واحة الثقافة والأدب

قصص

نفحات وعبر

أمثال وحكم

عذب الحديث

أدق الدقائق

 

قصص

دخلتْ على رشيد الدين بن خليفة الطبيب أمرأةٌ من نساء الريف ومعها ولدها وهو شابٌ قد غلب عليه النحولُ والمرض فشكت إليه حال ولدها وأنها قد تعبت في علاجه وهو لا يزداد إلا سقماً ونحولاً فنظر إليه وجسَّ نبضه واستقرأ حاله فلم يجد به علَّةً وحار في أمره وكان اليوم بارداَ فأحسَّ الطبيب بالبرد ونادى جاريته: وقال لها يا سعدى ناوليني العباءة حتى أجعلها علي. فلما سمع الشاب مناداة الطبيب لجاريته واضطرب وحال لونه فحدس الطبيب أنه عاشقٌ وأنَّ من يعشقها اسمها سعدى، ثمَّ سكن الشاب وهدأ ولما دخلت الجارية اضطرب مرًّةً أخرى فقال لوالدته: إنَّ ابنك هذا عاشق والتي يهواها اسمها سعدى.

ذكر أنَّ ابن سينا عند هروبه من خوارزم فراراً من السلطان محمود في طريقه إلى جرجان بناحيةٍ من نواحي بحر قزوين ولم يكن أحداً يعلم به حينئذ فوجد شابَّاً مريضاً من أهل تلك الناحية وهو يمتُ بصلة القرابة للأمير والأطبَّاء قد عجزوا عن علاجه فطلبوا ابن سينا لرؤيته فجسَّ نبضه وتحدَّث إليه ثمَّ طلب من يعرف مدن وقرى ضياع تلك الناحية، وبينما كان الرجل يذكر المدن والقرى كان ابن سينا واضعاً يده على نبض الشابِّ المريض، ثمَّ أن ابن سينا استوقف الرجلَ عندما جاء اسم مدينةٍ معيَّنة، وأمره أن يذكر أسماء أحيائها، ولما وصل لاسمٍ حيٍّ معيَّن أمر أن يأتوه بواحد من أهل ذلك الحي وأمره أن يذكر اسم شوارع الحي ولما ذكر اسم شارعٍ معيَّن، أمره أن يذكر منازل ذلك الشارع وعند ذكر منزلٍ معيَّنٍ أمره أن يذكر أسماء قاطنيه فذكرها، فقام ابن سينا وقال: أيُّها الأمير دام عزُّك إنَّ هذا الشابَّ يهوى فلانة بنت فلان في حي كذا بمدينة كذا وأنَّه قد كتم هذا الحبَّ فأضرَّ به وكان منه ما كان فلمَّا سمع الشاب ذلك الحديث هبَّ على قدميه وأمسك بتلابيب ابن سينا، وقال: صدقتَ أيُّها الطبيب! ولكن قل لي بربِّك كيف عرفت؟ فقال ابن سينا: نعم ذلك لأني رأيتُ نبضك يسرع لما ذكر الرجل اسم تلك المدينة، فأيقنتُ أن لها في نفسك شيئا، ثمَّ صار بعد ذلك يذكر أحياءها فألهمتُ أنه لا بد أن يكون مسكناً لفتاتك وهداني هذا إلى معرفة منزلها وأسرتها ثم اسمها فخطبت الفتاة للشاب وزُفّت إليه وعاشا بخير حال.

قال عروة بن حزام:

متى ترفعا عنِّ القميص تبيَّنا��������� بيَ الضُّرَّ من عفراء يافتيان

وتعترفا لحماً قليلاً وأعظمـاً ��� ���� رقاقـاً وقلباً دائمَ الخفقان

وعفراء هي محبوبة عروة والعفراء في اللغة هي الظبية، وقيل إنَّ سيدنا عمر بن الخطَّاب رضوان الله عليه سمع بقصَّتهما فقال: لو أدركتُ عروةَ وعفراءَ لجمعتُ بينهما.

