ذكــر الـحـبـيـب

كلمة العدد

أزهارٌ بين  أنهار

شــراب الـوصــل

 

ذكــر الـحـبـيـب

 

قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون}الأنفال 45 قال الإمام القرطبي عند تفسير هذه الآية قوله تعالى {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} للعلماء فـي هذا الذكر ثلاثة أقوال:

الأول: اذكروا الله عند جزع قلوبكم، فإن ذكره يعين على الثبات فـي الشدائد.

الثاني: اثبتوا بقلوبكم، واذكروه بألسنتكم، فإن القلب لا يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان، فأمر بالذكر حتى يثبت القلب على اليقين، ويثبت اللسان على الذكر، ويقول ما قاله أصحاب طالوت {ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} (البقرة 250) وهذه الحالة لا تكون إلا عن قوة المعرفة، واتقاد البصيرة، وهي الشجاعة المحمودة فـي الناس.

الثالث: اذكروا ما عندكم من وعد الله لكم فـي ابتياعه أنفسكم ومثامنته لكم قلت والأظهر أنه ذكر اللسان الموافق للجنان. قال محمد بن كعب القرظي: لو رخص لأحد فـي ترك الذكر لرخص لزكريا، يقول الله عز وجل {ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا}آل عمران 41 ولرخص للرجل يكون فـي الحرب، يقول الله عز وجل {إذا لقيتم فئة فاثبوا واذكروا الله كثيرا} وقال قتادة: افترض الله جل وعز ذكره على عباده، أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف. وحكم هذا الذكر أن يكون خفيا، لأن رفع الصوت فـي مواطن القتال رديء مكروه إذا كان الذاكر واحدا. فأما إذا كان من الجميع عند الحملة فحسن، لأنه يفت فـي أعضاد العـــــدو. قــال تعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}الأحزاب 35.

قال الإمام الطبري فـي تفسيره:القول فـي تأويل قوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصدقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثير والذاكرات أعد...}

يقول تعالى ذكره: إن المتذللين لله بالطاعة والمتذللات، والمصدقين والمصدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتاهم به من عند الله، والقانتين والقانتات لله، والمطيعين لله والمطيعات له فيما أمرهم ونهاهم، والصادقين لله فيما عاهدوه عليه والصادقات فيه، والصابرين لله فـي البأساء والضراء على الثبات على دينه، وحين البأس والصابرات، والخاشعة قلوبهم لله وجلا منه ومن عقابه والخاشعات، والمتصدقين والمتصدقات، وهم المؤدون حقوق الله من أموالهم والمؤديات، والصائمين شهر رمضان الذي فرض الله صومه عليهم والصائمات، الحافظين فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، والحافظات ذلك إلا على أزواجهن إن كن حرائر، أو من ملكهن إن كن إماء، والذاكرين الله بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم والذاكرات، كذلك أعد الله لهم مغفرة لذنوبهم، وأجرا عظيما: يعني ثوابا فـي الآخرة على ذلك من أعمالهم عظيما، وذلك الجنة.

وللحديث بقية،،

أحمد عبد المالك

 

 كلمة العدد

نلاحظ أن الإسلام قد قدَّم فضيلة الصدق على جميع الفضائل وحذَّر من الكذب وفـي الحديث: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند اللّه صديقا) إلا أن المسلمين قد أهملوا هذه الفضيلة وصار الكذب أمراً شائعاً بل صار غير مستنكر عند كثير من الناس،الأستاذ فـي المدرسة يكذب فكيف لا ينشأ التلميذ على الكذب، والوالد فـي البيت يكذب فكيف بالصغار، وهانَ الكذبُ على الناس، بينما تجد الأوربي على كفره يقدِّس الصدق فـي معاملاته ويستنكر الكذب، ونجد هذا فيما حدث للرئيس الأمريكي الأسبق فلم ينكر عليه قومه ارتكابه للفاحشة فـي البيت الأبيض بقدر ما أنكروا عليه كذبه وشنَّعوا عليه بسبب الكذب، والإنسان إذا عوَّد نفسه الكذب فـي صغائر الأمور جرى لسانه بالكذب فـي كبائرها وليس هناك سبيلٌ لرقيِّ المجتمعات وتطوُّرها إلا بنبذ رذيلة الكذب وتحرِّي الصدق.

أسرة التحرير

أزهارٌ بين  أنهار

طـوبى للـمـخلصـين

أخذنا هذا الكلام كما هو من أقوال الإمام عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه وكان شيخا للأزهر الشريف وكان يتلقى العلم على شيخ يجلس على قارعة الطريق يجدل الخوص ويبيعه للناس كي يقتات منه وهو سيدي علي الخواص.

روى الحاكم وقال صحيح الإسناد: أن معاذ بن جبل قال: يا رسول الله أوصني، قال: أخلص نيتك يكفك العمل القليل، وروى البيهقي مرفوعا: طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء، وروى الطبراني مرفوعا: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله،وروى الحافظ ورزين العبدري مرفوعا مرسلا: من أخلص لله تعالى أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، وروى الإمام أحمد والبيهقي مرفوعا: قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليما ولسانه صادقا ونفسه مطمئنة وخليقته مستقيمة، وجعل أذنه مستمعة وعينه ناظرة،وروى الشيخان وغيرهما (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) وروى مسلم مرفوعا: إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم،روى الطبراني والبيهقي مرفوعا: إذا كان آخر الزمن صارت أمتي ثلاث فرق: فرقة يعبدون الله خالصا، وفرقة يعبدون الله رياء، وفرقة يعبدون الله تعالى ليستأكلوا به الناس، فيقول الله عز وجل للمخلصين اذهبوا بهم إلى الجنة، ويقول للآخرين امضوا بهم إلى النار.

