بـالـحـقـائـق
نـاطـقـيـن
التبرك بالمحبة
لا تزال رحلتنا في السِّفر الكريم (انتصار أولياء الرحمن على أولياء
الشيطان) في مبحث التوسل والتبرك بالأنبياء والصالحين وآل البيت
الطاهرين وهو خير زاد في مسيرنا إلى الله تعالى. وقد انتهى المطاف
بنا إلى أن التبرك ما هو إلا صورة ظاهرة لمعنى المحبة الحقيقية وتبين
لنا جليا جواز التبرك بالأنبياء وآل البيت والصالحين والتوسل
بهم،واليوم نتطرق إلى مبحث التبرك من وجهة نظر محبة محضة لأننا نجد
أن المحبة في الغالب الأعم لا تتحقق إلا بعد معرفة وإدراك والمحبة
تتفاوت بتفاوت المعرفة بين الناس ومن هذا السياق نجد أن الأنبياء
والصالحين قد عرفوا الله معرفة تامة وأحبهم وأحبوه فعظَّمهم وجعلهم
وسائط لنا في تبليغ شرائع دينه قال تعالى (يُحبُّهم ويحبُّونه) وقال
تعالى في الحديث القدسى (.. لا يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى
أحبَّه..)وقد عظم الله تعالى أنبيائه وأصفيائه وأوليائه فعظمناهم
لأجله وأحببناهم لحبِّه لهم وحبِّهم له الذى تمَّ بالمعرفة والتحقق
فتبرَّكنا وتوسلنا بهم وبحبهم لأن التبرك ما هو إلا أشواق متزايدة
بالمحبة للمحبوب لأن الحب عبارة عن ميل الطبع إلى المحبوب فاذا قوى
سمى عشقا وازداد شوقا وولها له.وهنا نستشهد بقصة الصحابى الجليل
سيدنا بلال ليست من باب التكرار ولكن لما تحتويه من عبرة في الحب
والشوق، ذكر الحافظ بن عساكر والحافظ عبد الغنى المقدس الحنبلى ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلالا في منامه حينما كان بالشام
في ضيافة معاوية وقا ل له: أوحشتنا يا بلال.فانتبه حزينا وركب راحلته
قاصدا المدينة فأتى قبر النبى صلى الله عليه وسلم فجعل يبكى ويمرِّغ
وجهه على القبر ويقول: أوحشتنى يا رسول الله.فكان هذا الموقف العظيم
خير مثال للتبرك بالمحبة والشوق من هنا يتضح لنا جليا أن من أنكر
التبرك فقد أنكر المحبة ومن أنكر المحبة فلابد أن ينكر حقيقة الشوق
لأنه لا يكون إلا للمحبوب.وأما اتخاذنا لهم وسيلة إلى الله تعالى
لقضاء حوائجنا فهذا اتباع لله تعالى في توسيطهم لنا لأننا أصغر من أن
نطلب حوائجنا منه مباشرة بلا واسطة وذلك احتقارا لأنفسنا لكثرة
ذنوبنا ولوفرة عيوبنا.قال الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى في كتابه
الانتصار (ان مراعاة جانب الله تعالى والمحافظة على توحيده انما تكون
بتعظيم من عظَّمه الله تعالى وتحقير من حقَّره الله تعالى)
ونجد أن من أساليب التعبير عن كثرة المحبه وشدة الشوق دائما ما تكون
عبارة عن التقبيل أو التمسح أوالتعانق وهذه هى بالفعل أساليب التبرك
بالأحباب لأنها وسيلة أو صورة تعبيرية لمعنى المحبة الصادقة ولم يكن
تعبيراً للنفور أو الكراهية أبدا، ورد في كتاب (الرخصة في تقبيل
اليد) لأبي بكر المقرى كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه لا يدع يد أنس
حتى يقبلها ويقول: يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقبَّل سيدنا معاذ بن جبل يد سيدنا عبدالله بن العباس وقال: هكذا أمرنا
رسول الله أن نفعل مع أهل بيته. وقال الشيخ محمد عثمان عبده
البرهانى:
إلا المودَّة ما سالنا حِبَّنا إن المــودةَ رفعةٌ
ورشـــادُ
هادية محمد الشلالي
مــاذا تـعـلـمـت مـن شـيـخـي؟
علموا عني فإني من رجالٍ جدُّهم هادي الهداةِ
الكاملين
مقالنا السابق كان عن العلماء في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وعلمنا
أن المقصود بالعلماء هم الأولياء، فمن هم الأولياء وماذا تعرف عنهم
وهل تتبع أنت أو توالى أحداً منهم، أم أنت من الذين ليس لهم عقيدة في
الأولياء وهل لديك أدنى فكرة عنهم أم أنت خالي الذهن تماماً عن هذا
الموضوع؟.
