تميــيـز
الـمـــراتب
وكما تحدثنا عن التقوى فى كل المراتب فإن الذنب تختلف نوعيته باختلاف
المرتبة فمثلا إذا ارتكب عبد ذنبا بسرقة أو زنا وأراد أن يتوب فيجب
ألا نشجِّعه ونهوِّن عليه ذنبه ونقول له: قال
النبى (لو لم تذنبوا وتتوبوا
لأذهبكم الله وأتى بأناس يذنبون فيتوبون فيتوب الله عليهم) رواه أحمد
فى الزهد، لأن هذا ليس موطن الحديث لأن ذلك يخالف قول الله تعالى {إن
الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء
والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون} (النحل /90) ولكن نقول له
(التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ابن ماجه. أو تقول له قول النبى
أيضا (إذا أذنب العبد نكتت نكتة سوداء فى قلبه فإن تاب مُحيت) ابن
ماجه فى الزهد. لأن الحديث الأول إنما قاله رسول الله للمؤمنين
وللمحسنين لأنَّ ذنوبهم ليست ارتكاب المعاصى والموبقات ولكن ذنوبهم
هى الغفلة عن ذكر الله أو الغفلة عن المشاهدة فيكون الحديث لو لم
تذنبوا وتتوبوا أى تعودوا ثانية إلى الذكر والمشاهدة، وإلا اختلط
الأمر على الناس وظنوا أن الله يأمرنا بعمل الذنب كما هو واضح من
ظاهر اللفظ.ومن هذا نخلص أن تمييز مراتب الدين ومعرفة الآيات
والأحاديث الخاصة بكلِّ مرتبة هو الأمر اللازم لعدم التعارض فى
الفتوى، لأن الدين قرآن وسنة وهو يصدق بعضه بعضا، أما عن الاختلاف فى
الفتوى فهو أمر وارد شرعا إذا كانت الفتوى مبنية على آية أو حديث
صحيح فى مرتبته بغير خلاف كما أنه ليس هناك اختلاف فى حلال أو حرام.ز
وقد يظن الناس أن اختلاف الطرق الصوفية فى الأوراد والمشارب وكذا
اختلاف أئمة الشريعة فى الفقه والفتوى يرجع إلى خلاف بينهم، ولكن ذلك
إذا رددنا كل شئ إلى أصله يرجع إلى زمن النبى حينما قال (أصحابى
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) كتاب فيض الوهاب جزء 4 /36 ولهذا
الحديث قصة قد لا يعرفها البعض ؛ وهى أن أحد الصحابة قال لزوجته أنت
طالق إلى حين وبعد فترة أراد أن يراجعها فذهب يسأل أهل الفتوى فقابل
سيدنا أبا بكر وسأله، وأفتى سـيدنا أبو بكر بأن هذه المرأة محرمة
عليه فى الدنيا والآخرة. فذهب إلى سيدنا عمر فسأله دون أن يخبره
بفتوى سيدنا أبي بكر، فأجاب سيدنا عمر بأنها طالق ست سنوات وستة
أشهر. وكرر الصحابى سؤاله لسيدنا عثمان فقال له تجوز لك المراجعة بعد
عام كامل.فذهب إلى سيدنا على واستفتاه، فسأله الإمام منذ متى كان
الطلاق؟ فأجاب الرجل منذ أول أمس، فقال الإمام تجوز لك المراجعة منذ
أمس.فتعجَّب الصحابى من اختلاف الفتوى وهذا الاختلاف البين، فذهب إلى
رسول الله وقال له: يا رسول الله أتكون بين ظهرانينا ودينك يمزق !
