احـتكـار الأقوات

من فتاوى مفتى الديار المصرية

شراب الوصل

 

احتكار الأقوات

عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يحتكر إلا خاطئ) وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله منه) وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون) وإنما أراد بالجالب الذى يشترى الطعام للبـيع فـيجلبه إلى بلده فيبيعه فهو مرزوق، لأن الـناس ينتفـعون به فيناله بركة دعاء المسـلمين، والمحتكر الذى يشترى الطعام للمنع ويضر بالناس.وروى الشعبى أن رجلا أراد أن يسلم ابنه إلى عمل فاستشار النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسلمه إلى حناط يبيع الحنطة، ولا إلى جزار، ولا إلى من يبيع الأكفان. أما الحناط فلأن يلقى الله تعالى زانيا أو شارب خمر خير له من أن يلقى الله تعالى وهو قد حبس الطعام أربعين ليلة، وأما الجزار فإنه يذبح حتى تذهب الرحمة من قلبه، وأما بائع الأكفان فإنه يتمنى لأمتى الموت، والمولود من أمتى أحب إلى من الدنيا وما فيها). والإحتكار أن يشترى الطعام فى مصره ويحبسه عن البيع وللناس حاجة إليه فهذا هو الاحتكار الذى نهى عنه، وأما إذا دخل له الطعام من ضيعة أو جلب من بلـد فإنه لا يكون احتكارا ولكن لو كان للناس إليه حاجة فالأفـضل أن يبيعه وفى امتناعه عن ذلك يكون مسيئا لسوء نيته وقلة شفقته للمسلمين، فينبغى أن يجبر المحتكر على بيع الطعام فإن امتنع من ذلك فإنه يعزر ويؤدب ولا يسعر عليه ويقال له بعه كما يبيع الناس.

وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (أنا لا أسعر فإن الله تعالى هو المسعر).

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (الغلاء والرخص جندان من جنود الله تعالى اسم أحدهما الرغبة واسم الآخر الرهبة فإذا أراد الله تعالى أن يرخصه قذف الرهبة فى قلوب الرجال فأخرجه من أيديهم فرخص، وإذا أراد الله تعالى أن يغليه قذف الرغبة فى قلوب الرجال فحبسوه فى أيديهم).

وذكر فى الخبر: أن عابدا من عباد بنى إسرائيل مر على كثيب من الرمل فتمنى فى نفسه لو كان دقيقا فأشبع بنى إسرائيل من مجاعة أصابتهم، فأوحى الله تعالى إلى نبى فيهم أن قل لفلان إن الله تعالى قد أوجب لك من الأجر ما لو كان دقيقا فتصدقت به، يعنى أنه لما نوى نية حسنة أعطاه الأجر بحسن نيته وشفقته.

وذكر أن رجلا جاء إلى عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال له أوصنى فقال له عبد الله بن عباس أوصيك بستة أشياء، أولها يقين القلب بالأشياء التى تكفل الله لك بها، والثانى بأداء الفرائض لوقتها، والثالث بلسان رطب فى ذكر الله تعالى، والرابع لا توافق الشيطان فإنه حاسد للخلق، والخامس لا تعمر الدنيا فإنها تخرب آخرتك، والسادس أن تكون ناصحا للمسلمين دائم.

هانى حسن

من فتاوى مفتى الديار المصرية

سُئل فضيلة مفتى الديار المصرية.. هل فعلا يمكن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم أثناء اليقظة وما حقيقة هذا الأمر؟

