واحة الثقافة والأدب

قصص

نفحات وعبر

أمثال وحكم

عذب الحديث

 

قصص

قال أعرابي: رأيتُ ببيشة رجلا من أزد السراة أعمى يقوده شابٌّ جميل وهو يقولُ له: يابنيَّ لا يغرنَّك ان فسح الشباب خطوَك، وخلَّى سربَك، وأرفه وِردَك،فكأني بالكِبَر قد أحاط طوقَك، وأتعب سوقك، فهدجتَ بعد الهملجة، ودججتَ بعد الدعلجة، فخُذْ من أيام الترفيه لأيام الانزعاج، ومن ساعات المُهلة لساعات الإعجال، يا بن أخي إنَّ اغترارك بالشباب كالتذاذك بسمادير الأحلام، ثمَّ تنقشع فلا تتمسَّك منها إلا بالحسرة عليها، ثمَّ تُعرَّى راحلة الصبا، وتسلو عن الهوى، واعلم أن أغنى الناس يوم الفقر من قدَّم ذخيرةً وأشدهم اغتباطاً يومَ الحسرة من أحسنَ سريرة.

زعموا أنَّ جماعة من الأنصار دخلوا على دغفل النسَّابة بعد ما عَميَ فسلَّموا عليه، فقال: من القوم ؟ قالوا: سادة اليمن. قال: أمن أهل مجدها القديم وشرفها العميم كِندة ؟ قالوا: لا. قال فأنتم الطوال قصباً الممحَّصون نسباً بنو عبد المدان. قالوا:لا. قال: فأنتم أقودها للزحوفِ وأخرقها للصفوف، وأضربها بالسيوف، رهط عمرو بن معديكرِب ؟ قالوا: لا. قال: فأنتم أحضرها قراءً وأطيبها فناء، وأشدها لقاءً رهط حاتم بن عبد الله ؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الغارسون للنخل، والمطعمون في المحل، والقائلون بالعدلِ الأنصار ؟ قالوا: نعم.

قال أبو الحسن المدائني: خرجتُ مرَّةً إلى السوق فاشتريتُ طائراً سميناً وأمرتُ أن يعلَّق في التنُّور (الفرن) لعشائي ثمَّ خرجتُ أسلِّم على الشيخ وقلبي مع الطائر، فسلَّمتُ عليه وجلستُ معه ساعةً ثمّ استأذنته في الرجوع إلى البيت، فنظر إليَّ مليَّاً وقال: بِتْ عنديَ الليلة لتخدمني، فجزعتُ جزعاً شديداً وألححت في الاستئذان ولما رأى كثرة إلحاحي أذن لي، فرجعتُ مسرعاً إلى البيت وقلتُ لأهلي: هاتوا الطائر، فأطرقوا وقالوا:والله أخرجناه من التنُّور ليبرد فدخل كلبٌ فأخذه، قلتُ: إنا لله وإنا إليه راجعون هذه مغبَّة مخالفتي لشيخي وتواريتُ منه أياماً ثمَّ دخلتُ إليه على استحياء فلما رآني تبسّم وقال: من خالف أمر شيخه سُلِّط عليه كلبُ سوءٍ يؤذيه.

ولدت أعرابية بنتاً فخافت أن يكون زوجها قد كره ذلك فقالت وهي ترقِّصها:

ماذا عليَّ أن ولدتُ جارية

تَحفظُ بيتي وتُضيءُ ناريه

وترفع الساقط من خمارية

حتَّى إذا تمَّـت لهـا ثمانية

أو تسعةٌ من السنين وافية

ردَّيتـها ببـردةٍ يمانيـة

زوَّجتها مروان او معاوية

أزواج صدقٍ ومهورٍ غالية

فردَّ عليها زوجها:

ماذا عليَّ أن ولَدتُ جارية

تغسلُ رأسي وتكونُ فالية

خيرٌ من ابنٍ شرُّه عَلانية

يَجرُّ في كـلِّ أوانٍ داهية

 

نفحات وعبر

قال بعض أهل الذمة لرجل من علماء المسلمين: ما حوى كتابكم شيئاً في الطب. قال له الرجل إن الله تعالى قد جمع الطب كلَّه في نصف آية {كلوا واشربوا ولا تسرفوا} قال له الذمي: فما ذكر نبيُّكم شيئاً في الطب. قال له: إنَّ نبيَّنا صلى الله عليه وسلَّم قد جمع الطبَّ كله في قوله: المعدة بيت الداء والحِميةُ رأس الدواء قال: ما ترك نبيُّكم ولا كتابكم شيئاً في الطب.

* * * * * * * *

ما يطلق على الرجلِ في مراحلِ عمره المختلفة:

يقال للصبيِّ إذا ولدَ رضيع وطفل، ثمَّ فطيمٌ ثمَّ دارج، ثمَّ يفعةٌ ويافع، ثمَّ شدخ، ثمَّ حزوَّر، ثمَّ مراهق، ثم محتلم، يقال بعد ذلك: بقلَ وجهه، ثمَّ اتَّصلت لحيته، ثمَّ مجتمع، ثم كهلٌ والكهلُ من ثلاثةٌ وثلاثين، ثمَّ طعنَ في السن، ثمَّ خصَّفه القتير أي خالط رأسه الشيب، ثمَّ شمِط ثم شاخ، ثمَّ كبر، ثمَّ توجَّه، ثمَّ دافَ، ثم دلف، ثمَّ دب، ثمَّ عوَّد ثمَّ ثُلِب.

