التوسل - 1

من وحي علموا عني - 2

بالحقائق ناطقين

 

التوسل - 1

تعريف مفهوم التوسل

 

الحمد لله الذي جعل نوراً ليهتدى به في ظلمات الجهالة، فلولا العلم لضل الناس طريق الحق والاستقامة، لذا فإن المولى تبارك وتعالى يرفع أهل العلم درجات لأنهم صاروا مصابيح الهدى وكواكب الدجى ينيرون الطريق لطالبي المعرفة.

وهذه رسالة إلى كل من يدعى أنه يعلم كل شيء. ولكل من يدعي أنه يعرف كل شيء، وإلى كل من يدعى الصواب في كل شيء، نقول لكل هؤلاء وغيرهم تواضعوا، فقد غلقتم على أنفسكم بهذا القول باب العلم والمعرفة، وتذكروا قول من قال: (تواضع لرب العرش علّك ترفع، فما خاب عبد للمهيمن يخضع، وداوى قلبك بذكر الله فإنه لأشفى دواء للقلوب وأنفع)، وحقاً إن ذكر الله ينور القلوب فإذا استأثرت القلوب، أصبحت وعاءاً نقياً، ومحلاً طاهراً لنفائس العلوم، فبغير هذا النور ترى المدعين يتخبطون في ظلمات الجهل والإنكار والاستهانة بغيرهم من حملة العلم والمعرفة، فعلي كل من يطلب العلم والمعرفة تطهير قلبه وتزكيه نفسه وترك المعاصي أولاً فهذه كلها عوائق في طريق طلب العلم وتحصيله، ورحم الله أمامنا الشافعي حيث قال: (شكوت إلى وكيع سوء حفظي، فأرشدني بترك المعاصي، وأخبرني بأن العلم نور، ونور الله لا يُهدى لعاصي)، ومن المعوقات أيضاً أن كل من عنده شيء من العلم أو قليل من العلم يكتفي بذلك ويتوقف عن طلب العلم، وهذا خطأ كبير!. فقد قال رسولنا المعلم صلوات الله عليه: (أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد)، فمن هذا الحديث يجب أن يكون الإنسان دائماً وأبداً في طلب العلم أو طلب الزيادة من العلم، كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وقل رب زدني علما}، علماً بأنه أعلم خلق الله على الإطلاق، ولكن الله طلب منه صلوات الله عليه أن يطلب المزيد، لأن العلم لا يقف عند حد، لذا فهو صلوات الله عليه يُرغب كثيراً في طلب العلم، فيقول: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع)، وقال صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيراً يفقهه في  الدين)، وغير ذلك كثير، ومن المعوقات لطالب العلم أن يظن أنه بلغ من العلم ما جعله فوق غيره ولا أحداً أعلم منه، وهذا خطأ كبير، لقول الله عز وجل {وفوق كل ذي علم عليم} فهيا يا طالب العلم، أطلب العلم من منابعه الطيبة الطاهرة من أهل النسب الشريف والاعتقاد الصحيح بأهل القلوب الصافية ممن ثبتت لهم الأمانة وثبتت لهم الكرامة، وأجمعت الأمة على صدق ما قالوه وفعلوه، سواء كانوا من أهل التفسير أو الفقه أو أهل القرآن أو أهل الذكر والسير إلى الله، أو أهل الحديث، فلكل صنف من أصناف هذه العلوم أئمة معتمدين ومذكورين ومشكورين يُقتدى ويُهتدى بهم، فإ اقتدينا بهم سلكنا أسلم طريق، لما عندهم أوضح الأدلة وأبلغ بيان وساطع البرهان، والدين كله علم وعمل ودليل وبرهان ولأجل هذه المبادئ السامية.

وعندما كثُر، الإنكار والاعتراض في أيامنا على كثير من أمور الدين بغير دليل ولا حجة فقد نهض بعض أفراد هذه الأمة بعون الله وتوفيقه بأعداد رسائل فيها مسائل تهم أمور المسلمين، فيها الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، وإجماع الأمة أو قول صحابي أو قول إمام معتمد، لأجل وحدة الصف، وتنقيه الفتاوى مما علق بها من شوائب، وإصلاح ما فسد، وإقامة من هدمه، وإحياء لتعاليم هذا الدين العظيم السمحة، وعلى الله قصد السبيل وهو ولي التوفيق.