وأجاب فضيلته بقوله: إن رؤية النـبى صلى الله عليه وسـلم فى اليقظة ليست من المسائل التشريعية التى يترتب عليها زيادة فى الدين أو نقص فيه، وإنما هى مسألة واقعية يتحمل مسؤليتها من ادعى ذلك، وهى من قبيل المبشرات ومن قبيل الكرامات، وهذه الرؤية لا تتنافى مع كونه صلى الله عليه وسلم انتقل من حياتنا هذه ولا يلزم منها دعوى الصحبة، إذا عرفنا ذلك ننظر هل هذه الدعوى مستحيلة عقلا أم لا فالمستحيل العقلى وجود أى ذات فى مكانين فى وقت واحد، ودعوى رؤيته صلى الله عليه وسلم لا يلزم منها وجوده فى مكانين فى وقت واحد إذ أن مكانه هو روضته الشريفة يحيا فيها ويصلى لربه ويأنس به، كما أن الأنبياء جميعهم أحياء فى قبورهم، فقد أخرج أبو يعلى والديلمى وغيرهم عن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء أحياء فى قبورهم يصلون) ويؤكده قوله صلى الله عليه وسلم (مررت على موسى ليلة أسرى بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى فى قبره) أخرجه أحمد ومسلم، ورؤيته صلى الله عليه وسلم لا تعد إلا إنكشافا للولى عن حاله الذى هو فى قبره صلى الله عليه وسلم يقظة وهذا لا ينكره العقل ويؤيده النقل، فقد ثبت عن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان يخطب فكشف له الله عن حال سارية وهو فى بلاد نهاوند بفارس وناداه يا سارية الجبل الجبل، وسـمع سارية النداء، وهذا مما رواه الطبرانى وابن عبد البر وابن حجر فى الإصابة، وطالما جاز وقوعه لغير النبى صلى الله عليه وسلم فلا يقتصر على الصحابة وحدهم، وكـذلك المرئى قد يكون سارية أو غيره، وقد تكون الرؤية لصورة النبى صلى الـله عليه وسلم الحقيقية بمعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم فى مكـانه فى روضته الشريفة والرائى رأى صورته الشريفة وتسمى صورة من عالم المثال وذلك ينتج من كثرة المحبة والتفكير فى شخصه الشريف، فالإنسان قد تتعدد صوره بتعدد الأسطح العاكسة كالمرايا وغيرها، وقد ورد النص النبوى الذى يؤكد إمكانية وقوع رؤية النبى صلى الله عليه وسلم يقظة، فقد أخرج البخارى عن أبى هريرة قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: (من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة ولا يتمثل الشيطان بى) وعبارة فسيرانى فى اليقظة تدل على إمكانية رؤية الشخص لحضرته فى حال حياته، أما تخصيص اليقظة بيوم القيامة فبعيد لأمرين، الأول أن كل أمته ستراه يوم القيامة من رآه فى المنام ومن لم يره، الثانى أن الحديث لم يقيد اليقظة بيوم القيامة، ولقد ثارت هذه المسألة فى زمن العلامة السيوطى فصنف كتابا خاصا سماه (تنوير الحلك فى إمكان رؤية النبى والملك) وقال فى مقدمته فقد كثر السؤال عن رؤية أرباب الأحوال للنبى صلى الله عليه وسلم فى اليقظة وأن طائفة من أهل العصر ممن لا قدم لهم فى العلم قد بالغوا فى إنكار ذلك والتعجب منه وادعوا أنه مستحيل فألفت هذه الكراسة فى ذلك وسميتها (تنوير الحلك فى إمكان رؤية النبى والملك) ولقد ساق العلامة السيوطى فى تلك الرسالة الأدلة والبراهين على جواز وإمكان رؤية النبى صلى الله عليه وسلم يقظة وكذلك سماع صوته وكذا الملائكة.

وللحديث بقية مع كتاب البيان القويم فى تصحيح بعض المفاهيم.

شراب الوصل

فلم تنج إلا فرقة لوقـوفـهـا       بأعتاب آل البيت أهل الحماية

عن على بن أبى طالب قال: افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة، وافترقت النصارى بعد عيسى على إثنتين وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة، فأما اليهود فإن الله يقول ﴿ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ وأما النصارى فإن الله يقول ﴿منهم أمة مقتصدة﴾ فهذه التى تنجو، وأما نحن فيقول ﴿وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ فهذه التى تنجو من هذه الأمة.

هذا هو حال الأمم السابقة وهذا حال الأمة المحمدية وقد تأول الناس فى الفرقة الناجية وكلٌ يدعى أنها فرقته ولكن القول الفصل الذى لا مراء فيه هو قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى حديثه (أهل بيتى كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها هلك) ويقول سيدى فخر الدين رضى الله عنه:

إذا ما ضل أبناء الـنـبـى         ترى من للهداية بعد كــان

فهل أبناء طه غيـر قــوم         يطهرنا الذى كان اصطفانـا

هدينا بل حبينا بـل وإنــا         بما جاء النبى غدا هــوانا

وإذا نظرنا إلى أنساب الأصول من سادات التصوف نجد أنهم بلا جدل إما ينتسبون للفرع الحسنى أو الحسينى من الدوحة المحمدية المطهرة الذين قال فيهم الله تعالى ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير﴾ فأى إثبات من كتاب الله تعالى ومن سنة حبيبه بأنهم وأتباعهم الفرقة الناجية ولكن صدق سيدى فخر الدين رضى الله عنه إذ يقول:

والنور فى عمد السما وبروجها        لا ينفع الأعمى ولا المتعامـى

فتى الوادى