا فمنهم
ظالم لنفسه
ومنهم مقتصد
ومنهم سابق
بالخيرات بإذن
الله ذلك هو
الفضل الكبير﴾
وقال صلى الله
عليه وسلم (العلماء
ورثة
الأنبياء) وأما
قوله تعالى في
الوارث
المصطفى أنه
ظالم لنفسه
يريد حال أبي
الدرداء
وأمثاله من
الرجال الذين
ظلموا أنفسهم
لأنفسهم أي من
أجل أنفسهم
حتى يسعدوها
في الآخرة
وذلك أن
رسـول
الله صلى الله
عليه وسلم قال:
(إن لنفسك
عليك حقاً
ولعينك عليك
حقاً) فإذا
صام الإنسان
دائماً وسهر
ليله ولم� ينم فقد
ظلم نفسه في
حقها وعينه في
حقها وذلك
الظلم لها من
أجلها ولهذا
قال: ﴿ظالم لنفسه﴾. فإنه
أراد بها
العزائم
وارتكاب
الأشد لما عرف
منها ومن
جنوحها إلى
الرخص
والبطالة
وجاءت السنة
بالأمرين
لأجل الضعفاء
فلم يرد الله
تعالى بقوله: ﴿ظالم
لنفسه﴾ الظلم
المذموم في
الرع، فإن ذلك
ليس بمصطفى، وأما
الثاني من
ورثة الكتاب
فهو المقتصد
وهو الذي يعطي
نفسه حقها م
راحة الدنيا
ليستعين بذلك
على ما يحملها
عليه من خدمة
ربها في قيامها
بين الراحة
وأعمال البر
وهو حال بين
حالين بين
العزيمة
والرصة وفي
قيام الليل
يسمى المقتصد
متهجداً،
لأنه يقوم
وينام، وعلى
مثل هذا تجري
أفعاله. وأما
السابق
بالخيرات فهو
المبادر إلى
الأمر قبل
دخول وقته
ليكون على
أهبة
واستعداد
وإذا دخل
الوقت كان
متهيئاً لأداء
فرض الوقت لا
يمنعه من ذلك
مانع كالمتـوضئ
قبل دخول
الوقت
والجالس في
المسجد قبل
دخول وقت
الصلاة فإذا
دخل الوقت كان
على طهارة في
المسجد
فيسابق إلى
أداء فرضه وهي
الصلاة. وكذلك إن كان له مال أخرج زكاته
وعينها ليلة فراغ الحول ودفعها لربها في أول ساعة من الحول الثاني للعامل الذي يكون
عليها وكذلك في جميع افعال البر كلها يبادر اليها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
لبلال (بم سبقتني إلى الجنة؟) فقال بلال ما أحدثت قط إلا توضأت ولا توضأت إلا صليت
ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بهما) فهذا وأمثاله من السابق بالخيرات
وهو كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المشركـين في شبابه وحداثة سنه ولم
يكن مكلفاً بشرع فانقطع إلى ربه وتحنث وسابق بالخيرات ومكارم الأخلاق حتى أعطاه
الله الرسالة.
ذكر
أصناف أهل
الولاية من
البشر مضافاً
إلى ما تقدم
ممن حصرتهم
الأعداد ومن
لا يحصرهم عدد
1- (فمن
الأولياء رضي
الله عنهم: الأنبياء
صلوات الله
عليهم)
تولاهم
الله بالنبوة
وهم رجال
اصطنعهم الله لنفسه،
واختارهم
لخدمته،
واختصهم من
سائر العباد
لحضرته شرع
لهم ما تبعدهم
به في ذواتهم،
ولم يأمر
بعضهم بأن
تتعدى تلك
العبادات إلى
غيرهم بطريق
الوجـوب،
فمقام النبوة
مقام خاص في
الولاية، فهم
على شرع من
الله أحل لهم
أموراً وحرم
عليهم
أموراً�
قصرها عليهم دون غيرهم، إذ كانت الدار الدنيا تقتضي ذلك لأنها دار الموت
والحياة وقد قال تعالى ﴿الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم﴾ والتكليف هو الابتلاء
فالولاية نبوة عامة والنبوة التي بها التشريع نبوة خاصة.
