سيدنا نوح عليه السلام

تعدد المذاهب والمشارب

وَلِي نَظْمُ دُرٍ


سيدنا نوح عليه السلام

كان سيدنا نوح عليه السلام فى الكوفة بالعراق والمكان الذي كان سيِّدنا نوح يصنع فيه المركب هو المكان الذي بنى فيه الإمام علي كرَّم الله وجهه المسجد، وقد بدأ المركب رحلته من هناك وطاف بالأرض كلِّها واستوى على الجودي فى روسيا.إنَّ النبوة من المواهب الربانية من الله، للمصطفين من عباده وليست مكتسبة،(ولانبىٌّ على عيبٍ بمتهم)، وقد اصطفاهم المولى عزَّ وجل من الأزل، كلُّ الأنبياء وكلُّ الرسل، وكلُّ واحد من الأنبياء له مرتبة خاصة وله مشربٌ خاص، وله تشريع يختلف عن تشريع الآخر، وهذه الأحوال لا يعلم سرَّها إلا الله عزَّ وجل.

أما قوله تعالى {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} فلن نعثر فـي التفاسير التي بين أيدينا على توضيح لهذا التفضيل، أما الصوفية الذين يهتمون بالمعارف الدقيقة فقد قالوا: رؤساء الرسل: أوَّلهم سيدنا نوح، وثانيهم سيدنا ابراهيم، وثالثهم سيدنا موسى، ورابعهم سيدنا عيسى وهم أولو العزم المشهورون عند الصوفية، وأهل التفاسير يعدون سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه خامس أولي العزم، لكن الصوفية يقولون إن النبى  هو الجامع المخصوص لكلِّ الأحوال الخاصة بهؤلاء الرسل بل هو مخصوص بالجمع.

 أما التفضيل بين الأنبياء والرسل، فالرسل طبعاً أفضل من الأنبياء، وفى الرسل أيضاً تفضيل والنبي  يقول (علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل) وقال  (العلماء ورثة الأنبياء) وقال  (ما اتخذ الله وليا جاهلا) وهذه الأحاديث قالها النبيُّ  بعد قوله تعالى {إنما يَخشى اللهَ من عباده العلماء} وتفسيرهذه الآية طويل قليلا، أول مراتب التفضيل عند سيدنا نوح لأنه أوَّل أولي العزم من الرسل، واسمه أصلاً عبد الغفار ومن كثرة بكائه سموه نوح، ومرتبته كانت مرتبة الخوف من الله، والدليل على هذا أنه يقول مطالباً أمته {قلت استغفروا ربكم} والاستغفار يقصد به توبوا، لم يقُل أرجو، بل قال توبوا، فهو يرى من شدة خوفه من الله أنَّ وجود العبد مع نفسه مع حيثيته وأنانيته أكبر من عبادة الاصنام. ثمَّ يقول: قلت استغفروا ربكم إنه كان غفَّارا . يرسلِ السماء عليكم مدرارا .ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهارا وهذا حال الأجير لأنَّ الذي يقول سامحونى إنما هو الخائف.

