سيدنا آدم عليه السلام

 

سيدنا آدم عليه السلام

عزيزى القارئ نود من خلال هذا المقال أن نعرض أحداث قصص الأنبياء التى نزلت فى كتاب الله العزيز من أول سيدنا آدم عليه السلام إلى بداية ظهور عهد الإسلام بخاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، نسرد بطريقة تناسب جميع القراء فى مختلف الأعمار ليتعرفوا على القصص المأثورة وما تعرض له الأنبياء والرسل لرفع كلمة التوحيد ونشر وتبليغ ما أمروا به للناس وما تعرضوا له من أذى وما كان يدبره الشيطان من بدء الخليقه لبنى آدم، من شرور النفس والوساوس الشيطانية حتى يوقع بهم فى جهنم.

وعلى الصواب كانوا الأنبياء يدافعون عن البشرية بالنصح والإرشاد والحكمة والموعظة الحسنة ﴿ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضى بالحق وخسر هنالك المبطلون﴾:

لو كان آدم ربنـا ذا زلــة        أو ضل ما استخلفته استخلافا

أخبر الله عز وجل الملائكة بخبر عظيم فقال ﴿إنى جــاعل فى الأرض خليفة﴾ فقالت الملائكة سائلين مستفسرين لا معترضين بأسبقية اطلاعهم على الغيب -بإذن الله- بأن الإنسان سوف يفسد، فقالوا ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾:

علا فوق الفهوم مراد ربى        خلافته من البشر السـوى

فقال تعالى ﴿إنى أعلم ما لا تعلمون v وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكه فقال انبؤنى بأسماء هــؤلاء إن كنتم صــادقين v قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك انت العليم الحكيم v قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾.

وفى مشهد آخر قال ﴿إنى خالق بشرا من طين v فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين v فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين v قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين v قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين v قال فاخرج منها فإنك رجيم v وإن عليك لعنتى إلى يوم الدين﴾:

فأول قبلة السجاد طيــن       عليه اشعة النور العلــى

﴿وإذا أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين v أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون﴾ فمن حكمة الخالق سبحانه وتعالى أن خلق الوجود من الجود، والجود هنا هو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فخلق الله تعالى الملائكة للقدرة وخلق الأشياء للعبرة وخلقك للعبادة فقال سبحانه ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ وقال أيضا سبحانه ﴿الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم﴾ فخلقكم لإظهار القدرة ثم رزقكم لإظهار الكرم ثم يميتكم لاظهار القهر والجبروت ثم يحييكم لإظهار العدل والفضل والثواب والعقاب، وقد جاء فى صحيح الترمذى عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تفسير أول سورة البقرة (أن الله خلق آدم بيده من قبضة قبضها من جميع الأرض من السهل والجبل والأسود والأبيض والأحمر فجاءت الأولاد على ألوان الأرض)