* * * * * * * *

قال الحجَّاج يوما وعنده أصحابه: لا تكتمل لذَّةٌ رجلٍ حتى يتزوَّجَ أربع حرائر فسمع ذلك شاعرٌ من أصحابه يقالُ له الضحَّاك، فعمد إلى كلِّ ما يملك فباعه وتزوَّج أربع نسوةٍ فلم توافقه واحدةٌ منهن، فأتى إلى الحجَّاج فقال: سمعتُك أصلحك الله تقول: لا تجتمعُ لرجلٍ لذةٌ حتى يتزوَّج أربع حرائر فعمدتُ إلى كثيري وقليلي فبعته وتزوَّجتُ أربعا، فلم توافقني واحدةٌ منهن، أما واحدةٌ منهنَّ فلا تعرفُ الله ولا تصلِّي ولا تصوم، والثانية حمقاءُ لا تتمالك، والثالثة مذكَّرةٌ متبرِّجة، والرابعة خرقاء لا تعرِفُ ضرَّها من نفعها. وقد قلتُ فيهنَّ شعرا. قال: هاتِ ما قلت لله أبوك، قال:

تزوَّجتُ أبغي قرَّة العين أربعـــا         فيـا ليتني واللــه لـم أتـزوَّجْ

ويا ليتني أعمـى أصـمَّ ولم أكـن         تزوَّجتُ بـل يا ليتني كنتُ مخدجْ

فواحدةٌ لا تعــرفُ اللهَ ربـــَّها         ولم تدرِ ما التقوى ولا ما التحرُّجْ

وثانيةٌ حمقــاءُ تزنــي مخانـة          تُواثـبُ من مرَّت بـه لا تعرِّ جْ

وثالثـةٌ ما إن تَــوارى بثوبــها         مذكَّـرةٌ مشهـورة تتبــــرَّجْ

ورابعةٌ ورهـاءُ فـي كلِّ أمـرهـا        مفرَّكــةٌ هوجـاء والجــدُّ أهوجُ

فهــنَّ طلاقٌ كلُّهــــن بوائن        ثلاثــاً بتاتاً فاشهـدوا لا أُلجلـِجْ

أمثال وحكم

اختصم الثعلب والأرنب فذهبا إلى الضبِّ في بيته وكان مشهوراً بالحكمة فقالا: يا أبا الحِسل. قال: سميعاً دعوتما. قالا: جئناك محتكمين. قال: عاقلا حكَّمتما. قالا: فاخرجْ إلينا. قال: في بيته يؤتى الحكم. فدخلا فجلسا، فقالت الأرنب: إني وجدتُ تمرة. قال: حلوةٌ فكليها. قالت فأخذها مني الثعلب. قال: لنفسه أراد الخير. قالت: فلطمتُه، قال: بحقِّك أخذت، قالت: فلطمني، قال: كان حرَّاً فانتصر. قالت فاحكم بيننا. قال: قد حكمت. فكل حكمٍ فيه جورٌ يقال: كحكم الضب.

* * * * * * * *

الشجاعة سعة الصدر بالإقدامِ على الأمورِ المختلفة، والصبرُ احتمالُ الأمورِ المؤلمة والمكاره، والسخاء سماحةُ النفس لمستحقِّ البذل، وبذل الرغائب الجليلة في مواضعها، والحلم ترك الانتقام مع القدرة، والحزمُ انتهاز الفرصة.

* * * * * * * *

قيل: ثلاثةٌ لا يصلح فسادهنَّ أبدا: العداوة بين الأقارب، وتحاسد الأكفاء، والضعف عند الملوك، وثلاثٌ لا يفسدُ صلاحهن: العبادة في العلماء، والسخاء في أهلِ الشرف، والقناعة في أهلِ البصيرة. وثلاثةٌ لا يُشبعُ منهن: العافية والحياةُ والمال.

* * * * * * * *

شدائد الدنيا ثلاث:

الشيخوخة مع الوحدة، والمرض في الغربة، وكثرة الدين مع الفقر والدين همٌّ بالليل وذلٌّ بالنهار.

عذب الحديث

أََنتـــُم فُرُوضـــِيِ وَنَفِـلي           أَنتُـــم حَدِيِثــي وَشُغـــلِيِ

يــَــا قِبلَـتيِ فـي صـَلاَتِي           إذَا وَقَفــــتُ أُصــــــلَيِ

جَمَالُـــكُم نَصــبُ عَينــي           إليـــهِ وَجـــٌهتُ كـــــُليِ

وَســـِرُكُم فــي ضَمــيِري          وَالقلبُ طــــُورُ التٌجَــــليِ

آنسـتُ في الحــــيَ نــارا           لَيـــلاً فَبشــرتُ أهــــلِيِ

قُــلـتُ امكُثـــــُوا فَلعـَلي          أجــِـــد هـــُدَايَ لَعـــليِ

دَنَـــوتُ مِنهـــَا فَكَانـــَت           نــــــَارَ المُكـــلمِ قـَـبلِيِ

نـــُوديـتُ مِنــهَا كِفَاحـــَا          رُدُوا لَيـَـــالِيَ وَصــــــلِي

حتى إذا مَا تَــــدَانَي الــــ          مِيقَاتُ فــــــي جَمعِ شَمــليِ

صـَـارَت جِبــَاليَ دَكـــــا         مـــن هَيــــبَةِ المُتَجــلـيِ

وَلاحَ سِــــرٌ خـَــــفــِي         يَـــــدريهِ مَــن كَانَ مثــليِ

وَصِرتُ موســى زَمَـــــاني          مـــذ صَـــارَ بَعــضِي كُليِ

فَالمَــــــوتُ فِيهِ حَيـــاتـِي        وفـــي حَيـــَاتِيَ قَـتـــليِ

أَنَــــــا الفَقِــيرُ المُعـَـنـي        رِقـــــوا لِحَــــاليِ وَذُلـيَ

ديوان إبن الفارض (رضي الله عنه)