نفهم من هذا أن سيدنا نوح كانت مرتبته الخوف الحق من الله، ومن شدة خوفه عاش ألف سنة إلا خمسين ليس عنده بيت ـ فى الخلاء ـ ولما سئل: أنت أطول الأنبياء عمرا، فماذا فعلت فـي هذا العمر الطويل؟ ماذا رأيت من أحوال الدنيا؟ قال: كأننى دخلت من بيت له بابان، دخلت من واحدٍ وخرجت من الآخر. وقد أنعم الله عليه بالعظمة والعظمة تأتي من الخوف، ولما يئس من قومه قال: إن هؤلاء القوم يارب لا يستحقون الرحمة أبدا {ربِّ لاتذر على الأرض من الكافرين ديَّارا} أي لا تذر أي واحد يملك دارا، أمره تبارك وتعالى بعمل السفينة ولما عمل السفينة قال له:{احمل فيها من كل زوجين اثنين} فحمل من كلِّ زوجين اثنين فعلا، الآية و{احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك} وقد رفض ولده المجيء فصرخ فيه: يابنىَّ اركب معنا ولاتكن مع الخالفين، قال {سآوي الى جبل يعصمني من الماء} وكان له زوجة واحدة اسمها أليسة، وإلى زمننا هذا يقول الملاحون عندما يركبون المركب: هيا ليا ليسة، وقضى الله على المرأة وابنها أن يغرقا قال {لاعاصمَ اليومَ من أمر الله} وظلَّت الأرض مغمورة بالمياه لمدة واحد وأربعين يوماً ومات كلُّ ذي روح إلا الذين فـي المركب ثمَّ سارت واستوت على الجودي، ولما استوت على الجوديِّ نزلوا، عملوا العاشورات، ثمَّ سأل ربُّنا قال {ربِّ إنَّ ابنى من أهلى وان وعدك الحق} وانت قلت لى: احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك، وابني من أهلى، من هنا نعرف أن الخطاب من مرتبة العظمة كيف؟ كان هذا هو الدليل:إنه ليس من أهلك، انه عملٌ غيرُ صالح في قراءة، وأنَّه عَمِلَ غيرَ صالحٍ فـي قراءةٍ أخرى، {فلاتسألن ماليس لك به علمٌ إنى أعظك أن تكون من الجاهلين} هذه هي العظمة، فقال نوحٌ عليه السلام (أعوذ بالله) لن أسألك ثانيه.

لجنة التراث


تعدد المذاهب والمشارب

كان سيدي فخر الدين إذا صلى صلاةً جهرية قرأ الفاتحة بـ (مالك يوم الدين) مع أنه مالكيِّ المذهب وهم يقرأون {ملك يوم الدين}، ولقد شاهدناه فى وضوئه أكثر من مرة يمسح على الرقبة مع كراهة ذلك عند المالكية، فلما سألناه قال أنا أريد العشر حســنات من (أَلِفْ مالك)، أما عن مسح الرقبة فقد قال: قد لم يبلغ المالكية حديث رسول الله  أنه يمنع سحب المرء بالسلاسل من رقبته إلى نار جهنم، ثم قال إن القضية ليست قضية تعصب لمذهب ما، ولكن الأفضل أخذ العزائم من كل مذهب، كما أنه لا يجوز العمل بالرخص فقط من كل مذهب، وكل اختلاف عند واحد من الأئمة إنما هو قائم على دليل من الكتاب والسنة وكذلك الأمر بالنسبة للصوفية، ويقولون:

