هل من سائل فيجاب؟

العـلـمانـيـة والـديـن

 

هل من سائل فيجاب؟

ورد إلينا من الأستاذ حسني سلام من كفر فيشا المنوفية مصر يسأل عن معنى المثلية في بشرية الحبيب المصطفى وأسبقية نوره صلى الله عليه وسلم ؟

{قل إنما أنا بشر مثلكم} (الكهف 110) روىالترمذي والدارمى وبن كثير في البداية والنهاية عن أبى ذرالغفارى رضى الله عنه قال: (قلت يارسول الله كيف علمت أنك نبىٌّحتى استيقنت؟ قال : يا أبا ذر أتانى ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة فوقع أحدهما إلى الأرض وكان الآخر بين السماء والأرض ، فقال أحدهما لصاحبه :أهو هو؟ فقال: نعم . قال : فزنه برجل. فرجحته. ثم قال: زنه بعشرة . فرجحتهم . ثم قال : زنه بمائة فرجحتهم. قال: زنه بالف .فرجحتهم. قال صلى الله عليه وسلم :كأنى أنظر إليهم يُنثَرونَ علىَّ من خفة الميزان. فقال أحدهما لصاحبه: لو وزنته بأمته كلها لرجحها.) هذه هي المثلية في أوضح معانيها

{وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} (الأحزاب 46 ).

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّم كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } (المائدة 15)

إن معرفة حقيقة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عجز عنها سائرالبرية0وقد قال صلى الله عليه وسلم :'' يا أبا بكر والذى بعثنى بالحق بشيراً ونذيراً لم يعلم حقيقتى غير ربى .فهو صلى الله عليه وسلم طلسمُ السر المكنون لا يطَّلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى . وما أدركالمسلمون إلا ظاهر صورته المحمدية. وهى التى عبَّر عنها سيدى أويس القرنى بالظل . أما حقيقته وسرُّه صلى الله عليه وآله وسلم فهوأمر انفرد به الحق عز وجل ، أما كونه صلى الله عليه وسلم أول الخلق على الإطلاق فقد أشارت الآيات .والأحاديث إلى هذه الحقيقه ويحتج المعترضون على كون سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أول الخلق فى عالم النور والأرواح ، ويستدلون فى اعتراضهم بالآيات القرآنية والأحاديث والشريعة التى جاءت فى وصف حضرته بالبشرية ولوازمها، ويقولون إنه بشر مثلنا فكيف يكون نوراً، وغاب عنهم أن البشرية أتم مراتب الكمال الإنسانى ، فهى التى قبلت النور ونفخ الروح فيها، وقالوا ما الفخر الا بالجسوم فإنهامولِّدة الأرواح ناهيك من فخر من وقفوا مع بشريته صلى الله عليه واله وسلم وغفلوا تماما عن عالم الأرواح فى قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم}. فلا بد أن يكون لعالم الأرواح أصل وحقيقة، كما لابد أن يكون لعالم الأجسادأصل إذا قلنا أصل الأجساد سيدنا آدم فليس فى ذلك خلاف فلا بد أن يكون عالم الأرواح أصلا وهو عالم النور ويسميه الصالحون بالأعيان الثابتة، والذين يقفون مع بشرية النبىفهم بهذا المفهوم يقولون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلنا ونحن مثله وهذا يؤدى إلى الخلط والعياذ بالله ، وعليهيبرز أمامنا سؤال هل يوجد فى الصنف البشرى اثنين خلقهم الله متحدين فى أى شئ ؟ فى الشكل ؟ فىالصوت فى الإدراك فى الإحساس فى الذوق فى التذوق ؟ فى الطبع وهذا لم يتوافر فكيف حكمت بالمثلية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ألم يقرأوا قول الحق سبحانه وتعالى {انظر كيف فضَّلنا بعضهم على بعض} فلابد من التفضيل ولابدَّ من التمييز . وإذا كان لابد من القياس فيجب أن نقيس بما قاس به الحق سبحانه وتعالى ، فاذا قلنا أعلى درجة فى التفضيل بين الأجناس نقول الصنف البشرىثم من الجنس البشري نقول الأولياء والصالحون وأعلى درجة فى التفضيل بين الأولياء نقول الأنبياء والمرسلون وأعلى درجة فى التفضيل بين الأنبياء والمرسلين نقول أولو العزم من الرسل ، وأعلى درجة في التفضيل بين أولي العزم من الرسل نقول هو النبى صلى الله عليه وسلم فهذا هو القياس الصحيح هذا هو الأمر الواضح الذى لا يزيغ عنه إلا كل هالك .فقد أجمع العلماء على أن النبى صلى الله عليه وسلم له الأفضلية والمزية على كل صورة ظهرت فى عالم الأحياءوفى عالم الأرواح وعالم النور ويقول بعض المعترضين: كيف قلتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الخلق رغم ان الاحاديث الصحيحة فى البخارى ومسلم وفى الجامع الكبير ومسند الامام احمد ورد بانه صلى الله عليه واله وسلم لما سئل عن اول ما خلق الله . قال: الماء وسئلومرةً اخرى عن اول ما خلق الله فقال : القلم الاعلى وسئل مرة اخرى فقال : اول ما خلق الله العقل الاول . نقول نعم كل ماذكر صحيح وورد ايضاً كما روى الامام احمد عن النبى صلى الله عليه واله وسلم كنت نوراً بين يدى ربى قبل خلق ادم باربعة عشر الف عام وكذلك رواه الامام الترمذى وغيره عن أبى هريرة رضى الله عنه قال . قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد . وكذلك ما جاء فى مسند الإمام احمد عن ابى هريرة رضى الله عنه . قال النبى صلى الله عليه واله وسلم : إنَّ رب العزة خاطبه فقال: لولاك لولاك ماخلقت الافلاك . والامام البيهقى وابن عساكر عن سيدنا عثمان بن ابى العاص رضى الله عنه قال:'' حدثنى امي أنها شهدت ولادة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: فما شئ انظر اليه فى البيت إلا نوراً اضاء البيت والدار حتى جعلنا لانرى الا نوراً . والاحاديث الوارده فى أنه نور وانه اول الخلق كثيره ؛ قال الامام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى رضى الله عنه :'' ان كل اولويه ذكرت للقلم او للعقل او للماء إنما هى بالنسبة للعالم التى هى اساس له".