سكر رجلٌ بخيل وغنَّاه المغني فطرب طرباً شديداً حتى شقَّ قميصه من الطرب، ونظر إلى عبده فقال له: ويحك شقَّ أنت أيضاً قميصك. قال: والله لا أشقُّه وليس عندي غيره، قال له: شُقَّه وأنا أكسوك غداً قميصا. قال: إذن أشقُّه غدا.قال: وما أصنع بشقِّه غدا؟ قال له: وأنا ما أصنع بشقِّه الساعة؟ قال له: اذهب فأنت حرٌّ لوجه الله فوالله ما رأيت أحزم منك !

وما أحسن قولهم:

سَقوني وقالوا لا تُغنِ ولو سَقَوا      جبالَ شرورى ما سُقيتُ لغنَّتِ

زعموا أنَّ امرأةً من العرب كان يضرب بها المثل في البخل فخُرِق قميصها فرَقعَتْه وصارت كلما خُرق ترقعه حتى ذهب القميص الأوَّل كلُّه وبقي القميص المكوَّن من الرقاع.

 

نفحات وعبر

نار الجود والكرم

قال زياد لغيلا ن بن خرشة: أحبُّ أن تحدِّثني عن العرب وجهدها وضنك عيشها لنحمد الله على النعمة التي أصبحنا فيها فقال غيلان: حدَّثني عمِّي قال: توالت على العرب سنونٌ سبعٌ في الجاهليَّة حصَّت كلَّ شيء، فخرجت على ناقة لي أطوف بلاد العرب التمس شيئا آكله، فمكثتُ سبعاً لا أذوق فيهنَّ شيئا، إلا ما يناله بعيري من حشرات الأرض حتى دنوتُ إلى خباءٍ عظيم فإذا أنا ببيتٍ بعيد عن الحي فملتُ إليه فخرجت إليَّ امرأةٌ حسَّانةٌ طويلة فقالت: من؟ قلت: طارق ليلٍ يلتمسُ القرى قالت: لو كان عندنا شيءٌ لآثرناك به، والدالُّ على الخير كفاعله طف بهذه البيوت فانظر إلى أعظمها، فإن في شيء منها خيرٌ ففيه، ففعلتُ حتى دنوتُ إليه فرحَّب بي صاحبه، وقال: من؟ قلتُ طارق ليلٍ يلتمس القِرى، فقال: يا فلان فأجابه، فقال: هل عندك من طعام؟ قال: لا، قال: فوقع عليَّ كلامه وقوع الصاعقة، قال له: هل عندك من شراب؟ قال: لا ولكننا أبقينا في ضرع الناقة شيئاً لطارقٍ إن طرق. قال فأتِ به فأتاها فضربها فقامت فصار يحلبها فما سمعتُ شيئاً في حياتي ألذَّ من شخبِ تلك الناقة وهي تحلب فحلب حتى ملأ الإناء ثم أقبل به نحوي فعثر بحجر فسقط الإناء من يده وانسكب اللبن فما أصبتُ من مصيبة في حياتي أكبر من ضياع ذلك اللبن، فلما رآني صاحب البيت ورأى شدَّة جزعي خرج شاهراً سيفه ثمَّ نظر إلى أعظم الإبل سناما، فعقرها وجبَّ سنامها، وجعل يشوي وأنا آكل حتى شبعتُ ثمَّ شربتُ ماءً وخررت مغشيَّاً عليَّ فما أفقتُ إلى السحر.

