واحة الثقافة والأدب

قصص

نفحات وعبر

أمثال وحكم

عذب الحديث

 

قصص

هشام بن عبدالملك وغلام

روي أنه في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك تعاقبت على الناس مدة أمسكت فيها السماء عن المطر فساءت أحوال الناس فتوجه أهل البيداء إلى هشام يطلبون منه العون، فاستقبلهم هشام وكان أحدهم قد اصطحب ولده معه فلما استقبلهم هشام ورأى ذلك الغلام امتعض وغضب وكان فيه غلظة، فنادى حاجبه وقال له في غضب: ما شاء أحد أن يدخل على إلا دخل حتى الصبية. ففهم ذلك الغلام أنه بذلك القول مقصود، فوثب حتى وقب بين يدي هشام وقال:يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى إذا أعطى عبده قلباً حافظاً، ولساناً حافظاً، فقد أعطاه الخير كله، وأن للكلام نشراً وطيا، ولايعرف طيه إلا بنشره، فإن أذن أمير المؤمنين أن أنشره نشرته إن شاء الله! فطرب هشام من الغلام لقوة جنانه وحلاوة بيانه فقال له على الفور، أنشره لله درك. فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، لقد تعاقبت علينا سنون ثلاث.. سنة أذابت الشحم.. وسنة أكلت اللحم.. وسنة دقت العظم. وفي بيوت أموالكم فضل مال. فإن كان للمسلمين فلماذا تمنعونه عن أصحابه؟ وإن كان لله فلما تمنعونه عن عباده؟ وإن كان لكم فتصدقوا به فإن الله يحب المتصدقين.

فعجب هشام وقال: ما ترك الغلام واحدة من الثلاث، وأمر بفتح بيت المال وإعانة الوفود والمحتاجين وأمر للغلام بمائة ألف درهم. وقيل اسمه درواس بن حبيب وكان في العاشرة من عمره.

عمر بن عبدالعزيز وغلام

وروي أن الوفود قدمت لعمر بن عبدالعزيز رحمه الله فاستقبلهم وكان أحدهم اصطحب ولده معه، ولما استقر المجلس استشرف ذلك الغلام للكلام. فقال له عمر، يا بني دع من هو أسن منك يتكلم. فوثب الغلام حتى وقف بين يدي عمر وقال له: يا أمير المؤمنين. لو أن الأمور تقاس بالسن لكان في مجلسنا هذا من هو أحق بمجلسك منك! فأعجب عمر برده، وقال له تكلم يا بني.

قال: يا أمير المؤمنين، نحن وفد التهنئة.. ولسنا وفد الترزئة، فقد أدركنا في زمنك ما طلبنا، وأمنا في ما خفنا.

ففرح عمر بسماع ذلك، وكان بجواره محمد بن كعب القرظي، فقال له: يا أمير المؤمنين لا تغتر بما تستمع فإنك أعرف بنفسك من غيرك، وإن قوماً غرهم الثناء فهووا إلى العذاب. وأعيذك بالله تعالى أن تكون منهم. فبكى عمر وقال: اللهم لا تحرمنا من واعظ.

الفتح بن خاقان

روى ابن عاصم الأندلسي في حدائق الأزاهر أن الخاقان بن أحمد وزير الخليفة العباسي المعتصم مرض واشتد مرضه فتوجه الخليفة إليه يزوره.

وأثناء جلوسه معه أقبل الفتح بن خاقان وكان صبياً صغيراً، وكان يتردد أحياناً مع أبيه على قصر الخلافة. فأراد المعتصم مداعبته فقال له يا فتح أنت جئت مع أبيك عندي مراراً، فهل ترى داري أحسن أم دار أبيك؟ فقال على الفور: ما دمت أنت في دار أبي فهي أحسن! فأعجب برده، ثم رآه ينظر إلى خاتم ثمين في إصبع المعتصم. فقال له:أيعجبك الخاتم؟ قال نعم. قال ألم تر أجمل منه؟ قال: بلى الإصبع التي تلبسه! فأمر أن يملأ فوه دراً.

عبدالله بن الزبير

وروى ابن عاصم في الحدائق أيضاً أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يمر ومعه بعض أصحابه يوماً في إحدى طرقات المدينة ليتعرف أحوال الناس فوجد صبية يلعبون فلما رأوه عرفوه ففروا هنا وهناك إلا طفلاً واحداً ظل واقفاً فاقترب منه عمر فلم يجفل.

فقال له عمر لِمَ لم تفر كما فر أصحابك؟ قال: لم أكن مذنباً فأخافك، ولم يكن الطريق ضيقاً فأفسحه لك! فعجب عمر وقال له: لله أبوك! من أنت؟ قال: أنا عبدالله بن الزبير بن العوام!.