ولتوضيح هذا الامر نقول مثلاً: اصل الوجود او اول الايجاد لعالم الدنيا هو سيدنا ادم . فأوَّلية سيدنا ادم مقيدة بعالم الدنيا من حيث الصورة البشريةفهو اول ، ولكن عالم العناصرالتي هي التراب والماء والهواء والنار. له اولية قبل ظهور سيدنا ادم . لان التراب اصل الإيجاد قبل ظهور الجسد {انى خالق بشراً من طين} فالطين له اولية ايضاً . ولكن الدنيا الارضين والسماء اين حقيقتها ومن اين شيء كانت. اسمع الى قوله تعالى : { او لم ير الذين كفروا أن السماء والارض كانتا رثقاً ففتقناهما } فالسماء والارض كانت شيئاً واحداً فلها اولية بهذا الاعتبار وباختصار شديد فالقلم الأعلى اول عالم التدوين قد حصر ما يجرى فى الوجود وكذلك العقل الاول هو اول بالنسبة لعالم المعانى والادراكات وكذلك الماء أول بالنسبه للحياه التى هى قوام كل صوره وهو هنا بمعنى الروح . فعندما يقول النبىُّ صلى الله عليه وآله وسلم . اول ما خلق الله القلم ، أول ما خلق الله العقل ، اول ما خلق الله العرش ، فكل شئ اول لعالمه ، ولكن اولوية كل هذه العوالم مطلقة وأصلها هو النبى صلى الله وعلى اله وسلم فهى الاولية جامعة لكل اولية مذكورة فى الاحاديث التى سبق ذكرها .ونختم بحديث مسند عبد الرزاق عن سيدتا جابر بن عبد الله رضي الله عنه (ما هو أول شئ خلقه الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم نور نبيك ياجابر) وهو الحديث الذي بدأ به صاحب السيرة الحلبية سيرته .

محمد صفوت جعفر

 

العـلـمانـيـة والـديـن

الدين يشكل عنصراً أساسياً في المجتمعات السودانية في كل حقب التاريخ ( كوش ، الحقبة المسيحية ، الحقبة الإسلامية) والدين هو مصدر الهداية للناس ومصدر التشريعو لكنه ليس مِحور سيادة دولة علي دولة أو تسلط فئة علي مجتمع .

إن إسلام أهل السودان مدين بوجوده إلى التصوف الذي وجد القبول عند عامة الناس ، ووحدت الطرق الصوفية الكثير من القبائل و ذلك لاعتمادهم علي قيم الإسلام التي تساوي بين البشر ، فإسلام أهل السودان هو ركن أساسي في وحدتهم .إن إسلام أهل السودان إنساب بلطف عبر ثمانية قرون ليس فيه قسر ولا إكراه ولا عنف . إن إسلام أهل السودان لا يعرف الغلظة ولا الفظاظة ولا القسوة ولا العنف ، المسئولية في الإسلام فردية وليس هناك وصاية من أحد علي أحد أو جماعة علي الآخرين.

