اللقـاء الاذاعـى مع الشــــيخ إبـراهيـم الشــيخ محمد عـثمان عبـده
الـبرهاني
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فهذا لقاء
أجرته الإذاعة القومية بأمدرمان مع شيخ الطريقة البرهانية الشـيخ
إبراهـيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني ونحن في هذه السانحة
نتوجَّه إلى شخصه الكريم ببعض الأسئلة عن بداية الطريقة البرهانية
ونشاتها وتطوُّرها وقد استقبل الشيخ هذه الأسئلة بأريحيته المعروفة.ا
كلمة عن الشيخ إبراهيم:ا
ولد الشيخ إبراهيم بوادي حلفا، ثم انتقل مع
والده الشيخ رضي الله عنه إلى الخرطوم وتلقَّى تعليمه بالخرطوم إلى
أن نال شهادة المحاسبة من المعهد الفني، ثمَّ عمل موظَّفا ببنك
السودان ولما انتقل والده رضي الله عنه، استقال من العمل وتفرَّغ
لشئون الطريقة وتربية المريدين وإرشاد السالكين.ا
ما هو أصل الطريقة البرها نية ؟
الطريقة البرهانية من الطرق القديمة وهي
منسوبةٌ في أصلها الأوَّل للسيد إبراهيم القرشي الدسوقي، قبل أكثر من
خَمسمائةِ عام، وهو آخرُ الأقطاب الأربعة، أوَّلهم سيدي أحمد
الرفاعي، وثانيهم سيدي عبد القادر الجيلاني وهما في بغداد، وثالثهم
سيدي أحمد البدوي في طنطا بمصر، ورابعهم سيدي إبراهيم القرشي الدسوقي
في دسوق بمصر.ا
كيف انتقلت الطريقةُ للسُّودان ؟
انتقلت عن طريق أجدادنا منهم الشيخ إدريس ود الأرباب ومقامه معروف
بالعيلفون، والشيخ فضل في دنقلا ولكنها لم تنتشر إلا في الوقت
المعلوم لها وهو وقتنا الحاضر.ا
ما الذي يميِّز الطريقة البرهانيَّة وكيف يتمُّ الدخول إلى الطريقة
البرهانية ؟
نذر الشيخ محمد عثمان عبده حياته كلَّها للطريقة البرهانية، وأفنى
عمرَه في نشرِ الطريقة في مصر والسُّودان، وكان مهتماً بالشريعة وكان
يقدِّم الشريعة على الطريقة، ولذلك كانت دروس الفقه تقام دائماً إلى
جانب دروس التصوُّف، وكان متضلِّعا في علمي الشريعة والحقيقة، وقد
جادله جماعة من العلماء منهم الدكتور طه حسين، والأستاذ عباس محمود
العقاد، والأستاذ مصطفى محمود، وشيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم
محمود، ومن المواقف التي لا تنسى أن الوالد كان جالساً في الأزهر
وحوله جماعة من العلماء في حضور شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم
محمود، وابتدأ علماء الأزهر يوجِّهون إليه الأسئلة في شتى العلوم
والوالد يردُّ بالجواب الشافي حتى أقرُّوا له جميعاً بالفضل، وسألوه
في أيِّ جامعةٍ تخرَّجت ؟
هل كان الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني عالماً بالفقه ؟
في
الحقيقة هو وارث علوم السيد إبراهيم القرشي الدسوقي في الشريعة
والحقيقة، والوقت لا يتَّسع لنا الآن لشرح هذا الأمر لطوله
.ا
زاوية باريس
من المُلاحظِ أنَّ الطريقةَ البرهانيَّة قد انتشرت في مناطق كثيرة من
العالم في الدول العربيَّة وغير العربيَّة هل تقومون بزيارات للزوايا
في هذه المناطق ؟
كان الوالد قد قصرَ سفره على مصر فهناك مقام
سيِّدنا الحسين ومقام السيد إبراهيم الدسوقي، وهناك أكثر من عشرة
