قصص
مع النحو والصرف في أمثال العرب
فِي الصِّيفِ ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ
ويروى (الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللبن) والتاء من ضيعت مكسور في كل حال إذا
خوطب به المذكر والمؤنث والاثنان والجمع؛ لأن المثَلَ في الأصل خوطبت به امرَأة،
وهي دَخْتَنُوس بنت لقيط بن زرارة كانت تحت عمرو بن عُدَاس، وكان شيخاً كبيراً
فَفَركَتْهُ (فركته: كرهته) فطلقها، ثم تزوجها فتى جميل الوجه،ولكن الأرض أجْدَبَتْ
فبعثت إلى عمرو تطلب منه حَلُوبة، فَقَال عمرو في الصيف ضيعت اللبن فلما رجع
الرسُولُ وقَال لها ما قَال عمرو ضربَتْ يَدَها على منكب زوجها، وقَالت (هذا
ومَذْقُه خَير) تعني أن هذا الزوج مع عدم اللبن خيرٌ من عمرو، فذهبت كلماتها
مثلا.
فالأول يضرب لمن يطلب شيئاً قد فَوَّته على نفسه، والثاني يضرب لمن
قَنَع باليسير إذا لم يجد الخطير،وإنما خص الصيف لأن سؤالها الطلاقَ كان في الصيف،
أو أن الرجل إذا لم يطرق ماشيته في الصيف كان مضيعاً لألبانها عند الحاجة؟
*********
أفْلَتَ فُلانٌ جُرَيْعَةَ الذَّقْنِ
أفلت: يكون لازماً ويكون متعدياً، وهو هنا لازم، ونصب جريعة على
الحال، كأنه قَال: أفلت قاذفاً جريعة، وهو تصغير جُرْعَة، وهي كناية عما بقى من
روحه يريد أن نفسه صارت في فيه وقريباً منه كقرب الجرعة من الذقن، قَال الهُذْلى:
نجَا سَالِمٌ والنَّفسُ مِنْهُ بِشِدِقــِه ولم يَنْجُ إلا جَفْنَ سَيْفٍ وَمِئْزَرَا
قال يونس: أراد بجفن سيف ومئزر، وقَال الفراء نصبه على الاستثناء، كما
تقول: ذهب مال زيد وَحَشَمُه إلا سعداً وعبيدا، ويقولون: أفلت بجُرَيْعةِ الذَّقن،
وبجريعاء الذقن وفي رواية أبي زيد أفْلَتَني جُرَيْعَةَ الذَّقَنِ وأفلت على هذه
الرواية يجوز أن يكون متعدياً، ومعناه خلصني ونجاني، ويجوز أن يكون لازماً، ومعناه
تخلص ونجا مني، وأراد بأفْلَتَنِي أفلَتَ مني فحذف من وأوصل الفعل، كقول امرئ
القيس
وأفْلَتَهُنَّ عِلْبسَاءٌ جَرِيضــَاً وَلَوْ أدْرَكْتُهُ صَفِرَ الِوطـَابُ
أراد أفلت منهن، أي من الخيل، وجريضا: حال من علباء، ثم قَال ولو
أدْرَكْنَه أي الخيل لصَفِرَ وطابه: أي لمات، فهذا يدلّ على أن أفلتني معناه أفلت
مني، وصغر جريعة تصغير تحقير وتقليل؛ لأن الجُرعة في الأصل اسمٌ للقليل مما يُتَجَرَّع
كالحُسْوة والغُرْفة والقُدْحة وأشباهها، ومنه نَوقَ مجاريع أي قليلات اللبن، ونصب
جريعة على الحال، وأضافها إلى الذقن، لأن حركة الذقن تدل على قرب زهوقَ الروح،
والتقدير: أفلتني مُشْرِفاً على الهلاك، ويجوز أن يكون جريعة بدلاً من الضمير في
أفْلَتَني، أي أفلت جريعةَ ذقني، يعني باقي روحي، وتكون الألف واللام في الذقن
بدلاً من الإضافة كقول الله عز وجل (ونهى النَّفْس عَن الهَوى) أي عن هواها، وكقول
الشاعر:
وآنُفُنَا بين اللَّحَى وَالحواجب
ومن روى بجريعة الذقن فمعناه خَلَّصني مع جُرَيَعْة كما يُقَال: اشترى
الدار بآلاتها، مع آلاته.؟
*********
أَمطري لؤلؤ.