وكم بين حدَّاق الجدال تنازع        وما بين عشاق الجمال تنازع

وكذلك الأمر بين تفسير القرآن وتأويله فليس هناك تعارض، وإن اختلف كل منهما من الآخر لأن لكل مرتبة علمَها، فإن التفسير على قدر عقول أهل الظاهر، والتأويل لأهل المعاني القلبية، والمطلع لأهل المعاني الروحانية، والحد للأولياء، وأعلى من ذلك مفهوم النبى  للقرآن، وأن القرآن يأتي يوم القيامة بكرا يباهي الخلائق أنه لم يستطع أحد منهم أن يفسر حرفًا واحدًا على مفهوم الله عز وجل لكلامه العزيز الذى لاتنقضي عجائبه. وسُئل سيدى فخر الدين عن قول الإمام الشافعي (إن أصل القــرآن هو الأسماء الإلهية) قال: إن الله سبحانه له ألف اسم للصفات، ورد ثلاثمائة إسم فى التوراة، وثلاثمائة إسم فى الإنجيل، وثلاثمائة إسم فى الزبور، وتسع وتسعون أسماء الصفات الحسـنى، وللذات إسم واحد هو الإسم الأعظم أما أسماء الشئون أو أسماء الأفعال فهى كثيرة بالملايين، والإسم الأعظم قد ورد فى دعاء النبى  والإشارة إليه قوله (اللهم إنى أسألك باسمك العظيم الأعظم الذى لو دعيتَ به لأجبت) (أحمد - أبو داود - الترمذى) أما أسماء الشئون فإن كل آيات القرآن أسماء شئون {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} (الإسراء /82) وهناك بعض أسماء الشئون وردت صريحة مثل شديد العقاب، ذى الطَوْل، وهناك بعض الأسماء وردت مكناة كالاسم المستعجل فسألنا هل هناك الإسم المستعجل؟ قال نعم سريع الحساب (البقرة - آل عمران - المائدة - الرعد - إبراهيم - النور - غافر).وقد مرَّ سيدى فخر الدين برجل شحاذ وقف بباب المسجد يسأل الناس من فاقة، وكان على عادة هؤلاء الشحاذين يردد عبارات يستجلب بها الرحمة من الناس فكان يقول (يارب يا كريم) فقال له سيدى فـخر الدين: إعـدل، فقال الرجـل: كـيف أعدل؟ فقال سيدى فخر الدين قل (يا كريم يارب) لأن الكريم من صفات الألوهية وهى مقدَّمة على الربوبية.ولما انقضى اليوم كانت حصيلة الرجل أكثر من كل يوم فذهب إلى بيت سـيدى فخر الدين وطرق الباب فلما فتح له الشيخ الباب سأله الرجل: يا شيخ محمد عثمان إنت اشتغلت شحات قبل كده؟!.وقضية الذكر والقرآن قضية قد شغلت العلماء وتضاربت الأقوال فقال البعض: إن ذكر الله يكون بالقرآن فقط وعلى ذلك لا يجوز الذكر بالأسماء كما يفعل الصوفية واحتجوا بقوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر} (الحجر /9) وقال سيدى فخر الدين: إنه يجوز الذكر بالقرآن وحده ولكن هناك فرق بين أن تقرأ القرآن وأن تذكر به فالذى يقرأ القرآن يتبع قوله تعـالى {فاقرؤوا ما تيسر منه} (المزمل/.2) وهذا هو القارئ الذى يأخذ على كل حرف عشر حسنات كما أوضح المصطفى ، أما الذاكر بالقرآن فهو الذى يتبع الصحابة فى أفعالهم، وعلى سبيل المثال سيدنا عثمان بن عفان ذو النورين كان يختم القرآن يوميا فى ركعة الوتر، وكان بعض الصحابة يقرأون جزءا واحدا فى اليوم من خمسين إلى سبعين مرة، وهذا هو الذكر بالقرآن وحده،أما أن تقرأ فى اليوم عشر آيات أو ربعاً أو جزءاً وتقول أنك ذاكر بالقرآن فهذا ليس صحيحا، فأنت قارىء أو مُرتلٌ أو تالٍ للقرآن ولست ذاكراً بالقرآن، لأنه إذا جاز تلاوة بعض القرآن فإنه لا يجوز الذكر ببعض القرآن فإن قلت {والزانية والزانى} (النور /2) فهل هذا ذكر لله؟.وسُئل سيدى فخر الدين (عن قول بعض العلماء إنَّ نظرية النشوء والارتقاء (لدارون) توافق القرآن لأن النظرية تقول: إن الحياة بدأت من الماء ثم تطورت المخلوقات بعد ذلك واستدلوا بالآية التى تقول {وجعلنا من الماء كلَّ شئ حي }(الأنبياء /.3) فقال: الآية تقول كل شئ حي، أليس الجن شيئاً حيَّاً والله يقول {وخلق الجان من مارج من نار} (الرحمن /15) وكذلك الملائكة فقد خلقها الله من النور وليس لها علاقة بالماء الذى نشربه، من هذا يتضـح أن المقصود بالماء فى الآية ليس الذي عناه هؤلاء، ولكن الماء هنا بمعنى الروح التى كان منها كل شئ حي.

محمد صفوت جعفر


وَلِي نَظْمُ دُرٍ

لا مجال للمقارنة

الحمد لله الكريم المتعال الذى يُصلِّي على نبيِّه وحبيبه الكريم  والحمد الله الذى قال فى كتابه الكريم: {إن أكرمكم عند الله اتقاكم}

وصلِّ اللهم وسلِّم على سيدنا محمد أكرم الخلق واتقاهم وآله وسلِّم تسليما كثيرا دائما أبداً إلى يوم الدين،إن وجود صفة الكرم - بمعناه الحقيقي - فى نفس الإنسان بحيث تهون عليه نفسه فيبذلها رخيصة، ووقته فيبذله فى سبيل الله ولله لا رياء ولا سمعة ويتحقق فيه قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبُّون} ثم تترسَّخ فيه هذه الصفة حتى تُصبح عادةً وطبعا أصيلا فى نفسه - يصبح - بإذن الله - من أهل السعادتين، وإن من تكن فيه صفة الكرم راسخة متعلقة به كما يتعلق بالزيتونة الزيت - يبذل كلَّ ما فى يده، لأنه يؤمن بوجود من هو أكرم منه، فإذا جاد لله جاد الله له إذ إن الجود شكر {ولئن شكرتم لأزيدنكم}.