ملايين من أبناء الطريقة في مصر، ونحن نسافر لمختلف الدول العربية
والغربية للاطلاع على أحوال الزوايا والمريدين، وهم في غالب الحال
موظَّفون أو طلاب، وقد زرتُ جميع الدول الأوروبيَّة التي لدينا فيها
زوايا، وزرت شرق آسيا وذهبتُ للباكستان، وكنت أنوي زيارة الهند ولكن
لم أتمكَّن لبعض الظروف، وبهذا الانتشار االكبير للطريقة البرهانية
يتحقق قول السيِّد إبراهيم الدسوقي:ا
ولا تَنتهي الدُّنيا ولا أيَّامُها
حتَّى تَعُمَّ المشرقينِ طريقتي
وقد تحقَّق هذا للطريقة البرهانيَّة بفضل
قوَّة أورادها وإرشاد مشايخها.وكلُّ قطب من الأقطاب كان له وقته الذي
نشر فيه طريقته، وهذا زمان السيد إبراهيم الدسوقي، وأمر الشيخ محمد
عثمان عبده البرهاني كلُّه عجب، فقد كان الناس يعجبون من سعة علمه،
وليس كل العلم موجوداً في الكتب فهناك العلوم اللدنَّية والوهبيَّة
التي يراجعها أصحابها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الشيخ
يسأل أي سؤالاً سواء أكان صادراً من وهابي أو شِيوعي فكان يجيب عليه
في الحال، وكان قويَّ الحجَّة، وعندما سأله الشيوعيون عن الدليل على
وجود الله تعالى وهم لا يرونه ضرب لهم المثل باللبن والسمن، وكيف أن
الرؤية بالعين ليست دليلا على وجود الشيء أو عدم وجوده. وأوراد الشيخ
قوية جداً، وقد كان له أثر كبير على المجتمع في السودان ومصر، وهذا
الولاء الكبير والتعلُّق الشديد به سبَّب للطريقة ولنا كثيراً من
المشكلات في بعض البلدان.أما أحواله الخاصة وبعض علومه وعباراته
فإننا لا نستطيع أن نُفصح عنها لأنها من الأحوال الباطنة.ا
زاوية ميونيخ
هل يُمكن القول بأن بعض أبناء الدول غير الإسلامية دخلوا الإسلام
عن
طريق الطريقة البرهانية ؟
أرجو ألا يكون قد التبس عليكم قولي إن هؤلاء الناس أرادوا الطريقة
ولم يريدوا الإسلام، فنحن لو كنا نعني بأن الطريقة شيءٌ والإسلام
شيءٌ آخر نكون قد خرجنا من الدين. إنَّ هؤلاء الأوربيين هم قوم في
غاية الذكاء وهم أصحاب الحضارة التي تسود
العالم الآن وقد استعمروا بلادنا من قبل بقوّتهم وذكائهم، وأنت ترى
بعينيك ما تفعله أمريكا بالعالم الآن.فقبل أن تبدأ إرشادهم يجب أن
يكون لديك الإذن النبويِّ أوَّلا، وأنت تبدأ إرشاد الواحد منهم
بإعطائه الأساس وتوابعه، وهذا الأمر يغيِّر كيانه، ولك أن تتخيَّل
الأثر الذي يمكن أن تُحدثه فيه أوراد السيد إبراهيم الدسوقي والسيد
أبي الحسن الشاذلي بما فيها من مدد ربَّاني وتأييد نبوي، ونحن لا
نستطيع أن ننقل الناس من الضلال إلى الهدى والقرب من النبي إلا عن
طريق الأوراد، وعلى سبيل المثال فإنَّ الشيخ علي عبد الرحمن الضرير
أراد أن يُدخل الإسلام إلى جنوب السودان فما استطاع إلا عن طريق
الأوراد. والشخص الذي يعطي الأوراد لا بدَّ أن يكون له تأييد باطني
ويكون متمكِّنا من علوم الشريعة والحقيقة وهكذا كان حال الشيخ محمد
عثمان عبده.ا
كيف تتولون إرشاد الأوربيين وهم لا يعرفون اللغة العربيَّة ؟
لدينا كتب أوراد مكتوبة بالحروف الإنجليزية والألمانية والإيطالية
