|
انتصار أولياء
الرحمن على أولياء الشيطان
-
11
|
وكان رضي الله عنه يقول: إذا صلح القلب صار مهبط الوحي والأسرار
والأنوار والملائكة. وإذا فسد صار مهبط الظلم والشياطين. وإذا صلح
القلب أخبرك بما وراءك وأمامك ونبهك على أمور لم تكن تعلمها بشيء
دونه وإذا فسد حدثك بباطلات يغيب معها الرشد وينتفي معها السعد وكان
رضي الله عنه يقول: من شرط الفقير أن يرى كل نفس من أنفاسه أعز من
الكبريت الأحمر فيودع كل نفس أعز ما يصلح له فلا يضيع له نفس وكان
رضي الله عنه يقول: السفر للفقير يمزق دينه ويشتت شمله. وكان يقول:
لمن شاوره في التزويج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تزوج لله
كفي ووقي. وكان رضي الله عنه يقول: من لم ينتفع بأفعالي لم ينتفع
بأقوالي. وكان يقول: الأمر أعظم مما تظنون وأصعب مما تتوهمون. وكان
يقول كل أخ لا ينفع في الدنيا لا ينفع في الآخرة وكان رضي الله عنه
يقول إذا تعلم أحدكم شيئاً من الخير فليعلمه الناس يثمر له الخير.
وكان يقول: طريقنا مبنية على ثلاثة أشياء لا تسألْ ولا تردْ
ولاتدَّخرْ. وكان يقول: من علامة إقبال المريد أن لا يتعب شيخه في
تربيته، بل يكون سميعاً مطيعاً للإشارة، وأن يفتخر شيخه به بين
الفقراء. لا أنه يفتخر هو بشيخه. وكان يقول: الفقير إن غضب لنفسه تعب
وإن سلم الأمر لمولاه نصره من غير عشيرة ولا أهل. وكان يقول: ما من
ليلة إلا وينزل فيها نثار من السماء إلى الأرض يفرق على المستيقظين.
وكان يقول: والله مالي خيرة إلا في الوحدة فياليتني لم أعرف أحداً
ولم يعرفني أحد. وكان رضي الله عنه يقول: ما نظر أحد إلى الخلائق
ووقف مع نظرهم في العبارات إلا سقط من عين الله عز وجل. وكان رضي
الله عنه يقول: من شرط الفقير أن لا يكون له نظر في عيوب الناس. وكان
يقول: كم طيرت طقطقة النعال حول الرجال من رأس وكم أهذبت من دين.
وكان رضي الله عنه يقول: من تمشيخ عليكم فتتلمذوا له فإن مديده لكم
لتقبلوها فقبلوا رجله ومن تقدم عليكم فقدموه وكونوا آخر شعرة في
الذنب، فإن الضربة أول ما تقع في الرأس. وكان رضي الله عنه يقول:
وعدني ربي أن لا أعبر عليه وعلي شيء من لحم الدنيا قال يعقوب الخادم
ففني لحمه بأجمعه قبل خروجه من الدنيا، وكان يقول إن العبد إذا تمكن
من الأحوال بلغ محل القرب من الله تعالى وصارت همته خارقة للسبع
السموات وصارت الأراضون كالخلخال برجله وصار صفة من صفات الحق جل
وعلا لا يعجزه شيء وصار الحق تعالى يرضى لرضاه ويسخط لسخطه قال ويدل
لما قلناه ما ورد في بعض الكتب الإلهية يقول الله عز وجل (يا بني آدم
أطيعوني أطعكم واختاروني أختركم وارضوا عني أرضى عنكم وأحبوني أحبكم
وراقبوني أراقبكم وأجعلكم تقولون للشيء كن فيكون. يا بني آدم من حصلت
له حصل له كل شيء ومن فته فاته كل شيء) قلت وقوله وصار صفة من صفات
الحق تعالى لعله يريد التخلق والاتصاف بصفاته تعالى من الحلم والصفح
والكرم لأنه لا يصح لأحد أن يكون عين صفات الحق فهو كقوله (فبي يرى
وبي يسمع وبي ينطق) وما أشبه ذلك.
