التـبـرك
حول التبرك بالأنبياء والصالحين فقد يخطئ البعض بإنكار التبرك،
علما بأنه وارد أصلا فى كتاب الله وفى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولله در
القائل:
�تطاولت الأرض على السماء
سفاهة����������� وقال الليل للدجى لونك
حالك
والبركة لغويا هى النماء والزيادة، والتبريك هو الدعاء للإنسان أو
غيره بالبركة، والتبرك هو التبرك بالمكان، وقد ورد فى الكتاب والسنة ما يدل على أن
هناك بركة وأن الله فضل أناسا على أناس فى قوله تعالى ﴿ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات﴾
وفضل أرضا على أرض ﴿إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مبارك﴾ وسيدنا عيسى أثناء
طفولته قال ﴿وجعلنى مباركا أينما كنت﴾ وفضل شجرة على شجرة ببركتها فقد أورد الإمام
البخارى وغيره من الأئمة قال صلى الله عليه وسلم (إن من الشجر شجرة ما بركتها
كبركة المسلم) والسؤال هل تبرك أحد بالنبى صلى الله عليه وسلم فى حياته أو بعد
انتقاله أو بآثاره صلوات ربى وسلامه عليه وسنتعرض لها تفصيلا فى سلسلة من المقالات:
التبرك بذاته صلى الله عليه وسلم
عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبيه قال (كان أسيد بن حضير رضى الله
عنه رجلا صالحا ضاحكا مليحا، فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث
القوم ويضحكهم فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خاصرته، فقال: أوجعتنى، قال:
اقتص، قال: يا رسول الله إن عليك قميصا ولم يكن على قميص، قال: فرفع رسول الله صلى
الله عليه وسلم قميصه، فاحتضنه فجعل يقبل كشحه. فقال بأبى أنت وأمى يا رسول الله
أردت هذا) قال الحاكم حديث صحيح الاسناد ووافقه الذهبى وأخرجه ابن عساكر والحديث عن
أبى داود والطبرانى.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول:
زاهر باديتنا ونحن حاضرته وكان صلى الله عليه وسلم يحبه فمشى صلى الله عليه وسلم
يوما إلى السوق فوجده قائما فجاء من قبل ظهره وضمه بيده الى صدره، فأحس زاهر بأنه
رسول الله، قال: فجعلت أمسح ظهرى فى صدره رجاء بركته.� وفى رواية الترمذى فى
الشمائل فاحتضنه من خلفه ولا يبصره، فقال: أرسلنى من هذا؟ فالتفت فعرف النبى صلى
الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبى صلى الله عليه وسلم حين عرفه
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يشترى العبد؟ فقال زاهر: يا رسول الله
إذا تجدنى كاسدا، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت عند الله غال، وفى رواية للترمذى
أيضا: لكن عند الله لست بكاسد أو قال: أنت عند الله غال. وكذا فى المواهب اللدنية.
وأخرج ابن إسحاق عن حبان بن واسع عن أشياخ من قومه (أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفى يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية رضى
الله عنه حليف عدى بن النجار وهو مستنصل عن الصف فطعنه فى بطنه بالقدح وقال: استو
يا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتنى وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدنى، فكشف رسول
الله عن بدنه فقال: استقد، قال: فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟
قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك فدعا له
رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير) من البداية والنهاية لابن كثير.
التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم
كان الصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون على شعره صلى الله عليه
وسلم، فعن سيدنا خالد بن الوليد رضى الله عنه أنه كان قائداً لجيش المسلمين وبينما
كان الجيش زاحفاً لملاقاة العدو إذ سقطت عمامة سيدنا خالد بن الوليد على الأرض
فنزل من فوق جواده ليأتى بعمامته، فقيل له: كيف تنزل عن جوادك وأنت قائد للجيش،
قال لهم: سأخبركم بعد الانتهاء من المعركة، ثم لبس عمامته وعاد للقتال وبعد أن
انتهى قال لهم إن فى عام كذا وكذا قال عبد الله ابن مسعود يا رسول الله: إذا حلقت
الشعر فاعطنى إياه فوعده بذلك وأعطاه إياه، فقلنا له: نريد أن نقسم بيننا يا رسول
الله فقسم فكان نصيب كل منهما ست شعرات ونصيبى وضعته فى عمامتى فكان النصر دائماً
من هذه الشعيرات. (كتاب شواهد الحق للإمام النبهانى)
ورد فى البخارى أيضا أنه صلى الله
عليه وسلم فى صلح الحديبية أمر أبا طلحة رضى الله عنه أن يحلق شعره الشريف وأن
يوزعه على الصحابة رضى الله عنهم فمن وصلت إليه شعرة كانت أجدى له من الدنيا وما
فيها.
عن جعفر بن عبد الله بن الحكم أن
خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك فقال: اطلبوها، فلم يجدوها، فقال:
اطلبوها، فوجدوها فإذا هى قلنسوة خلقة فقال خالد: اعتمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره، فسبقتهم الى ناصيته فجعلتها فى هذه
القلنسوة، فلم أشـهد قتالا وهى معى إلا رزقت النصر، قال الحافظ الهيثمى رواه
الطبرانى وأبو يعلى وذكره ابن حجر بلفظ (فما وجهت فى جهة إلا فتح لى).
