نيـل المـراد فـي شـرح الأوراد

وَلِي نَظْمُ دُرٍ

رحيق أزهاري

آثـارهـم والحُـلـل

 

نيـل المـراد فـي شـرح الأوراد

نكمل الحديث فـي الأدلة النقلية للأوراد عالَمُ الأشياءِ مُسَبِّحٌ بحمدِ ربِّه، والعِبرةُ بِمَنْ فَقِهَ عنِ اللهِ ذلكَ لا مَنْ حَجَبَهُ الله؛ فكلُّ مَنْ عَلَّمَهُ ربُّهُ ففقَّهَهُ عنهُ مِنْ بابِ الخصوصيةِ وجبَ لهُ التَّحَدُّثُ بهذهِ النعمةِ لِيُوفـي شكرَها، وانظرْ إلى قولِهِ تعالى {وَوَرِثَ سُلَيْمَـنُ دَاوُد} أيْ فـي الخلافةِ لأنَّهُ خُوطِبَ مِنْ قَبْلُ بقولِهِ تعالى {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَـكَ خَلِيفَة في الأَرْض} {وَقَالَ يَـأَيُّهَا النَّاسُ عُلّـِمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَىْءٍ إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِين} فهوَ عالِمٌ بِلُغاتِ المملكةِ الإلهيةِ ـ فالنملةُ حشرةٌ والهدهدُ طيرٌ والجنُّ والإنسُ همُ الثقلان ـ {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَـنَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُون} فَلُغاتُ الأشياءِ فـي عالَمِ الأشياءِ لا بدَّ أنَّها مفقوهةٌ عندَ مَنِ اصطفاهمُ اللهُ لِلحُكمِ والملكِ فـي مملكتِهِ فهوَ خليفةٌ عنِ الله،{تُسَبّـِحُ لَهُ السَّمَـوَتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّـِن شَىْءٍ إِلا يُسَبّـِحُ بِحَمْدِهِ وَلَـكِن لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورا} سورةُ الإسراءِ 44 فعُلِمَ أنَّ تسبيحَهمْ ليسَ بمعلومٍ للعوام؛ فالخطابُ هنا عامٌّ أُرِيدَ بهِ الخاصُّ فالمعجَماتُ عندَ السادةِ مِنْ قبيلِ الفقهِ الذي اختصَّهمْ ربُّهمْ به.  الإعجامُ مِنَ الرمز، والرمزُ إخفاء، والإخفاءُ لازمٌ عندَ الداعي إلى اللهِ لِعِلَّةِ المخاطَبةِ بقدْرِ الأفهامِ والعقول: نعمْ فاللهُ قدْ سَخَّرَ الأكوانَ كلَّها لِخدمةِ بني آدم، ولا يَلزمُ مِنْ ذلكَ معرفةُ الأسرارِ الْمُحَرِّكَةِ لها، بلِ اختصَّ اللهُ بها صنفاً مِنْ عبادِهِ ـ وهوَ الحكيمُ الخبيرُ ـ فإخفاءُ السرِّ لا يمنعُ ظهورَ آثارِها أوْ اشكالِها؛ فربَّما ظهرَ الشكلُ أوِ الأثرُ لِيَنتفعَ الناسُ بهِ دونَ علمٍ بالحقائقِ ذاتِها، ومِنْ ذلكَ ما جعلَهُ اللهُ فـي كتابِهِ مِنَ الحروفِ فـي أوائلِ السُّوَرِ فأسرارُها قائمةٌ ولا شك، وآثارُها ساريةٌ ولا شك، وأشكالُها ظاهرةٌ ولا شك، ولا يَلزمُ مِنْ ذلكَ كلِّهِ معرفةُ حقائقِها أوْ فكُّ رموزِها إلاَّ مَنِ اختصَّهمُ اللهُ بذلكَ مِنَ الراسخينَ فـي العلمِ..

