انتصار أولياء الرحمن على أولياء الشيطان  - 13

افهموا وتفقهوا

 

انتصار أولياء الرحمن على أولياء الشيطان  - 13

فكان يقول الفقير الصابر مع الله تعالى أفضل من الغني الشاكر له. والفقير الشاكر أفضل منهما. والفقير الصابر الشاكر أفضل منهم. وما خطب البلاء إلا من عرف المبلي وسئل رضي الله عنه عن حسن الخلق فقال هو أن لا يؤثر فيك جفاء الخلق بعد مطالعتك بالحق واستصغار نفسك وما منها معروفة بعيوبها واستعظام الخلق وما منهم نظروا إلى ما أودعوا من الريمان والحكم. وسئل رضي الله عنه عن البقاء فقال البقاء لا يكون إلا مع اللقاء، واللقاء يكون كلمح البصر أو هو أقرب. ومن علامة أهل اللقاء أن لا يصحبهم في وصفهم به شيء فان لأنهما ضدان. وكان يقول متى ذكرته فأنت محب ومتى سمعت ذكره لك فأنت محبوب. والخلق حجابك عن نفسك ونفسك حجابك عن ربك وما دمت ترى الخلق لا ترى نفسك، وما دمت ترى نفسك لا ترى ربك. ولما اشتهر أمره في الآفاق اجتمع مائة فقيه من أذكياء بغداد يمتحنونه في العلم فجمع كل واحد له مسائل وجاء إليه، فلما استقر بهم المجلس أطرق الشيخ فظهر من صدره بارقة من نور فمرت على صدور المائة فمحت ما في قلوبهم، فبهتوا واضطربوا وصاحوا صيحة واحدة، ومزقوا ثيابهم. وكشفوا رؤسهم. ثم صعد الكرسي وأجاب الجميع عما كان عندهم فاعترفوا بفضله. وكان من أخلاقه أن يقف مع جلالة قدره مع الصغير والجارية ويجالس الفقراء ويفلي لهم ثيابهم. وكان لا يقوم قط لأحد من العظماء، ولا أعيان الدولة. ولا ألم قط بباب وزير ولا سلطان. وكان الشيخ علي ابن الهيتي رضي الله عنه يقول: عن الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه، كان قدمه على التفويض والموافقة مع التبري من الحول والقوة وكانت طريقته تجريد التوحيد وتوحيد التفريد مع الحضور في موقف العبودية لابشيء ولا لشيء. وكان الشيخ عدي بن مسافر رضي الله عنه يقول كان الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه طريقته الذبول تحت مجاري الأقدار، بموافقة القلب والروح، واتحاد الباطن والظاهر، وانسلاخه من صفات النفس، مع الغيبة عن رؤية النفع والضرر، والقرب والبعد. وكان الشيخ بقاء بن بطو رضي الله عنه يقول كان طريق الشيخ عبدالقادر رضي الله عنهاتحاد القول والفعل والنفس والوقت، ومعانقة الإخــلاص والتسليم وموافقة الكتاب والسنة في كل نفس وخطرة ووارد وحال الثبوت مع الله عز وجل وفي رواية كانت قوة الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه في طريقه إلى ربه كقوى جميع أهل الطريق شدة ولزوما وكانت طريقته التوحيد وصفا وحكماً وحالاً، وتحقيقه الشرع ظاهراً وباطناً، ووصفه قلب فارغ وكون غائب، ومشاهدة رب حاضر بسريرة لا تتجاذبها الشكوك، وسر لاتنازعه الأغيار، وقلب لا تفارقه البقايا رضي الله عنه وكان أبو الفتح الهروي رضي الله عنه يقول خدمت الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه أربعين سنة فكان في مدتها يصلي الصبح بوضوء العشاء وكان كلما أحدث جدد في وقته وضوءه ثم يصلي ركعتين. وكان يصلي العشاء ويدخل خلوته، ولا يمكن أحداً أن يدخلها معه، فلا يخرج منها إلا عند طلوع الفجر. ولقد أتاه الخليفة يريد الإجتماع به ليلاً، فلم يتيسر له الإجتماع إلى الفجر، قال الهروي وبت عنده ليلة فرأيته يصلي أول الليل يسيراً. ثم يذكر الله تعالى إلى أن يمضي الثلث الأول. يقول المحيط الرب الشهيد الحسيب الفعال الخلاق الخالق البارئ المصور فتتضاءل جثته مرة، وتعظم أخرى يرتفع في الهواء إلى أن يغيب عن بصري مرة. ثم يصلي قائماً على قدميه يتلو القرآن إلى أن يذهب الثلث الثاني. وكان يطيل سجوده جداً ثم يجلس متوجها مشاهداً مراقباً إلى قريب طلوع الفجر ثم يأخذ في الدعاء والابتهال والتذلل ويغشاه نور يكاد يخطف الأبصار إلى أن يغيب فيه عن النظر. قال وكنت أسمع عنده سلام عليكم سلام عليكم وهو يرد السلام إلى أن يخرج لصلاة الفجر.

