كلمة العدد
كم من روحٍ مؤمنة تحنُّ إلى بيت المقدس حيث سار رسول الله بقدميه
الشريفتين، وحيث صلَّى بالملائكة والأنبياء وحيث عُرج به إلى المقام
الذي عزَّ على كلِّ نبي وملك.وحيث سكن الأنبياء صلوات الله عليهم
وصلوا وناجوا ربَّهم، نحنُّ إليه حين جثم عليه أئمة الكفر وقتلة
الأنبياء وعبدة الطاغوت، وصلوا إليه بخداع الثعلب وتملُّق الكلب
وتلوُّن الحرباء ودسائس الاستعمار. كم من روحٍ تحنُّ إلى الصلاة فيه
حيث صلى رسول الله والوقوف عند صخرته حيث عُرج به لتكتمل لها
السعادة بزيارة ثالث المساجد التي لا تشدُّ الرحال إلا إليها.نسأل
الله أن يعيد أيام عمر وأيام صلاح الدين حتى نسعد بالوقوف على أعتابه
الشريفة.
قبسٌ من عدل الأئمة
عــدل الإمــام عمـر
رضـي اللـه عنـــه
نزل جماعة من الحجَّاج اليمنيين على الشاعر أبي خراش الهذلي ليلاً
فأراد أن يُعشــيهم فلم يكــن عنده ماء، فأعطاهم شاة وأخبرهم بمكان
الماء في طريقهم وقال لهم: إذا وصلتم الماء فاذبحوا هذه الشاة
واطبخوها فليس عندنا ماءٌ هاهنا، فقالوا له: نحن أضيافك ونحن حجاج،
وطلبوا منه إحضار الماء، فسار مسافةً طويلة على قدميه حتى حصل على
الماء وفي طريق العودة لدغته حية في قدمه، ولما وصل وأعطاهم الماء
سقط ميِّتا من أثر السم. وبلغ الخبر الخليفة عمر، فجمع الحجاج
اليمنيين وقال لهم: أينزل الرجل ضيفاً على أخيه فيكلِّفه مالا يطيق
فيهلكه، و الله لولا أن أخاف أن تكون سنةً لأمرت ألا يُضافَ يمانٍ
أبدا. ثمَّ أخذ منهم ديَّة الرجل الميت.
* * * * * *
عُثر على فتى ميت في بعض سكك المدينة في أيام الخليفة عمر فبحث عمر عن
قاتله بحثا شديدا فلم يعثر عليه، فقال: اللهم دُلَّني على قانل
الفتى. وبعد تسعة أشهر وُجد صبيٌّ ملقى في نفس المكان الذي وجد فيه
الفتى فأخذه عمر رضي الله عنه، ودفع به إلى امرأةٍ من نساء الأنصار
وقال لها: قومي بأمره وخذي نفقته من عندنا من بيت المال، فإذا جاء
أحدٌ يسأل عته فأخبريني، وبعد مدةٍ جاءت امرأة شابة ودخلت على
الأنصارية وطلبت أن ترى الفتى فحملته وقبَّلته وبكت، ثمَّ انصرفت
فتبعوها حتى عرفوا بيتها، وأُخبر عمر ، فذهب إلى البيت فوجد أباها
يجلس أمام باب الدار، فسلَّم عليه ثم سأله عن ابنته فقال له: هي خير
امرأةٍ تطيع ربَّها وتبرُّ أباها. فقال له عمر: دعني ادخل إليها
لأزيدها رغبةً في الخير، فلما دخل عليها جرَّد سيفه وقال: لتخبريني
بقاتل الفتى أو لأقتلنَّك وكان عمر لا يكذب فخافت الفتاة وقصَّت عليه
قصَّتها: كانت معي امرأةٌ عجوز تخدمني ثمَّ أرادت السفر، فجاءتني
بجارية شابةٍ وقالت لي احفظي هذه الجارية حتى ارجع من سفري ومكثت
الجارية معي أياماً ولم أشكَّ في أنها امرأة، فنمت مرة نوماً ثقيلاً
واستيقظت فزعة فإذا الجارية شابٌ متنكر وقد تمكَّن مني ودفعته عني
فلم استطع، ولما نهض غافلته وأخذت حديدةً فذبحته بها. ثمَّ حملناه
إلى بعض سكك المدينة فألقيناه بها، وبعد مدة تبيَّن لي أني اشتملت
منه على غلام فلما ولدته، ذهبت به وألقيته في موضع أبيه، ثمَّ حننت
إلى الغلام فذهبت لأراه، فتأثَّر عمر ودعا لها بالخير والبركة ثم خرج
لجنة التراث
* * * * * * * *
عـــدل الإمـام علـي
كــرَّم اللــه وجـهه
قال كرَّم الله وجهه: والله لأن أبيتُ على حَسَكِ السَّعدانِ مُسّهدا
أو أجَرَّ في الأغلال مُصفَّدا أحبُّ إليَّ من أنْ ألقى اللَه يومَ
القيامةِ ظالماً لبعضِ العباد وغاصِباً لشيءٍ من الحُطام، وكيفَ
اظلمُ أحدا لنفسٍ يُسرعُ إلى البِلى قُفولُها ويطولُ في الثَّرى
حُلولُها. والِله لقد رأيتُ عقيلاً وقد أملقَ حتى استماحني من
بُرِّكم صاعا ورأيتُ صِبيانَه شُعثَ الشُّعور غُبْرَ الألوانِ من