 ومِنْ ذلكَ ما رُوِيَ عنِ الإمامِ عليٍّ كرَّمَ اللهُ وجهَهُ عندَما سُئِلَ عنْ عَدَدِ آياتِ القرآنِ الكريمِ فقال (ا.ي.ق.غ 6). وعندَما سُئِلَ عنْ عَدَدٍ يَقْبَلُ القسمةَ على كلِّ الأعدادِ مِنْ 1 إلى 9 قالَ لِلسائلِ  وكانَ يهوديّا اضْرِبْ عَدَدَ أَيَّامِ شَهْرِكَ فـي عَدَدِ أَيَّامِ أُسْبُوعِكَ فـي عَدَدِ شُهُورِ سَنَتِك فأَسْلَمَ اليهودي، ومِنْ ذلكَ أيضاً قولُ الإمامِ الشاذليِّ (ق، ج سِرَّانِ مِنْ سِرِّكَ وَهُمَا دَالاَّنِ عَلَى غَيْرِك)، ورضيَ اللهُ عنْ سيدي أحمدَ زروقٍ إذْ يقولُ داعيةُ الرمز ـ أيِ الداعي إليهِ هو ـ قلةُ الصبرِ عنِ التعبيرِ لِقوةٍ نفسانية لا يمكنُ معها السكوت، أوْ قصدِ هدايةِ ذِي فتحٍ ـ إلى ـ معنى ما رُمِزَ حتى يكونَ شاهداً لهُ ـ أيْ دليلاً وقرينةً على صحةِ فتحِهِ ـ أوْ مراعاةِ حقِّ الحكمةِ فـي الوضعِ ـ أيْ إخفاءُ ما لا يمكنُ كشفُهُ إلاَّ لأهلِ الفنِّ دونَ غيرِهم، أوْ دَمْجِ كثيرِ المعنى فـي قليلِ اللفظِ لِتحصلِهِ وملاحظتِهِ ـ أيْ لإدراكِ الفضلِ الكبيرِ بالجهدِ اليسيرِ ـ أوْ إلقائِهِ فـي النفوسِ أوِ الغيرةِ عليهِ أوِ اتقاءِ حاسدٍ أوْ جاحدٍ لِمَعانِيهِ أوْ مَبَانِيه (مِنْ قواعدِ التصوف).و ـ الدندنة لفظٌ حديثيٌّ معناهُ النطقُ بعبارةٍ غيرِ مفهومة، نعمْ فقدْ أَخْرَجَ أبو داودَ بِسَنَدٍ جيدٍ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قالَ لِرجل كَيْفَ تَقُولُ فـي الصَّلاَة قالَ الرجل أَتَشَهَّدُ ثُمَّ أَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّار ثمَّ قالَ الرجلُ لِلرسولِ صلى الله عليه وسلم أَمَا إِنِّي لاَ أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذ. فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ أَنَا وَمُعَاذ، وفـي رواية حَوْلَهَا دَنْدِن قالَ النوويُّ فـي الأذكار الدندنةُ كلامٌ لا يُفهَمُ معناه،قالَ الإمامُ الصنعانيُّ تعقيباً على هذا الحديث فيهِ أنْ يدعوَ الإنسانُ بأيِّ لفظٍ شاءَ مِنْ مأثورٍ وغيرِهِ، فها هوَ الصحابيُّ يسمعُ ما يُدَنْدِنُ بهِ الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يفهمُ معناهُ ويسمعُ ذلكَ مِنْ سيدِنا معاذٍ رضي الله عنه ولا يفهم، وذلكَ مِنْ آكَدِ الأدلةِ على جوازِ قراءةِ أحزابِ الصوفيةِ بما فيها مِنَ العباراتِ المعجَمةِ سيَّما وإنْ كانَتْ مِنْ إمامٍ يُقتدَى بهِ على ما قَرَّرَهُ الإمامُ الزرقانيُّ مِنْ أنَّهُ لا خلافَ فـي ذلكَ ما دامَتْ متواترةً عنْ أستاذٍ أَجْمَعَ الأئمةُ على معرفتِهِ وعدالتِه، ولا يعترضُ عليهِ معترِضٌ بجهلٍ إذِ الجهلُ ليسَ حجةً فـي القدح، ولوْ كانَ حجةً لألغَيْنا كلَّ علمٍ لا يصلُ إليهِ الجاهلُ..