وكان الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه يقول: أقمت في صحراء العراق وخرائبها خمساً وعشرين سنة، مجرداً سائحاً لا أعرف الخلق ولا يعرفوني يأتيني طوائف من رجال الغيب والجان أعلمهم الطريق إلى الله عز وجل. ورافقني الخضر عليه السلام في أول دخولي العراق وما كنت عرفته. وشرط ألا أخالفه وقال لي أقعد هنا، فجلست في الموضع الذي أقعدني فيه ثلاث سنين. يأتيني كل سنة مرة. ويقول لي مكانك حتى آتيك. قال ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات فآكل المنبوذ. ولا أشرب الماء ومكثت فيها سنة أشرب الماء ولا آكل المنبوذ، وسنة لا آكل ولا أشرب ولا أنام ونمت مرة بايوان كسري في ليلة باردة فاحتلمت، فقمت وذهبت إلى الشط واغتسلت، تم نمت فاحتلمت فذهبت إلى الشط واغتسلت فوقع لي ذلك في تلك الليلة أربعين مرة وأنا أغتسل ثم صعدت إلى الايوان خوف النوم ودخلت في ألف فن حتى أستريح من دنياكم، وكان رضي الله عنه يرى الجلوس على بساط الملوك ومن داناهم من العقوبات المعجلة للفقير. وكان رضي الله عنه إذا جاء خليفة أو وزير يدخل الدار. ثم يخرج حتى لا يقوم له إعزازاً للطريق في أعين الفقراء. واجتمع عنده جماعة من الفقراء والفقهاء في مدرسة نظامية فتكلم عليهم في القضاء والقدر. فبينما هو يتكلم إذ سقطت عليه حية من السقف، ففر منها كان من كان حاضراً عنده ولم يبق إلا هو، فدخلت الحية تحت ثيابه، ومرت على جسده، وخرجت من طوقه، والتوت على عنقه، وهو مع ذلك لا يقطع كلامه، ولا غير جلسته، ثم نزلت على الارض وقامت على ذنبها بين يديه، فصوتت ثم كلمها بكلام ما فهمه أحد من الحاضرين. ثم ذهبت فرجع الناس وسألوه عما قالت. فقال قلت لي: لقد اختبرت كثيراً من الأولياء فلم أر مثل ثباتك فقلت لها وهل أنت إلا دويدة يحركك القضاء والقدر الذي أتكلم فيه قال الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه ثم أنها جائتني بعد ذلك وأنا أصلي ففتحت فمها موضع سجودي فلما أردت السجود دفعتها بيدي وسجدت فالتفت على عنقي ثم دخلت من كمي وخرجت من الكم الآخر ثم دخلت من طوقي ثم خرجت فلما كان الغد دخلت خربة فرأيت شخصاً عيناه مشقوقتان طولاً، فعلمت أنه جني فقال لي أنا الحية التي رأيتها البارحة، ولقد إختبرت كثيراً من الأولياء بما إختبرتك به فلم يثبت أحد منهم لي كثباتك. وكان منهم من اضطرب باطنة وثبت ظاهرة ومنهم من اضطرب ظاهراً وباطناً، ورأيتك لم تضطرب ظاهراً ولا باطناً. وسألني أن يتوب على يدي فتوبته. وكان رضي الله عنه يقول ما ولد لي قط مولوداً إلا أخذته على يدي. وقلت هذا ميت فأخرجه من قلبي أول ما يولد. قال ابن الأحضى رحمه الله تعالى، وكنا ندخل على الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه في الشتاء وقوة برده، وعليه قميص واحد، وعلى رأسه طاقيه، والعرق يخرج من جسده، وحوله من يروحه بمروحة، كما يكون في شدة الحر. وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه اتبعوا ولا تبتدعوا وأطيعوا، ولا تخالفوا، واصبروا ولا تجزعوا، واثبتوا ولا تتمزقوا، وانتظروا ولا تيأسوا، واجتمعوا على الذكر ولا تتفرقوا وتطهروا عن الذنوب ولا تتلطخوا، وعن باب مولاكم ولا تبرحوا. وكان رضي الله عنه يقول إذا ابتلي أحدكم ببلية فليحرك أولا نفسه فإن لم يخلص منها فليستعن بغيره من الأمراء وغيرهم، فإن لم يخلص فيرجع إلى ربه بالدعاء والتضرع والانطراح بين يديه، فإن لم يجبه فليصبر حتى ينقطع عنه جميع الأسباب والحركات، ويبقى روحاً فقط. لا يرى إلى فعل الحق جلا وعلا، فيصير موحداً ضرورة ويقطع بأن لا فاعل في الحقيقة إلا الله. فإذا شهد ذلك تولى أمره الله. فعاش في نعمة ولذة فوق لذة ملوك الدنيا لا تشمئز نفسه قط من مقدور قدرة الله عليه. وكان رضي الله عنه يقول إذا مت عن الخلق قيل لك رحمك الله، وأماتك عن هواك. فإذا مت عن هواك، قيل لك رحمك الله وأماتك عن إرادتك ومناك. فإذا مت عن إرادتك ومناك قيل لك رحمك الله وأحياك. فحينئذ تحيا حياة طيبة لا موت بعدها وتغنى غنى لا فقر بعده، وتعطى عطاء لا منع بعده، وتعلم علما لا جهل بعده. وتأمن أمناً لا تخاف بعده. وتكون كبريتاً أحمر لا يكاد يرى.

