من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -46

افهموا وتفقهوا

 

من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني - 46

في إنكارهم التوسل وأن عمل الغير لا ينفع الغير

فمن أعجب أحوالهم وأغرب أقوالهم أنهم ينكرون التوسل وقد شرعه الله تعالى بالبهائم وأنه موجود في جميع كتب الفقه في المذاهب الأربعة وهو باب الاستسقاء بالمطر ومنه أن المصلين يخرجون إلى الخلاء ويخرجون ماشيتهم معهم فما السر في إخراج الماشية أليس فيه الإشارة بالتوسل بها إلى الله تعالى أن يسقيهم لأجلها ولا يردهم خائبين وخاصة أن المشرع الشريف صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: (اللهم اسق بلدك وبهيمتك) فإذا كان التوسل بالبهائم نافعاً أفلا يكون بالصالحين أنفع. نعم فيهم فرقة من أسلافهم يقولون التوسل بالصالحين الأحياء جائز وسيأتي بياننا لهم. أن الميت في قبره أحيا من حي الدنيا من القرآن والسنة. وعليه يكون التوسل به أنفع من حي الدنيا وأن الله تعالى لم يسلبه نعمة الكرامة التي كان بها مميزاً عن غيره وهي من كمالات الله تعالى التي لا تتناهى فكيف بموته تنقطع الكرامة لأنه في نظرهم متى مات ابن آدم انتهى مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفعبه أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية) وهم لا يفهمون له معنى هل قال صلى الله عليه وسلم انقطعت حياته أو قال انقطع عمله لو قال انقطعت حياته كان لهم العذر في فهمهم الخاطئ لكنه صلى الله عليه وسلم قال: (انقطع عمله) الذي يضاف إلى ما يكون له به الميراث في الجنة ونحن لم نقل أنه يصبح يأخذ المفاتيح ويفتح الدكان أو يتسلم عمله في وظيفته إنما نقول أنه أصبح في حياته الأخرى أوسع من هذه الحياة الدنيا والحياة الأخرى إنما هي أكبر وأوسع من الحياة الدنيا على ما بيناه وسيأتي (عمل الغير لا ينفع الغير) قولهم هذا غريب وليس له أصل في الدين يستدلون بقوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ وهم مع جهلهم لا يفهمون لها معنى لأنه لو كان على جهلهم لاستضمنت مع التشريع الكريم كيف ذلك والقرآن الكريم بخلاف ما فهموا؟ ومرة سمعت شيخاً من أشياخهم يذيع في الإذاعة بهذه الألفاظ التي لا يقول بها إلا كل مخبول في عقله فقابلته وقلت له: كيف تذيع هذه الألفاظ الخارجة عن الدين. فقال: أنا عالم ولي أن أقول ما أشاء وأنت عالم لك أن تقول ما تشاء. فقلت له: يظهر أنك لم تصل على أحد من أموات المسلمين في حياتك ولم يرتدع عن غيه وطبعها في كتابه المملوء بالكلام الفارغ كلام من سبقه في الضلال. والحمد لله قد رددنا عليه وعلى غيره في ترهاتهم الكاذبة فلست أدري أهؤلاء أنفسهم من المسلمين وهم يهدمون في عقائده ويطعنون فيه ويقولون على الله ما لا يعلمون ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ وراء الإيمان وأنه متى كان مؤمناً له ما للمؤمنين من الخير العائد على المؤمنين في الكتاب العزيز والسنة المطهرة كما قال تعالى فيهم ﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخوانناالذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم﴾.

وأيضاً أبان لنا سبحانه وتعالى أن غير جنس الآدمين وهو جنس الملائكة يدعون للمؤمنين في قوله تعالى: ﴿الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنو﴾ الآيات ولا يخفى أن دعاء الملائكة مستجاب وكان من حسن الرد عليه أمام جمع كبير من العلماء وكثير من طلبة الأزهر وذلك أن أحد العلماء المدرسين بكليات الأزهر صدمته سيارة أمام بيته بالزيتون فجاءوا به ليصلى عليه بالأزهر ودخلوا به قبل الميعاد المحدد. فوضعوه أمام القبلة القديمة، في الأزهر على غير القبلة. يعني على عكس القبلة. ودخلت لأصلي عليه مع المصلين فوجدت الحال مخالفاً، فقلت يا سبحان الله في الأزهر، وأمام علماء الأزهر الرجل يوجه على غير القبلة. فحالاً تنبهوا وعدلوه إلى القبلة، ثم وجدت له أهلاً يبكون عليه، فقلت لجميع الحاضرين لا تبكوا عليه. فالأفضل اقرؤا قرآناً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن على الميت. ثم قلت: (يا معشر الناس من لم يكن متوضئاً منكم فليتوضأ ليكثر الشفعاء للميت) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليه أربعون قبلت شفاعتهم) وأشرت إلى من قال: (عمل الغير لا ينفع الغير) وهو جالس مع وزير الأوقاف وقلت لأجل أن تردوا على من قال في الإذاعة عمل الغير لا ينفع الغير، مستدلاً بقوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ وهو لا يفهم للآية معنى. فكان هذا أحسن من الرد عليه في الكتاب وإن كنت لم أدع لهم مخالفاً إلا قطعت عليه ألسنتهم.