العلمانية الأوربية في بداية عهدها لم تكن معادية للدين كدين و إنما كانت معادية لتسلط رجال الدين و الكنيسة علي مقدرات الآخرين .. إلا أنها في أواخر القرن العشرين أخذت معنيً مخالفاًلما بدأت به إذ أصبحت ترمز إلـى إبعاد الدين عن الحياة بل و معاداة الدين .

إن العلمانية بهذا المعني لا مكان لها في السودان ، حيث أن الدين متمكن من وجدان السودانيين وهو ضرورة اجتماعية و مصدر للهداية و مصدر للقيم الفاضلة و الأخلاق الكريمة التي هي أساس المعاملة ، بل إن الدين هو المعاملة ، فالعبادات ليست حركات شكلية و إنما أدوات لتزكية الأخلاق. الدين يعمل لبناء الشخصية الإنسانية السوية و الإنسان الصالح المتصف بالصدق و الأمانة و العِـفـة و التواضع ،هذه الأخلاق الفاضلة تأتى نتيجة للقدوة الحسنة ، لا بالقهر التشريعي و لا العقاب القانوني ولا سلطان الدولةولكنها تأتى بالقدوة الحسنة من المرشد الذي يؤهله علمه و صلاحه نتيجة للتقرب بالعبادة و الذكر .

لذا ليس هناك معني للعراك بين دعاة العلمانية و الدينية ، وأن تكون المواطنة هي معيار المشاركة في الوطن ، هي التي تعطي الحقوق لكل سوداني دون نظر إلى عرقه أو لونه أو دينه أو جهته .. هي التي تعطي الحقوق كاملة و الحريات كاملة أما الدين فهو باقٍ في وجدان الناس و سيظل مؤثراً علي مجتمع أهل السودانو يرتقي بقيمهم و أخلاقهم التي تنعكس علي أرض الواقع معاملةً راقية و سلوكاً كريماً ليس فيه تضارب بين القول والعمل.

الكل راع والكل مسئول عن رعيته ..إن الحل يكمن في إقامة دولة ترتكز علي العلم و تضع الدين في مكانه اللائق كمصدر للتشريع و للهداية والإيمان و الخلق الكريم ، وعلي الدولة أن تؤكد علي الحريات و الحقوق و الواجبات والحريات لكافة المواطنين و تؤمّن علي المساواة دون تمييز علي أساس عرقي أو دينيو تقيم دولة العدل .كما أن بند مثل المواطنة كأساس للحقوق والواجبات لا نجد له بديلاً آخر وهو أمر يقره الدين والمنطق ، وأي رأي خلاف ذلك يعني تمزيق السودان وانتهاك أبسط حقوق الإنسان .. ينطبق نفس الشيء علي الهوية لنجد أن الهوية السودانية هي الأساسوأنأي أمر خلاف ذلك يعني تمزيق السودان وليس فصل الجنوب فحسب،  وإذا تناولنا مبدأ حيدة الخدمة الوطنية وارتكازها علي العلم والكفاءة والخبرة لتعمل وفقــاً للمنهج العلمي في إطار القـرار السيـاسي للدولة لوجدنا أن ذلك أمر يسنده المنطق العلمي، حيث أن تحقيق مصالح الدول في العصر القادم تتوقف علي مدي التفوق العلمي للدولة ، وهذا يعني بالضرورة أهمية وجود جهاز تنفـيذي يستطيع مجاراة التطورات العلمية في العـالـم وهـذا أمر لا يمكـن أن يتم إلا في ظل خدمة مدنية مستقرة تقوم علي أسـاس العلـم والقانون والكفاءةلا علي أساس حزبي أو ديني أو جهوي ..وإذا اعتمدنا علمية الدولة والإقرار بان الدين هومصدر للهداية والتشريع، وإذا اعتمدنا المبدأ العلمي الذي يدعوا لإسناد العمل للخبير أو المختص (القوي علماً وكفاءةً وخبرة، والامين صدقاً وخُلُقاً ونزاهة )والآية الكريمة الرحمن فاسأل به خبيراً والآية�� {اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وإذا استوعبنا بان الدين ممارسة وليس شعارات او لافتات نرفعها ،لسلمّنابان المؤسسات المدنية المتمثلة في الطرق الصوفية والشيوخ هم الأقدر لهداية الناس وتزكية النفوس.

وان المنهجية العلمية هي الوسيلة الوحيدة لإدارة البلاد وتحقيق المصالح الاستراتيجية العادلة لها في الألفية الثالثة وحماية ثرواتها في نفس الوقت .

محمد أبوصالح