 وليعلم القارىء الكريم أن بين الإيمان والبخل تعارضاً كبيراً إذ أنَّ البخل خوف وعدم إيمان بكرم الله وعطائه - سبحانه - اذن فموضوع الكرم هو ما نريد أن نذكِّر به القارىء فالذكرى تنفع المؤمنين، وما يدلُّ على أهمية الموضوع نشير إلى أن المادحين من عرب ومن عُجم قد مدحوا ممدوحيهم بهذه الصفة لأنَّها تحمل فى طياتها كلَّ الصفات الحميدة: الشجاعة، القوة، المروءة، الشهامة، الشكر على النعم، الإيمان وغيرها، وقد نظموا بأسلوب الكناية والمبالغة درراً فى معنى المدح بهذه الصفة مثل قولهم:

إنَّ السماحةَ والمرؤةَ والـنـَّدى      فى قبةٍ ضُربتْ على ابن الحشرجِ

وقول الاخر:

ونُكرم ضـيـفَنا مـا دام فينا        ونُتبـعه الكرامة حيـث مـالا

وقول الاخر:

لو كان يقعدُ فوقَ الشمسِ من كرم       قومٌ بأحسابهم أو مجدِهم قعــدوا

وغيرها فبالرغم من أن الألفاظ أوعية تضيق عن المعانى الاَّ أنَّهم حاولوا بقدر ما أوتوا من بيانٍ - بيانَ منزلة ممدوحيهم، ولكن أين قولهم من قول الشيخ محمد عثمان عبده البرهـاني فى عظيم الجناب :

كـرم بــلا كم ولا كيـفيـة        كفٌّ كريمٌ أرضُـه وسمــاهُ

وأين هى - فى الكرم - منزلة ممدوحيهم من منزلته  التى لا يحدُّها حدٌ فهو من يسعى إليه الجود كى يرعاه -وبالتاكيد لامجال للمقارنة، وانظر أخى القارىء لمصدر البيت أراك تكثر قراءته، ثم انظر إليه مرة اخرى تجده على جملته يحمل معنى الكرم اللانهائي الذى يأتي فى خفاء لطيف نجهله تماما حيث لا كيفية، إنه كرم متعددالوجوه بدليل تنكير الكلمة لا نهائى بدليـل قوله (بلا كم) لا يعلم كيفيَّته وكنهه صاحب الحاجة وغير صاحب الحاجة بدليل قوله (بلا كيفية) وهـذا هو حال الكرم فكيف بصاحب الكرم الذى هو نعمة، وهو رحمة وهو كرم بلا حدود، ثم تعال معى الى عجز البيت الذى يصف فيه آلة العطاء(الكف) بالكرم وأى كرم؟ إنه كرم بلا كمٍّ ولا كيفية ثم هناك إضـافة أُخرى هى أنه كف ذو أرض وسـماء أى أنه يُعطى فى جـميع الاحوال إن لم يكن عنده فمن عند الله وهو حبيب الله وللحبيب ما يشاء ولله در القائل :

لا ينقص العسرُ بسطاً من أكفِّهم         سيـَّانَ ذلك إن أثـروا وإن عدمـوا

فكيف بصاحب الكف؟

سبحانَ من كـالَ العطاءَ لعبدِه           حتَّى غـدا كفُّ الحبيــبِ صواعُ

ولتنظر عزيزى القارىء للبيت فـي جملته تجد بعضا من السلاسة والحلاوة متمثِّلة فى تكرار أحرف الكاف والراء والميم وهى تحمل معنى الكرم. وهذا لعمري آية البلاغة.

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد واله وسلم.

الوسيلة ابراهيم