الحجاج و الأعرابي

نزل الحجَّاج في طريق مكة، فقال لحاجبه: انظر أعرابيَّاً يتغدَّى معي، وأسأله عن بعض الأمر، فنظر الحاجب إلى أعرابيٍّ بين شملتين، فقال له الحجَّاج: أدن فتَغدَ معي فقال الأعرابي: إنه دعاني من هو أولى منك فأجبته. قال: ومن هو؟ قال: الله عزَّ وجلَّ دعاني إلى الصوم فصمت، قال: أفي هذا اليوم الحار؟ قال: صمته ليومٍ هو أشدُّ منه حرَّا، فأفطر وصم غدا. قال: إن ضمنتَ لي البقاء إلى غدٍ ! قال: ليس ذلك إليّ. قال: فكيف تسألني عاجلاً بآجلٍ لا تقد عليه.قال الحجَّاج: إنَّه طعامٌ طيِّب، قال إنك لم تطيبه ولا الطبَّاخ ولكن طيَّبته العافية.وانصرف وأبى أن يتغدَّى معه.

الملك والوزير

جاءت بعض الملوك ثيابٌ فاخرة أحضرها بعض وزرائه فأراد أن يقسمها بين نسائه، فدخلت كبرى نسائه لتختار وكان بينها وبين الوزير مودَّة فنظرت إليه ليساعدها في اختيار أثمن الثياب، فغمز لها بعينه، يشير إلى ثوبٍ ثمين، وحانت من الملك التفاتةٌ فرأى إشارة الوزير ولاحظت المرأة والوزير أن الملك رآهما، فخافت المرأة فاختارت ثوباً آخر، وأما الوزير فصار يغمز عينه باستمرار كلَّما جلس مع الملك حتى يظنَّ الملك أن هذا عادةٌ منه، فسلما من عقاب الملك.

أمثال وحكم

وعند جهينة الخبر اليقين

كان الحصين بن الحِام المريُّ لصاً فاتكاً من لصوص العرب فخرج في بعض غزواته فلقي جهينة وكان أيضاً لصَّاً فاتكا فاصطحبا وكلاهما يضمر الغدر لصاحبه، فجلسا تحت شجرة يستريحان، فحطَّت عقابٌ على الشجرة وصاحت فقال الحصين لصاحبه: ما تقول هذه العُقاب الكاسر؟ وهو يريد منه أن يرفع رأسه لينظر فيقتله فعرف جهينة مراده، فلم يرفع رأسه بل قال له أين؟ فرفع الحصين رأسه وقال: هناك، فضربه جهينة بالسيف فقتله. وأخذ ما كان معه ثم رجع، فرأى صخــرة امرأة الحصين تسأل عنه، فسكت حتى مضت، ثم أنشد:

كصـخرة إذ تسائل في مرادٍ         وأنمــارٍ وعلمـهما ظنـون

تسائل عن حصينٍ كلَّ ركـبٍ             وعند جهينة الخبر اليقـيـن

فصارت مثلاً لكي من يكون عند ه العلم دون سواه.

أقـــوال مـــأثورة

لا تشغل نفسك بصغائر الأمور واحتفظ بقواك لعظائمها، فإنه لا يُضنيك الجبل يعترض طريقك ولكنَّ الحصاة تكون في نعلك. فالإنسان كثيراً ما يضيع وقته في التذمُّر من أشياء صغيرة لو تناساها لما ضرَّته ولكنه لا يزال يشكو منها حتى يصيبه الإرهاق ويهدُّ قواه وهو في أشد الحاجة لهذه القوَّة ليواجه بها عظائم الأمور.

الصفح والتجاوز

قال بعض الحكماء: ليس هناك إنسانٌ يريد أن يجعل لنفسه قيمةً في هذه الحياة يدخل في مشاحنات شخصية وعداوات ولئن تترك طريقك لكلبٍ خيرٌ من أن يعضَّك، فالدنيا مليئة بمن لا همَّ لهم إلا أذى الآخرين واعتراض طريقهم فخيرٌ لنا أن نجتنب الطريق الذي هم فيه كما نفعل مع الكلب العقور.