وكان رضي الله عنه يقول إفن عن الخلق بحكم الله تعالى. وعن هواك بأمر الله، وكان رضي الله عنه يقول إشراك الخواص أن يشركوا إرادتهم بإرادة الحق على وجه السهو والنسيان وغلبة الحال والدهشة، فيتداركهم الله باليقظة والتذكير فيرجعوا عن ذلك، ويستغفروا ربهم، إذ لا معصوم من هذه الإرادة إلا الملائكة. كما عصم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبقية الخلق من الجن والإنس المكلفين لم يعصموا منها غير أن الأولياء يحفظون عن الهوى والأبدال عن الإرادة، وكان رضي الله عنه يقول اخرج عن نفسك وتنح عنها، وانعزل عن ملكك وسلم الكل إلى مولاك وكن بوابه على باب قلبك فأدخل ما يأمرك بإدخاله وأخرج ما يأمرك بإخراجه، ولا تدخل الهوى قلبك فتهلك. وكان رضي الله عنه يقول احذر ولا تركن وخف ولا تأمن وفتش ولا تغفل فتطمئن ولا تضف إلى نفسك حالاً ولا مقالاً ولا تدع شيئاً من ذلك ولا تخبر أحداً به. فإن الله تعالى {كل يوم هو في شأن} في تغيير وتبديل يحول بين المرء وقلبه فيزلك عما أخبرت به ويعزلك عما تخيلت ثباته فتخجل عند من أخبرته بذلك. بل احفظ ذلك ولا تعده إلى غيرك فإن كان الثبات والبقاء فتعلم أنه موهبة فتشكر واسأل الله التوفيق، وإن كان غير ذلك كان فيه زيادة علم ومعرفة ونور وتيقظ وتأديب. قال الله تعالى {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} وكان رضي الله عنه يقول إذا أقامك الله تعالى في حالة فلا تختر غيرها أعلى منها أو أدنى منها، قلت أما طلب الأدني فظاهر لا ستبداله الأدنى بالذي هو خير منه. وأما في الأعلى فلما يطرق الطالب للعلو من الهوى والإ دلال. فالنهي في كلام الشـيخ رضي الله عنه لمن لم يخرج عن هـوى نفسه. أما من خرج عن ذلك فله السؤال في مراتب الترقي عبودية محضة والله أعلم.

السابق  التالي  

 

افهموا وتفقهوا

صلاة العيدين - 2

مندوبات الخطبتين: استفتاحهما بتكبير وتخللهما بتكبير بلا حدّ. أن تكونا بعد الصلاة وإن قدِّمتا نُدب إعادتهما؛ لما روى ابن عمر رضي اللَّه عَنهما قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة). يندب لسامع التكبير أن يكبر سراً. يندب الإنصات لهما والاستماع ويكره الكلام. يندب استقبال الخطيب بذاته لا بجهته.

