أزهارٌ بين
أنهار
أسماء
المصطفى
1
قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي
الكفر، وأنا الحاشر يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب) رواه البخاري ومسلم.�
إن لرسول الله محمداً عليه الصلاة والسلام مكانة تعلو على مكانة كل إنسان، وحسب
رسول الله مجداً وشرفاً أن يكون اسمه الطيب مذكوراً مع اسم الله المجيد في أكثر من
مقام، فما من مسلم ينطق بكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله) حتى يعقبها بقوله: (محمد
رسول الله)، وإذا انطلق صوت المؤذن يردد في الآذان قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله)
أتبع ذلك بقوله: (أشهد أن محمداً رسول الله)، وإذا جلس المصلي للتشهد قال فيه:
(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، ثم يعود بعد قليل ليقول: (أشهد أن لا
إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) ثم يعقب ذلك بصلاة وسلام على خاتم
الأنبياء وسيد المرسلين، فيقول: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم في العلمين إنك حميدٌ مجيد).
ولقد قرن
الله تعالى
باسمه اسم
رسوله في كثير
من آيات كتابه
فقال: {ومن يطع
الله ورسوله
يدخله جنات
تجري من تحتها
الأنهار} النساء
آية 3. وقال: {ومن
يعص الله
ورسوله ويتعد
حدوده يدخله
ناراً خالداً
فيها} النساء
آية 14. وقال: {ومن
يخرج من بيته
مهاجراً إلى
الله ورسوله
ثم يدركه
الموت فقد وقع
أجره على الله}
النساء آية 100. وقال:
{ومن يتول
الله ورسوله
والذين آمنوا
فإن حزب الله
هم الغالبون} المائدة
آية 56. وقال: {فآمنوا
بالله ورسوله
النبي الأمي
الذي يؤمن بالله
وكلماته} الأعراف
آية 158. وقال: {وسيرى الله عملكم ورسوله} التوبة آية
94.
وهكذا
تكرر هذا
الاقتران بين
اسم الله واسم
رسوله عشرات
المرات في
القرآن
الكريم، وليس
وراء ذلك
تكريم. ومما يدل على شرف الرسول أيضاً كثرة أسمائه
المتضمنة كثيراً من صفاته النبيلة الجليلة، ومن هذه الأسماء ما ذكره القرآن الكريم
ومنها ما جاء في السنة المطهرة، وقد توسع بعض المحبين، فبلغ بها الثمانمائة، وبعضهم
توسع أكثر من ذلك وأكثر، ولكننا نجد القاضي ابن العربي قد أوصل أسماء النبي صلى
الله عليه وسلم إلى أربعة وستين اسما، وقد نقل عنه هذا الحافظ النووي، ويبدو انه
ارتضاه، ويلوح لي أن هذا هو أقرب الأقوال إلى الصحة والاعتماد ولقد تحدث الإمام أبو
عبد الله الرصاع المالكي عن الحكمة في سر تعدد أسماء الرسول فقال: (سر تعدد أسمائه
عليه الصلاة والسلام تعظيم منزلته وبيان قدره عند ربه، لأن العرب إذا عظمت أمراً في
نفوسها أكثرت من أسمائه، ولا أعظم عند الله من حبيبه المصطفى المجتبى صلى الله عليه
وسلم، فحلاه سبحانه بصفات الكمال تعظيماً له في النفوس، وتنبيهاً للخلائق على
مكانته عند الملك القدوس فصارت تلك الأوصاف لكثرة إطلاقها على نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم أسماء وألقابا).
وتروي
السيرة
النبوية أن
الذي سماه
بهذا الاسم هو
جده عبد
المطلب، ولما
سأله قومه عن
السبب في
تسميته بهذا
الاسم قال: أردت
أن يحمده أهل
الأرض وأهل
السماء. وكل
جامع لصفات
الخير يسمى
محمدا، وقد
قال بعض العلماء:
إن الله هو
الذي ألهم
بتسمية نبيه
محمدا، لما فيه
من الصفات
الحميدة
وليلتقي
الاسم والفعل،
ويتطابق
الاسم
والمسمى في
الصورة
والمعنى، كما
قال الشاعر:
وشـق
له من اسمه
ليجـــله
فذو
العرش محمود
وهذا محمد
وكانت العرب في جاهليتها
لا تسمي باسم (محمد) ولكن حينما شاع قبيل ميلاد الرسول أن نبياً سيبعث اسمه (محمد)
سمى بعض العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو، والله أعلم حيث يجعل رسالته
والذين تسمو باسم محمد هم: محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد ابن مسلمة
الأنصاري، ومحمد بن براء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمران الجعفي،
ومحمد بن خزاعى السلمي، يقول القاضي عياض: (ثم إن الله حمى كل من تسمى به أن يدعي
النبوة، أو يدعيها له عليه سبب يشكك أحد في أمره، حتى تحققت الشيمتان له صلى الله
عليه وسلم لم ينازع فيهما).
والاسم
الثاني الذي
ذكره الحديث
هو (أحمد)،
وهذا هو اسمه
المشهور به
عند أهل الملأ
الأعلى،
والمذكور به
في الإنجيل،
بدليل قوله
تعالى: {وإذ
قال عيسى بن
مريم يا بني
إسرائيل إني
رسول الله
إليكم مصدقاً
لما بين يدي
من التوراة، ومبشراً
برسول يأتي من
بعدي اسمه
أحمد، فلما جاءهم
بالبينات
قالوا هذا سحر
مبين}. ومعنى أحمد أنه أكثر الناس حمداً لربه تبارك وتعالى
فهو أحمد الحامدين لله، وهو أجل من حمد مولاه.
