الـعُـلمـاء

وَلِي نَظْمُ دُرٍ

شـراب الوصــل

بلسانيـه عالــم وعليــم

 

الـعُـلمـاء

علموا عنِّى فإنى من رجال      جدُّهم هادى الهداة الكاملين

يطلق الكثير من الناس لفظ العلماء على كل من تخصص فى مجال معين من مجالات العلوم المختلفة مثل الكيمياء، الفيزياء، وعلم الفلك، فيقولون عالم الكيمياء وعالم الفيزياء وعالم الفلك وايضا يطلق البعض من الناس لفظة العلماء على من تخصص فى فرع معين من فروع الشريعةالسمحاء مثل الفقه أو السيرة او الحديث أو غيرها من الفروع.

ولكن هنالك نوع اخر من العلماء وهم مقصدنا هنا، وجاء ذكرهم فى القران الكريم فى قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء..} وأشارت إليهم السنة الشريفة فى قوله صلى الله عليه وسلم (العلماء ورثة الانبياء) وقوله صلى الله عليه وسلم (علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل) فمن هم هؤلاء العلماء؟

إنهم (الأولياء) لقوله تعالى {آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم} فالذين أوتوا العلم هم الأولياء لقوله صلى الله عليه وسلم (ما اتخذ الله وليا جاهلا ولو اتخذه لعلمه) وقوله صلى لله عليه وسلم (العلماء ورثة الانبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه منهم أخذ بحظ وافر) فالأولياء هم ورثة الأنبياء إذ هم وحدهـم المتحققون بفهم القران الكريم لتخلقهم به وقدوتهم فى ذلك الرسول الكريم الذى كان خلقـه القران ويقول سيدى الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى فى ديوانه شراب الوصل:

سلامٌ على قوم بنا قد تواصلوا      فحبلىَ موصول وجدى قدوتى

ويقول سيدى إبراهيم القرشى الدسوقي رضي الله عنه:

ونادمنى سرا بسرٍّ وحكـمـة       بان رسول الله شيخى وقدوتى

ولنا أن نتسائل من أين ياتى علم الأولياء وما هو نوع ذلك العلم حتى يخصَّهم الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم بلفظ (العلماء) دون سواهم؟ انه العلم الإلهامى اللدنى الذى يجمع كل العلوم الظاهر منها والباطن والذى أشار اليه القرآن الكريم بعلم اليقين وهو علم الشريعة(مرتبة الإسلام) وعين اليقين وهو علم الطريقة (مرتبة الإيمان) وحق اليقين وهو علم الحقيقة (مرتبة الاحسان). وفى هذا يقول الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى فى ديوانه شراب الوصل:

 سـلنى أمـدَّك يا بنىَّ بعلمــنا      إن شئتَ فاسألنى عـــن الإيمان

سلنى عن التوحيد والتفـريد فـي      رُتب الفناء وسل عــن الإحسان

سلني عن الديـنِ القــويمِ فإنني      أدريــه أو سلني عـن البرهان

واسأل مرادك من صنوف علومنا      وارج البــيان الحـقَّ بالإيـقان

فعلم الأولياء يأتي أوَّلا من إلهام الملائكة ثمَّ من مشائخهم ثم أعلى من ذلك أخذهم العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول السيد إبراهيم الدسوقي:

أنا عن حقيقٍ ابن أبي المجد في الورى      وشيخي رسول الله خـيـر البـريَّـة

ويقول:

ليس لي شيخٌ ولا لي قدوة      غير طه مـن أتانـي أوَّل

ويقول سيدي فخر الين رضي الله عنهً:

 علمتُ ولي علمٌ بعلم معلِّمي      أمدُّ وتلقيني بغـير إحاطـةِ

ويقول:

وأنفخ في روع المريد فينتقي       جواهر علم الأوليـن بنفختي

 وأعلـى من هذا كلِّه أخذهم العلوم اللـدنية من الله عزَّ وجل، يقول أحد ساداتنـا الصوفية:

أخذت العلم عن ذاتي وبالإسنـاد عن ربي      وأشـياخي إشاراتي بدوا من داخل الحجب

هؤلاء هم العلماء في القرآن والسنَّة الشريفة، إنهم الأولياء ورثة الأنبياء، ويقول رضي الله عنه:

من علمه في علمه وبعلمـه       حزت الكمال ولم أزل مدَّثرا

الأصل عندي سنة من سنَّة       هو ذا لساني قد أفـاد وأخبرا

سوسن حسين

 