وعن أنس بن مالك رضى الله عنهما قال: لما حلق رسول الله صلى الله
عليه وسلم رأسه بمنى أخذ شق رأسه الأيمن بيده، فلما فرغ ناولنى فقال: يا أنس انطلق
بهذا الى أم سليم، قال: فلما رأى الناس ما خصنا به تنافسوا فى الشق الآخر هذا يأخذ
شيئا وهذا يأخذ شيئ. أخرجه الإمام أحمد فى مسنده.
محمد سيد
أفضل الصلوات على سيد السادات -2
استكمالا لما سبق نواصل الحديث
معكم عن فضل الصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه
وسلم (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على ورغم أنف رجل دخل رمضان ثم انسلخ قبل أن
يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة) وفى رواية أن النبى
صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال (آمين ثم صعد فقال آمين ثم صعد فقال آمين فسأله
معاذ عن ذلك فقال: إن جبريل عليه السلام أتانى فقال يا محمد من سميت بين يديه فلم
يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين وقال لى من أدرك رمضان فلم يقبل منه
فمات مثل ذلك ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات مثله) وفى رواية زيادة
وأسحقه بعد فأبعده الله في الثلاث مرات |
|
وانظر معى إلى هذه الأحاديث:
(البخيل الذى ذكرت عنده فلم يصل علىّ وفى رواية إن البخيل كل البخيل
من ذكرت عنده فلم يصل على).
(من ذكرت عنده فلم يصل علىّ أخطأ طريق الجنة).
(أيما قوم جلسوا مجلسهم ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله ويصلوا على
النبى صلى الله عليه وسلم كانت عليهم من الله دائرة إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم).
(من نسى الصلاة على نسى طريق الجنة).
(من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلى على).
(ما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا على غير صلاة على النبى صلى الله عليه
وسلم إلا تفرقوا على أنتن من ريح الجيفة).
(من ذكرت عنده فلم يصل علىّ دخل النار).
(من ذكرت عنده فلم يصل علىّ فقد شقى).
(من ذكرت بين يديه ولم يصل على صلاة تامة فليس منى ولا أنا منه ثم
قال صلى الله عليه وسلم اللهم صل من وصلنى واقطع من لم يصلنى).
(ألا أنبئكم بأبخل البخلاء ألا أنبئكم بأعجز الناس قالوا بلى يا
رسول الله قال من ذكرت عنده فلم يصل على) وفى رواية (ألا أخبركم بأبخل الناس قالوا
بلى يا رسول الله قال من إذا ذكرت عنده فلم يصل علىّ فذلك أبخل الناس).
(ويل لمن لا يرانى يوم القيامة فقالت عائشة رضى الله عنها ومن لا
يراك يا رسول الله قال البخيل قالت ومن البخيل قال الذى لا يصلى علىّ إذا سمع
باسمى).
(ماجلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيه محمد صلى
الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة).
قال العلامة ابن حجر في كتاب
الزواجر عن اقتراف الكبائر الكبيرة الستون ترك الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم
عند سماع ذكره صلى الله عليه وسلم وذكر جملة من هذه الأحاديث السابقة ثم قال عد هذا
كبيرة هو صريح هذه الأحاديث لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر فيها وعيدا شديدا كدخول
النار وتكرر الدعاء عن جبريل والنبى صلى الله عليه وسلم بالذل والهوان ومن النبى
صلى الله عليه وسلم بالذل والهوان والوصف بالبخل بل بكونه أبخل الناس وهذا كله وعيد
شديد جدا فاقتضى أن ذلك كبيرة لكن هذا إنما يأتى على القول الذى قال به جمع من
الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة أنه تجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
كلما ذكر وهو صريح هذه الأحاديث وإن قيل أنه مخالف للإجماع قبل هؤلاء على أنها لا
تجب مطلقا في غير الصلاة فعلى القول بالوجوب يمكن أن يقال إن ترك الصلاة عليه صلى
الله عليه وسلم عند سماع ذكره كبيرة وأما على ما عليه الأكثرون من عدم الوجوب فهو
مشكل مع هذه الأحاديث الصحيحة اللهم إلا أن يحمل الوعيد فيها على من ترك الصلاة على
وجه يشعر بعدم تعظيمه صلى الله عليه وسلم كأن يتركها لاشتغاله بلهو ولعب محرم فهذه
الهيئة الاجتماعية لا يبعد أن يقال أنه حفها من القبح والاستهتار بحقه صلى الله
عليه وسلم ما اقتضى أن الترك حينئذ لما اقترن به كبيرة مفسق فحينئذ يتضح أنه لا
معارضة بين هذه الأحاديث وما قاله الأئمة من عدم الوجوب بالكلية فتأمل ذلك فإنه مهم
ولم أر من نبه على شئ منه ولا بأدنى إشارة.
سمير جمال
|