الأولياء هم ورثة الأنبياء يقول في تعريفهم الإمام القشيري رضي الله
عنه (الولي من توالت طاعته من غير تخلل معصية أو الذي يتولى الحق
سبحانه حفظه وحراسته على الإدامة والتوالي فلا يخلق له الخذلان الذي
هو قدرة العصيان وإنما يديهم توفيقه الذي هو قدرة الطاعة)، {وهو
يتولى الصالحين}. وقال عنهم سيدي محي الدين بن العربي رضي الله عنه
(الأولياء الذين تولاهم الله بنصرته في مقام مجاهدتهم للأعداء
الأربعة الهوى والنفس والشيطان والدنيا) وقال الإمام أبوالحسن
الشاذلي رضي الله عنه (من أجل مواهب الله الرضا بمواقع القضاء والصبر
عند نزول البلاء والتوكل على الله عند الشدائد والرجوع إليه عند
النوائب فمن خرجت له هذه الأربع من خزائن الأعمال على بساط المجاهدة
ومتابعة السنة والاقتداء بالأئمة فقد صحت ولايته لله ولرسوله
وللمؤمنين) قال تعالى {ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب
الله هم الغالبون}.
والولي في اللغة هو القريب، وهي مأخوذة من الولي بسكون اللام وهو القرب
والدنو وسمي ولي لأنه والي الله تعالى بالطاعة والتقوي والله تعالى
والاه بالحفظ وزيادة الإمداد يقول سيدي فخر الدين الشيخ محمد عثمان
عبده البرهاني في ديوانه شراب الوصل.
لقيت من المولى رضاه وقربه نشرت عليكم بردتي وعبائتي
ويقول سيدي إبراهيم الدسوقي في ديوانه جوهرة الدسوقي:
دنوت من المحبوب أعلى المراتب فقربني
بالقرب أزكـى المطالـب
والاسم الولي مأخوذة من قــوله تعالى {الله ولي الذين آمنوا} سورة
البقرة وقوله تعالى {ذلك بأن الله مــولى الذين آمنوا} سورة محمد.
ولقدذكرهم الله تعالى في قوله {ألا إن أولياء الله لا خــوف عليهم
ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} تشـير هذه الآية إلى أن
الولي هو من آمن بالله واتقى، فكل من كان تقيا كان لله وليـا، والولي
لا يخاف ولا يحزن بدليل قوله تعالى {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
لأنه يعلم أن المتصرف في هذا الكون هو الله سبحانه وتعالى سواء
أوافقه ذلك التصرف أم لا.
