الجمال ولبس الثياب يستحب للرجل إذا كان ذا مروءة وكان ذا علم أن تكون ثيابه نقية من غير
كبر، وقد روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال: من حسب المرء نقاء ثوبه، وروى عن
النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما على الرجل أن يتخذ ثوبين سوى ثوبى مهنته)
ويقال: لا جديد لمن لا خلق له، وعن أنس رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه
وسلم أنه قال: (ما طابت رائحة عبد قط إلا قلّ غـمه ولا نـظفت ثيابه قط إلا قلّ همه)
وروى عن عمرو رضى الله تعالى عنه أنه قال: إنى لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض
الثياب، وقال أيضا: إذا وسع الله عليكم فوسعوا على أنفسكم، وروى عن عامر بن سعد أن
النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله نظيف يحب النـظافة وجميل يحب الجمال وجواد
يحب الجود وكريم يحب الكرم وطيب يحب الطيب) وروى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال:
كان رسـول الله صلى الله عليه وسـلم جالسـا فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار
إليه رسول الله صـلى الله عليه وسلم بيـده أن أخرج وأصلح رأسك ولحيتك، ففـعل ثم رجع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس هذا خيرا من أن يأتى أحدكم ثائر الرأس
واللحية كأنه شيطان) وروى زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما
قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة أنمار فبينما أنا نازل تحت
شجرة إذ مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هلم إلى الظل فنزل،
فقمـت إلى غرارة لنا فوجدت فيها خبزا وجردقا وقثاء فكسرته ثم قربته إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعندنا صاحب لنا قد ذهب يرعى ظهرا، فرجع وعليه ثوبان له قد
خلقا، فنظر إليه رسـول الله صلى الله عليه وسـلم فقال: لى أما له ثوبان غير هذين
فـقلت: بلى له ثـوبان فى العيبة، فقال: هلا كسوته إياهما، فدعوته فلبسهما ثم ولى
فذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا،
فسمعه الرجل فقال يا رسول الله قل فى سبيل الله، قال فى سبيل الله، فقتل الرجل فى
سبيل الله). وأجاز البعض لبس الخز للرجال والنساء لأن الصحابة كانوا يلبسونه، وقد
كره البعض لبسه، وروى عن الحسن رحمه الله أنه قال: لأن أنقاد بسياطى على عنقى حتى
ينقطع أحب إلى من أن ألبس الخز، وروى عن خيثمة أنه قال: أدركت ثلاثة عشر من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يلبسون الخز. وروى عن عكرمة أنه قال: كان لابن عباس رضى الله تعالى عنهما كساء خز
يلبسه وعن وهب بن كيسان قال: رأيت على جابر بن عبد الله كساء خز يلبسه وكذلك روى عن
أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه كان له كساء خزّ يلبسه، ولا يجوز للرجال لبس
الحرير والديباج والإبريسم ويجوز للنساء، وذلك لما روى أنس بن مالك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة) وروى
عبد الله بن عمر رضى الله تعـالى عنهما أنه قال: خرج رسول الله صلى الله علـيه وسلم
وفى إحدى يديه ذهب وفى الأخرى حرير، فقال: (هذان محرمان على ذكور أمتى محللان
لإناثهم) وروى عن محمد بن سيرين أنه كان يكره لبس الحرير للرجال والنساء وحجته ما
روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما يلبس الحرير من لا خلاق له فى الآخرة ولم
يفصل بين الرجال والنساء، والجواب أن الخبر انصرف للرجال لأنه قد فسر فى حديث آخر
حيث قال: حلّ لإناثهم واختلفت فى لبس الحرير فى الحرب قال بعضهم لا يجوز وهو قول
أبى حنيفة رحمه الله وقال بعضهم لا بأس به وهو قول صاحبيه رحمهما الله فأما حجة من
كرهه فلأن النهى ورد عاما فى لبسه فاسـتوى حال الحرب وغيره، وروى عن عكرمة أنه كان
يكره لبس الحرير والديباج فى الحرب وقال: كانوا يريدون الشهادة بلبس الحرير، وروى
عن الحسن أنه كان يكره لبس الحرير فى الحرب، وأما حجة من أجاز ذلك فقد ذهب إلى ما
روى عن عمر رضى الله عنه أنه قيل له: إنا إذا لقـينا العدو ورأيناه قد كفدوا على
سلاحهم بالحرير والديباج فرأينا لذلك هيبة فقال عمر رضى الله عنه وأنتم تكفدون على
سلاحكم بالحرير والديباج، وعن القاسم بن محمد قال: كان أصحاب النبى صلى الله عليه
وسلم لا يرون بلبس الحرير والديباج فى الحرب بأسا. إبراهيم عبد المجيد
المـروءة روى عن الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه ورضى الله عنه عن النبى
صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم
فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته) وقال ابن
زياد لرجل من الدهاقين: ما المروءة فيكم قال: أربع خصال، أولها: أن يعتزل الرجل
الذنب فإنه إذا كان مذنبا كان ذليلا ولم يكن له مروءة، والثانية: أن يصلح ماله ولا
يفسده فإن من أفسد ماله واحتاج إلى مال غيره فلا مروءة له، والثالثة: أن يقوم لأهله
فيما يحتاجون إليه فإن من احتاج أهله إلى الناس فلا مروءة له، والرابعة: أن ينظر
إلى ما يوافقه من الطعام والشراب فيلزمه ولا يتناول مالا يوافقه فإن ذلك من كمال
المروءة، وروى عن قيس بن ثابت بن ساعدة أنه كان يقدم على قيصر فيكرمه فقال له قيصر:
ما أفضل العقل قال: معرفة المرء نفسه، قال: ما أفضل العلم قال: وقوف المرء عند
جهله، قال: فما أفضل المروءة قال: استبقاء الرجل ماء وجهه، قال: فما أفضل المال
قال: ما قضى منه الحق، وقال ربيعة الرأى: المروءة ستة: ثلاث فى الحضر وثلاث فى
السفر، فأما التى فى الحضر: فتلاوة القرآن، وعمارة مساجد الله، واتخاذ الإخوان فى
الله، وأما التى فى السفر: فبذل الزاد، وقلة الخلاف لأصحابه، والـمزاح فى غير معاصى
الله، وقال بعض الحكماء: أفضل المروءة أن يكون صادقا فى قوله، وافيا فى عهده، باذلا
لنفعه، وروى عن الحسن البصرى أن حجاما قص شاربه فأعطاه درهما فسئل عن ذلك فقال: لا
تضيقوا فيضيق عليكم، وكان الحسن إذا سمع رجلا يتكلم بالدانق يقول: لعن الله الدانق
ومن تكلم لدوانق فلا مروءة له، ولا دين لمن لا مروءة له، وقال محمد بن الحسن: ثلاثة
أشياء من الدناءة: مشارطة أجر الحجام، والنظر فى مرآة الحجامين، واستقراض الخبز
موازنة، ويقال الجلوس فى الطرقات وفى حوانيت الناس للحديث ليس من المروءة، وقيل
لبعض الحكماء: ما المروءة قال: باب مفتوح، وطعام مبذول، وإزار مشدود: يعنى بالقيام
فى حوائج الناس، وقال الحسن البصرى: من مروءة الرجل أربعة: صدق لسانه، واحتماله
عثرات إخوانه، وبذل المعروف لأهل زمانه، وكف الأذى عن أباعده وجيرانه، وروى عن عمر
رضى الله عنه أنه قال: أنا أعلم متى تهلك العرب، فقيل له: متى تهلك يا أمير