جلت صفات الذات فهى منيعة      بجلالها لا تقبل الأوصــاف

واسكن الله تعالى آدم الجنة فكان يمشى فيها وحيدا لم يكن له من يجالسه ويؤنسه فألقى الله تعالى عليه النوم فنام فأخذ الله ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر يقال له القصيرى فخلق منه حواء دون أن يتألم آدم، ولو تألم آدم من ذلك لما عطف رجل على امرأة، وعندما خلقت حواء ألبسها الله من لباس الجنة وزينها بأنواع الزينة ثم أجلسها عند رأس آدم، فلما استيقظ من نومه رآها فابتسم لأنها تشبه خلقته وليست بالملائكة، فأسرعت الملائكة تسأله لأن الله علمه الأسماء كلها فقالت له الملائكة ما هذه يا آدم؟ قال آدم: امرأة، قالوا: وما اسمها؟ قال: حواء، قالوا له: ولم سميت حواء قال: لأنها خلقت من شئ حى (أى الضلع) قالوا له: ولمَ خلقها الله تعالى؟ قال لهم: لتسكن إلىّ وأسكن إليها؟ قالت الملائكة: صدقت، فالحمد لله على قولـه ﴿وعلم آدم الاسماء كله﴾ صدق الله العظيم الكريم خالق كل شئ الذى علم آدم العلوم ثم أسكنه الجنة فقال تعالى ﴿وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين﴾ ولكن الشيطان استطاع أن يوسوس لهما بأن يأكلا من الشجرة، فلما رفض سيدنا آدم قال الشيطان إنها شجرة الخلد فى الجنة فإن أكلتما منها تكونا من الخالدين فى الجنة ﴿وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين﴾ فلما حلف لهما بالله عرفوا أنه صادق لأنه حلف بالله ولكن مكيدة شيطانية ﴿فأزلهما الشيطان عنه﴾ فلما أكلا من الشجرة ظهرت لهما سوءتهما فإحتار آدم ماذا يفعل وعاتبه ربه فقال ﴿ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين﴾ وهبط آدم وزوجته إلى الارض ولم يهدأ ولم ينم بل كان فى نكد لانه خرج من النعيم الذى لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر على قلب بشر، فقد خرج إلى تعب الدنيا وعذابها، ففرق كبير بين هذه وتلك، فكان فى بكاءه يريد التوبة عليه ﴿قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين﴾ وظل يتوسل آدم ويتشفع عند الله بحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى رأى اسمه مقرونا باسم الذات على ساق العرش (لا إله إلا الله محمد رسول الله) حتى جاءت الإجابة فى قوله ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم﴾ وبدأ آدم يستطعم هذا ويرفض هذا حتى اهتدى إلى شجرة القمح فبذرها فى الأرض فنبتت فحصدها ثم درسها وذراها ودقها فصارت دقيق فخلطه بالماء فأكله بعد جهد عظيم وعمل شاق واستمر على ذلك ثم طاف بزوجته فانجبت له من الذكور والإناث فتعلم آدم الزراعة وكل يوم كان يستـنبت من الأرض ويحصد منها و يعلم أولاده مواعيد الزراعة ومواعيد المطر والطبيعة وفصولها، والشيطان يتابع آدم ويراقبه ويدقق فى زراعته وطعامه ومسكنه بنظرة العدو ورؤية الخائن المدبر للخراب ويستعد للمكر به وبأولاده، فمن أين يبدأ الشيطان ويتساءل هل أغوى آدم؟ لكن آدم يعرفه، فهل أغوى حواء، وحواء أيضا تعرفه جيدا إنه العدو اللدود لها ولزوجها، فلم يجد الشيطان غير أن يتجه إلى أولادهما، وذهب ليتحسس الأمر أيهما سريع الغضب، فقد تعلم قابيل من أبيه الزراعة وكان الابن الاكبر فذهب يزرع مثل أبيه ويحصد وينتظر المحصول ويبحث عن الماء العذب فقد عرف أن ماء البحار مالح لا يصلح للزراعة وماء المطر والأنهار والينابيع يصلح للزراعة، فصار قابيل مزارعا، أما هابيل وهو الأصغر فكان قوى البنية على غرة أخيه الأكبر مفتول العضلات طويل القامة طيب القلب وتعلم من أباه استئناس الحيوانات وصار يبحث عن الحيوانات ويتعرف على المستأنس منها ويتـقى المفترس فهذه تلد وهذه تبيض وهذا الحيوان يفترس الغنم وهذا يحرسها، وكان آدم يجمع أولاده ويحكى لهما ما رآه فى الجنة من نعيم وكرم ورحمة، ويسدى لهما النصيحة ويلـقـنهما ما تلقى من ألواح وعـبادات يومية فى الصباح وفى المساء وكان قابيل وهابيل يذهبان للتعبد معا متضرعين إلى الله فى توسل ومناجاة، وقد روى فى الأثر أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى البطن الآخر وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل، وأراد قابيل ان يستأثر بها، فاختلف قابيل فى الرأى مع هابيل وزاد الخلاف، فهابيل يريد أن ينفذ شريعة الله وتعليمات سيدنا آدم عليه السلام أما قابيل فأراد أن يستأثر بأخته ولا يعطيها لأخيه وذهب بعيدا فى غضب، وهنا سنحت فرصة الشيطان ليصور له التخيلات ويوسوس له وكاد أن يتمثل أمامه، فقال له قابيل من أنت؟ فقال له الشيطان: أنا صديقك فى هذه الأرض، أنت لا تعرفنى لكنى أنا أعرفك وأعرف أباك وأمك وأخوك وأختك، فترك قابيل المكان ولم يستسلم لهذه الوساوس ورجع إلى أخيه هابيل وذهبا الاثنان يحتكمان عند سيدنا آدم، فأمر آدم قابيل أن يزوج أخته لهابيل، فأبى وأصر ولم يرتضى بشئ فأمرهما آدم أن يقربا قربانا إلى الله، وذهب آدم يبحث عن مكان الكعبة وقال لقابيل أنت بدلا منى فأنت الأكبر سنا فحافظ على اخوتك وتكون عادلا متقربا إلى الله بالعبادة واذهب بقربانك إلى أعلى الجبل ويذهب أخوك مثلك ومن يتقبل قربانه فليستاثر بالأخت لنفسه، وخرج آدم عليه السلام ولكن استطاع الشيطان أن يوقع بينهما، وخرج قابيل يعاود التفكير فى نصيحة أبيه وكيف يقدم القرابين إلى الله فيعاوده الشيطان مرة أخرى ويوسوس فى صدره لانه يجرى فى دم الإنسان مجرى الدم فى العروق، ويقول له أنا أنصحك فاسمع نصيحتى، أخوك هابيل ذهب إلى أبيه يطلب الدعاء والبركة حتى يتزوج بأختك الجميلة الحسناء، فيغضب قابيل ويردد فى نفسه ماذا أفعل؟ ويفرح الشيطان لاستجابة قابيل لكلماته فيزيد الوسوسة ويقول له لا تـتعبد مع هابيل بل اتركه وحده واصعد الجبل وحدك ولا تجعله يعرف ما تـقدمه من قربان حتى لا يقـلدك، وذهب هابيل للتعبد وهو يدعو الله أن يقبل قربانه ويهدى أخاه للصواب وتقدم إلى أعلى الجبل وبيده جذعة سمينة وهى أفضل ما عنده من غنم وقربها إلى الله، أما قابيل فقد امتلأ بأسا من اخيه وأخذ بيده حزمة من زرع من ردئ، ولما كان اليوم التالى صعد كل واحد منهما إلى الجبل، فلما صعدا إلى الجبل لينظر كل واحد منهما على قربانه وما تقبل منه، هل قربان قابيل من الزرع الفاسد هو المقبول؟ أم قربان هابيل الذى قدم أفضل ما عنده؟ فصاح هابيل شاكرا حامدا لله فى خشوع لقد تـقبل الله قربانه ثم نظر لأخيه قابيل فى سماحة وقال له لا تغضب يا أخى إنها إرادة الله وشريعته، استعن بالله وتذكر أن أبوك آدم من قبل قال اترك أختك أتزوجها إنها سُنة الحياة وشريعة الله التى شرعها لنا:

ويصغُر فى عين الأكابـر كل      من يُكابر جهلا فى شرائع ربه

فلم يبال قابيل وترك أخاه وقد امتلأ قلبه بالغضب ونزل من الجبل والشيطان يرافقه وهو يضحك لقد أوقع بينهما الخلاف فما كان يتردد على لسان قابيل غير الانتـقام فيوسوس له الشيطان اقتله، فكيف يقتـله ولم يرى القتـل من قبل، فيزيد الشيطان فى تدبيره الماكر ويقول له اقتـله كما تتصارع الحيوانات تخلو لك الأرض وتـتـزوج ما تـتمناه وتكون انت الابن الوحيد لأبيك وأمك ﴿واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين v لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لاقتلك إنى أخاف الله رب العالمين v إنى أريد أن تبوأ بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين v فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين v فبعث الله غـرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوأة أخى فأصبح من النادمين﴾ وحزن آدم على مقتل هابيل وحزنت حواء وصارت تبكى ليل نهار وهى تدعو الله أن يعوضها عن هابيل حتى رزقها بغلام اسمه (شيث) يشبه هابيل فى الخلقة والأخلاق ومعنى كلمة شيث (هبة الله) وتزوج شيث من أنوش وكان شيث تقيا يحمل أمانة أبيه واتخذه اخوته زعيما لهم بعد أبيهم وانتشر بنى البشر فى الأرض من بينهم الخير والشر، منهم من اتبع الرحمن ومنهم من اتبع الشيطان وظل آدم يعلم أولاده وأحفاده طاعة الله وتقواه حتى مرض فقال لأولاده اجمعوا لى ثمار الفاكهة فذهب أولاده يجمعون له كما أمرهم فدخلت الملائكة على آدم الغار فعرفتهم حواء وعرفت جبريل وعزرائيل، ومات آدم فغسلته الملائكة أمام أولاده وقالت لهم يا بنى آدم ما رأيتم من غسل وكفن هو سُنتكم وسُنة أولادكم وأحفادكم ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء﴾:

فالله قد خلق العباد بحكمــة         جعلت غـرائب خلقه أصنافا

فمن الخلائق مؤمنون سليقـة        جبلوا على توحيده إلطافــا

وإلى اللقاء فى العدد القادم مع قصة أخرى

محمد أنور شكرى