وأخبره بالقصة كاملة، فأمره النبى أن يخبر الصحابة الكرام بالحضور
بين يدى النبى فلما حضروا سأل سيدنا أبا بكر: علام استندت فى فتواك
؟ فأجاب أنه استند إلى قوله تعالى {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر
لم يكن شيئا مذكورا} (الإنسان /1) وهذا الحين لن يعود فى الدنيا ولا
فى الآخرة، ولذلك حُرِّمت عليه.وأما سيدنا عمر فقد استند فى فتواه من
جواز رجوعها إليه بعد ست سنوات وستة أشهر على قوله تعالى {ثم بدا لهم
من بعد ما رأوا الآيات ليسجننَّه حتى حين} (يوسف/35) وذلك هو الحين
الذى قضاه سيدنا يوسف فى السجن أما سيدنا عثمان فقد أجاز رجوعها بعد
عام كامل وذلك من قوله تعالى {تؤتى أكلها كلَّ حين بإذن ربها}
(إبراهيم /25) وهذه الآية تتكلم عن النخل وهى تثمر كل عام.أما سيدنا
على فقد بنى حكمه على قوله تعالى {فسبحان الله حين تمســــون وحين
تصبحون} (الروم).ز
ومن هذا نجد أن الصحابة قد اختلفوا فى فتوى أساسية فى فقه المعاملات
ولكن لِكُلٍ سـنده من القرآن، وكذلك الحال عند الأئمة نجد أن الأئمة
الأربعة الإمام أبوحنيفة النعمان والإمام مالك بن أنس والإمام
الشافعى والإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم قد اختلفوا حتى فى
بعض الأصول فعلى سبيل المثال فى الصلاة عند المالكية فالركوع فرض
والاعتدال فرض والطمأنينة فى الاثنين فرض ، أماالحنفية فعندهم الركوع
فرض قدر الانحناء، والاعتدال ارتفاع قدر بسيط يســـمح بمرور الهواء،
وعند المالكية فى تكبيرة الإحرام ترفع اليدين بحذاء المنكبين وتقول
الله أكبر، أما الأحناف فأى اسم من الأسماء الإلهية يجوز فى تكبيرة
الإحرام.وخطبة الجمعة عند المالكية باللغة العربية فرض ولا يجوز
غيرها، أما عند الحنفية تقول الآية أو الحديث باللغة العربية وتجوز
الخطبة بالرطانة أو بالإنجليزية.
واشترط المالكية والشافعية والحنابلة شروطا محددة لماء الوضوء، أما
الأحناف فأجازوا الوضوء حتى بالشَّرْبَات مادام طاهرا
محمد صفوت جعفر
وَلِي نَظْمُ دُرٍ
الحمد لله الذي خصَّ عباده بالعلم وله الحمد قال في محكم تنزيله {هل
يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} وقال {إنما يخشى اللهَ من
عباده العلماء} وصلى الله وسلَّم على ولد آدم الذي أُعطي جوامع الكلم
والذي خُصَّ بذات العلوم وهو القائل (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً
سهَّل الله له طريقا إلى الجنَّة).ز
درج الصوفية رضوان الله عليهم على تسمية العطاء شراب وكذلك ذكر الله
وكلِّ كلام طيب يعتقدون أنه يسمو بالإنسان، لاسيِّما العلم ولذا كانت
تسمية مؤلفاتهم ولا سيما الدواوين الشعرية تحوم حول هذا السياق مثل
شراب الوصل وشُرب الكأس و رشفات المدام وغيرها من الدواوين
الشعرية.وربما يكون الجامع بين كلامهم وبين الشراب أنَّ كلاً منهما
يروي الظمأ ؛ الظمأ الروحي مثل ما يروي الماء الجسد.فالعلم هو غذاء
الأرواح، ويقول الشيخ رضوان الله عليه مؤكِّداً على هذا المعنى:ز
هل تجدب الأرواح وهو الماء
وقد قضى الشيخ رضي الله تعالى عنه كلَّ حياته في طلب العلم وعندما
تولَّى الإرشاد كان يحثُّ أبناءه على طلب العلم، مردداً قول السيد
إبراهيم الدسوقي رضي الله تعالى عنه:ز
العلم بالـذكر لا ينفكُّ مقتـرنا
والجهل
صاحبه في غفلة وعنا
ويقول الشيخ محمد عثمان عبده:
العلم كـنز والصدور مـنازل
وبغيره تبدو الصدور قفارا
في كلِّ مرقى تستقيه منابـع
عطشى إليه صغائراً وكبارا
وربط رضي الله عنه العلم بالقلب وجعله حياةً له، ولم يُشر إلى ضرورة
نظافة القلب لأنه معلوم بالضرورة أن القلوب لا تكون مستودعا للعلم
الذي هو كنز إلا إذا تعهَّدها صاحبُها بالصقل والنظافة وذلك
بالذكر.ونرى في تشبيه العلم بالكنز من البلاغة ما لا يخفى لأنَّ
الكنز يتعب الإنسان في جمعه فإذا جمعه صار ضنيناً به شديد المحافظة
عليه وإلا عاد صدره قفراً لا حياة فيه.ز
الوسيلة إبراهيم
|