المؤمنين قال: إذا ساسهم من ليس له تقى الإسلام، ولا كرم الجاهلية، قال الراوى: صدق
أمين المؤمنين رضى الله عنه فما دام ساسهم الذين كان لهم تقى الإسلام مثل أبى بكر
وعمر وعثمان وعلى رضوان الله عليهم أجمعين لم يهلكوا، ومن له كرم الجاهلية مثل
معاوية لم يهلكوا، فلما ساسهم مثل يزيد لم يكن له تقى الإسلام ولا كرم الجاهلية
هلكوا، وقال بعض الحكماء: تمام المروءة فى شيئين: العفة عما فى أيدى الناس والتجاوز
عما يكون منهم، وقال على لابنه الحسن رضى الله عنهما: ما المروءة قال: العفاف وملك
النفس والبذل فى العسر واليسر، قال: فما اللؤم قال: إحراز أمر نفسه وبذل عشيرته وأن
يرى ما فى يده شرفا وما أنفقه تلفا، ويقال: جماع المروءة فى قوله تعالى ﴿إن الله
يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى﴾ وقال عبد الواحد بن زيد: جالسوا أهل الدين
فإن لم تقدروا عليهم فجالسوا أهل المروءة من أهل الدنيا فإنهم لا يرفثون فى
مجالسهم: يعنى لا يتكلمون بكلام الفحش، وقال الأحنف بن قيس: لا راحة لحاسد ولا
مروءة لكاذب ولا خلة لبخيل ولا وفاء لمطول ولا سؤدد لسئ الخلق، ولا إخاء لملول. وسُئل الإمام الشافعى رضى الله عنه: ما المروءة قال: كتمان السر والبعد
من الشر والكامل من عدت سقطاته. أحمد مصطفى السعيد
زيارة أضرحة الصالحين
هل يجوز زيارة أضرحة الصالحين؟ لما رأى المدعى بأنه ليس من سبيل فى إنكار الزيارة للروضة الشريفة ذهب
به هواه فى إنكار الزيارة لأهل البيت والأولياء الصالحين،فقد أخرج الحافظ أبو عبد
الرزاق عن همام الضعانى فى الجزء الثالث من مصنفه فى باب زيارة القبور قال أخبرنا
عبد الرزاق قال أخبرنا بن جرير قال اخبرنا محمد بن قيس بن مخزمه قال سمعت السيدة
عائشة رضى الله عنها تقول: ألا أخبركم عنى وعن النبى صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: بلى
قالـت: (لما كانت ليلتى إنقلب النبى صلى الله عليه وسلم فوضع نعليه عند رجليه ووضع
رداءه حتى بسط إزاره على فراشه ثم لم يلبث إلا ريثما ظن أنى قد رقدت ثم إنتعل
رويدا وأخذ رداءه رويدا فجعلت درعى فى رأسى وإختمرت ثم تقلعت بازارى فإنطلقت فى
أثره حتى جاء البقيع فرفع يداه ثلا مرات وأطال القيام ثم إنحرف فإنحرفت وأسرع
فأسرعت وهرول فهرولت وأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن إضطجعت فدخل فقال: مالك
ياعائشة حشيا رابية فقلت لا شىء، قال: أتخبريننى أو ليخبرنى اللطيف الخبير، قلت:أنت
يارسول الله بابى أنت وامى يارسول الله فأخبرته الخبر، قال: أنت السواد الذى رأيته
أمامى؟ قلـت: نعم فلهزنى فى صدرى لهزة أوجعتنى ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك
ورسوله، فقلت مهما يكتم الناس فقد علم الله، قال: فإن جبريل آتانى حين رأيتنى ولم
يكن يدل عليك وقد وضعت ثيابك فنادانى وأخفى منك فأجبته وأخفيته منك وظننت أنك قد
رقدت وكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشى فأمرنى أن آتى أهل البقيع فأستغفر لهم، قلت:
كيف أقول؟ قال: (قل السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله
المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله اللاحقون). وروى الحافظ بن سيد الناس
فى كتاب عيون الأثر فى مناقب أهل بدر إنه كان صلى الله عليه وسلم يزور شهداء بدر كل