في الجواز بالتوسل بحق المتوسل به

إذ لا يخفى على ذوي العقول الراجحة أن الفِرق الضالة الذين ينكرون التوسل والوسيلة خصوصاً لعباد الله الصالحين يستهجنون قول القائل لله عز وجل كذا المتوسل به قائلين إنه لا يجب على الله حق لعباده أو لخلقه إنكاراً فاحشا.

وحكمهم على القائل بذلك أنه مشرك كافر وهم يضللون بيان القرآن الكريم وصريح السنة المطهرة إذ يقول الحق تبارك وتعالى لعباده تفضلاً منه لا وجوباً عليه ﴿وكان حقاً علينا نصر المؤمنين﴾ والحق بمعنى الوعد الثابت المتحقق الوقوع وفي الآية الأخرى ﴿وعدا عليه حق﴾ وفي الأخرى ﴿وعدا علينا إنا كنا فاعلين﴾ وفي الصحيح من حديث معاذ بن جبل (هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركون به شيئاً وحقهم عليهم إن فعلوا ذلك أن لا يعذبهم) ومنه ما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الخارج إلى الصلاة: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياءا ولا سمعة ولكني خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تنقذني من النار وأن تدخلني الجنة) ومنه حديث السيدة فاطمة بنت أسد والدة سيدنا علي بن أبي طالب الذي يرويه الطبراني في معجمه الكبير والأوسط عن أنس بن مالكالذي قال فيه: (بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي أن ترحم أمي فاطمة بنت أسد اللهم أكرم نزلها ووسع قبرها) الحديث.

فانظر يا أخي إلى هؤلاء الذين يجهلون كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإلى ما يضللون به عباد الله تعالى وتحريفهم كلام الله تعالى عن مواضعه وتعميتهم في كل ما يدعون إليه ويجعلونه مذهباً لهم خارجاً عن اجماع المسلمين وما عليه أهل التحقيق ومن العجيب أنهم يسمون أسلافهم الضالين والمضللين الذين هم على قدمهم (أهل الإجماع) وأن الإجماع مصدره من الصحابة والتابعين وهم أهل السواد الأعظم من المسلمين على ما قدمنا وهم المعنيون في الكتاب العزيز والسنة المطهرة (بالأمة) التي يستحيل تواطئها على الكذب. ثم أنهم قد يجيزون التوسل بالصالحين الأحياء منهم في هذه الحياة الدنيا كما قال ابن تيمية في رسائله إن الأنبياء والمرسلين وسيلتنا إلى الله في دعوتهم وإرشادهم الخلق إلى الله تعالى ثم استمر إلى أن نفاها عنهم أمواتاً: فنشأ من على قدمهم الآن ينكرون التوسل بالأموات اعتقاداً منهم بأنهم ماتوا وانتهوا على عقيدة اليهود والنصارى بل يعتقدون أن المساجد التي فيها الموتى لا يصلى فيها، والصلاة فيها باطلة. كما كان المشركون يصلون للأصنام. هذا، والله تعالى أبان في كتابه العزيز أن ميت الآدمي ولو كافراً أحيا من حياة الدنيا على ما بينا وسيأتي قريباً البيان الذي يجعل أدلتهم واهية بل وعاطلة لا يقبلها ذو عقل سليم وسيتضح لك ذلك إن شاء الله تعالى.