وسائر اللغات، والباكستانيون مثلا يستخدمون الكتب المكتوبة بالحروف
على النطق الصحيح.ا
كيف كانت رحلتكم الأخيرة إلى أوروبا ؟
الوضع في أوروبا يختلف فالدولة تقوم بواجبها
كاملا نحو مواطنيها وتوفِّر لهم كلَّ ما يحتاجون إليه في معاشهم
وتعليمهم وعلاجهم.إلا أنَّ الروابط الأسرية مضطربة، فالابن مثلا يعيش
مع أبويه ولا تعرف طبيعة العلاقة بينهما هل هي زواج أم مسافحة، فإذا
استمرَّ الوضع مستقرَّا، وبقيا على العهد الذي بينهما نشأ الابن
سويَّا، ولكن إذا افترقا وبحث كلُّ واحد منهما عن شريك آخر كما يحدث
كثيرا فالابن يضيع، وليس له كافلٌ غير الحكومة. وليس هناك إنسان له
صديق لهذا فإنهم يتخذون من الكلاب والقطط أصدقاء، ويعتبرون القطَّ
والكلب أخاً وصديقا، حتى أنهم يورِّثونه. وهناك امرأة عرفناها في
سويسرا لها بيت كبير ربَّت فيه أربعين كلباً وهي تنفق عليهم، وكنت في
الدنمارك وشهدت واقعة غريبة فقد كان هناك شاب دنماركي يبكي، فتوجَّه
إليه بعض الإخوان وسألوه عن سبب بكائه، فقال لهم إن الطبيب البيطري
سيقوم بإعدام كلبه بعد نصف ساعة بالرصاص لأنه مصاب بسرطان الدم، فقال
له:الإخوان وما المُبكى في هذا ؟ قال: لأنَّ هذا الكلبَ أخي وصديقي
وحبيبي وحدَّثه الإخوان عن الطريقة، فجـاء إلي وطـلب مني الفاتحة
ودخل الإسلام وأخـذ الطريقة ونسي الكلب. وعندما نذهب إلى بعض الدول
الأوروبية يقابلوننا في المطار بالنوبات، وهم في الحقيقة يعانون
مشكلات اجتماعية معقَّدة ومعظمها يدور حول الحياة الخاوية الموحشة
التي يعيشونها بلا أسر ولا أصدقاء. وفي هامبورج اشترينا قصرا ليكون
مقرَّاً للطريقة وبالقـرب منه كنيسة، تقام فيها احتفالاتهم
بالكريسماس، ونحن نقوم بنشاطنا في الجهة الأخرى،وبينما كنت جالساً في
الزاوية ذات يوم جاءت فتاة، فتحدَّث معي الشيخ المسئول في هامبورج
وقال لي: لقد تعبت كثيرا مع هذه البنت، وكلَّ يوم أقطع مسافة طويلةً
إلى غرب برلين لأعالجها عند طبيب هناك. قلت له: مم تشكو ؟ قال إنها
ترفض أكل اللحم، ونظرت إليها وكان عليها من نقص الغذاء، فطلبت منه أن
يناديها فجاءت وسألتها عن سبب امتناعها عن أكل اللحم فقالت: كنت أربي
زوجاً من الأرانب، فأخذتهم أختي وذبحتهم وطبختهم وأكلتهم وهذا ما
جعلني أكره اللحم وأرفض أكله، فعلمت؟ أنها مشكلة نفسية، فقلت لها: هل
أوقف الله خلق الأرانب يمكنك أن تذهبي إلى السوق وتشتري مليون
أرنب،ثمَّ طلبت من الرجل أن يحضرها في اليوم التالي، وطلبت من
الإخوان أن يطبخوا لحما وقرأت عليه ونفخت فيه، فأكَلَتْهُ وملئوا لها
الطبق مرة ثانية فأكلته أيضاً وزالت المشكلة، وكانت تعيش في جزيرة
نباتية مع مجموعة لا تأكل غير النباتات، فطلبت منها أن ترحل وتترك
الجزيرة، فرحلت عنها وقد عافاها الله .
ا
وقد كان الخطاب الذي ألقيته عن الإرهاب واضح الأثر على الناس وقد
اهتمَّت به السفارات وتُرجم وقد وجدته في أوروبا وقد ساعد في إزالة
كثير من اللَّبس وسوء الفهم الذي أحدثه الذين يأخذون الإسلام بظاهره.