قال الشافعي رضي اللّه عنه:
أَمْطِرِي لُؤْلُؤَاً جِبَالَ سـَرَنْدِيـ ـبَ وَفَيضِي آبَارَ تَكْرُور تِبْرا
أَنَا إِنْ عِشْتُ لَسْتُ أَعْدَمُ قَوتـاً
�وَإِذَا مِتُّ لَسْتُ أعْدمُ قَـبــْرا
هِمَّتِي هِمَّةُ المُلُوكِ ونَفْـسـِي نَفْسُ حُرٍّ تَرَى المَذَلَّةَ كُـفـْرا
وَإِذَا مَا قِنِعْتُ بِالقُوتِ عُمْرِي فَلِمَاذَا أَزَورُ زَيـدَ وَعَـمـْرا
اللؤلؤ: الدُّرُّ، وهو يتكون في الأَصداف في بعض البحار، ويغوص
الصيادون عليه في مغاوص معلومة، يكثر استخراجه في بلدان الخليج العربي وغيرها،
واحدته لؤلؤة، المجمع: لآلىء، سرنديب: أو سيلان: جزيرة تقع جنوب شرقي الهند، سماها
العرب بلاد سرنديب تعرف منذ عام
1972م باسم جمهورية سري لنكا، عاصمتها كولومبو.
وهذا ما أكده الإمام ياقوت الحموي في معجم البلدان: 3/215 وأضاف: إن
الياقوت الأحمر يوجد على جبال سرنديب تحدره السيول والأمطار إلى الحضيض فيلقط،
وفيه الماس أيضاً، ومنه يجلب العود (البخور). قال الشاعر في سرنديب:
وَكُنْتُ كَمَا قَدْ يَعْلَم اللّه حــَازِماً أَرومُ بِنَفْسي مِنْ سَرَنْديب مَقْصَدَا
تكرور: بلاد تنسب إلى قبيلة من السودان في أقصى جنوب المغرب، وأهلها أشبه
بالزنوج، (معجم البلدان: 2/38). وجاء في المنجد:
190: تكرور: شعب من الزنج يقيم في
السنغال وغيني. التبر: فتات الذهب أو الفضة قبل أن يصاغا، فإذا صيغا فهما ذهب وفضة،
والواحدة: تبرة.
أعدم: أفقد. القوت: الطَّعام. القبر: مدفن الإنسان، الجمع: قبور. ومعنى
البيت: ذلك أن اللّه لا بد رازقه، وإذا مات فهناك من يدفنه.
همتي: عزمي، وقوَّتي، وإرادتي. الحر: العفيف. المذلَّة: الخضوع
والهوان.
قنعت: رضيت واكتفيت. زيد وعمرو: تُضرب مثلاً: لكي لا يقال: ذهب لزيارة
فلان وفلان (ويذكر الأسماء)، فيستبدل الأسماء بزيد وعمرو.
مصدر هذه الأبيات من كتاب الأم للإمام الشافعي.
نفحات وعبر
قتل لقمان بن عاد لنسائه وابنته
لما قَتَل لُقمان بنُ عادٍ ابنَته - وهي صُحْر أختُ لُقَيم - قال حين
قَتَلها: ألَسْتِ امرأة وذلك أنّه قد كان تزوج عِدَّةَ نساء، كلُّهنَّ خُنَّهُ في
أنفُسهنّ، فلمَّا قَتَلَ أُخراهنَّ ونزل من الجبل، كان أوَّلَ من تلقّاه صُحْر
ابنته، فوثَبَ عليها فقتلها وقال: وأنت أيضاً امرأة وكان قد ابْتُلِي بأنَّ أختَه
كانت مُحْمِقة وكذلك كان زوجُها، فقالتْ لإحدَى نساءِ لُقْمان: هذه ليلةُ طُهْرِي
وهي ليلتُك، فدَعيني أنامُ في مَضجَعِك،
�فإنَّ لقمانَ رجلٌ مُنْجِب، فعسَى أن يقَع عليَّ
فأُنْجِبَ، فوَقَعَ على أُختِه فَحَمَلَتْ بِلُقَيْم، فهو قولُ النَّمِرِ بن
تَولَب:
لُقيمُ بنُ لُقمانَ من أُختِـهِ
�فكانَ ابنَ أُختٍ لهُ وابنَما
ليالِيَ حمّق فاستحصـنَتْ
�عليه فَغُرَّ بها مُظْلِمــا
فأحبَلَهَا رَجلٌ مُحــكِـمٌ
�فجاءت به رجلاً مُحْكِمَا
فضربت العربُ في ذلك المثلَ بقتل لقمان ابنتَه صُحراً، فقال خُفافُ بن
نَدْبةَ في ذلك:
وعَبّاس يُدِبُّ لي المـنــايا
�وما أذنَبْتُ إلاَّ ذَنْبَ صُحـْر
وقال في ذلك ابن أُذَيْنَة:
أتجمَع تَهيَاماً بـلـيلَـى إذا نـأَتْ
�وهِجْرانَها ظُلماً كما ظُلِمَتْ صُحْرُ
وقال الحارثُ بن عُبَاد:
قَرِّبا مربطَ النعامةِ مِـنِّــي لَقِحَتْ حربُ وائلٍ عَنْ حِيالِ
لم أكنْ من جُنَاتِها عَلِمَ الـل
�هُ وإنِّي بحَرِّها اليومَ صـالِي
وقال الشاعر، وأظنُّه ابنَ المقفَّع:
فلا تَلُمِ المرءَ فـي شأنــِهِ
�فربَّ ملومٍ ولـَمْ يُذْنــِبِ
وقال آخر:
لعلَّ لَهُ عُذْراً وأَنتَ تَلُـومُ وكم لائمٍ قد لاَمَ وهْوَ مُليم
أمثال
وحكم
فصل في الهاءات
الهاء تزاد في زائدة ومدركة وخارجة وطابخة.