قلت: فقد بان لك أن من لم يخلص فـي عمله وعلمه فهو من الأخسرين أعمالا، ويشهد لذلك أيضا قرائن الأحوال التي جاءت بها الأحاديث فـي سياقها، وجميع ما ورد فـي فضل العلم والعمل إنما هو فـي حق المخلصين فيه، فإياك يا أخي والغلط فإن الناقد بصير، وقد كثر فـي هذا الزمان أقوام لا يعملون بعلمهم، وإذا نازعهم إنسان فـي دعواهم فـي قولهم نحن من أهل العلم استدلوا بما جاء فـي فضل طلب العلم مطلقه من غير شرط إخلاص، فيقال لمثل هؤلاء فأين الآيات والأخبار والآثار الواردة فـي حق من لم يعمل بعلمه ولم يخلص؟ فلا تغالط يا أخي وتدعي الإخلاص فـي علمك وعملك من غير تفتيش فإنه غش،وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول فـي معنى حديث (إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) هذا الرجل يتعلم العلم رياء وسمعة فيعلم الناس أمور دينهم ويفقههم ويحرسهم وينصر الدين إذا ضعف جانبه، ثم يدخله الله تعالى بعد ذلك النار لعدم إخلاصه (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرجو من فضل ربنا الوفاء وأن نخلص النية لله تعالى فـي علمنا وعملنا وسائر أحوالنا، ونخلص سائر الشوائب، حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا ثوابا على ذلك، وإن خطر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل، ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك طريق القوم على يد شيخ صادق متبحر فـي علوم الشريعة بحيث يقرر مذاهب الأئمة الأربعة وغيرها، ويعرف أدلتها ومنازع أقوالها ويقف على أم الكتاب التي يتفرع منها كل قول فيشتغل من يريد الإخلاص فـي أعماله بذكر الله عز وجل، حتى ترق حجب بشريته ويدخل حضرة الإنسان التي يعبد الله تعالى فيها كأنه يراه، وهناك يشهد العمل كله خلقا لله عز وجل ليس للعبد فيه مدخل إلا كونه محلا لبروز ذلك العمل لا غير، لأن الأعمال أعراض، والأعراض لا تظهر إلا فـي الجسم، وهناك يذهب من العبد الرياء والكبر والعجب وسائر الآفات لأن هذه الآفات إنما تجيء للعبد من شهود كونـه فاعـلا لذلك العمل مع غفلته عن شهود الخلق له، ومعلوم أنه لا يصح الرياء والتكبر والعجـب من العبد بعمل غيره أبدا، وما رأينا أحدا نام إلى الصباح وأصبح يرائي أو يعجب أو يتكبر بفعـل جاره القائم طول الليل أبــدا فعلم أن من لم يصل إلى دخول حضرة الإحسان ويشهد أعماله كلها خلقا لله تعالى كشفا ويقينا لا ظنا ولا تخمينا فهو معرض للوقوع فـي الرياء ولو حفظ ألفي كتاب.

سعيد امين

شــراب الـوصــل

وإنَّ علومي باسقاتٌ وطلعُها       نضيدٌ ورزقٌ للعباد ورحمةِ

قال الشيخ رضي الله عنه

إلى القرآن رُدُّوا كلَّ قولي

قال تعالى: {والنخل باسقاتٍ لها طلعٌ نضيد} ونضيد بعضه فوق بعض وقال تعالى {فيها فاكهةٌ والنخلُ ذاتُ الأكمام}. وقال{ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقا حسنا} وجعل منها طعام مريم عند ولادة عيسى عليهما السلام {وهزِّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رُطَباً جنيَّا} فشجرة النخيل تجمع بين الارتفاع والحسن وهي رزقٌ العباد. لها نسبٌ بالإنسان وروي عنه صلى الله عليه وسلم(أكرموا عمَّتكم النخلة فإنَّها خُلِقت من فضلة طينة آدم) وقد ارتبط النخيل بالمدينة المنوَّرة قال سيدي لسان الدين بن الخطيب:

هذا النخيلُ وطيبـةٌ ومحـمـدٌ       خيرُ الورى طرَّاً وها أنا جارُهُ

وفـي النخلة المثمرة جمالٌ كتب قيصر ملك الروم لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنَّ رسلي أتتني من قِبَلِك فزعمت أن عندكم شجرةً تُخرج مثل آذان الحمير، ثمَّ تنشقُّ عن مثل اللؤلؤ، ثمَّ تخضرُّ فتكون مثل الزمرُّد والزبرجد الأخضر، ثمَّ تحمرُّ فتكون مثل الياقوت الأحمر، تنضج فتكون كأطيب حلوى، ثمَّ تيبس فتكون عصمةً للمقيم وزاداً للمسافر، فإن تكن رسلي قد صدقتني فما أرى هذه الشجرةَ إلا من شجر الجنَّة.

وكنى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالغراس عن الذكر فـي حديث تأبير النخل: ألا أدلُّك على غراسٍ خيرٍ من هذا، تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. لذلك قال الشيخ رضي الله عنه:

وغراسُ علمي فـي القلوب       كأنَّه لعلـوِّه النخلُ ذو الأكمامِ

فكنى الشيخ رضي الله عنه بالغراس عن العلم وجعل علومه باسقاتٍ كالنخل لرفعتها وعلوِّها.

وقال سيدي ابن الفارض:

 لو ترى أين خَميلات قُبا         وتراءَين جميلات القُبَي

قال سيدي عبد الغني النابلسي فـي شرحه: يريد بالخميلات شجر النخل وبالجميلات النساء الحسان. ثمَّ قال: كَنى بالنخل والحسان عن منازل الحقيقة المحمَّدية وورثتها من الأولياء العارفين فإنهم ثابتون فـي أصلها الثابت.

د. عبد الله محمد أحمد