2- (ومن
الأولياء
رضوان الله
عليهم: الرسل
صلوات الله
عليهم)
تولاهم
الله
بالرسالة،
فهم النبيون
المرسلون إلى
طائفة من
الناس، أو
يكون إرسالاً
عاماً إلى
الناس ولم
يحصل ذلك إلا
لمحمد صلى
الله عليه
وسلم، فبلغ عن
الله ما أمره
الله بتبليغه في
قوله تعالى ﴿يا
أيها الرسول
بلغ ما أنزل
إليك م ربك﴾ و﴿وما
على الرسول
إلا البلاغ﴾ فمقام
التبليغ هو
المعبر عنه
بالرسالة لا
غير. واعتذر سيدي محيي الدين عن عدم كلامه على مقام النبوة
والرسالة بأنه ليس له ذوق ولا لغيره ممن ليسوا أنبياء في ذلك، قال رضي الله عنه
فحرام علينا الكلام فيه، فما نتكلم إلا فيما لنا فيه ذوق، فما عدا هذين المقامين،
يعني مقام النبوة ومقام الرسالة، فلنا الكلام فيه عن ذوق لأن الله ما حجره.
3- (ومن
الأولياء
أيضاً
الصديقون رضي
الله عن الجميع)
تولاهم
الله
بالصديقة،
قال الله
تعالى ﴿والذين
آمنوا بالله
ورسله أولئك
هم الصديقون﴾ فالصديق
من آمن بالله
وبرسله عن قول
المخبر لا عن
دليل سوى
النور
الإيماني
الذي يجده في
قلبه المانع
له من تردد أو
شك يدخله في
قول المخبر
الرسول وليس
بين النبوة
التي هي نبوة
التـشريع
وبين
الصديقية
مقام ولا
منزلة فمن تخطى
قاب الصديقين
وقع في النبوة
ومن ادعي نبوة
التشريع بعد
محمد صلى الله
عليه وسلم فقد
كذب وكفر بما
جاء به الصادق
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم غير أن
ثم مقام
القربى فوق
الصديقة ودون
نبوة التشريع.
قال سيدي محيي الدين رضي الله عنه: وهذا المقام الذي أثبتناه بين الصديقية ونبوة
التشريع الذي هو مقام القربة وهو للأفراد وهو دون نبوة التشريع في المنزلة عند
الله، وفوق الصديقية في المنزلة عند الله تعالى هو المشار إليه بالسر الذي وقر في
صدر أبي بكر الصـديق ففضل به الصديقين فليس بين أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه
وسلم رجل لأنه صاحب صديقة وصاحب سر.
4- (ومن
الأولياء
أيضاً
الشهداء رضي
الله عنهم)
تولاهم الله بالشهادة وهم من المقربين، وهم
أهل الحضور مع الله على بساط العلم به، قال تعالى ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو
الملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط﴾ فجمعهم مع الملائكة في بساط الشهادة، فهم
موحدون عن حضور إلهي وعناية ألية، فهم الموحدون وشأنهم عجيب وأمرهم غريب، وهؤلاء
الشهداء الذين تعمهم هذه الآية هم العلماء بالله المؤمنون بعد العلم بما قاله
سبحانه والصديق أتم نوراً من الشهيد فإن توحيده عن علم لاعن إيمان، فنزل عن الصديق
في مرتبة إيمان، وهو فوق الصديق في مرتبة العلم، فهو المتقدم برتبة العلم والمتأخر
برتبة الإيمان والتصديق.
