من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني - 17

المتشاكسون - 1

 

من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني - 17

وأخبرني الشيخ أبوعبدالله بن الحاج قال أخبرني الشيخ أبوزكريا يحيى البلنسي قال صحبت الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضــي الله عنه ثم سافرت إلى الأندلس، فقال لي الشيخ أبوالحسن عند وداعي إياه. إذا وصلت إلى الأندلس فاجتمع بالشيخ أبي العباس بن مكنون. فإن أبا العباس بن مكنون اطلع على الوجود وعرف حيث هو ولم يطلع الـناس علي أبي العباس فيعلمون حيـث هو. قال فلما جئت إلى الأندلس جئت إلى الشيخ أبي العباس بن مكنون. فحين وقع بصره علي، قال لي ولم يعرفني قبل جئت يا يحيى الحمد لله على اجتماعك بقطب الزمان يا يحيى الذي أخبرك به الشيخ أبوالحسن، لا تخبر به أحداً. وأخبرني رشيد الدين بن الــرايس قال تخاصمت أنا وبعض أصحاب المشايخ فأتيت إلى الشيخ أبي الحسن فذكرت مقاولتنا له فقال الشيخ كنت تقول له أنا رباني القطب ومن رباه القطب رباه أربعون بدلاً. وأخبرني والدي رحمه الله قال دخلت على الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه فسمعته يقول: والله لقد تسألوني عن المسألة لا يكون لها جواب فأرى الجواب مسطراً في الدواة والحصير والحائط، وأخبرني بعض أصحابنا قال قال الشيخ أبوالحسن يوماً والله إنه لينزل عليَّ المدد فأرى سريانه في الحوت في الماء.. والطائر في الهواء.. وكان الشيخ أمين الدين جبريل حاضراً فقال للشيخ أبي الحسن. فأنت إذاً القطب فأنت إذاً القطب؟ فقال الشيخ أبوالحسن أنا عبدالله. أنا عبدالله. وأخبرني بعض أصحابنا قال قال الشيخ أبوالحسن الشاذلي والله ما ولى الله ولياً إلا وضع حبه في قلبي قبل أن يوليه، ولا رفض عبداً إلا وألقى الله بغضه في قلبي قبل أن يرفضه. وأخبرني بعض أصحابنا قال لما رجع الشيخ أبوالحسن من الحج، أتى إلى الشيخ الإمام عز الدين بن عبدالسلام قبل أن يأتي منزله، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم يسلم عليك قال فاستصغر الشيخ عز الدين نفسه أن يكون أهلاً لذلك قال. فدعي الشيخ عز الدين إلى خانقات الصوفية بالقاهرة وحضر معه الشيخ محيي الدين بن سراقة وأبوالعلم ياسين أحد أصحاب الشيخ العارف بالله محيي الدين بن عربي فقال الشيخ محيي الدين ابن سراقة للشيخ عز الدين ليهنكم ما سمعنا يا سيدي والله إن هذا لشيء يفرح به أن يكون في هذا الزمن من يسلم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الشيخ عز الدين الله يسترنا فقال الشيخ أبوالعلم ياسين اللهم افضحنا حتى يتبين المحق من المبطل ثم أشاروا للقوال أن يقول وهو من البعد بحيث لا يسمع ما دار بينهم فكان أول ما قال صدق المحدث والحديث كما جرى وحديث أهل الحق ما لا يفترى فقام الشيخ عز الدين، وطـاب وقته وقام الجميع لقيامه.

