الـقـواطـع

بالحقائق ناطقين

إلى من نحب ونرضى

ترك الاختيار وملازمة الافتقار

 

الـقـواطـع

النفس الأمارة

لما كانت دعوة النبى صلى الله عليه وسلم هى الخاتمة والباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها منحه الحق سبحانه وتعالى الأخيار من آل بيته الكرام إجابة لدعوته صلى الله عليه وسلم زجعلت عمرى محدودا وعمر إبليس ممدودا فمن لهذه الأمة من بعدى؟س فأجابه الحق سبحانه وتعالى ﴿ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم﴾ وأمر عباده بإتباعهم بقوله سبحانه محذرا ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى﴾ ويكرر المسلمون فى صلاتهم علمهم بهذا الأمر الإلهى بل ويسألون الله تبارك وتعالى التوفيق إلى ذلك بقوله ﴿اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم﴾ فينبغى على كل مسلم أراد لنفسه الرشاد وقصد أن يسلك سبيل الهدى أن يستمسك بهم.

فهم حبل الله المتين والعروة الوثقى التى لا انفصام لها وهم سفن النجاة للعباد مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (آل بيتى كسفينة نوح من تعـلق بها نجا ومن تركها هلك) وقوله أيضا صلى الله عليه وسلم (إلزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقى الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا والذى نفس محمد بيده لا ينفع عبد عمله الا بمعرفة حقنا) وهم بذلك وسيلة العباد للتغلب على القواطع عن المهيمن التى قيل عنها:

إنى منيت بأربع يرمينـنـى        بالنبل من قوس له توتـيـر

إبليس والدنيا ونفسى والهوى       يارب أنت على الخلاص قدير

وقد قال الإمام فخر الدين رضى الله عنه:

والقاطعات عن المهيمن أربع        بئس البضاعة عيرهن نفيـر

فاعلم أن النفوس هى نفس واحدة وتسمى باعتبار صفاتها المتكثرة بأسمائها المختلفة كما أخبر الحق سبحانه وتعالى عنها فى مواطن متعددة فى القرآن الكريم فقال سبحانه وتعالى على لسان سيدنا يوسف ﴿وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء﴾ فمن هنا سميت بالنفس (الأمارة) وقال أيضا ﴿لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة﴾ فسميت بالنفس (اللوامة) وقال أيضا ﴿ونفس وما سواه. فألهمها فجورها وتقواه﴾ فسميت هنا بالنفس (الملهمة) وقال تعالى ﴿يا أيتها النفس المطمئنة﴾ فعرفت هنا بالنفس (المطمئنة) ثم قال سبحانه ﴿إرجعى إلى ربك راضية﴾ فسميت بالنفس (الراضية) ثم تابع سبحانه بقوله ﴿مرضية﴾ فسميت بالنفس (المرضية) وقد أخبر سبحانه وتعالى بقوله ﴿فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم﴾ فسميت هنا بالنفس (الكاملة). فمن بيان ما تقدم ترى أن النفس تسمى باعتبار صفاتها المتكثرة ولكن من حيث ذاتها فهى (نفس واحدة) أعنى بها النفس الناطقة وهى القلب، وقال تعالى ﴿ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴾ فليس المراد بالقلب قطعة اللحم وإنما المراد به اللطيفة الربانية الغير مُدرَكة والتى أشار إليها القرآن فى أكثر من موضع ﴿إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور﴾ وقوله أيضا ﴿أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون به﴾ وقال محذرا ﴿ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرط﴾ فهذه اللطيفة الربانية تدنست بالميل الى الشهوات فتلاقت مع النفس الشهوانية وهى الروح الحيوانى أو الروح البهيمى وهى الروح الظاهرة فى الحيوانات، بل إنها تسرى فى كل كائن حى ولا نستطيع تمييزها بين الخلق إلا بالصورة البشرية فقط. والنفس فى كل مسمى لها أوصاف توصف بها .. وأوصاف النفس (الأمارة) والتى تأمر بالسوء الجهل وعدم العلم لبعدها عن الحق بهذه الصورة وقد قال فى هذا المعنى سبحانه ﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئ﴾ ومن صفاتها أيضا البخل والكبر والغضب والإيذاء باليد أو باللسان والتى أشار إليها الحق سبحانه بقوله ﴿وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء﴾ وقال الحبيب المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه (رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر قالوا وما الجهاد الأكبر يا رسول الله قال جهاد النفس) فسمى حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم جهاد النفس بـ(الجهاد الأكبر) وذلك لأنها واقعة فى ظلمة الطبيعة فلا فرق لها بين الحق والباطل، وهى مدخل للشيطان اللعين، وقال السادة أهل الذكر: يكون الذكر فى هذا المقام بكلمة (لا إله إلا الله) ويجب على الذاكر أن يذكر بمد لفظة (لا) وتحقيق همزة (إله) فإنك إن لم تحققها قلبت ياء وصار ذكرك (لا يلاه إلا الله) وهذه ليست كلمة التوحيد كما أنها لا تعطى نتيجة فى القلب، وقد وصف الإمام فخر الدين رضى الله عنه هذه النفس بقوله:

أمارة بالسوء بئس شرابها       فهو الزعاف وقمة البلواء

فى قتلها نعم الثواب لقاتل        عنكم أماط مصادر الإيذاء

عصام مقبول / محمد رشاد

بالحقائق ناطقين

أمسك عليك فلا تصاحب منكــرا         إن التعاسة فى اصطحاب المنكرين

إحفظ لسانك لاـتبـادل جـاهـلا          علما بجهلٍ واعرضن عن جاهلين

إحفظ فؤادك لا تحـقر عـالـمـا          فى صدره قبس من النور المبين

تتوالى توجيهات الإمام فخر الدين رضى الله عنه لمريديه من خلال قصيدته (الوصية) حيث يرشدهم إلى ضرورة الامتناع عن مصاحبة المنكرين لأحوال أهل الله الصالحين، لأن فى مصاحبتهم التعاسة والخسران كما يرشدهم إلى ضرورة حفظ اللسان وعدم مجادلة الجاهلين، حيث لا يجوز الخوض فى حديث ما من شأنه التطاول والافتاء بغير علم، وفى الوقت نفسه يحثهم على ضرورة حفظ القلب من مجرد الخواطر التى تمر به وتبدو فى تلك الخواطر الانتقاص من قدر هؤلاء العلماء الصالحين الذين هم ورثة الأنبياء، لأن هؤلاء لا ينطقون إلا عن حكمة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم، مصداقا للقول المأثور (إذا جالست العلماء فاحفظ لسانك وإذا جالست الأولياء فاحفظ قلبك) وهو المعبر عنه بالفؤاد، لأن القلب إذا خلا مما سوى الله عز وجل أصبح فؤادا ومن ذلك قوله تعالى ﴿وأصبح فؤاد أم موسى فارغا﴾.

والمتأمل فى الأبيات السابقة يخبر أنها تجرى مجرى الحكمة، وتدعو إلى التحلى بمكارم الأخلاق، ومن خلال تلك التوجيهات نتوقف قليلا عند بعض الجوانب البلاغية:

فالأسلوب منها يتراوح بين الإنشاء والخبر، ومن الأساليب الإنشائية .. الأمر وذلك باستخدام فعل الأمر المتمثل فى (أمسك)، (احفظ)، (أعرض) وكلها للنصح والإرشاد.

والنهى فى استخدام المضارع المسبوق بلا الناهية كما فى ( لا تصاحب)، (لا تبادل)، (لا تحقر) وكلها للتحذير، وفى استخدام المضارع ما يدل على التجدد والاستمرار.

أما الخبر فيبدو فى (إن التعاسة فى اصطحاب المنكرين) وهو لتقرير المعنى وتوكيده، وفيه تعليل لشطره الأول.

ومن المحسنات البديعية التى من شأنها توكيد المعنى والدلالة على العموم التضاد بين (لا تصاحب)، (اصطحاب) و(علم)، (جهل).

ومن وسائل التوكيد بالإضافة إلى ما سبق من تضاد إلحاق الفعل (أعرض) بنون التوكيد الخفيفة، كما أن بالأبيات موسيقى تظهر فى حسن تقسيم الأبيات.

السيد عبد اللطيف

إلى من نحب ونرضى

بسم الله الرحمن الرحيم

فإبراهيم عندى من يرثنــى        على الأيام ممن قد وصلـت

لما أخبرنا المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم قائلا ﴿وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا﴾.

