أزهــارٌ
بيــن أنهــار
فـضـل الـذكـر
الذكر جبر للعبادات
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسَّنه وابن ماجه وابن حبان والحاكم
وصحَّحه والبيهقي عن عبد الله بن بسر أن رجلا قال: يا رسول الله إن
شرائع الإسلام قد كَثُرت عليَّ فأخبرني بشيء أستنُّ به، قال: لا يزال
لسانك رطبا من ذكر الله.
في النهي عن
الفحشاء والمنكر
قولـه تعالى: {اتْلُ مَا
أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ
الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ
أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون} (العنكبوت 54) قال
الإمام النسفي عند تفسيره لهذه الآية بعد كلام طويل: - (... وذكر
الله أكبر من أن تلقى معه معصية أو ذكر الله أكبر في النهي عن
الفحشاء والمنكر من غيره).
وقال بن كثير عند تفسيره هذه الآية بعد كلام طويل: عن أبي هريرة قال:
جاء رجل إلى النبي ، فقال: إن فلاناً يصلِّي بالليل فإذا أصبح سرق،
فقال: إنه سينهاه ما تقول وتشتمل الصلاة أيضاً على ذكر الله تعالى
ولذكر الله أكبر أي أعظم من الأول.وقال أيضاً الإمام القرطبي عند
تفسير هذه الآية: في قول الله عزَّ وجل ولذكر الله أكبر... قال: ذكر
الله إيَّاكم أكبر من ذكركم إياه وقيل ذكركم الله في صلاتكم وفي
قراءة القرآن أفضل من كل شيء وقيل المعنى أن ذكر الله أكبر مع
المداومة من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر
ويتضح من خلال عرض كلام علماء التفسير في تفسير هذه الآية أن الذكر لا
يضاهى في قوته في النهي عن الفحشاء والمنكر.
يغبطهم الأنبياء والشهداء
وأخرج الطبراني عن عمرو بن عبسة سمعت رسول الله يقول: عن يمين الرحمن
وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغشي بياض وجوهم نظر
الناظرين، يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله. قيل: يا
رسول الله من هم؟ قال: هم جماع من نوازع القبائل، يجتمعون على ذكر
الله تعالى فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر أطايبه.
زينة المساجد
قال الخرائطي في الشكر عن خليد العقري قال: إن لكل بيت زينةً، وزينةُ
المساجد الرجال على ذكر الله.
أعظم منة من الله
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي ذر عن النبي قال ما من يوم وليلة إلا
ولله عز وجل فيه صدقة مَنَّ بها على من يشاء من عباده، وما من الله
على عبد بأفضل من أن يُلهمَه ذكره.
أشد الأعمال عند الله
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر قال: قال رسول الله أشدُّ الأعمال ثلاثة،
ذكر الله على كل حال، والإنصاف من نفسك، والمواساة في المال.بيوت
ومنازل الذاكرين تضئ لأهل السماء كالكواكب لأهل الأرض وأخرج ابن أبي
شيبة عن أبي هريرة قال: إن أهل السماء ليرون بيوت أهل الذكر تضيء لهم
كما يضيء الكوكب لأهل الأرض.
الذكر يقَوِّى على السهر للعبادة وعلاج للبخل ومواجهة العدو:
وأخرج البزار والطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله (من عجز منكم
عن الليل أن يكابده، وبخل بالمال أن ينفقه، وحين غدرَ العدوُّ أن
يجاهده فليُكثر ذكر الله).
وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا والحاكم وصحَّحه
والبيهقي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله (ألا أنبئكم بخير
أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من
إنفـــاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقـــوا أعداءكم فتضربوا
أعناقهم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله).
الذكر والجهاد
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عبد الله بن عمرو عن النبي أنه كان
يقولإن لكل شيء صِقالة وإن صِقالة القلوب ذكر الله، وما من شيء أنجى
من عذاب الله من ذكر الله. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولو
أن يضربَ بسيفِه حتى ينقطع.
الذكر والصدقة
وأخرج الطبراني عن أبي موسى قال: قال رسول الله (لو أن رجلا في حجره
دراهم يقَسِّمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل).