د. إبراهيم دسوقي

 

وَلِي نَظْمُ دُرٍ

تقريب البعيد

الحمد لله المحمود المعبود ممدِّ الوجود بكل موجود والصلاة والسلام على الغيب المشهود والرحمة لكل معدود ومسعود والآل والصحب أوعية المشاهد والشهود وظل العود وأصل السعود والورد المورود، وبعد فإن العلم إما واجب أوجائز أو مستحيل فإن تحدثت عن الواجب فإنه محدد المعالم والصفات واضح الحدود والقسمات كعلوم فرائض الشرع من عبادات ومعاملات أما الجائز فقد فتح باب التوهم والتخيل والتفرس ففتح باب الاجتهاد لكل ذاكر منقاد وأما المستحيل فهو العلم الذى تراه بعيون القلب أو الروح ولكنك لاتستطيع وصفه لأرباب العقول والفهوم لاختلاف المقاييس بين البصائر والأبصار، ولكن سيدي فخر الدين رضي الله عنه فـي قصائده ألبس المستحيل ثوب الجائز ليقرِّب لأصحاب الفهوم ماتراه القلوب واستخدم من الأساليب البلاغية مالم يستخدم من قبل حين يقول:

علومُ الذاتِ دونَ السترِ وهمٌ       لهـا سُبُحاتُ وجهٍ مُهلكـاتُ

فإذا نظرت بأذنك تجد(ذات - سبحات - مهلكات) موسيقى مؤتلفة الأيقاع مختلفة النغمات كأنك قد أدخلت فـي وتر واحد آلة العود السيكا والراست والجهار كما يظن السامع لأول وهلة أنه توافق النغمات مع نشاز للمعاني وكذلك الحال فـي (وهم - وجه) فكلمة ذات واجبة لكل موجود غير لأنها فـي الحديث عن الباري مستحيلة الكنه المنطقي وكلمة سبحات جائزة الوصف والتخيل فـي عام المثال لافـي عالم المثيل أما كلمة مهلكات فهي واجبة وملازمة لحال هياج البحر أوعاصفة الصحراء وهذا تناقض عجيب مفرد كيف يتأتي له بأن ينسج هذا المقامة الموسيقية المتفردة، كما أن كلمة وهم وهي بمعنى التخيل والتفرس كيف تأتي لتصف الوجه الذي هو بصمة الشخص فـي الوجود لايعرف إلا بها وعلى نفس النهج يقول مـرة أخرى:

عن الحُضيراتِ في التَّمثال تسألُني       ألستَ فيها بذي علـمٍ أقـولُ بـلا

فعالم التمثال هو العالم الذي يقرِّب المعاني المستحيلة إلى أرض الخيال وتنقلك أنت من أرض الواقع إلى عالم التوهم ولكن يسدُّ عليك الباب بقوله (وحاذر القيدَ إني أضربُ المثلا) وهنا يحبس توهمك فـي قفص الاتهام بعدم الفهم فالسبحات الوجهية كما وصفها الحديث محض نور والنور لايهلك وإنما تكون الهلكة بالنار ولكن بديعيات البيت تقودك إلى معنى الانجذاب إلى النور فيدخل الحب وينقلب شوقا والتوهم ليس من الوهم هنا لأنه بمعني التفرُّس وهي لأصحاب الفراسة كما قال صلى الله عليه وسلم (اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله) كما يقول سيدي فخر الدين رضي الله عنه فـي وصف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:

لأنك الرمزُ والإعجازُ أجمعـُه      لمن توهَّم فـي أوصافِ أنعاتِ

وليس المقصود به حال المحبين الغارقين فـي حبِّهم تأكلهم نار الشوق ويمحوهم العشق فيصير العاشق منهم فـي وهم إلا عن حاله مع محبوبه فيشطح به الوهم ويغلب عليه الحال فيكون المقال لسان لحاله والشوق نار حامية جعلت أحد المحبين ينوح ويبكي ويقول:

ولو صادفَ نوحٌ طوفانُ دمعي لغـرقْ       أو أُلقي إبراهيمُ في نارِ شوقي لاحترقْ

وهكذا يتفنن سيدي فخر الدين فـي غير عناء ولااصطناع فـي إبداع الجديد والغريب دائما فـي أساليبه البلاغية المنقطعة النظير التي تحتوي دائما على الجديد لكل ذي لب فريد

الوسيلة إبراهيم درار

 

