واحة الثقافة والأدب

قصص

نفحات وعبر

أمثال وحكم

عذب الحديث

قصص

عظات

قال ابن السماك للرشيد حين قال له عظنى، وكان بيده شربة ماء فقال له: يا أمير المؤمنين لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك؟ قال: نعم، قال يا أمير المؤمنين: لو شربتها وحبست عن الخروج أكنت تفديها بملكك؟ قال: نعم، فقال له: لا خير فـي ملك لا يساوى شربة ولا بولة.

وقال ابن شبرمة: إذا كان البدن سقيما لم ينفعه الطعام وإذا كان القلب مغرما لم تنفعه الموعظة.

أمنية

مر أبا العتاهية بدكان وراق فوجد كتاب فيه:

لا ترجع الأنفس عن غيها       ما لم يكن منها لها زاجر

فقال: لمن هذا البيت، فقيل: لأبى نواس قاله للخليفة هارون الرشيد حين نهاه عن حب الجمال وعشق الملاح، فقال: وددت أنه لى بنصف شعرى.

وصايا

قال الإمام على كرم الله وجهه فـي بعض وصاياه لولده: اعلم يا بنى أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد لا يضاده فـي ملكه أحد، وعنه صلوات ربى وسلامه عليه (كل ما يتصور فـي الأذهان فالله سبحانه بخلافه).

وقال لبيد بن ربيعة:

ألا كـل مـا خـلا الله بـاطـل       وكل نعيم لا مـحـالـة زائـل

وكل ابن أنثى لو تطاول عمـره       إلى الغاية القصوى فللقبر آيـل

وكل أناس سوف تدخل بينـهـم       دويهية تصفر منهـا الأنـامـل

وكل امرئ يوما سيعرف سعيـه      إذا حصلت عند الإله الحصائــل

وروى أن النـبى صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر (إن أشعر كلمة قالتها العرب: ألا كل شـئ ما خلا الله باطـل).

عزاء

كان السلف رضى الله تعالى عنهم يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى، وسبعا إذا فاتتهم الجماعة، وقال ابن عباس رضى الله عنهما: ركعتان مقتصدتان فـي تفكر، خير من قيام ليلة والقلب ساه.

وأنشد بعضهم:

خسر الذى ترك الصلاة وخابـا       وأبى معادا صـالحـا ومـآبـا

إن كان يجحدها فحسبـك أنـه       أضحى بربك كافرا مـرتـابـا

أو كان يتركها لنوع تكـاسـل       غطى على وجه الصواب حجابا

فالشافعى ومالـك رأيـا لـه       إن لم يتب حد الحسام عقابــا

والرأى عندى للإمام عذابــه       بجميع تأديب يراه صـوابــا

فصاحة النساء

جاءت امرأة إلى أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقالت: يا أمير المؤمنين إن زوجى يصوم النهار ويقوم الليل، فقال لها: نعم الرجل زوجك، وكان في مجلسه رجل يسمى كعبا، فقال: يا أمير المؤمنين: إن هذه المرأة تشكو زوجها في أمر مباعدته إياها عن فراشه، فقال له: كما فهمت كلامها احكم بينهما، فقال كعب: على بزوجها، فأحضر، فقال له: إن هذه المرأة تشكوك، قال: أفى أمر طعام أم شراب؟ قال: بل في أمر مباعدتك إياها عن فراشك، فأنشدت المرأة تقول:

يا أيها القاضى الحكيم أنـشـده         ألهى خليلى عن فراشى مسجده

نهاره ولـيـله لا يـرقـــده         فلست في أمر النساء أحمــده

فأنشأ الزوج يقول:

زهدنى في فرشها وفى الحـلـل        أنى امرؤ أذهلنى ما قـد نــزل

فى سورة النمل وفى السبع الطول       وفى كتاب الله تـخـويف يجـل

فقال له القاضى:

إن لها عليك حقـا لـم يــزل        فى أربع نصيبها لمن عـقــل

فعاطها ذاك ودع عنك العلل ثم قال: إن الله تعالى أحل لك من النساء مثنى وثلاث وربـاع، فلك ثلاثة أيام بليالـيهن ولها يوم ولـيلة، فقال عمر رضى الله عنه: لا أدرى من أيكم أعجب أمن كلامها أم من حكمك بينهما اذهب فقد وليتك البصرة.

نفحات وعبر

المشورة

قال الإمام الحسن: الناس ثلاثة: فرجل رجل - ورجل نصف رجل - ورجل لا رجل .. فأما الرجل الرجل فذو الرأى والمشورة، وأما الرجل الذى هو نصف رجل، فالذى له رأى ولا يشاور، وأما الرجل الذى ليس برجل، فالذى ليس له رأى ولا يشاور.

كان اليونان والفرس لا يجمعون وزراءهم على أمر يستشيرونهم فيه وإنما يستشيرون الواحد منهم من غير أن يعلم الآخر به لمعان شتى منها لئلا يقع بين المستشارين منافسة، فتذهب إصابة الرأى، لأن من طباع المشتركين فى الأمر التنافس والطعن من بعضهم فى بعض، وربما سبق أحدهم بالرأى الصواب فحسموه وعارضوه، وفى اجتماعهم أيضا للمشورة تعريض السر للإذاعة، فإذا كان كذلك وأذيع السر لم يقدر الملك على مقابلة من أذاعه للإبهام، فإن عاقب الكل عاقبهم بذنب واحد، وإن عفا عنهم ألحق الجانى بمن لا ذنب له.

قال الأحنف: لا تشاور الجائع حتى يشبع ولا العطشان حتى يروى ولا الأسير حتى يطلق ولا المقل حتى يجد.