ومن الموضوعات التي تحتاج التصحيح والتنقيح والفهم الصحيح موضوع التوسل، فأهل الإنكار منهم من يقول أن التوسل شرك، ومنهم من يقول أن التوسل بالعمل الصالح فقط، ومنهم من يقول ليس هناك توسل وهكذا اعتراضات كثيرة، بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، وما لنا في الدين يا إخوانا إلا قول الله أو قول الرسول فمن لم يأت على قوله أو إدعاءه بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا إلتفات لقوله، لذا نشرع بعون الله وتوفيقه أولاً وآخراً في الحديث عن هذا الموضوع وأدلته من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وها هي الأدلة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار والله الموفق.

المفهوم الأول: أن التوسل هو أحد طرق الدعاء وباب من أبواب التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، فالمقصود الأصلي الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، والمتوسل به إنما هو واسطة ووسيلة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ومعناه أيضاً هو السبب الذي يوصلك إلى المسبب.

المفهوم الثاني: أن المتوسل ما توسل بهذه الواسطة إلا لمحبته لها واعتقاده أن الله سبحانه وتعالى يحبها.

المفهوم الثالث: أنه يجب على المتوسل أن يختار في توسله الرسل والأنبياء والأولياء أهل الفضل والمحبة والعمل الصالح والمقبول عند الله.

المفهوم الرابع: يُشرع التوسل بأسماء الله الحسنى وبالأعمال الصالحة كلها، وإعلم أن من توسل بشخص ما فهو لأنه يحبه، إذ يعتقد صلاحه وولايته وفضله تحسيناً للظن به، أولاً لأنه يعتقد أن هذا الشخص محب لله سبحانه وتعالى يُجاهد في سبيله، أو لأنه يعتقد أن الله تعالى يحبه كما قال الله تعالى {يحبهم ويحبونه}، أو لإعتقاده هذه الأمور كلها في الشخص المتوسل به، وإذا تدبرت الأمر وجدت أن هذه المحبة وذلك الاعتقاد من عمل المتوسل لأنه اعتقاده الذي انعقد عليه قلبه فهو منسوب إليه ومسؤول عنه ومثاب عليه، وكأنه يقول: ( يا رب إني أحب فلاناً وأعتقد أنه يحبك وهو مخلص لك ويجاهد في سبيلك، وأعتقد أنك تحبه وأنت راض عنه، فأتوسل إليك بمحبتي له وبإعتقادي فيه أن تفعل كذا وكذا)، ولكن أكثر المتوسلين يتسامحون في التصريح بهذا الأمر مكتفين بعلم من لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فمن قال: (اللهم إني أتوسل إليك بنبيك)، هو ومن قال: (اللهم إني أتوسل إليك بمحبتي لنبيك) سواء بسواء، لأن الأول ما أقدم على هذا إلا لمحبته وإيمانه بنبيه، ولولا المحبة له والإيمان به ما توسل به، وهكذا يقال في حق غيره صلى الله عليه وسلم من أولياء الأمة.

عوض عبداللطيف - الاسكندرية

 

من وحي علموا عني - 2

تصوف اليوم وتصوف الأمس

حينما تقرأ كتب الصوفية القدامى، تجد أشياء لايمكن لأى إنسان أن يتصورها، فقد كانت آدابهم شديدة وصعبة، كما كان لكل مرشد عدد محدود، ولا يستطيع أن يضم مريداً جديداً إلا بعد أن يتخرج أحد المريدين الذين يخدمون الخلوة. وبعد ظهور أسيادنا الأقطاب الأربعة، تحملوا متاعب الموضوع كله، وأصبح التصوف سهلاً وميسورا، لأنهم المتخصصون فـي مجال التصوف، والقصة كلها تبدأ، حينما استظلَّ سيدنا النبى وهو عائد من إحدى الغزوات فنزلت عليه الآية: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} العنكبوت 69 سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم اهتز، وأسيادنا الصحابة سألوه، فقرأ الآية وقال رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، فقالوا: وما الجهاد الأكبر يارسول الله؟ قال جهاد النفس ، إذن جهاد النفس أعظم عند الله من الجهاد فـي سبيله، وللمتأمل... لماذا سمى جهاد النفس أو الجهاد فـي الله بالجهاد الأكبر؟، يجب أن نقارن بين الجهاد الأصغر والأكبر، فـي نظام الجهاد لابد من قائد، والقائد هو العم المرشد فـي التصوف، ولابد من خيول هذه الخيول تمثل بالهمة.... لأن القلب إذا انشغل بالدنيا يصبح فـي (هم)، وإذا اتبع إبليس أصبح فـي (هوى)، وإذا انشغل بما قاله الله ورسوله أصبح فـي (همة) (وعلو الهمة من الإيمان)، ولابد من سيوف وحراب فكان الاسم (الله)، والحرب ما بين الهوى والروح، هذا ملك وهذا ملك، وهذا مدعى ألوهية وهذا مدعى ألوهية، وإذا كان لابد للملك من وزراء، فالروح وزيره التوحيد وجنوده الملائكة، والهوى وزيره النفس وجنوده الأباليس. ولابد للمحارب من درع فكانت الأوراد والأحزاب، وفى طريقتنا نقول (مريد عنده همة عالية، الأساس والفواتح والأوراد المربوطه، وذكر الليل، والمراقبة إذن لابد له من تحصين يكون له بمثابة الدرع ألا وهو الحزب السيفى).