وإنما كان مرادنا أن نوضِّح أن الإسلام ليس من الإرهاب في شيء، وقد
قابلت في سويسرا رجلا اسمه قسطنطين قرأ الخطاب وتحدَّث معي حوله،
وأخبرني أنه يعمل لدى مؤسسة خيرية كبرى تحبُّ مساعدة الدول النامية
ولكنها تتخوف من الإرهاب، وقد وعد بأن يساعدنا في بناء جامعة الشيخ
محمد عثمان عبده البرهاني.ا
وهنا رجل من أبناء الطريقة في السويد قرأ
الخطاب وأعجب به وهو مقدِّم برنامج تلفزيوني فصار يخصص كلَّ يوم نصف
ساعة في التلفزيون للحديث عن السلام في الإسلام، وصنع لي تمثالا في
السويد، وطبعا التمثال حرام عندنا في الإسلام، ولكنه أراد أن يعبِّر
عن محبَّته وإخلاصه للطريقة حسب نشأته الأوروبيَّة، وقد ترك هؤلاء
الأوربيون أسماءهم الأصليّة وتسمَّوا بأسماء إسلامية.ا
ما هو دور الشباب الأوروبي في نشر الطريقة ؟
الطلاب الأوروبيون يحضرون إلى حوليَّة الشيخ
كلَّ عام، ولهم بدعة حسن ابتدعوها وهي أنَّهم أفادوا من الأشرطة
المسجَّلة بصوت الشيخ وأخرجوا مسرحيَّةً عن حياته، وكتبوا سيناريو
وهم يقرأونه في شكل حوار في المسرحيَّة.ا
بمعنى أنهم حوَّلوا السيرة إلى دراما ؟
نعم ونحن نجد فيها مشاهد مختلفة ؛ فمثلا تجد
رجلا في حالة سكر شديد وهو نائم أمام الشيخ فينهض وقد رأى رؤيا فيأخذ
الطريقة، ومشهد آخر لرجل من علماء الأزهر يعترض على التصوُّف ويضرب
على الطاولة بعصاه، فيردُّ عليه الشيخ فيأخذ الطريقة، ومشهد ثالث
لرجلٍ كان يسرق الأحذية من أمام المسجد، فيرى رؤيا يقول له الشيخ
فيها: دع سرقة أحذية المصلين وسيصلح حالك
، فيترك السرقة. وأنا حريص
على تعليمهم الفقه وقد اصطحبت معي في رحلتي الأخيرة أحد الإخوان
المتفقِّهين ليعلِّمهم الفقه على مذهب الإمام مالك.وكان يدرِّس
بالعربية ويترجم واحد من الإخوان إلى الألمانية، وقد سجَّلوا هذه
الدروس، وقد اصطحبت معي منشدين من أبناء الطريقة، وإنشاد القصائد
يؤثِّر فيهم تأثيراً شديدا، ويجعلهم يشعرون براحة نفسية عميقة.ا
ماذا أفادت الطريقة من وسائل الاتصال الحديثة وهل فكَّرتم في عمل
موقع في الإنترنت؟
نعم نحن نستفيد من الإنترنت في الاتصال ببعضنا
في كلِّ أنحاء العالم، وفي الردِّ على أسئلة الإخوان في كلِّ الجوانب
من فقه وتصوُّف، حتى الجريدة يمكن أن تقرأها من خلال الإنترنت، ومن
خلال هذا كلِّه استطعنا أن نزيد من تأثيرنا في أوروبا، ولدينا أمل في
أن تكون لدينا محطة تلفزيونية خاصة بالطريقة، وكلُّ هذا يتمُّ بعيدا
عن عالم السياسة. ا
نفهم من هذا أن الطريقة لا علاقة لها بالسياسة ؟
إنَّ غرض الطريقة هو الإصلاح لغسل الدرن عن القلب بالذكر، طبعا ذكر
اللسان يتوقَّف في حالة الكلام وحالة النوم وحالة قراءة الجريدة
مثلا، وبمداومة الذكر ينتقل ذكر اللسان إلى القلب والقلب يذكر في
حالة القبض والبسط: الله الله الله حتى يكون القلبُ دليلَكَ
الصادق فإذا امتحنته
وتبيَّن لك صدقُه فأنت في ذكر القلب.ا
ذكرتَ في مَعرِض حديثك عن الطريقة أن للطريقة صحيفةً ناطقةٌ باسمها،
نحبُّ أن تعطينا فكرة عنها.ا
اسم الصحيفة رايات العز وهي مَعْنيَّة بنشر علومِ التَّصوُّف وأخبار
الطرق الصوفية.ا
في ختام هذه الجلسة الطـيبة نشكر الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان
عبده ونسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم.ونسأل
فضيلة الشيخ:
ا
هل لديك كلمة تحبُّ أن توجهها للشعب السوداني ؟
أتمنَّى كلَّ خير وتقدُّم وازدهار للشعب السوداني حتى يعـيش في
بحبوحة من العز، ونسأل
الله تعالى أن يبارك لنا في البترول لأنه سوف يُسهم في تقدُّم
البلاد، ولو أنه سيسلِّط علينا الدول الكبرى ذات الأطماع ،والله خير
حافظا، وأنصح الشباب بالإقبال على الدين
فهما و تطبيقا، و لا أدعو للإنضمام للطريقة البرهانية بصفة خاصة و
لكن إلى كل الطرق التي فيها إرشاد جيد و أوراد و محبة.
ا
|