وقد أفردنا للميت الآدمي باباً خاصاً أوضحنا فيه أنه أحيا من حياة الدنيا من الكتاب العزيز والسنة المطهرة واجماع عقلاء الأمة على ذلك بما لا يستطيع أحد أن يرده ولم ندع فيه قولة لقائل وإذا كان هذا الميت حياً أحيا من حياة الدنيا أفلا يجوزالتوسل به. ومن أدل الدلائل على حياة الآدمي الميت قوله الله تعالى: ﴿وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون﴾ وهل الله سبحانه يرشد رسوله صلى الله عليه وسلم إلى أموات بادوا وانتهوا وما قال الله تعالى ذلك إلا أنهم كانوا قالوا لرسوله- والله أمرنا بها- والله تعالى عالم بأن ميت الآدمي حي أحيا من حياة الدنيا ولو كافراً وكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك إنما رد عليهم بذلك تعزيزاً لهم وخزياً وكل المؤمنين يعلمون كذلك بما أفاض تعالى عليهم بالعلم والمعرفة في كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم- كيف لا وقد توسل صلى الله عليه وسلم بالآدميين الأموات- في حديث السيدة فاطمة بنت أسد الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (اللهم بحقي وحق النبييين من قبلي اغفر لأمي فاطمة بنت أسد) الحديث تقدم قريباً وقد توسل صلى الله عليه وسلم بنعم الله تعالى على عباده. ببسم الله والماء والتراب في الحديث المروي عند البخاري حيث قال: (بسم ربنا وبريقة بعضنا وتربة أرضنا يشفي ربنا) قال شارحه توسل صلى الله عليه وسلم باسم مبدع الكائنات وأشار إلى الأصلين اللذين خلق منهما ابن آدم -الماء والتراب- فماذا تقول بعد ذلك يا ذا العقل السليم لهؤلاء المنحرفين المارقين في عقائدهم الزائفة ودعواهم الباطلة أنهم على الحق ويناصرون السنة ويكتبون كتباً ويطبعون منشورات ويقولون في المحاضرات والخطب في الجمعيات التي لا يسمعها إلا من نشأه الله تعالى على تلك الضلالات في قولهم إن المتوجه إلى شيء من خلق الله فهو توجه إلى غير الله فهو مشرك ويسردون الآيات التي لا يعقلون لها معنى إلا المخالفة ومتابعة أنفسهم هواها.

السابق  التالي

 

افهموا وتفقهوا

سجـود السهو

س: لأي شيء يكون سجود السهو؟ وهل يكون قبل السلام أو بعده؟

ج: سجود السهو سنَّة مؤكدة. ويكون لنقص سنَّة مؤكدة فأكثر أو سنتين خفيفتين فأكثر، وهو قبل السلام إن نقص فقط أو نقص وزاد. وبعد السلام إن زاد فقط.

س: ما هي السنن التي يسجد لها؟

ج: هي ثمان: قراءة ما سوى الفاتحة، والجهر والسر، والتكبير مرتين فأكثر سوى تكبيرة الاحرام، والتسبيح مرتين فأكثر، والتشهد الأول، والجلوس له، والتشهد الثاني في الصلاة الثلاثية وهي المغرب أو الرباعية كالظهر.

س: هل نقص أو زاد من أتى بالسر مكان الجهر أو أتى بالجهر مكان السر؟

ج: من ترك الجهر فيما يجهر فيه وأتى بدله بالسر فقد حصل منه نقص وعليه أن يسجد قبل السلام إذا اقتصر على حركة اللسان وهو أدنى السر، فلو أبدل الجهر بأعلى السر وهو أن يسمع نفسه فلا سجود عليه. ومن ترك السر فيما يسر فيه وأتى بدله بالجهر فقد حصلت منه زيادة وعليه السجود البعدي إذا رفع صوته فوق سماع نفسه ومن يليه، فإن لم يرفع صوته فلا سجود عليه ولا يسن سجود السهو لترك الجهر أو السر إلا إذا كانت القراءة في الصلاة الفرض، أما إذا كانت القراءة في النفل كالوتر والعيدين فلا سجود.

س: ما هو نوع الزيادة التي يسجد لها السجود البعدي؟

ج: يترتب السجود البعدي لأجل الزيادة سواء كانت الزيادة من جنس الصلاة كزيادة ركعة أو سجدة أو سلام أم كانت من غير جنسها ككلام الأجنبي واشترط في هذه الزيادة أن تكون قليلة سهوا، فإن كثرت أبطلت الصلاة سواء كانت من جنسها كأربع ركعات في الرباعية وركعتين في الثنائية، أم من غير جنسها ككثير الكلام أو أكل أو شرب أو حك جسد ونحو ذلك، وكذلك في البطلان إن وقعت عمداً ولو قلت كتعمد النفخ والكلام.

س: ما هو حكم من شك هل أتى بركن من أركان الصلاة أو لا؟

ج: من شك هل صلى ركعة أو ركعتين فإنه يبني على الأقل ويأتي بما شك فيه ويسجد بعد السلام ومثله من شك هل سجد سجدة أو سجدتين أو هل قرأ الفاتحة أو ل. كما يبني على اليقين من شك هل انتقل من صلاته الأولى إلى الثانية أو لا، كمن شك هل خرج من الشفع إلى الوتر أو من الظهر إلى العصر مثلا، فحكمه أن يبني على اليقين ويعتبر نفسه ما يزال في صلاته الأولى: الشفع أو الظهر ويسجد بعد السلام ثم يأتي بالصلاة الثانية التي شك هل انتقل إليها أم لا.

على المذهب المالكي
محمد الحسن ود الفكي