عذب الحديث

 

لي بالحمى قومٌ عرفتُ بصــبِّهم

وإذا مرضتُ فصحَّتي في طـبّهم

قــومٌ كـرامٌ هائمـون بربـِّهم

علمــوا بأني صادقٌ في حبِّهم        وتحقَّقوا صبري الجميلَ فعذَّبوا

يا ســعد خـذ عنِّـي وله فعي

اعلـم بأنَّ القـومَ أهلُ المـطلعِ

حضراتُ وجهٍ غائبٍ في المطلعِ

نزلوا بوادي المنحنى من أضلعي         وتمنَّعوا عن مهجتي وتحجـَّبـوا

هم عند قلبي بل وقلبــي عندهمْ

وإذا بثثتُ الوجدَ بثُّــوا وجدهمْ

ومعي ؤأراهم لا أفارقُ قصدهمْ

سعدتْ حظوظي إذ رأوني عبدَهم   والفخر لي أني إليـهـم أنسـبُ

من ديوان الشيخ النابلسي

 أدق الدقائق

من العبارات التي يردِّدها مولانا الشيخ محمَّد رضي الله عنه من طلب لنفسه عذراً وجد بدل عذرٍ واحدٍ ألفَ عذر وكثير من الناس يصابون بداء العجز الكسل ويلجأون إلى التسويف والتماس الأعذار لأنفسهم، وهم يخترعون هذه الأعذار ثمَّ يصدِّقونها، يظنون أنَّهم يخدعون الناس وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، ليس لهم إحساسٌ بالوقت الذي لا يرحم وكم قطعهم سيف الوقتِ وهم لاهون وسيد الطائفة الإمام الجنيد رضي الله عنه هو صاحبُ المقولة المشهورة (الوقت كالسيف إن لم تقطعْه قطعك) فإما أن تقطعه بما فيه النفع والخير وإما أن يقطعك بضياعه منك فتندم حيث لا يُجديك الندم، وكلمة الذهب هنا كلمة قياسية تفيد مقدار ما للوقت من قيمة فاحرص عليه كحرصك على الذهب إذا كان بين يديك وقال شاعرٌ حكيم:

إنما لك الساعة التي أنت فيها

فالأمس قد مضى ولا تدري ما يأتي به الغد� والذي يلجأ إلى التسويف فمآله إلى الخسران وقد كان سيِّدي جلال الدين الرومي يردِّد أبياتاً يذمُّ فيها المسوِّف يقول:

إذا كنتَ تأذَىْ بحرِّ المصيـف         ويُبسِ الخريف وبردِ الشــا

 ويُلهيكَ حسنُ زمـان الربيع          فتسويفكَ العزم حتـى متـى

فعذرك في الصيف هو شدَّة الحرِّ وفي الخريف يُبسُ الأطراف من الرطوبة وفي الشتاء شدَّة البرد وفي الربيع أيضاً لا تفرغُ للعملِ فقد ألهاك الربيع بحسنه فمتى تنجز عملك؟ وقد ذمَّ عليٌّ كرَّم الله وجهه أصحابه عندما تكاسلوا عن قتال أهل الشام فقال لهم: إذا قلتُ لكم اغزوهم في الصيف قلتم: هذه حَمَارَّة القيظ، وإذا قلتُ لكم اغزوهم في الشتاء قلتم هذه صبارَّة القرِّ فإذا كنتم من الحرِّ والبرد تفرُّون فأنتم من السيف أفرُّ� إنَّ كلَّ يومٍ تشرق شمسه يُعطيك أربعاً وعشرين ساعة هي ثروةٌ ضخمة ولن يعودَ هذا اليومُ إلى يومِ القيامة فكيف تستفيد من هذه الثروة�إنَّ الحرص على قراءة الوِرد المربوط هي من أهمِّ البواعث على النشاط وقد قال القوم: من قرأ أوراده بالليل وجد بركتها في صباحه، فيتحرَّك من يقظة الفجر إلى هدأة الليل بحماس العقيدة، وطهر الصلاة، وشرف الإخلاص وحبِّ الله ورسوله.

أحمد البدوي