ما يندب في ليلة العيد ويومه: يندب إحياء ليلة العيد بالعبادة من ذكر اللَّه وصلاة واستغفار وتلاوة قرآن. وأقلُّه صلاة العشاء والصبح في جماعة، عن أبي إمامة رضي اللَّه عَنهُ عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: (من قام ليلتي العيدين محتسباً للَّه، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب).

الغسل : ولو لغير مصلٍّ، ويبدأ وقته في السدس الأخير من الليل، لكن يندب أن يكون بعد الصبح، ولا ينتهي وقته بالصلاة لأنه لليوم لا للصلاة، لما روى ابن عباس رضي اللَّه عَنهما، قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى)، وإسانده ضعيف لكن يعضده ما روي عن نافع (أن عبد اللَّه بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى)، التطيب والتزين بلبس الثياب الجديدة إظهاراً لنعمة اللَّه وشكره، ولو لغير مصلٍّ كالصبيان والنساء في بيوتهن، لأن اللَّه جعل ذلك اليوم يوم فرح وسرور وزينة للمسلمين، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي اللَّه عَنهُ قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: (إن اللَّه يحب أن يُرى أثر نعمته على عبده).

ولا يُنكر في ذلك اليوم لعب الصبيان والضرب بالدف. تحسين الهيئة بتقليم الأظافر وحلق الشارب وإزالة الشعر والأدران. المشي في الذهاب لا في الرجوع مع التكبير جهراً منفرداً، لما روي عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عَنهُ قال: (من السُّنة أن تخرج إلى العيد ماشياً، وأن تأكل شيئاً قبل أن تخرج) الذهاب من طريق والرجوع من طريق آخر، لحديث جابر رضي اللَّه عَنهُ قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق)

الإفطار: قبل الذهاب إلى صلاة عيد الفطر، ويندب أن يكون فطره على تمرات، وأن يكون عددها وتراً، لما روى بريدة رضي اللَّه عَنهُ قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي)، وروى أنس رضي اللَّه عَنهُ قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات)، وفي لفظ يأكلهن وتراً. ويندب تأخير الإفطار إلى بعد صلاة العيد في عيد الأضحى ولو لم يضّح. الخروج للصلاة بعد طلوع الشمس لمن قربت داره. تأخير خروج الإمام، فلا يخرج إلا بعد اجتماع الناس. يندب للإمام أن ينحر أضحيته في المُصلى ليعلم الناس نحره، ويجوز ذلك للمصلين.

مكروهات صلاة العيدين: يكره المناداة لإقامتها، بأن يقال: الصلاة جامعة،يكره الفصل بين تكبيراتها، بأن يقول: سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر يكره التنفل قبلها وبعدها إن أُديت في الخلاء، وأما إذا أديت في المسجد فلا يكره التنفل لا قبلها ولا بعدها.

تكبير التشريق:

حكمه: مندوب لكل مصلٍّ، ولو كان صبياً، أو مسافراً، أو امرأة، عقب خمسة عشر فريضة حاضرة (لا عقب نافلة ولا فائتة ولو كانت فائتة تشريق بل تكره) تبدأ من ظهر يوم النحر إلى صبح اليوم الثالث من أيام التشريق، سواء صلى الفريضة وحده أو مع جماعة. وإن تركه عمداً أو سهواً أتى به إن لم يطل الفصل عرفاً، أما إن طال الفصل أو خرج من المسجد سقط.

ودليل مشروعية التكبير في عيد الضحى قوله تعالى: {واذكروا اللَّه في أيام معدودات}.

قال البخاري: قال ابن عباس: الأيام المعدودات أيام التشريق.

مندوباته: أن يكون عقب الفريضة وقبل الذكر الوارد بعدها (أي قبل التسبيح والاستغفار وتلاوة آية الكرسي...). أن يكون بصيغة اللَّه أكبر ثلاث مرات متواليات من غير زيادة. أن تسمع المرأة نفسها في التكبير، وأن يسمع الرجل من بجواره. أن يذكر المأموم الإمام بالتكبير إن نسيه، وأن يأتي به وإن لم يأت به إمامه.

محمد الحسن ود الفكي