فمات ابن لسيدنا ومولانا الحسين رضي الله عنه فلم تُر عليه كآبة فعوتب
في ذلك، فقال: (إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا فإذا أراد ما نكره
فيما نحب رضيناه) ولقد أشارت السنة الشريفة إلى الأولياء في حديث
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: إن من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم
الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانتهم من الله فقلنا: يا رسول الله
من هم وما أعمالهم لعلنا نحبهم قال: هم قوم تحابوا في الله على غير
أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلي
منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم
تلا قوله تعالى {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
ويقول سيدي الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني:
ويعرف عني من هدى الله قلبه ويعزف عن حبي طريدُ الهداية
ويقول سيدي إبراهيم القرشي الدسوقي:
أسلك
طريقي تعش في نعمة وهنا ولازم الذكر سراً كان أو علنــا
ولا تنم كسلاً فالزهد فيه غـنـاً الزهد
راحتنا والذكر حرفتـنـا
وأبان سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم: حين سئل عنهم بقوله
الشريف (هم الذين إذا رؤوا ذكر الله) يقول سيدي الشيخ محمد عثمان
عبده البرهاني:
هو من صفاء الكنه أعظم آية هو صفوة والكون بعض صفاه
فالصوفية الحق هم الصالحون من عباد الله وهم أولياء الله الذين وصفهم
الله تعالى بالإيمان والتقوى في قوله تعالى {الذين آمنوا وكانوا
يتقون} ووصفهم بالاستقامة والمداومة على الذكر في قوله تعالى {إن
الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة}.
فالصوفية شغلهم الشاغل هو دوام الذكر ودوام المراقبة والترقي في الذكر
للدخول في نسب المحبة، محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبة الله
سبحانه وتعالى.
يقولون:
نسب المحبة أقرب الأنساب خال من الأغراض والأسباب
ويقول في جوهرة الدسوقي:
لله قوم أخلصوا فـي حبه فـأحبهم واختارهم خدامـا
لذلك حذر الله تعالى من معاداة أوليائه في الحديث القدسي عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي
ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته
عليه وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه
الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي
بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه)، والشاهد أن آل البيت
الذين جعل الله عليهم الرحمة والبركة مستمرة إلى يوم القيامة كل ولي
إلى يوم القيامة يكون من نسلهم، يقول سيدي الشيخ محمد عثمان عبده
البرهاني:
وأهلي أولوا الشرف العظيم وعترة لخاتم رسـل الله هادي
البـريـة
لذلك معرفة الأولياء ضرورية وزيارتهم مهمة وتكون الزيارة من باب البركة
أو الود أو من باب السؤال لقضاء الحوائج، يقول أحد المحبين:
على الأبواب بابـا فبابـا نناديكم وننتظر الجـوابـا
وكيف لا تطرق أبوابهم وهم الذين قال عنهم الله تعالى {لهم ما يشاءون
عند ربهم} إذ كرمهم الله تعالى وأعطاهم كل شيء، لذلك يقول سيدي
إبراهيم القرشي الدسوقي:
دعوني فلي مولى إذا ما دعوته أجاب وإن أبطأت عنه دعاني
فموالاة واتباع الأولياء واجبة بدليل قوله تعالى {ومن يضلل فلن تجد له
ولياً مرشداً} وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا
مع الصادقين} وقوله تعالى {واتبع سبيل من أناب إلي} كل هذه الآيات
تدل على أمر اتباع الأولياء. وأوضح دليل على اتباع الأولياء من
القرآن الكريم هو في سورة الكهف في قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر في
قوله تعالى {هل اتبعك علي أن تعلمني مما علمت رشدا}، فاتباع الصالحين
وهم الأولياء هو امتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، يقول سيدي إبراهيم
الدسوقي:
فلا تعترض يا منكر الجود حالنا وادخل حمانا كي تنال رضانـا
ولذ بحمانـا واقـرع الآن بابنا فنحن الذين نحمى لمن
أتى لنا
وتأتي أهمية اتباع الأولياء والمشايخ في الفائدة التي تعود على الإنسان
من هذا الاتباع ألا وهي الهداية والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى،
يقول سيدي الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني:
من يروم العـلـم عـنـدي يجتني رطـبـاً جـنـيـا
فاتبـعنـي يـا مـريـدي اهـدك العـلـم
الـسويـا
سوسن حسين |