لما أراد نوح بن مريم قاضى مروان أن يزوج ابنته استشار جارا له مجوسيا، فقال: سبحان الله الناس يستفتونك وأنت تستفتينى!! فقال: لابد أن تشير على، قال: إن رئيس الفرس كسرى كان يختار المال، ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال، ورئيس العرب كان يختار الحسب، ورئيسكم محمد كان يختار الدين، فانظر لنفسك بمن تقتدى.

حكى أن رجلا من أهل يثرب يعرف بالأسلمى قال: ركبنى دين أثقل كاهلى وطالبنى به مستحقوه، واشتدت حاجتى إلى ما لابد منه، وضاقت علىّ الأرض، ولم أهتد إلى ما أصنع، فشاورت من أثق به من ذوى المودة والرأى، فأشار على بقصد المهلب بن أبى صفرة بالعراق، فقلت له: تمنعنى المشقة وبعد الشقة وتيه المهلب، ثم إنى عدلت عن ذلك المشير إلى استشارة غيره، فلا والله ما زادنى على ما ذكره الصديق الأول، فرأيت أن قبول المشورة خير من مخالفتها، فركبت ناقتى وصحبت رفقة فى الطريق، وقصدت العراق، فلما وصلت، دخلت على المهلب، فسلمت عليه وقلت له: أصلح الله الأمير إنى قطعت إليك الدهنا وضربت أكباد الإبل من يثرب، فإنه أشار على بعض ذوى الرأى بقصدك لقضاء حاجتى، فقال: هل أتيتنا بوسيلة أو بقرابة وعشيرة، فقلت: لا، ولكنى رأيتك أهلا لقضاء حاجتى، فإن قمت بها فأهل لذلك أنت، وأن يحل دونها حائل لم أذم يومك، ولم أيأس من غمك، فقال المهلب لحاجبه: اذهب به وادفع إليه ما فى خزانة مالنا الساعة، فأخذنى معه، فوجدت فى خزانته ثمانين ألف درهم، فدفعها إلى، فلما رأيت ذلك لم أملك نفسى فرحا وسرورا، ثم عاد الحاجب به إليه مسرعا، فقال: هل ما وصلك يقوم بقضاء حاجتك؟ فقلت: نعم أيها الأمير وزيادة، فقال: الحمد لله على نجاح سعيك واجتنائك جنى مشورتك، وتحقق ظن من أشار عليك بقصدنا.

 

أمثال وحكم

يحكى أن بعض النحويين دخل مجلس الحـسن بن سمعون ليسمع كلامه فوجده يلحن فانصرف ذاما له، فبلغ ذلك الحسن، فكتب له: إنك من كثرة الإعجاب رضيت بالوقوف دون الباب، اعتمدت على ضبط أقوالك مع لحن أفعالك، وإنك قد تهت بين خفض ورفع ونصب وجزم، فانقطعت عن المقصود، هلا لا رفعت إلى الله جميع الحاجات وخفضت المنكرات وجزمت على الشهوات ونصبت بين عينيك الممات؟ والله يا أخى ما يقال للعبد لمَ لم تكن معربا وإنما يقال له لم كنت مذنبا، ليس المراد فصاحة المقال وإنما المراد فصاحة الفعال، ولو كان الفضل فى فصاحة اللسان لكان سيدنا هارون أولى بالرسالة من سيدنا موسى حيث يقول ﴿وأخى هارون هو أفصح منى لسان﴾ وقد يتكلم الإنسان بحكم وحقائق، مع فصاحة وبـلاغة وشقاشق، لكنها مكسوفة الأنوار مكموسة الأسرار، ليس منها حلاوة، ولا عليها طلاوة، سبب ذلك عدم الإذن فيها، إذ لو أذن له فى التعبير لظهر عليها كسوة التـنوير، وينبغى لأهل التعبير أن يخاطبوا الناس بقدر ما يفهمون، فليس التعبير لأهل البداية كأهل النـهاية وفى الحديث (خاطبوا الناس بقدر عقولهم).

روى أن ليلى الأخبلية مدحت الحجاج فقال: يا غلام اذهب إلى فلان، فقل له يقطع لسانها، قال: فطلب حجاما، فقالت: ثكلتك أمك إنما أمرك أن تقطع لسانى بالصلة، فلولا تبصرها بأنحاء الكلام ومذاهب العرب والتوسعة فى اللفظ ومعانى الخطاب لتم عليها جهل هذا الرجل.

قال عبد الملك بن مروان لرجل: حدثنى، فقال: يا أمير المؤمنين افتتح، فإن الحديث يفتح بعضه بعض.

وقال الشعبى: كنت أحدث أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان وهو يأكل، فيحبس اللقمة فأقول: أجزها أصلحك الله فإن الحديث من وراء ذلك، فيقول: والله لحديثك أحب إلى منها.

قال الهيثم بن صالح لابنه: يا بنى إذا أقللت من الكـلام أكثرت من الصواب، قال يا أبت فإن أنا أكـثرت وأكثرت يعنى كلاما وصوابا، قال: يا بنى، ما رأيت موعـوظا أحق بأن يكون واعظا منك.

قال ابن عيينة: الصمت منام العلم، والنطق يقظته، ولا منام إلا بتيـقظ ولا يقـظة إلا بمنام.

وقال ابن المبارك:

وهذا اللسان بـريـد الفـؤاد       يدل الرجال عـلى عـقـلـه

ومر رجل بأبى بكر الصديق رضى الله تعالى عـنه ومعه ثوب، فقال له أبو بكر رضى الله عنه: أتبيـعه؟ فقال: لا، رحمك الله، فقال أبو بكر: لو تستيقمون لقومت ألسنتكم، هلا قلت لا ورحمك الله.