وأخبرني الفقيه مكين الدين الأسمر رضي الله عنه. قال سمعت مخاطبة الحق فقلت له يا سيدي كيف كان ذلك؟ فقال كان في الاسكندرية بعض الصالحين صحب الشيخ أبا الحسن. ثم كثر عليه ما سمعه منه من العلوم الجليلة والمخرقات. فلم يسع ذلك عقله فانقطع عن الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه فإذا ليلة من الليالي وأنا أسمع أن فلاناً دعانا في هذا الوقت بست دعوات. فإن أراد أن يستجاب له فليوال الشيخ أبا الحسن الشاذلي. دعانا بكذا دعانا بكذا. حتى عينت لي الست دعوات. قال ثم انفصل الخطاب عني فنظرت إلى المتوسط في ذلك الوقت فعرفت الوقت الذي كان ذلك الرجل دعا فيه ثم أصبحت فذهبت إلى ذلك الرجل. فقلت له دعوت الله البارحة بست دعوات. دعوته بكذا إلى أن عددت له الست دعوات. فقال نعم، فقلت له أتريد أن يستجاب لك. قال ومن لي بذلك فقلت له قيل لي إن أراد أن يستجاب له فليوال الشيخ أبا الحسن الشاذلي. وسمعت شيخنا أبا العباس يقول: كان الشيخ قد قال لي إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل من أحد شيئاً. فمكثت على ذلك سنة. ثم قال لي إن أردت أن تكون من أصحابي. فلا تقبل من أحد شيئاً. فكان إذا اشتد الوقت عليَّ أخرج إلى ساحل بحر الاسكندرية ألتقط ما يرميه البحر بالساحل من القمح حين يرفع من المراكب فأنا يوماً على ذلك وإذا عبدالقادر النقاد وكان من أولياء الله يفعل كفعلي فقال لي اطلعت البارحة على مقام الشيخ أبي الحسن فقلت له وأين مقام الشيخ؟ فقال عند العرش. فقلت له: ذاك مقامك تنزل لك الشيخ فيه حتى رأيته. ثم دخلت أنا وهو على الشيخ. فلما استقر بنا المجلس. قال الشيخ رضي الله عنه رأيت البارحة عبد القادر النقاد في المنام. فقال لي أعرشي أنت أم كرسي. فقلت له: دع عنك ذا الطينة أرضية والنفس سماوية، والقلب عرشي، والروح كرسي، والسر مع الله، بلا أين، والأمر يتنزل فيما بين ذلك، ويتلوه الشاهد منه. وقدم بعض الدالين على الله إلى الاسكندرية فقال الشيخ مكين الدين الأسمر هذا الرجل، يدعو الناس إلى باب الله. وكان الشيخ أبوالحسن يدخلهم على الله. وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه. كنت مع الشيخ أبي الحسن بالقيروان. وكان شهر رمضان. وكانت ليلة جمعة وكانت سبعة وعشرين. فذهب الشيخ إلى الجامع، وذهبت معه. فلما دخل الجامع وأحرم، رأيت الأولياء يتساقطون عليه، كما يتساقط الذباب على العسل، فلما أصبحنا وخرجنا من الجامع قال الشيخ ما كانت البارحة إلا ليلة عظيمة.

وكانت ليلة القـدر، ورأيت الرسول صلى الله عليـه وسـلم وهو يقول يا علي طهـر ثيابك من الدنس تحظ بمـدد الله في كل نفس. قلت يا رسول الله وما ثيابي؟ قال: أعلم أن الله قد خلع عليك خمس خلع خلعة المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحيد وخلعة الإيمان وخلعة الإسلام. فمن أحب الله هان عليه كل شيء. ومن عرف الله، صغر لديه كل شيء. ومن وحد الله، لم يشرك به شيء.