عام، وبدر لبعدها عن المدينة تحتاج لشد الرحال وحمل الزاد والماء فيفهم من الحديث
إنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يشدون الرحال لزيارة شهداء بدر. أما زيارة النساء للقبور: فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله
زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) رواه الترمذى فى السنن عن بن عباس
رضى الله عنهما يقول أبو بكر محمد بن عربى شارح الترمذى النصف الأول للحديث: (لعن
الله زائرات القبور) منسوخ لقوله صل الله عليه وسلم: (كنت قد نهيتكم عن زيارة
القبور فقد اذن لمحمد فى زيارة أمه فزوروها فإنها تذكرة الآخره) رواه سلمان إبن
بريدة وقوله صلى الله عليه وآله وسلم عن الإمام على: (كنت نهيتكم القبور فزوروها
تذكرة الآخره غير أن لا تقولوا هجرا) رواه الإمام أحمد وأبو يعلى، أما النصف
الثانى للحديث: (والمتخذين عليها المساجد والسرج) فقد روى الإمام البخارى: (أن
إمرأة مات زوجها فضربت خيمة على قبر زوجها سنة ولما رفعت سمعوا صائحا يقول: ألا هل
وجدوا ما فقدوا؟ فأجاب آخر بقوله: (بل يئسوا فإنقلبوا)، قال شارح البخارى أن
الهاتف ملك أو جنى، وقيل أن الخيمة كانت تصلى فيها حبا لزوجها وحزنا عليه وقد نهى
صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأن الصلاة فوق القبر مباشرة حرام لقوله صلى الله عليه
وسلم: (فرشت لى الأرض مسجدا طهورا إلا القبر والحمام)، أى فوقهما وبالقياس تجوز الصلاة
حول القبر كما تجوز حول الحمام، وإلا ما كان لأحد أن يصلى فى منزله . أما الحديث
الذى يقول: (إرجعن مأزورات غير مأجورات)، فإنه قاله صلى الله عليه وسلم فى تشييع
الجنازة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم سأل النساء: أتحملن فيمن يحمل؟ قلن: لا قال:
أتدفن؟ قلن لا: فقال صلى الله عليه وسلم: (إرجعن مأزورات غير ماجورات). وروى عـبدالرازق فى مصنفه الجزء الثـالث عن جعفر بن محمد عن ابيه
قال: كانت السـيدة فاطمة بنت رسـول الله صلى الله عليه وسلم تـزور قبر حمزة
كل جمعه) رواه الكلبى عن الأصبع فى نفس المصنف غير أنه أزاد فيه(وكانت قد وضعت
عليه علما). وهذا ليس بالعجيب وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من زار قبر أبويه سنة
فى كل جمعة غفر له) أخرجه الطبرانى فى مسنده والمناوى فى كنوز الحقائق ، قال صلى
الله عليه وآله وسلم: (الله الله فى إخوانكم من أهل القبور) أخرجه أبو داود والمناوى
فى كنوز الحقائق، أما عن: هل الأرض تأكل أجساد الصالحين؟ صح عن جابر أن اباه وعمر بن الجموح رضى الله تعالى عنهم وهما ممن
إستشهدا بأحد ودفنا فى قبر واحد حفر السيل قبرهما فوجدا لم يتغيرا، وكان أحدهما قد
جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم ارسلت فرجعت كما كانت
وكان بين ذلك وبين أحد ست واربعون سنه، ولما أجرى معاوية العين التى إستنبطها
بالمدينة وذلك بعد أحد بنحو من خمسين سنة ونقل الموتى أصابت المسحاة قدم الحمزة رضى
الله عنه فسال منه الدم ووجد عـبد الله بن حرام كأنما دفن بالأمس،وروى كافة أهل
المدينة أن جدار النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما إنهدم أيام الوليد بدت له قدم
بساق وركبة ففزع من ذلك عمر بن عبد العزيز فاتاه عروة فقال هذه ساق عمر وركبته فسرى
عن عمر بن عبد العزيز. محمد سيد |
|