وكان رضي الله عنه إذا صعد الكرسي لا يقوم قائماً، وإنما يتحدث قاعداً.
وكان يسمع حديثه البعيد مثل القريب، حتى إن أهل القرى التي حول أم
عبيدة، كانوا يجلسون على سطوحهم يسمعون صوته ويعرفون جميع ما يتحدث
به. حتى كان الأطرش والأصم إذا حضروا يفتح الله أسماعهم لكلامه.
وكانت أشياخ الطريقة يحضرونه ويسمعون كلامه وكان أحدهم يبسط حجره
فإذا فرغ سيدي أحمد رضي الله عنه ضموا حجورم إلى صدورهم وقصوا الحديث
إذا رجعوا على أصحابهم على جليته قلت وهذا يشبه ما وقع على إبراهيم
الخليل عليه الصلاة والسلام، من النداء لما بني البيت، فإنه قال يا
رب كيف أسمع جميع الخلائق، فأوحى الله تعالى إليه (يا إبراهيم عليك
النداء وعلينا البلاغ). فنادى إبراهيم بالحج فأجابوه في الأصلاب من
سائر أقطار الأرض البعيد مثل القريب. فالإبلاغ من الله تعالى، لا من
إبراهيم. فإن البشرية لا تقدر على ذلك. وكان رضي الله عنه يقول: إذا
أراد الله عز وجل أن يرقي العبد إلى مقامات الرجال، يكلفه بأمر نفسه
أولاً، فإذا أدب نفسه واستقامت معه كلفه بأهله، فإن أحسن إليهم وأحسن
عشرتهم، وأصلح سريرته مع اللّه تعالى كلفه ما بين السماء والأرض فإنه
بينهن خلقا لا يعلمهم إلا اللّه تعالى. ثم لا يزال يرتفع من سماء إلى
سماء، حتى يصل إلى محل الغوث، ثم ترتفع صفته إلى أن تصير صفة من صفات
الحق تعالى. وأطلعه على غيبه حتى لا تــنبت شجرة ولا تخضر ورقة إلا
بنـظره وهناك يتكلم عن اللّه تعالى بكلام لا يسعه عقول الخلائق. لأنه
بحر عميق غرق في ساحله خلق كثير. وذهب به إيمان جماعة من العلماء
والصلحاء. فضلاً عن غيرهم. وكان رضي الله عنه يقول لولده صالح: إن لم
تعمل بعملي فلست لك أباً. ولا أنت لي ولداً.
وكان رضي الله عنه يقول اللهم اجعلنا ممن فرشوا على بابك لفرط ذلهم
نواعم الخدود ونكسوا رؤوسهم من الخجل وجباههم للسجود ببركة صاحب
اللواء المحمود آمين. وكان إذا جلس على جسمه بعوضه لا يطيرها ولا
يمكن أحداً يطيرها ويقول دعوها تشرب من هذا الدم الذي قسمه الحق
تعالى لها وكان إذا جلس على ثوبه جرادة وهو مار في الشمس وجلست على
محل الظل يمكث لها حتى تطير. ويقول إنها استظلت بنا. وكان إذا نام
على كمه هرة وجاء وقت الصلاة يقطع كمه من تحتها ولا يوقظها. فإذا جاء
من الصلاة أخذ كمه وخاطه ببعضه، ووجد رضي الله عنه مرة كلباً أجرب
أخرجه أهل أم عبيدة إلى محل بعيد فخرج معه إلى البرية وضرب عليه مظلة
وصار يطليه بالدهن ويطعمه ويسقيه ويحت الجرب منه بخرقة فلما برئ حمل
له ماء مسخناً وغسله وكان قد كلفه الله تعالى بالنظر في أمر الدواب
والحيوانات. وكان رضي الله عنه إذا رأى فقيراً يقتل قملة أو برغوثاً
يقول له لا وأخذك الله شفيت غيظك بقتل قملة. وسمع مرة رجلاً يقول إن
الله تعالى له خمسة آلاف اسم فقال قل إن لله تعالى أسماء بعدد ما خلق
من الرمال والأوراق وغيرها. وكان رضي الله عنه يمشي إلى المجذومين
والزمني يغسل ثيابهم ويفلي رؤوسهم ولحاهم ويحمل إليهم الطعام ويأكل
معهم ويجالسهم ويسألهم الدعاء. وكان رضي الله عنه يقول الزيارة لمثل
هؤلاء واجبة لا مستحبة. ومر يوماً على صبيان يلعبون فهربوا منه هيبة
له فتبعهم وصار يقول اجعلوني في حل فقد روعتكم ارجعوا إلى ما كنتم
عليه. ومر يوماً على صبيان يتخاصمون فخلص بينهم وقال لواحد منهم ابن
من أنت فقال له وايش فضولك فصار يرددها ويقول أدبتني يا ولدي جزال
الله يراً. وكان يبتدئ من لقيه بالسلام حتى الأنعام والكلاب وكان إذا
رأى خنزيراً يقول أنعم صباحاً. فقيل له في ذلك فقال أعود نفسي
الجميل.