ومن آمن بالله أمن من كل شيء، ومن أسلم لله، ما يعصيه. وإن عصاه اعتذر إليه، وإن اعتذر إليه، قبل عذره، ففهمت حينئذ معنى قوله عز وجل {وثيابك فطهر} وقال الشيخ أبوالعباس رضي الله عنه جُلْتُ في ملكوت الله فرأيت أبا مدين متعلقاً بساق العرش. وهو رجل أشقر أزرق العينين. فقلت له: ما علومك وما مقامك؟ فقال: أما علومي فأحد وسبعون علماً، وأما مقامي فرابع الخلفاء، ورأس السبعة الأبدال. قلت له فما تقول في شيخي أبي الحسن الشاذلي، قال زائد عليَّ بأربعين علماً، هو البحر الذي لا يحاط به. وأخبرني بعض أصحابنا. قال: قيل للشيخ أبي الحسن من هو شيخك يا سيدي؟ فقال: كنت أنتسب إلى الشيخ عبد السلام ابن بشيش. وأنا الآن لا أنتسب لأحد. بل أعوم في عشرة أبحر. خمسة من الآدميين: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وخمسة من الروحانيين، جبريل، وميكائيل، واسرافيل، وعزرائيل، والروح الأكبر. وأخبرني ولده سيدنا ومولانا الإمام العارف شهاب الدين أحمد. قال قال الشيخ عند موته، والله لقد جئت في هذا الطريق بما لم يأت به أحد. ومن الأمر المشهور أنه لما دفن بحميثرا وغسل من مائها كثُر الماء بعد ذلك وعذب حتى صار يكفي الركب إذا نزل عليه. ولم يكن قبل ذلك كذلك. وكتب إلي الشيخ أبوعبدالله بن النعمان رضي الله عنه. أبياتاً يوصيني فيها بالشيخ أبي العباس رضي الله عنه منها:

عطاء إله العرش في الثغر أحمد        سررت به الصحب فالله أحمـد

ثم يقول في الشيخ أبي العباس رضي الله عنه:

ووارث علم الشاذلي حقيقـة       وذلك قطب فاعلموه وأوحـد

رأيت له بعد الممات عجائبـا      تدل على من كان للفتح يجحد

فالذي عني الشيخ أبوعبدالله بقوله رأيت له بعد الممات عجائباً أن الماء حلى فوق ما كان وكثُر لما غُسِّل منه وأخبرني بعض أصحابنا، قال قال الشيخ، قيل لي ما على وجه الأرض مجلس في الفقه، أبهى من مجلس الشيخ عز الدين بن عبدالسلام، ولا على وجه الأرض مجلس في علم الحديث أبهى من مجلس الشيخ زكي الدين عبدالعظيم، ولا على وجه الأرض مجلس فـي علم الحقائق أبهى من مجلسك. وقال الشيخ أبوالعباس رضي الله عنه لما نزلت بتـونس حين أتيت من مرسيه، وأنا إذ ذاك شاب فسمعت بذكر الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، فقال لي رجل تمضي بنا إليه؟ قلت حتى أستخير الله فنمت تلك الليلة. فرأيت كأني أصعد إلى رأس جبل فلما علوت فوقه رأيت هنالك رجلاً عليه برنس أخضر وهو جالس وعن يمينه رجل وعن يساره رجل فنظرت إليه فقال لي عثرت على خليفة الزمان. قال: فانتبهت. فلما كان بعد صلاة الصبح، أتاني الرجل الذي دعاني إلى زيارة الشيخ. فسرت معه فلما دخلنا على الشيخ، رأيته على الصفة التي رأيته فوق الجبل. قال فدهشت. فقال لي عثرت على خليفة الزمان ما اسمك فذكرت له اسمي ونسبي. فقال لي رفعت إليَّ منذ عشرة أعوام. وقال الشيخ أبوالعباس رضي الله عنه لما قدمنا من المغرب إلى الإسكندرية، نزلنا عند عمود السواري، من ظاهرها وكان وصولنا عند اصفرار الشمس، وكانت بنا فاقة وجوع شـديد، فبعث لنا رجل من عدول الاسكندرية طعاماً، فلما قيل للشيخ عنه قال: لا يأكل أحد منه شيـئاً، فبتنا على ما نحن عليه من الجـوع، فلما كان عند الصبح صلى بنا الشيخ وقال: مدوا السمـاط، وأحضروا ذلك الطعام، ففعلنا، وتقدمنا فأكلنا، فقال الشيخ رضي الله عنه: رأيت في المنام قائلاً يقول لي: أحل الحلال ما لم يخطر لك على بال. ولا سألت فيه أحداً من النساء والرجال.