 

نفحات وعبر

المرأة المتكلِّمة بالقرآن

قال عبد الله بن المبارك خرجتُ حاجاً إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيِّه فبينما أنا في بعض الطريق إذا أنا بسواد فاقتربتُ منه فإذا أنا بعجوز عليها درعٌ من صوف وخمارٌ من صوف، فقلت: السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته فقالت: سلامٌ قولاً من ربٍّ رحيم. فقلتُ لها: يرحمك الله ما تصنعين في هذا المكان ؟ قالت: ومن يضللِ الله فلا هاديَ له. فعلمتُ أنها ضالَّةٌ في الطريق. فقلتُ لها أين تريدين ؟ قالت: سبحان الله الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فعلمتُ أنها قضت حجَّها وهي تريد بيتَ المقدِس. فقلتُ لها: منذ كم أنتِ في هذا الموضع: قالت: ثلاثَ ليالٍ سويَّا. فقلت: ما أرى معك طعاماً تأكلين.قالت: هو يطعمُني ويسقيني.فقلت: فبأي شيءٍ تتوضئين ؟ قالت: فإن لم تجدوا ماءً فتيمَّموا صعيداً طيِّبا فقلتُ لها: إنَّ معي طعاماً فهل لك في الأكل ؟ قالت: ثمَّ أتمُّوا الصيام إلى الليل قلت: ليس هذا شهر رمضان ! قالت: ومن تطوَّع خيراً فإنَّ الله شاكرٌ عليم فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر قالت: وإن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون فقلت: لم لا تكلِّمينني مثل ما أكلِّمك ؟ قالت: ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد فقلت: فمن أيِّ الناسِ أنتِ؟ قالت: ولا تقفُ ما ليس لك به علمٌ إنَّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئك كان عنه مسئولا قلت: قد أخطأتُ فاجعليني في حل. قالت: لا تثريب عليكم اليوم يغفرُ الله لكم فقلتُ: فهل لك أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلةَ ؟ فقالت: وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله قال: فأنختُ ناقتي، فقالت: قلْ للمؤمنين يغضوا من أبصارهم فغضضتُ بصري عنها، فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزَّقت ثيابها فقال: وما أصابكم من مصيبة فبما كسَبت أيديكم، فقلتُ لها: اصبري حتى أعقلَها، قالت: ففهَّمناها سليمان فعقلتُ الناقةَ وقلتُ لها: اركبي، فلما ركبت قالت: سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنَّا له مقرنين وإنا إلى ربِّنا لمنقلبون قال: فأخذتُ بزمام الناقة وجعلتُ أسرع وأصيح فقالت: واقصد في مشيك واغضض من صوتك.فجعلتُ أمشي رويداً رويداً وأتغنَّى بالشعر فقال:فاقرأوا ما تيسَّر من القرآن فقلتُ لها: لقد أوتيتِ خيراً كثيرا، قالت: وما يذكَّرُ إلا أولوا الألباب فلما مشيتُ بها قليلاً قلتُ لها: ألك زوجٌ ؟ قالت: يا أيُّهـا الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياءَ إن تُبدَ لكم تسؤكم فسكت ولم أكلِّمها حتى أدركتُ بها القافلة فقلتُ لها: هذه القافلة فمن لك فيها ؟ قالت: المال والبنونَ زينةُ الحياةِ الدنيا فعلمتُ أنَّ لها أولاداً فقلت: وما شأنهم في الحجِّ؟ قالت: وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون فعلمتُ أنهم أدلاَّء الركب فقصدتُ بها القباب والعمارات فقلتُ: هذه القباب فمن لك فيها ؟ قالت: واتخذ الله إبراهيم خليلا وكلَّم الله موسى تكليمايا يحي خذ الكتاب بقوَّة فناديت: يا إبراهيم، يا موسى، يا يحي فخرج إلى شبابٌ كأنَّهم الأقمار قد أقبلوا فلما صلوا وحيوها واستقرَّ بنا المجلسُ قالت: فابعثوا أحدَكم بورِقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيُّها أزكى طعاماً فليأتكم برزقٍ منه فمضى أحدهم فاشترى طعاماً فوضعوه بين يديَّ فقالت: كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيَّام الخالية ، فقلت: الآن طعامكم عليَّ حرامٌ حتى تُخبروني بأمر أمِّكم، فقالوا: هذه أمُّنا لم تتكلَّم منذ أربعين سنةً بغير القرآن مخافة أن تَزلَّ فيسخط عليها الرحمن، فسبحان القادر على ما يشاء، فقلت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاءُ والله ذو الفضل العظيم.