وهاء الاستراحة، كما قال الله تعالى: ﴿ما أغنى عنِّي ماليَهْv هَلَكَ عنِّي سُلطانيهْ﴾.
وهاء الوقف، على الأمر من وشى يَشي، ووقى يَقي، ووعى يَعي، نحو شِه
وعِه وقِهْ.
وهاء الوقف، على الأمر من اهتدى واقتدى كما قال الله عزَّ وجلَّ:
﴿فَبِهُداهُمُ اقتَدِه﴾.
وهاء التأنيث، نحو قاعدة وصائمة.
وهاء الجمع، نحو ذُكورة وحِجارة وفُهودة وصُقورة وعُمومة وخُثوله
وصِبيه وغِلمة وبررة وفجَرَة وكَتَبه وفَسَقَه وكفَرة وولاة ورعاة وقضاة وجبابرة
وأكاسرة وقياصرة وجحاجِحَة وتَبابِعَة.
ومنها هاء المبالغة، وهي الهاء الداخلة على صفات المذكَّر نحو قولك: رجل
علَّامة، ونسَّبة وداهية وباقِعَة. ولا يجوز أن تدخل هذه الهاء في صفة من صفات الله
عزَّ وجلَّ بحال وإن كان المراد بها المبالغة في الصفة.
ومنها الهاء الداخلة على صفات الفاعل لكثرة ذلك الفعل منه، ويقال لها
هاء الكثرة، نحو قولهم نُكْحَةَ وطُلْقَةَ وضُحْكَةَ ولُمْنَةَ وسُخْرَةَ وفي كتاب
الله: ﴿ويلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ أي لكل عَيَّبَة مُغتابَة.
ومنها الهـاء في صفة المفعول به، لكثرة ذلك الفـعل عليه، كقولهم: رجل
ضُحكة ولُعـنة وسُخرَة وهُتكَة.
ومنها هاء الحال في قولهم: فلان حسن الرَّكْبة والمشية والعِمَّة.
وهاء المرة كقولك: دخلت دخلة وخرجت خرجة. وفي كتاب الله عزّ وجلّ:
﴿وفَعَلتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلتَ﴾.
*********
عناية العلماء بالملح والفكاهات
قال الجاحظ لمنتقديه: وما بالُ أهلِ العلمِ والنظرِ، وأصحابِ الفكرِ
والعِبَر، وأربابِ النِّحَلِ، والعلماءِ وأهلِ البصر بمخارجِ المِلَل، وورثَةِ
الأنبياء، وأعوانِ الخلفاء، يكتُبُون كتبَ الظُّرَفاءِ والمُلَحَاء، وكُتب
الفُرَّاغِ والخُلَعاء، وكتبَ الملاهي والفُكَاهات، وكتبَ أصحابِ الخُصوماتِ، وكتبَ
أصحابِ المِراءِ، وكتبَ أصحاب العصبيَّةِ وحَمِيَّةِ الجـاهليّة ألأَنَّهُمْ لا
يحاسـبون أنفسـهم، ولا يُوازِنون بينَ ما عليـهم ولهم، ولا يخَافُون تصفـحَ
العلماءِ، ولا لائمة الأرَبَاءِ، وشنـف الأَكْفَاء، ومَشـنأة الجُلَساء؟ فهلاّ
أمسكتَ - يَرْحَمُكَ اللّه - عَنْ عَيْبِها والطَّعْنِ عليها، وعن المَشـورَةِ
والـموعِظة، وعن تخويفِ ما فـي سوء العاقبةِ، إلى أنْ تبلغَ حالَ العلماء، ومراتبَ
الأَكْفـاء؟ فأمَّا كتابُنا هذا، فسنذكرُ جُمْلَة المذاهب فيه، وسَنَأتِي بعد ذلك
على التفسير، ولَعلَّ رأيَك عند ذلك أنْ يتحوَّل، وقولَك أن يتبدل، فتُثْبِتَ أو
تكونَ قد أخذتَ من التوقُّفِ بنصيب، إن شاء اللّه.
|