فَتِيْ السَوَاعِد
ِراحـــة
الحـــيــــــران
شقاء
الشباب كامن فى هذا الفكر اللجوج المبرح بقلبه فهو يشقى لأنه يفكر وفكره
لا يبلغه محجة الهداية وإن إليها سبيلاً من الرشاد فثمة فى هذا الوجود
ماهو أكبر من طاقات الفكر وأسمى من تحاليل العقل ثمة أسئلة كبرى ترتسم
فلا يرتسم قبالتها جواب صحيح شافِ ثمة مثل الضجيج فى النفس البشرية
يدفعها إلى استكناه
. هذا الكون : من أين جئنا ؟
وما غاية وجودنا ؟ ما التدين وما التقوى ؟ ما الكفر ما الإلحاد ؟ وهل في
الوجود حقيقة جوهرية واحدة تتمثل في دين أو معتقد .
وهذا الكيان البشري المتمازج من مادتي الروح والجسد أيبقى كياناً أم
يدركه الانحلال فيستحيل إلى كيانين بعد الموت كيان روحي يحيى في عالم غير
منظور وآخر جسدي يعود إلى أصله التراب؟
هذه الاسئله القلقة الحائرة تطرح نفسها استجابه للفكر اللجوج وانسجاماً
مع ما يتسم به الشباب من الفضول وحب للمعرفة، والواقع لو تجرد أحدنا من
هذه المعطيات لغدت مسلمات وارتفع قليلاً عن مدى الحدود الزمانية
والمكانية ووصل فى لمحة نورانية، ولأدرك بعيداً عن تحليل الفلسفه أن
كيانه الروحي لغز مبهم بالنسبه إليه وهو ملء الحركة والحياه فكيف يكون
مصير هذا الكيان مفهوماً لديه بعد الموت ؟ أوليس هذا ضربا من البحث
العقيم العابس، إن سر الحياة مبهم غير جلي فكيف اكتناه سر الموت ؟
إلا أن طبيعة الشباب هي البحث وتحدي الواقع لا الاستسلام والخضوع لما
يفرضه عليه الوجود فهو يدرك أنه جاء إلى هذا الوجود بغير إرادة منه
ويبارح هذا الوجود بغير إرادة منه فلا أقل من أن يحيا مرحلة مرور عبر هذا
الوجود وهذا المرور وفقاً لإرادته، وهنا تكمن قيمة الإنسان وتتفاوت أحوال
البشر تبعاً لما أوتوا من قوة إرادة.
ولما كان الإنسان يحيا فى مجتمع متصارع الميول متباين النزعات متعدد
الأهداف فقد وجد لزاماً عليه أن يحقق أحد أمرين : إما أن يكيف المجتمع
وفق هواه أو يتكيف حسب هوى المجتمع ولما كان الأول مستحيلاً فيبقى أن
يتكيف مع المجتمع والتكيف في هذه الحال ليس تحقيقاً من الإنسان لأمر من
الأمور بل هو انجراف مع التيار بعد أن استحال عليه إيقاف التيار أو
توجيهه وجهة أخرى، هكذا يقضي الأبطال ويسقط الشهداء إذ يسحقهم تيار
المجتمع وهو ليس دائماً تيار الحق والحقيقة، أما الأشخاص العاديين فيحنون
الرؤوس أمام متنسك متعبد مترهبن يدرك كل شيء إلا حقيقة الحب الإلهى
وكم من عامل منتج يدرك محبة الحق عز وجل يتحد فى نورانيته السماوية لأنه
آمن به وأحبه وعمل بتعاليمه ونفع عباده �� إن التصوف الذي يدفع صاحبه إلى
الصلاة والذكر وإقامة شعائر الدين لئلا يغرق في حمأة الوجود وحماقاته هو
من غايات الدين الحنيف وذلك مصدقاً لقوله تعالى فى محكم تنزيله:
{يا ايها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرةً وأصيلاً }.
أما
التصوف الذى يحمل المرء على الانقطاع عن المجتمع واعتزال الناس فقد أصبح
بغير مكان فى هذا الزمان.
تقوى حمدان
|