5- (ومن
الأولياء رضي
الله عنهم: الصالحون)
تولاهم الله تعالى بالصلاح وجعل رتبتهم بعد
الشهداء في المرتبة الرابعة وما من نبي إلا وقد ذكر أنه صالح وأنه دعا أن يكون من
الصالحين مع كونه نبياً، فدل على أن رتبة الصلاح خصوص في النبوة، وقد تحصل لمن ليس
بنبي ولا صديق ولا شهيد فصلاح الأنبياء هو مما يلي بدايتهم والصالحون هم الذين لا
يدخل في عملهم ولا إيمانهم بالله وبما جاء من عند الله خلل، فإذا دخله خلل بطل كونه
صالحاً، فهذا هو الصلاح الذي رغب فيه الأنبياء صلوات الله عليهم فكل من لم يدخله
خلل في صديقته فهو صالح، ولا في شهادته فهو صالح، ولا في نبوته فهو صالح.
6- (ومنهم رضي
الله عنهم: المسلمون
والمسلمات)
تولاهم
الله بالإسلام،
وهو انقياد
خاص لما جاء
من عند الله لا
غير فإذا وفي
العبد
الإسلام بكل
لوازمه وشروطه
وقواعده فهو
مسلم وإن
انتقص شيئاً
من ذلك فيس
بمسلم فيما
أخل به من
الشروط، قال
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم (المسلم
من سلم
المسلمون من
لسانه ويده) واليد
هنا بمعنى القدرة،
أي سلم
المسلمون مما
هو قادر على
أن يفعل بهم
مما لا يقتضيه
الإسلام من
التعدي لحدود
الله فيه. وذكر اللسان لأنه قد يؤذي
بالذكر من لا يقدر على إيصال الأذى إليه بالفعل فلم يثبت الشارع صلى الله عليه وسلم
الإسلام إلا لمن سلم المسلمون منه.
7- (ومن
الأولياء أيضاً
رضي الله عنهم:
المؤمنون
والمؤمنات)
تولاهم
الله
بالإيمان
الذي هو القول
والعمل والاعتقاد.
وحقيقته
الاعتقاد
شرعاً ولغة
وهو في القول
والعمل شرعاً
لا لغة
فالمؤمن من
كان قوله وفعله
مطابقاً لما
يعتقده في ذلك
القول والفعل
ولهذا قال
تعالى في
المؤمنين ﴿نورهم
يسعى بين
أيديهم
وبإيمانهم﴾ يريد
ما قدموه من
الأعمال
الصالحة عند
الله، فأولئك
من الذين أعد
الله لهم
مغفرة وأجراً
عظيم. قال صلى الله عليه وسلم (المؤمن من أمنه الناس على
أموالهم وأنفـسهم) وقال صلى الله عليه وسلم (المؤمن من أمن جاره بوائقه) ولم يخص
مؤمناً ولا مسلماً، بل قال الناس والجار من غير تقييد، فإن المسلم قيده بسلامة
المسلمين، ففرق بين المسلم والمؤمن بما قيده به وبما أطلقه فعلمنا أن للإيمان خصوص
وصف وهو التصديق تقليداً من غير دليل ليفرق بين الإيمان والعلم.
واعلم أن المؤمن المصطلح عليه في طريق الله
عند أهله الذي اعتبره الشرع له علامتان في نفسه إذا وجدهما كان من المؤمنين،
والعلامة الواحدة: أن يصير الغيب له كالشهادة في عدم الريب، والعلامة الثانية: أن
يسري الإيمان منه في نفس العالم كله، فيأمنوه على القطع على أموالهم وأنفسهم وأهلهم
من غير أن يتخلل ذلك الإمان تهمة في أنفسهم من هذا الشخص، فذلك هو المشهود له بأنه
من المؤمنين، ومهما لم يجد هاتين العلامتين فلا يغالط نفسه ولا يدخلها في المؤمنين
فليس إلا ما ذكرناه.
السابق
التالي
|