رحيق أزهاري

مـقـارنـة بين المتصـوف وغـيـره

فى هذا الموضوع ولكي نوضح أهمية الصوفية كان لابد لنا من عمل مقارنة بين المتصوف وغير المتصوف، فالمتصوف وكما ذكرنا سابقا يكون ملتزم بالأوراد والطاعة للشيخ فيما يرضى الله ورسوله، ووجوب الطاعة هنا لأن الشيخ هو مربى الأرواح وقائدها للسلطنة المحمدية كما قال عليه افضل الصلاة والسلام (الشيخ في قومه كالنبي في أمته). وقد يكون هنالك كثير من الناس ملتزمين بتعاليم الإسلام ولا يكونوا منتمين لتعاليم شيخ معين لكنهم مجتهدين وطائعين الله ورسوله، وهؤلاء ليس لنا عليهم انتقاد لكنا وفى هذا الموضوع نريد أن نوضح فضل أن يكون للإنسان شيخ أي أننا نريد لكل مسلم أن يمشى في تعاليم الله بالصراط المستقيم، ونجد أن دور الشيخ هنا مهم للغاية إذ انه لا يمكن لأي شخص أن يتعرف على الأذكار من تلقاء نفسه ولا بد أن تأتيه من معلم والمعلم هنا هو المتطلع المجتهد المورث للعلم من قبل أسلافه العلماء إذ أن (فوق كل ذي علم عليم)، واحتياجنا للشيخ والمعلم والمربى في أمورنا الدينية كما احتياجنا للمعلم في موادنا الدنيوية مثل الأدب، الكيمياء والرياضيات، إذ لا يمكن لأي شخص يقتنى كتاب للأدب أو خلافه يدعى إمكانية شرح هذا الكتاب والتعامل مع مواده أو كمثال آخر لا يمكن لأي أحد يقتنى كتب ومراجع للطب ويطلع عليها أو يحفظها حتى يمكن أن يمارس مهنة الطب، وهكذا نجد أن المعلم هو الأساس لشرح وتوجيه الطلبة للفهم والتعامل مع المواد ولا يمكن لنا هنا أن ننكر هذا على الدين إذ أن المعلم هنا هو الشيخ المتطلع المتفقه في الدين المتبحر به. ولا يمكن لنا أيضا أن نطلق كلمة متصوف على كل من يدعى التصوف كما قال الشيخ محمد عثمان عبد البرهاني:

وليس مريدى من عشى عن كلامنا     ولا قائل للنفس يا نـفـس مـالك

 وأخيرا نجد أن الصوفـي هو الذى يكون سائر في درب الله بخطى متزنة وعلى أساس توجيه العارفين ولا يكون حائرا ومتخبطا بين كلام فلان وفلان وبين تفسير هذا وذاك بل تكون الرؤية أمامه متضحة تماما لا يدخل في حيره أو في كرب إلا ويكون شيخه معه ليفرج همه ويزيل كربه إما بالنصح أو بالأذكار ونرجع في هذا ألي شيخنا الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني الذى قال:-

الوقت في سنن العبادة قد فنى       وأنا بقولي منذر وبـشـيـر

رانيا الشيخ حمد

 

آثـارهـم والحُـلـل

هل يجوز التبرك بتقبيل الآثار والتمسح بها؟

 أورد بن كثير فـي تفسير قوله تعالي: {وأتخذوا من مقام إبراهيم مصلي} كانت آثار قدميه ظاهرة فيه ولم يزل هذا معروفا تعرفه العرب ولهذا قال أبو طالب فـي قصيدته اللامية:

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة      علـى قدميه حافيـا غـير فاعـل

وأورد حديثا عن عبدالله بن وهب أخبرني يونس بن زيد عن شهاب أن أنس بن مالك حدثهم قال: رأيت المقام فيه أصابعه عليه السلام وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم. وقال صلى الله عليه وسلم: (مسح الحجر والركن اليماني يحطان الخطايا حطا) أخرجه الديلمي والمناوى فـي كنوز الحقائق.

 وهذاهو الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري ذهب إلي قبر النبي صلى الله عليه وسلم زائرا فقبل القبر ومسح خديه بجنباته فأخذه مروان بن الحكم من رقبته وقال له: أتدرى ماذا تصنع؟ فقال أبو أيوب: (جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الطين ولا اللبن لاتحزنوا على الدين إذا وليه أهله بل إحزنوا عليه إذا وليه غير أهله) وورد فـي كتاب(الوفاء) للحافظ الجوزي: أن السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها جاءت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأخذت قبضة من تراب قبره وجعلته على عينيها وبكت وقالت منشدة:

ماذا على من شم تربة أحمد      ألايشم مدى الزمان غواليـا

صبت على مصائب لو أنها        صبت على الأيام عدن لياليا

ثم قبلت التراب ووضعته. فلو أن هذا خطأ لما فعلته سيدتنا السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله رضي الله عنها.

من معرض الحولية- إشراف

الشيخ الحسين الشيخ محمد عثمان