السابق

 

المتشاكسون - 1

إن أمر الدين كله غيب فكان واقع الحال أيضا لا بد من التمييز فى مراتب الدين، وقال الإمام فخر الدين: إن أمر الدين مبنى على ثلاثة مراتب من حيث، الإسلام، الإيمان، الإحسان. فالإسلام علم يقين، والعبادة فيه بالجوارح. والإيمان عين يقين، والعبادة فيه بالقلب. والإحسان حق يقين، والعبادة فيه بالروح.

أو إذا شئت فقل:

الإسـلام شـريـعـة

أو                                      

الإسلام أقوال فقهـيـة

الإيـمـان طـريـقـة

الإيمان أقوال أصـولية

الإحسان حـقـيـقـة

الإحسان أقوال حقيقية

فالأمر لا يقتصر على الدين من حيث الأعمال فى مرتبة الإسلام من التكاليف الشرعية والوقوف عندها، فإن الأمر الذى غفل عنه الكثير هو التخلق بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم خاصة أن الدين ليس تعلقا ولكنه تخلق وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر بقوله (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وقال أيضا (تخلقوا بأخلاق الله) وقد ميز الإمام فخر الدين الأخلاق النبوية فقال رضى الله عنه: هى أربع مراتب من مراتب الإحسان، أولها: التوفيق {وماتوفيقى إلا بالله} ثانيها:التفويض {وأفوض أمرى الى الله}. ثالثها:التوكل {توكلت على الله}.

رابعها:التسليم {أسلمت وجهى لله}. فاعلم هداك الله أن الأمر عزيز وليس كما يدعى أصحاب الرأى والفكر، فالسؤال الذى يطرح نفسه الآن كيفية التخلق بأخلاق النبى صلى الله عليه وسلم وهل يوجد مدخل من حيث ظاهر الأمر التشريعى فى المرتبة الأولى من صلاة وصوم وزكاة وحج ؟.

نعم: فلا بد لكل مسلم أن يعلم أن لكل أمر تعبدىّ أمرنا به الحق لا بد له من حقيقة فإذا كان الإحسان ختم المراتب وهى الأربع مراتب التى ميزها الشيخ والتى تتعلق بأخلاق النبى صلى الله عليه وسلم وكان التسليم آخرها فقد أمرنا الحق بقوله سبحانه وتعالى {وكان الإنسان أكثر شئ جدلا} فهو يطالبنا بالتسليم وقال عز من قائل {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}، وقال أيضا {صلوا عليه وسلموا تسليما} وقال سيدنا أنس بن مالك لما نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول الله عرفنا التسليم لك، فكيف نصلى عليك. فالحق يطالبنا بأن نسلم وأن نتخلق بإخلاق النبى صلى الله عليه وسلم، فكان لابد من وجود مدخل ومظهر لهذه الأخلاق، فكما قلنا سابقا أن الإسلام عمل بالجوارح فلا يصح إسلام المرء إلا إذا نطق الشهادة باللسان وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، والشرط هنا باللسان وهو جارحة من جملة جوارح الجسد وهذا هو الركن الأول من أركان الدين والذى لا يصح بدونه صلاة ولا زكاة ولا صوم ولا حج. فكل العبادات أساسها هذا الركن ومن المعلوم أيضا أن كل العبادات فى هذه المرتبة أعمال بدنية وهو دين الله ودين الله أحق بالأداء فظهر لنا من خلال هذه الأركان مظهر للدخول على التخلق بأخلاق النبى صلى الله عليه وسلم والتأدب معه فكان لكل ركن من هذه الأركان نافلة، فما زاد على الركن نسميه نافلة، وهذه النافلة هى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى ظل الفرض والظل عادة يكون على صورة ما ظهر منه وإن لم يكن مثله، فإذا كان لكل ركــن من هذه الأركان نافلة، فأين نافلة الركن الأول وهو: أشهـد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.

 دردشة بالبلدي