ظن الكثير أن الخوف من الفقر والخوف على المال هذا جائز ولكن الخوف الأكبر من ضياع الدين لأت نت أنت على ماله ونجا من الفقر ثم ضاع دينه فإنه فقد كل شئ ومن نجا بدينه فقد حاز كل شئ لأن الله لا يضيعه أبدا فانظر إلى سيدنا الخضر عندما كلفه الله بحفظ مال اليتيمين كانت العلة من ذلك قوله (وكان أبوهما صالحا) فالصلاح في الدين هو المهم بل هو الأهم لذلك يفسر لنا السيد الجليل ابن عجيبة في تفسيره هذه الآية بالإشارة:

أمر الحق جل جلاله أهل التربية النبوية إذا خافوا على أولادهم الروحانيين أن ينقطعوا بعد موتهم، أن يمدوهم بالمدد الأبهر، ويدلوهم على المعنى الأكبر، حتى يتركوهم أغنياء بالله، قد اكتفوا عن كل أحد سواه، مخافة أن يسقطوا بعد موتهم في يد من يلعب بعم فليتقوا الله في شأنهم، وليدلوهم على ربهم وهو القول السديد.

فالرب هنا هو المربى النبوى فالقول السديد هو أن المربى النبوى يقول لأولاده المنتـمين إليـه بالروح قبل أن ينتـقل من هذه الحياة من هو الذى يتربون على يديه بعد إنتـقاله من هذه الحياة لأن عدم المعرفة به جهل وموت وفى ذلك يقول المصطفى صـلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يعرف إمام عصره فقد مات ميتة جاهلية) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

لذلك يقول مولانا فخر الدين رضى الله عنه بالقصيدة الواحد وأربعين:

رأيت الضعف فيثكم والنوايــا        وعندكم على خيـر ذكــرت

وإنى ظل نـور مـن عـلـى         وعن قول سديد ما انحسـرت

أى أنه رضى الله عنه قال لنا القول السديد قبل هذا البيت في نفس القصيدة:

وحتى لا ينال الدهر ممــا           أفاء الله إن الجهل مــوت

أى أن الله أفاء عليكم والفئ هو العطاء وهو أن عرفنا المربى النبوى إمام العصر فإن الجهل به موت كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد مات ميتة جاهلية بعد ذلك وقال في البيت:

فإبراهيم عندى من يرثنــى          على الأيام ممن قد وصلــت

أى هو المربى لكم من بعدى نفعنا الله به في الدنيا والآخرة وها هو مولانا الشيخ إبراهيم رضى الله عنه يعلن قبل إنتقاله بعامين أن وزيره وخليفته هو مولانا الشيخ محمد الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى نفعنا الله بهم أجمعبن وسيرنا خلفهم أمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

محمد مقبول

ترك الاختيار وملازمة الافتقار

الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمى، صحب الإمام الجنيد، والشيخ إبراهيم المارستانى، وكان من أقران الجنيد.

من كلامه رضى الله عنه: من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة، ولا أشرف من متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم فى أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه .. أعظم الغفلة غفلة العبد عن ربه وعن أوامره وعن آداب معاملته .. علامة الولى أربعة: صيانة سره فيما بينه وبين الله، وحفظ جوارحه فيما بينه وبين أمره، واحتمال الأذى فيما بينه وبين خلقه، ومداراته للخلق على تفاوت عقولهم.

وسئل ذات مرة: ما العبودية؟ فقال: ترك الاختيار وملازمة الافتقار، فقيل له: ما المروءة؟ فقال: ألا تستكثر لله عملا، وقال: عندما عصى سيدنا آدم عليه السلام بكى عليه كل شئ فى الجنة إلا الذهب والفضة، فأوحى الله إليهما: لم لا تبكيان على آدم؟ !! فقالا: ما كنا لنبكى على من يعصيك، فقال سبحانه: وعزتى وجلالى لأجعلن قيمة كل شئ بكما ولأجلعن بنى آدم خدما لكما، ثم أنشد قائلا:

إذا صد من أهوى صددت عن الصـد        وان حال عن عهدى أقمت على العهد

فما الوجد إلا أن تذوب من الـوجـد         وتصبح فى جهد يزيد على الجـهـد