ولقد قال القاضي عياض
بشأن هذا الاسم الكريم: (وأما أحمد الذي أتى في الكتب، وبشرت به الأنبياء فمنع الله
بحكمته أن يسمي به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله، حتى لا يدخل لبس على ضعيف
القلب أو شك)، ثم يقول: (وقد سماه الله في كتابه محمداً وأحمد، فمن خصائصه تعالى له
صلى الله عليه وسلم أن ضمن أسماءه ثناءه، فطوى أثناء ذكره عظيم شكره، فأما اسمه
أحمد فأفعل، مبالغة من صفة الحمد، ومحمد مفعل مبالغة من كثرة الحمد، فهو صلى الله
عليه وسلم أجلّ من حمد، وأفضل من حمد، وأكثر الناس حمدا، فهو أحمد المحمودين، وأحمد
الحامدين، ومعه لواء الحمد يوم القيامة، ليتم له صلى الله عليه وسلم كمال الحمد،
ويشتهر في تلك العرصات بصفة الحمد، ويبعثه ربه هناك مقاماً محموداً كما وعده، يحمده
فيه الأولون والآخرون بشفاعته لهم، ويفتح عليه فيه من المحامد كما قال عليه الصلاة
والسلام ما لم يعط غيره، وسمى أمته في كتب أنبيائه بالحامدين، فحقيق أن يسمى صلى
الله عليه وسلم محمداً وأحمد).
د. إبراهيم
دسوقي
شــراب
الـوصــل
خلافةُ قبـل البعث تالله إنَّهـا
تقومُ
على إتيانِ
خَرْقِ
العوائد
غلب على
مُعجزاتِ
الأنبياء
صلوات الله
عليهم قبل
مبعث رسول
الله صلى الله
عليه وسلم
أنها كانت
تقوم على خرق العوائد
فكانت
السفينة
معجزة نوحٍ
عليه السلام {وحملناهُ
على ذاتِ
ألواحٍ
ودُسُر. تجري
بأعيننا
جزاءً لمن كان
كُفِر}. القمر
13
- 14.
وكانت النار
معجزة
إبراهيم عليه
السلام {قلنا
يا نارُ كوني
برداً
وسلاماً على
إبراهيم} الأنبياء
69. وكانت العصا
معجزة موسى
وهارون عليهما
السلام قال
تعالى {وألقِ
ما في يمينك
تلقفْ ما
صنعوا إنَّ ما
صنعوا كيدُ
ساحرٍ ولا
يُفلحُ
الساحرُ حيثُ
أتى} ـ طه 69. وكان
إحياء الموتى
وإبراء
الأكمه
والأبرص معجزة
عيسى عليه
السلام قال
تعالى {ورسولا
إلى بني
إسرائيل أني
قد جئتكم
بآيةٍ من
ربِّكم أني
أخلق لكم من
الطينِ كهيئة
الطير فأنفخُ
فيه فيكونُ
طيراً بإذن
الله وأبريءُ
الأكمه
والأبرص وأُحيي
الموتى بإذنِ
الله وأنبئكم
بما تأكلون ما
تدَّخرون في
بيوتكم إنَّ
في ذلك لآيةً
لكم إن كنتم
مؤمنين} آل
عمران 49. وكان
شهود هذه
المعجزات
قاصراً على
أهل زمانهم
فلم يشهدها من
كان بعدهم ولا
يطالبُ
بالإيمان بها
إلا من شهدها
أو ثبتَ له
وقوعها. وكانت البشرية حينذاك في أطوارها
الأولى لم تبلغ قمة نضجها وكان الأنبياء صلواتُ الله عليهم هم أهل الكمالات، فكان
الأنبياء يخاطبون الناس على قدر عقولهم وكانت تبهرُهم المعجزات فآمنوا بسببها ولما
جاء عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت البشرية قد بلغت قمة النضج العقلي وكان
الإنسان الذي خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب شيئاً أكبر من خرق العوائد
فجاء تعالى بالقرآن العظيم المعجزة الخالدة التي تبقى على مرِّ الأزمان وتخاطب في
الإنسان عقله ورسول الله صلى الله عليه وسلم وإن وقعت على يديه كثيرٌ من المعجزات
إلا أن القرآن يظلُّ هو المعجزة الباقية ببقاء البشرية لا تمتدُّ إليه يدٌ بالتغيير
والتبديل ولا يخلق على كثرة الرد.
فإذا جاء
آخر الزمان
يكثر أيضاً
خرق العوائد ومن
هذا أشراط
الساعة كطلوع
الشمس من
المغرب وخروج
الدابة ونزول
عيسى عليه السلام
وظهور سيدي
محمد بن عبد
الله المهدي
رضي الله عنه
ومن هذا
نستدلُّ
أيضاً أنَّ
خلفاء الباطن
في آخر الزمان
يكثر على
أيديهم خرق
العوائد
لوجود
التكذيب
وغلبة المادة
على عقول الناس
فلا يصدِّقون
إلا ما يرونه
لذا تجري الكرامات
على أيدي
الأولياء من
الخلفاء
الباطنيين
عند اقتراب
الساعة. وقد
وصف النبي صلى
الله عليه
وسلّم هذا
فقال:
تكون فيكم النبوة إلى ما
شاء الله أن يرفعها ثمَّ يكون الأمر من بعدي خلافة على منهاج نبوَّة تظلّث فيكم ما
شا الله إلى أن يرفعها، ثمّ يكون ملكاً عاضَّاً يكون فيكم ما شاء الله إلى أن
يرفعها ثمَّ يكون الأمر ملكا جبريه يكون فيكم إلى ما شاء الله إلى أن يرفعه ثمَّ
تكون خلافة على منهاج نبوة.
د. عبد الله
محمد أحمد |