الذكر وعتق الرقاب
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا عن سالم بن أبي
الجعد قال: قيل لأبي الدرداء: إن الرجل أعتق مائة نسمة قال: إن مائة
نسمة من مال رجل لكثير، وأفضلُ من ذلك إيمانٌ ملزومٌ بالليل والنهار
أنْ لا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر الله.
أحمد عبد المالك
شراب الوصل
يقول الشيخ رضي الله عنه في التائية:
وإنَّ صَبا نَجدٍ تفوحُ
بعِطرِها يَشمُّ شَذاها مَن يَذوقُ صَبابتي
(نجد) إقليم في وسط
السعودية يقع شرقيَّ الحجاز وهي معروفةٌ بارتفاع مواضعها وطيب
هوائها. وقد جعلها الشعراء رمزاً لمكان سكنى المحبوب كقول الشاعر:
ألا
يا صَبا نجدٍ متى هجتِ من نجد لقدْ زادَني مَسراكِ وَجدا على
وَجدِ
والصَّبا ريح مهبُّها من الثريَّا إلى بنات نعش، وقيل هي الريح التي
جاءت بريح قميص يوسف إلى يعقوب عليهما السلام، وقال سيدي الشيخ
النابلسي في شرح ابن الفارض:الصبا كناية عن الروح الأمري
الإلهي.والصبابة الشوق أو رقَّته أو رقَّة الهوى.
جاء في إرغام المريد: إعلم أن فوائح الإرادة الأزلية فائحة من مشرق ذات
الأحديَّة لأصحاب الكمال من الأفراد الإنسانية كما ورد (إنَّ لله في
أيام دهركم نفحات) و (إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن) أما
الناقصون الذين أزكم مشامَّ ذوقهم استيلاء برودة هوى النفس وكثافة
بخار الطبيعة ما لهم من تلك النفحات من نصيب إلا بواسطة إنسانٍ كامل
تجرَّد عن علائق النفس والآفات واتصل بعالم القدس والإطلاق، فهو يخفض
جناح الذلِّ لهم بجهته البشرية، ويعالجهم بالجهة الملكية بأن يميط
عنهم المزكومية فيشمون الروائح القدسية وهذا هو الشيخ الواصل.
وقال سلطان العاشقين:
ولو عبقت في الشرق أنفاس طيبها وفي
الغرب مزكومٌ لعاد له الشمُّ
يقول الشيخ النابلسي في شرحه: وقد يراد بالشرق قلب الإنسان الكامل لأنه
مشرق شمس الوجود الحق و(نجد) في الشرق وقوله أنفاس طيبها المعنى في
ذلك لو تقررت معاني التجليات الإلهية عن ذوق ووجدان من الإنسان
الكامل العرفان وانتشرت روائحها منه في جوانب الأكوان وظهرت عليه
أمارات الصدق ووصلت إلى مزكومٍ لا يشمُّ رائحة النفحات الإلهية
لاشتغال نفسه بتوهُّمات الأغيار الكونية لعاد له الشمُّ بحيث يصير
يشم روائح التحقيق والعرفان من كلام أهل الكشف والعيان. وكم من
مزكومٍ بالغرب هبَّت عليه روائح العرفان من جهة الشيخ الواصل بالشرق
فعاد له الشمُّ كما رأينا في وفود الأوربيين الذين أموا حماه وبه
اقتدوا. وبهذا بشَر الشيخ قريب الله مولانا الشيخ في ابتداء أمره
فقال:
يعُمُّ الوابـلُ الهطــَّالُ أرضاً سقاها المَحْلُ عنْ
عَهْدِ النَّماءِ
فتُنبِتُ من قُطوفِ الحَبِّ نبتـاً نَديَّ الزَّهْـرِ
فـوَّاح الشَّذاءِ
ويَعبَقُ من رياضِ القُربِ عِطْرٌ بِنَشْـقَتِه سَينْـهـَضُ
كلُّ ناءِ
د. عبد الله محمد أحمد |