الهوى أهـوى كثـيرا
الهوى كما عرَّفه شيخنا تعريفا دقيقا لم أقع عليه عند غيره، قــال:
هو مخالفة النص وهذا ما أردنا الوصول إليه في الموضوع الذي نحن
بصدده. هذه القواطع عن الله هي أعداء الإنسان الأربعة في الدين
والدنيا، والأخيرة منها مدح الله رسوله بشأنها فقال: {وماينطق عن
الهوى. إن هو إلا وحي يوحى} وذمَّ من كان من أهلها وحكم عليها بألا
يكونوا مطاعين في الدنيا فقال: ولاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا وأتبع
هواه وكان أمره فرطا} (الكهف آية 28).
ز
ويقول:{ياأيُّها الذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط
شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إنْ يكنْ غنيا أو
فقيرا فالله أولى بهما فلا تتَّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلْووا أو
تعرضوا فإنَّ الله كان بما تعملون خبيرا}. النساء آية(153). وقال
لداوود: {يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق
ولاتتبع الهوى فيضلَّك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم
عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} سورة ص آيــة(26)26.
وقال: {فإن لم يستجيبوا لك فأعلم أنما يتَّبعون أهواءهم ومن أضل ممن
اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لايهدى القوم الظالمين}القصص
آيــة
(50).
ولنا بعض التعليقات على تفسير هذه الآيات، لا من باب الرأى وإنما
العلم المنقول والمعقول وفَضْـلُ الله الذي لاتنفد خزائنه:
أولا: آية سورة النجم: خصوصية للمعصوم المصطفى
فما ينبغى له مخالفة النص الإلهي فاللسان الإلهي مركَّبٌ فيه، فلا
سبيل للرأى إذن، حتى القرآن الذي نزل جملة على قلبه وهو أعلم به من
غيره بدليل أنه أُوحى إليه في سورة المزمل: {أو زد عليه ورتِّل
القرآن ترتيلا...} والقرآن آنذاك لم ينزل منه إلاَّ بعضُ آيات - نقول
حتى القرآن الذي طُبِعَ في قلب المصطفى مُنِعَ من الإفصاح عنه قبل أن
يؤذن له: {ولا تعجـل بالقـرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه}. فكان هواه
تبعا لأمر ربه فلا سبيل للهوى عليه رغم أنه لا سبيل لأي غير أو أغيار
على النبي، فهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه .
ز
ثانيًا: آيـة سورة الكهف: ولا تطع من غَفَل قلبُه ؛ فكانت هذه الغفلة
أصلَ العلَّة وهى اتِّبَاع الهوى أي الانصراف عن النصوص الإلهية
والنبوية إلى رأى النفس التي هي من القواطع عن الله فكان أمره أشتاتا
لايستطيع جمعها مهما أتى من العبادات الأخرى، فالقلب غير سليم بل
اجتمعت عليه الشياطين فحَجَبَتْهُ عن تمييز السوىِّ من السبل إلى
الله. نسأل الله السلامة.
ز
ثالثـا: آيــة سورة النساء: بيَّنت بشكل قاطع أن الهوى ضد القسط
والعدل، ثم هو بعد ذلك بداية الاعوجاج الذي عبَّرت عنه الآية باللىِّ
والإعراض.
ز
رابعـا: آية سورة
ص: بيَّنت أن الهوى ضد الحق، فهو إذن إلى الباطل،
والنتيجة هي الضلال، وهذا كله ما يمكن أن تراه في هؤلاء الذين يصفهم
المسلمون بالمتطرفين.
ز
نكتة لطيفة: في آية القصص (50) يبيِّن الله صنفا، ويُخفي صنفا ؛
فالأول يتبع هواه بغير هدى من الله فلزم أن يكون ضده يتبع هواه لكن
بهدى من الله أي يخالف النص، ولكن على هدىٍ من الله، وهو ما يقول فيه
العلماء اتباع الأدب أولى من لزوم النص مثل حال أبي بكر عندما تقدَّم
للصلاة في مرض النبي، فعندما حضر النبي تخلَّف أبوبكر فقدمه النبي
مرة أو مرتين فكان يخالف النبي ويتأخر، فعندما تمت الصلاة سأله
النبي فقال: ماكان لابن أبي قحافة أن يتقدَّم بين يدي رسول الله ،
وكذلك حال علىّ في كتابة صلح الحديبية عندما خالف النبيَّ لمَّا أمره
بمحو كلمة رسول الله من النص فمحاها النبي بيده الشريفة، وغير ذلك
كثـير. وفي مثل هؤلاء يقول الله تبارك وتعالى لنبيِّه:{ثم جعلناك
على شريعة من الأمر فاتبعها ولاتتبع أهواء الذي لايعلمون} أي اتبع
أهواء الذين يعلمون من الصالحين.. الجاثية آية (18) ونختم القول في
الهوى بنصيحة سيدي فخر الدين.
ز
فـفيئوا فالهوى أهوى كثيرا
جِبِّلاً تعرفوهم قد شهدتُ
د. ابراهيم
دسوقي
|