وكان إذا سمع بمريض في قرية ولو على بعد يمضي إليه يعوده ويرجع بعد يوم
أو يومين وكان يخرج إلى الطريق ينتظر العميان حتى إذا جاؤوا يأخذ
بأيديهم ويقودهم وكان إذا رأى شيخاً كبيراً يذهب إلى أهل حارته،
ويوصــيهم عليه، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم (من أكرم ذا
شيبة يعني مسلماً سخر اللّه له من يكرمه عند شيبته) وكان إذا قدم من
السفر وقرب من أم عبيدة يشد وسطه ويخرج حبلاً مدخراً معه ويجمع حطباً
على الأرامل والمساكين والزمنى والمرضى والعميان والمشايخ وكان رضي
الله عنه لا يجازي قط بالسيئة السيئة.
وكان إذا تجلى الحق تعالى عليه بالتعظيم يذوب حتى يكون بقعة ماء ثم
يتداركه اللطف فيصير يجمد شيئاً فشيئاً حتى يرد إلى جسمه المعتاد
ويقول لولا لطف اللّه تعالى بي ما رجعت إليكم. ولقيه مرة جماعة من
الفقراء فسبوه وقالوا له يا أعور يا دجال يا من يستحل المحرمات يا من
يبدل القرآن يا ملحد يا كلب فكشف سيدي أحمد رضي الله عنه رأسه وقبل
الأرض وقال يا أسيادي اجعلوا عبيدكم في حل وصار يقبل أيديهم وأرجلهم
ويقول ارضوا علي وحلمكم يسعني فلما أعجزهم قالوا ما رأينا قط فقيراً
مثلك تحمل منا هذا كله ولا تتغير فقال هذا ببركتكم ونفحاتكم ثم التفت
إلى أصحابه وقال ما كان إلا خيراً أرحناهم من كلام كان مكتوماً عندهم
وكنا نحن أحق بهم من غيرنا فربما لو وقع منهم ذلك لغيرنا ما كان
يحملهم. وأرسل إليه الشيخ إبراهيم البستي كتاباً يحط عليه فيه فقال
سيدي أحمد رضي الله عنه للرسول اقرأه لي فقرأه فإذا فيه أي أعور أي
دجال أي مبتدع يا من جمع بين الرجال والنساء حتى ذكر الكلب بن الكلب
وذكر أشياء تغيط فلما فرع الرسول من قراءة الكتاب أخذه سيدي أحمد رضي
الله عنه وقرأه وقال صدق فيما قال جزاه الله عني خيراً ثم أنشد:
فلست أبالي من رماني بريبة إذا كنت عند الله
غير مريب
ثم قال للرسول أكتب إليه الجواب من هذا اللاش حميد إلى سيدي الشيخ
إبراهيم البستي رضي الله عنه أما قولك الذي ذكرته فإن اللّه تعالى
خلقني كما يشاء وأسكن فـيَّ ما يشاء وإني أريد من صدقاتك أن تدعو لي
ولا تخليني من حلك وحلمك فلما وصل الكتاب إلى البستي هام على وجهه
فما عرفوا إلى أين ذهب.
يتبـــع...
السابق
|