أمثال وحكم

كان لشاعرٍ عدو فبينما هو سائر ذات يومٍ في بعض الطرق إذا هو بعدوِّه فعلم الشاعرُ أنَّ عدوَّه قاتله لا محالة، فقال له: يا هذا أنا أعلمُ أنَّ المنيَّة قد حضرت، ولكن سألتك بالله إذا قتلتني أن تمضي إلى داري وتقف على الباب وتقولُ لابنتيَّ: ألا يا أيُّها البنتان إنَّ أباكما، فقتله ثمَّ مضى إلى داره ووقف بالباب وقال: ألا أيُّها البنتان إنَّ أباكما فأجابتا بفمٍ واحد: قتيلٌ خذا بالثأر ممن أتاكما، ثمَّ تعلَّقتا بالرجل ورفعتا أمره إلى الحاكم، فاستقرره فأقرَّ بقتله فقتله.

*********

قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلَّمت الحلم ؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، رأيته قاعداً بفناء داره محتبياً بحمائل سيفه يحدِّث قومه فأتي برجلٍ مكتوف ورجلٍ مقتول، فقيل له: هذا ابنُ أخيك قتلَ ابنك. فوالله ما حلَّ حبوته ولا قطع كلامه ثمَّ التفت إلى ابن أخيه فقال له: يا بن أخي أسأت إلى رحمك، ورميتَ نفسك بسهمك وقتلت ابن عمِّك.، ثمَّ قال لابنٍ له آخر: قم يا بُنيَّ فحُلَّ كِتافَ ابنِ عمِّك ووارِ أخاك وسًقْ إلى أمِّك مائةَ ناقة ديَّةَ ابنِها فإنَّها غريبة.

*********

مرَّ معاوية متنزِّهاً فمرَّ بخباء أعرابية فإذا بفنائه امرأةٌ كهلةٌ جليلة فقال لها: هل من غداء ؟ قالت: نعم حاضرٌ قـال: وما غداؤك؟ قالت: خبزٌ خمير وما نمــير، وحيسٌ فطير، ولبن هجــير (رائب) فنزل من ناقته فلمَّا تغدَّى قال: هل لك من حاجةٍ؟ فذكرت حاجةَ أهلِ الحي، قال: هاتِ حاجتك في خاصَّة نفسك، قالت: يا أمير المؤمنين إني أكره أن تنزلَ وادياً فيُخصبُ أوَّله ويُجدبُ آخره، فقضى حاجتها وحاجةَ أهلِ الحي.

*********

قيل لرجلٌ من الصوفية: إن الناس يذكرونك بما يسوء، قال: والله لولا أني أخشى أن يُعصى الله لتمنَّيتُ أنه لم يبقَ أحدٌ في هذا البلد إلا اغتابني ووقع في عِرضي، وهل أحسنُ يومَ القيامة من حسنةٍ يجدها الإنسان في كتابه لم يعمل بها ولم يعلم بها.

*********

أضاع أبو السمَّال الأسدي ناقته فحلف ألا يعبدَ الله إن لم يجدها، فخرج غيرَ بعيدٍ فوجدها فقال: علم الله أنَّ يميني صادقة، والله غنيٌّ عن العالمين.

*********

أضلَّ أعـرابيٌّ ناقته ثمَّ وجدها ثمَّ أضلَّها ثانية فحلف إن وجدها أن يبيعها بديـنار، ولما وجدها ندم على ما فرط منه في القسـم،ففكَّر في حيلة فأخذ هرَّاً فربطه إلى عنقها وذهب بها إلى السوق وعرضها للبيع وقال: الناقة بدينارٍ والهرُّ بمائة دينار ولا أبيعهما إلا معاً.

عذب الحديث

سل الركب هل مـروا بجرعاء مالك         وهل عاينوا قلباً تـركـت هـنـالكِ

فعهدي به يوم الرحيل عــن الحمى         وقد ضاع مني بين تلك المــسـالكِ

وأحسبه مـا بين سلع إلـى قـبــا        أقام وإلا فـهـو مـــا بـيـن ذلكِ

فطوبى لهمثوى بمـأوى ذوي التقـى        ومغنى الهدى الساري ومسرى الملائكِ

مواطنُ من أسرى بـه الله واهتـدى         به كل سارٍ فـــي الوجود وسـالكِ

نبيُّ الهدى هادي الورى معدنُ التقـى        مجيرُ البرايا من معـاوي المـهـالكِ

وموصلهم جنات عدن غدوا بـهــا          مع الحور والولدان فـوق الأرائـك

محمد المبعوث للناس رحــمـــة         وما الناس إلا هالك وابــن هـالكِ

تداركهم منه الهدى فـاهتـدى الـذي         أجاب ندا ذاك الهـدى الـمـتـداركِ

وضل الذي ألوى عن الرشد واغتدى          بليل من الطغيان أسود حــــالكِ

بمولده ضاء الوجود وأشرقــــت         رُبى الأرضِ بالوجهِ الأغر المبـاركِ

وصدت عن السمع الشياطين وانبرت         إليها رجوم مـن نـجـوم شـوابـكِ

وخصص دون الأنبياء جميـعـهـم         خصائص ما فيها له مـن مـشـاركِ

به طهر البيت المحرم مـــن أذى          طوافِ العرايا والنساء العـــواركِ

الشهاب محمود الحلبي