التوسل - 1
تعريف مفهوم التوسل
الحمد لله الذي جعل
نوراً ليهتدى به في ظلمات الجهالة، فلولا العلم لضل الناس طريق الحق والاستقامة،
لذا فإن المولى تبارك وتعالى يرفع أهل العلم درجات لأنهم صاروا مصابيح الهدى وكواكب
الدجى ينيرون الطريق لطالبي المعرفة.
وهذه رسالة إلى كل من
يدعى أنه يعلم كل شيء. ولكل من يدعي أنه يعرف كل شيء، وإلى كل من يدعى الصواب في كل
شيء، نقول لكل هؤلاء وغيرهم تواضعوا، فقد غلقتم على أنفسكم بهذا القول باب العلم
والمعرفة، وتذكروا قول من قال: (تواضع لرب العرش علّك ترفع، فما خاب عبد للمهيمن
يخضع، وداوى قلبك بذكر الله فإنه لأشفى دواء للقلوب وأنفع)، وحقاً إن ذكر الله ينور
القلوب فإذا استأثرت القلوب، أصبحت وعاءاً نقياً، ومحلاً طاهراً لنفائس العلوم،
فبغير هذا النور ترى المدعين يتخبطون في ظلمات الجهل والإنكار والاستهانة بغيرهم من
حملة العلم والمعرفة، فعلي كل من يطلب العلم والمعرفة تطهير قلبه وتزكيه نفسه وترك
المعاصي أولاً فهذه كلها عوائق في طريق طلب العلم وتحصيله، ورحم الله أمامنا
الشافعي حيث قال: (شكوت إلى وكيع سوء حفظي، فأرشدني بترك المعاصي، وأخبرني بأن
العلم نور، ونور الله لا يُهدى لعاصي)، ومن المعوقات أيضاً أن كل من عنده شيء من
العلم أو قليل من العلم يكتفي بذلك ويتوقف عن طلب العلم، وهذا خطأ كبير!.
فقد قال رسولنا المعلم صلوات الله عليه: (أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد)، فمن
هذا الحديث يجب أن يكون الإنسان دائماً وأبداً في طلب العلم أو طلب الزيادة من
العلم، كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وقل رب زدني علما}، علماً
بأنه أعلم خلق الله على الإطلاق، ولكن الله طلب منه صلوات الله عليه أن يطلب
المزيد، لأن العلم لا يقف عند حد، لذا فهو صلوات الله عليه يُرغب كثيراً في طلب
العلم، فيقول: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن
الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع)، وقال صلى الله عليه وسلم (من
يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، وغير ذلك كثير، ومن المعوقات لطالب العلم
أن يظن أنه بلغ من العلم ما جعله فوق غيره ولا أحداً أعلم منه، وهذا خطأ كبير، لقول
الله عز وجل {وفوق كل ذي علم عليم} فهيا يا طالب العلم، أطلب العلم من منابعه
الطيبة الطاهرة من أهل النسب الشريف والاعتقاد الصحيح بأهل القلوب الصافية ممن ثبتت
لهم الأمانة وثبتت لهم الكرامة، وأجمعت الأمة على صدق ما قالوه وفعلوه، سواء كانوا
من أهل التفسير أو الفقه أو أهل القرآن أو أهل الذكر والسير إلى الله، أو أهل
الحديث، فلكل صنف من أصناف هذه العلوم أئمة معتمدين ومذكورين ومشكورين يُقتدى
ويُهتدى بهم، فإ اقتدينا بهم سلكنا أسلم طريق، لما عندهم أوضح الأدلة وأبلغ بيان
وساطع البرهان، والدين كله علم وعمل ودليل وبرهان ولأجل هذه المبادئ السامية.
وعندما كثُر، الإنكار
والاعتراض في أيامنا على كثير من أمور الدين بغير دليل ولا حجة فقد نهض بعض أفراد
هذه الأمة بعون الله وتوفيقه بأعداد رسائل فيها مسائل تهم أمور المسلمين، فيها
الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، وإجماع الأمة أو قول صحابي أو قول إمام معتمد،
لأجل وحدة الصف، وتنقيه الفتاوى مما علق بها من شوائب، وإصلاح ما فسد، وإقامة من
هدمه، وإحياء لتعاليم هذا الدين العظيم السمحة، وعلى الله قصد السبيل وهو ولي
التوفيق.
ومن الموضوعات التي
تحتاج التصحيح والتنقيح والفهم الصحيح موضوع التوسل، فأهل الإنكار منهم من يقول أن
التوسل شرك، ومنهم من يقول أن التوسل بالعمل الصالح فقط، ومنهم من يقول ليس هناك
توسل وهكذا اعتراضات كثيرة، بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، وما لنا في الدين يا
إخوانا إلا قول الله أو قول الرسول فمن لم يأت على قوله أو إدعاءه بدليل من كتاب
الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا إلتفات لقوله، لذا نشرع بعون الله
وتوفيقه أولاً وآخراً في الحديث عن هذا الموضوع وأدلته من كتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم، وها هي الأدلة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار والله الموفق.
المفهوم الأول: أن
التوسل هو أحد طرق الدعاء وباب من أبواب التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، فالمقصود
الأصلي الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، والمتوسل به إنما هو واسطة ووسيلة للتقرب
إلى الله سبحانه وتعالى، ومعناه أيضاً هو السبب الذي يوصلك إلى المسبب.
المفهوم الثاني: أن
المتوسل ما توسل بهذه الواسطة إلا لمحبته لها واعتقاده أن الله سبحانه وتعالى
يحبها.
المفهوم الثالث: أنه يجب
على المتوسل أن يختار في توسله الرسل والأنبياء والأولياء أهل الفضل والمحبة والعمل
الصالح والمقبول عند الله.
المفهوم الرابع: يُشرع
التوسل بأسماء الله الحسنى وبالأعمال الصالحة كلها، وإعلم أن من توسل بشخص ما فهو
لأنه يحبه، إذ يعتقد صلاحه وولايته وفضله تحسيناً للظن به، أولاً لأنه يعتقد أن هذا
الشخص محب لله سبحانه وتعالى يُجاهد في سبيله، أو لأنه يعتقد أن الله تعالى يحبه
كما قال الله تعالى {يحبهم ويحبونه}، أو لإعتقاده هذه الأمور كلها في الشخص المتوسل
به، وإذا تدبرت الأمر وجدت أن هذه المحبة وذلك الاعتقاد من عمل المتوسل لأنه
اعتقاده الذي انعقد عليه قلبه فهو منسوب إليه ومسؤول عنه ومثاب عليه، وكأنه يقول: (
يا رب إني أحب فلاناً وأعتقد أنه يحبك وهو مخلص لك ويجاهد في سبيلك، وأعتقد أنك
تحبه وأنت راض عنه، فأتوسل إليك بمحبتي له وبإعتقادي فيه أن تفعل كذا وكذا)، ولكن
أكثر المتوسلين يتسامحون في التصريح بهذا الأمر مكتفين بعلم من لا تخفي عليه خافية
في الأرض ولا في السماء يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فمن قال: (اللهم إني
أتوسل إليك بنبيك)، هو ومن قال: (اللهم إني أتوسل إليك بمحبتي لنبيك) سواء بسواء،
لأن الأول ما أقدم على هذا إلا لمحبته وإيمانه بنبيه، ولولا المحبة له والإيمان به
ما توسل به، وهكذا يقال في حق غيره صلى الله عليه وسلم من أولياء الأمة.
عوض
عبداللطيف - الاسكندرية
|