وَلِي نَظْمُ دُرٍ

باب التنازع إن طرقتم تفشلوا

الحمد لله الذى أودع فى قلوبنا رأفة ورحمةً لبعضنا البعض فوصفنا فقال رحماء بينهم  والحمد لله الذى أرسل لنا الرحمة والنعمة القدوة الذى كان سببا فى تأليف القلوب فأصبحت تنعم بالأخوة الصادقة وصلِّ اللهم على النور الذى جلا الظلمات والذى كان من أقواله (لاينبغى التنازع عندى) وعلى آله وسلِّم تسليما. يطرق الناس أبواباً لها الله فاتح منها مايجلب الخير الكثير الوفير ومنها مايغلق أبوابا أخرى. وهاهو الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى يطلب منا بنظمه الفريد أن نتجنب أحد أبواب الهلاك ألا وهو باب التنازع وأن نلزم الطاعة والتمسك بالحق في قوله:

بابَ التنازعِ إن طرقتُم تفشلوا     هذا كلامى فاجـعـوه إزارا

وقد عرف البلغاء إجاده فن الحديث والنظم ـ مقارنة بأضرابهم فوضع البلغاء منه العقد وهو النظم المنثور فنجد أن الشيخ قد نظم قوله تعالى {لاتنازعو فتفشلوا وتذهب ريحكم} أى أنه أخذ أكثر ألفاظ الآية وقال الناظم فى مدح خير البرية قد صحَّ عقد بيانى فى مناقبه وان منه لسحرا غير سحرهم والعقد هنا قوله صلى الله عليه وسلم (وان من البيان لسحرا) ومن جيد أقواله أن لكل ضربٍ من الحديث ضرباً من اللفظ ولكل نوع من المعانى نوع من الأسماء وإذا وضعنا الشيخ محمد عثمان عبده فى ميزان البلغاء آنف الذكر فستلاحظ فخامة الألفاظ وجزالتها فى مقابلة تلك المعانى الجادة ولاعجب ولاغرابة فموردها هو القرآن الكريم ولاشك أن التنازع لايقدم بل يؤخِّر ويؤدى إلى الفشل ومن ثم الى الهلاك، وكثيرا مايُقرن الفشل بالتنازع أى أن حدوث الفشل مشروط بطرق باب التنازع والاختلاف، ولذا حرص الصالحون على الوفاق وعدم التنازع، وأرشدو أبنائهم الى الفضيلة. وشَبَّه التنازع بالباب كما استعار الشروع فى التنازع والاختلاف بطرق ذلك الباب، وسرعان ما يفتح متى طرق فيدخل الطارقون حيث الفشل، وقد أشار الشيخ بُعيد تحذيره من طرق الباب إلى وجوب الطاعة بقوله: هذا كلامى فاجعلوه إزارا وقد جعل الكلام كالإزار كناية عن التمسُّك به، لاسيما وأنه من القران والدليل على أنه لايمكن التخلِّى عنه وعلى وجوب استمرارية التمسك به وعلى كونه يحمى المرء ويصفونه فى موضوع اخر بذات المعنى:

فإلى كتاب تاخذون بـقـوة     أبناء عهدى والخلاف يهونُ

الوسيلة إبراهيم ضرار

 

شـراب الوصــل

ومن عَبثٍ بخسُ الحقيقةِ أهلَها     لأنيَ عَبدٌ فـي مقامِ العـُبـُودةِ

قال تعالـى في كتابه العزيز{ولا تبخسوا الناس أشيـاءهم هود} 58 وقد جعل الشيخ رضي الله تعالى عنه ما يحـاوله البعض من أعدائه والمنكـرين عليه من بخسه حقَّه وإنكار فضله عبثاً لا طائل وراءه وليس هـناك شيء أبين لفضـله وحقيقته من نوره وهداه الذي عمَّ به الكون وتحققت به بشرى الشيخ قريب الله رضي الله عنه عنـدما قال مبـشِّرا له عـندما كـان في بدايــة أمره:

ويصفو الوقتُ عن كــدرٍ تراهُ      وتنقلبُ الضـلالةُ بالهُـــداءِ

وينتشرُ الهُدى في الأرضِ حتى       تُضيءُ به قـلوب الأغبـيـاءِ

ولكلِّ عارفٍ أمارة وأمارة سيدي فخر الدين نشر الطريقة في المشرقين.والمولى عزَّ وجلّ هو الذي قسم بين الأولياء منازلهم ومراتبهم فمن الذي يغيِّر مراد الله وما قسمه لعبد من عبيده من المنزلة والقربى والمقام الرفيع،وكما قال الشاعر:

وكم من طالبٍ أمدي سيلقى      دوينَ مكاني السبعَ الشدادا

أمَّا قوله رضي الله تعالى عنه لأني عبدٌ في مقام العبودة فالعبودة أرفع مقامات العابدين قال الشيخ ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه دخلتُ على الشيخ أبي العباس المرسي رضي الله تعالى عنه وكنت أنكر عليه فوجدته يفسِّر قوله تعالى {إيَّاك نعبد وإياك نستعين} فكان يقول:إن شئت قلتَ عبادة وإن شئتَ قلتَ عبودية وإن شئتَ قلتَ عبودة، فالعبادة أن تعبد الله وأنت ترجو منه الجزاء، والعبودية أن تعبد الله تعالى لوجهه لا ترجو منه جزاء والعبودة أن تعبد الله وترى أن هذه العبادة منة من الله عليك وهذا مقام الشاكرين. وتقدَّم الإمام علي كرَّم الله وجهه بكلام في هذا المعنى قال: إن قوما عبدوا اللهَ رغبةً فتلك عِبادة التجَّار، وإنَّ قوماً عبدوا اللهَ رهبة، فتلك عبادة العبيد، وإنَّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادةُ الأحرار.

وقال الشيخ النابلسي رضي الله عنه:

 بحجابِ النفسِ قومي حُجِبوا       ويحَهُم كم يدَّعونَ الفـِطَنَا

 يعبدونَ اللهَ خـوفاً من لَظى      فلظــىً قد عبدوا لا ربَّنا

 ولـدارِ الخـُلْدِ صلُّوا لا لهُ       مثلَ قومٍ يعبـدونَ الوثنـا

وبهذا القول أثبت رضي الله تعالى عنه لنفسه هذا المقام الرفيع وهو أرفع درجات العبادة وهي عبادة الأحرار على حدِّ عبارة الإمام علي كرَّم لله وجهه أومقام العبودة على حدِّ عبارة سيـدي أبي العبَّاس المرسي رضي الله تعالى عنه.

د. عبدالله محمد احمد

 

بلسانيـه عالــم وعليــم

ما من أحد من الإخوان إلا وهو يشتكي من الكسل في الأوراد من حينٍ لآخر وذلك لأن للقلوب إقبالا وإدبارا لذلك قال الإمام علي كرَّم الله وجهه: إنَّ للقلوب إقبالا وإدباراً فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض. ولكنَّ الكسل في الأوراد قد يكون سببه في بعض الأحيان بعض السلوكيَّات غير الرشيدة التي نقع فيها أحياناً بوعيٍ أو بدون وعي. و تحضرني هنا قصة فقد كنت أعيش في فراغ بعد انتهاء الامتحانات، وكنت أحب أن احصل على فترة استرخاء، فمكثت في البيت وكان يقيم معنا بعض الأقارب وكان مولعاً بالمجلات التي تهتم بأخبار الفن والسينما وكنت أجدها أمامي فأقرأها ووجدت فيها مادة طريفة ومشوِّقة، فصرت أقرأ فيها لساعات طويلة وبعد مدة وجدت أني قد أهملت الأوراد وكسلت عن إقامة الصلوات في ميقاتها.ولم اهتد للسبب في هذا فذهبت لزيارة مولانا الشيخ إبراهيم في منزله وأخبرته بالأمر فنظر إليَّ ثمَّ قال: ما ذا تقرأ في البيت هذه الأيام؟ فدهشت من السؤال ولكنني أخبرته بالحقيقة وقلت له: أقرأ المجلات المختصة في الفنِّ والسينما فقال: ماذا تستفيد منها؟ قلت: لا شيء: قال: إنَّ مثل هذه القراءة تضعف الروح فالقراءة للروح مثل الغذاء للجسد، الجيد منه يُغذي الجسد والرديء منه يضعف الجسد، اقرأ سيرة السلف الصالح فتقوى روحك. وفي الحقيقة لم أكن قد ربطت أبداً بين قراءتي للمجلات وكسلي في الأوراد. وفي تلك الليلة عكفت على السيرة النبوية لابن هشام فقرأت فيها عدة فصول واستيقظت في الصباح الباكر وفي نفسي إقبال على الأوراد،. إن هذه المجلات تنقلنا إلى عالم الفن،هذا العالم الظلماني البعيد عن الدين وعن الورع والراتع في محارم الله عزَّ وجل، وليس له تعلُّقٌ إلا بقشور الحياة وزخرفها ولهوها.بينما تنقلنا سيرة السلف الصالح إلى ذلك العالم الطاهر النقي وبالسياحة فيه والاستغراق في معانيه تقوى أرواحنا وتسمو، هذا هو هدي الشيخ إبراهيم.

                                                فتي الوادي