فقرِهم كأنَّما سُوِّدت وجوهُهم بالعِظْلم وعاودَني مُؤكِّدا وكرَّر
عليَّ القولَ مُردِّدا فأصغيتُ إليهِ سمعي فظنَّ أنني أبيعُه ديني
وأتَّبعُ قيادَه مُفارقاً طريقي، فأحميتُ له حديدةً وأدنيتُها من
جِسمه ليعتبرَ بها فضجَّ ضجيج ذي دنَفٍ من ألمِها وكادَ أن يحترقَ من
مِيسَمِها، فقلتُ له: ثَكِلَتْكَ الثَّواُكل يا عقيل أتئنُث من
حديدةٍ أحماها إنسانُها للعبه، وتَجرُّني إلى نارٍ سَجَّرها
جبَّارُها لغضبِه، أتئنُّ من الأذى ولا أئنُّ من لظى؟ وأعجبُ من ذلك
طارقٌ طرقَنا بملفوفةٍ في وعائِها ومعجونةٍ شَنِئْتُها كأنَّما
عُجِنَت بريق حيَّةٍ أو قيئِها فقلت: أصلةٌ أم زكاةٌ أم صدقة؟ فذلك
محرَّمٌ علينا أهل البيت؟ قال: لا ذا ولا ذاك ولكنها هديَّة. فقلت:
هَبَلتك الهَبول، أعن دينِ الله أتيتني لتخدَعني أمُختبطٌ أنت أم ذو
جنَّةٍ أم تَهْجُر؟؟ واللِه لو أعطيتُ الأقاليمَ السبعة بما تحتَ
أفلاكها على أن أعصيَ الَلهَ في نملةٍ أسلُبها جُلب شعيرة ما فعلت،
وإنَّ دنياكم عندي أهونُ من ورقةٍ في فمِ جرادةٍ تَقْضَمُها، ما
لعليٍّ ولنعيم يفنى، ولذَّةٍ لا تبقى، نعوذ بالله من سُبات العقل
وقبح الزلل وبه نستعين.
شرح الكلمات: المُسهَّد الساهر. قفولها: رجوعها. الثرى: التراب. أملق:
اشتدَّ به الفقر. البُر: القمح. شُعث الشعور: شعور رؤوسهم مهملة من
عدم الغسل والتسريح.. العظلم: النيلة أو صبغٌ أسود. الدنف: المريض.
المِيسم: أداة الكي. الثكل: فقدان الولد أو الحبيب. لظى: اسم
لجهنَّم. الملفوفة: نوع من الحلوى أهداها رجلٌ إلى الإمام علي كرَّم
الله وجهه. شَنِئْتُها: كرهتها. الصلة: العطيَّة. هبلتك الهبول:
فقدتك أمُّك. أمختبط: أمجنونٌ أنت؟ تهجُر: تتكلم بما لا تدرك. جُلب
شعيرة: قشرتها. قضم: أكل. السبات: النوم.
هذا نموذجٌ قليل المثال
من عدل الخلفاء الراشدين يحكي فيه الإمام علي كرَّم الله وجهه أن
أخاه عقيل بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما جاء إلى الإمام علي وهو
خليفة وطلب منه أن يُعطيه قمحاً من بيت مال المسلمين. ولما ألَّحَّ
عليه، وضع الإمام حديدة في النار ثم قرَّبها من جسده فآلمه
حرُّها.فقال له الإمام: كيف تئنُّ من حرِّ هذه الحديدة وإنما أدنيتها
منك لتعرف حرَّها وتريد أن تجرَّني إلى نار جهنَّم التي أوقدها الله
للظالمين. ثمَّ ذكر قصة رجل جاءه بحلوى قد طُبخت بالسمن فهي تبدو
صفراء. ولكنَّ الإمام علي يشبِّه هذا السمن بسمِّ الحية وهو أصفر
اللون فكأنما رأى حقيقتها ولم ينظر إلى ظاهرها. فسأله الإمام علي: هل
هي هديَّةٌ أم زكاة أم صلة؟ فراوغ الرجل وأجاب بأنها هدية. فقال له:
أمجنون أنت؟ أتريد ني أن أقبل من هذه الهديَّة وأنا والي المسلمين
ولعلَّك تريدني أن أعطيك ما لا حقَّ لك فيه؟ وقد جاء رجلٌ ولاه رسول
الله صلى الله عليه وسلَّم أمور المسلمين فقال: هذا مالكم وهذه هدية،
فقال صلى الله عليه وسلم: هلا جلس في بيت أمِّه فتأتيه هديَّتُه.
والله لن اسلب نملةَ قشر حبَّةٍ من شعير.. وإنَّ هذه الدنيا عندي
أهون من ورقة قد وضعتها جرادةٌ في فمِّها تمضغها. كيف أراد هذا الرجل
أن يغري إمام الزاهدين وشيخ العارفين الذي ترك الدنيا لأهلها ولم
يوفَّق الرجل في مسعاه ليقظة الإمام. وإذا نظرنا إلى حاضرنا كم نرى
من مسؤول لا تقدَّم له هديَّة إلا وقبلها شاكراً كأنه حقٌّ مشروعٌ
له، وردَّ الجميل لصاحبها بوظيفة أو ترخيصٍ أو إعفاء وهو غافلٌ عن
تبعاتها أو غير عابيءٍ بما سيكون من أمره يوم العرض والحساب.
وقد تأتي الهدية مقنَّعة في صورة ذبيحة بمناسبة الرجوع من الحج، أو
قدوم مولود جديد أو حلوى بمناسبة نجاح الولد،
فعلى الوالي أن يكون حذرا و لا تنطلي عليه خدع الشيطان.
لجنة التراث |