أما قوله سبحانه تعالى {إن كل نفس لما عليها حافظ} الطارق 4، فهذا هوالحفظ العام لجميع الصنف البشرى، أما قوله سبحانه تعالى {لكل أواب حفيظ} ق 32، فالإياب يعنى الرجوع، فالله تبارك وتعالى خلق الصنف البشرى فـي الملأ الأعلى، ثم أنزلهم إلى الملأ الأدنى، ثم فتح لهم السكة للرجوع إليه مرة ثانية وهذا هو الإياب، وعليه عندما يكون المريد فـي السير (الإياب أو الجهاد الأكبر) تقوم ملائكة الحفظ معه لايفارقونه إلا بوصوله.

ولا تلتفت للغير يوما ����� فكل ما سوى الله غير

فإتخذ ذكــره حصنــاً

وبعد الإشارة إلى الجهاد الأكبر والسير إلى الله، فكيف أصبح التصوف سهلا؟ نقول مثلا... مولانا الشيخ ذكر بالاسم الله وورده فـي 60 سنة، وربنا سبحانه وتعالى أوعد وقال {إن اللذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة} فصلت 30، إذن نزول الملائكة مؤكد ولابد منه، فإذا مولانا الشيخ أعطى ذكر الاسم لـ(على)، فلابد أن (على) سيورده فـي 30 سنة، لأن كل الأسلحة والجواهر التى حصل عليها مولانا الشيخ سيعطيها لـ(على)، لنفرض أن (على) أعطى ذكر الإسم لـ(محمد)، فلابد أنه سيعطيه كل الأسلحة والجـواهر التى أعطاها له مولانا الشيخ وأيضاً التى حصل عليها، فلابد أن(محمد) سوف يصل فـي 15 سنة،(محمد) هو الآخر أعطاه لـ (سيد)،(سيد) أعطاه لـ(معاوية).....وأخيراًهناك الكثير من الأسرار الموقوفة على الذكر فـي 7 أيام أو فـي 14 يوما، وأعلى شئ 70 يوم.

لطفى عيد

بالحقائق ناطقين

العلاقات الأسرية - 1

المجتمعات المعاصرة فـي عالم اليوم أصبحت تتزايد فيها التغييرات زيادة مطردة فـي شتى المجالات المتعددة من مختلف ضروب الحياة من علاقات اجتماعية وعلاقات اجتماعية وإدارية وغيرها، ومن بين أهم وأخطر هذه التغييرات التي طرأت فـي جانب العلاقات الأسرية داخل الأسرة الواحدة، وبما أن هذه التغييرات تتم فـي شتى المجالات بما يواكب مقتضيات المرحلة المطلوبة إلا أن التغيير فـي شكل علاقة الأفراد داخل الأسرة الواحدة يعتبر من الأمور العظيمة التي لا يمكن تجاوزها لما للأسرة من أهمية بالغة ولا سيما أنها النواة الحقيقية للمجتمع ككل فـي المحك الحقيقي لتشكيل كينونة الفرد. والشيء المألوف والمتعارف عليه منذ أمد بعيد أن للأسرة الإسلامية والأسرة العربية طابع وسمة عميقة تميزها لا نجدها فـي كثير من المجتمعات الأخرى، ولكن إذا نظرنا بعين متفحصة إلى شكل الأسرة فـي مجتمع اليوم نجد وبصورة واضحة للعيان أن الجو العائلي داخل الأسرة الواحدة أصبح فاتراً والارتباط العاطفي والتآخي بين الآباء والأبناء وبين الأبناء أنفسهم وكذلك الزوجين قلَّ إلا فـي بعض الأسر وترتب على ذلك وجود فجوة كبيرة حالت دون التواصل الوجداني بين أفراد الأسرة الواحدة وقد تكون العوامل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لها دور كبير فـي خلق هذا الفتور والجمود الوجداني إلا أن الظمأ الروحي هو صاحب القدر المعلى فـي هذا الجمود لأن تزكية الأرواح هو تنوير القلوب تسمو بالأفراد نحو معالم الإنسانية بتحقيق القيم الإيمانية والتي تشكلها المحبة الروحية وتكون بمثابة قاعدة مشتركة تنطلق من خلالها الأسرة المثالية.

وللحديث بقية

هادية الشلالي