كان
الشيخ يقيم الدروس بصفة منتظمة وكان يوصي المريدين فـي دروسه بالاهتمام
بالفقه، وقد درس الفقه فـي مدني على يد رجل يسمى عبد الله حاج حامد ثم
واصل دراسة الفقه فـي مسجد الخرطوم الكبير وقد روى أنه عندما درس فقه
العبادات وراجع عبادته قبل دراسة الفقه وجد فيها قصوراً وأعاد صلاة عدة
سنوات طلباً للكمال والإتقان
وكان يحثُّ مريديه على إتقان الوضوء والصلاة- وفـي غسل اليدين يوصيهم
بالحرص على إدخال الماء بين الأظافر ومسح وتر الأنف والشفتين عند غسل
الوجه.
وبلغ من اهتمامه بالفقه أنه عيَّن أستاذاً للفقه من الجبرتة اسمه إدريس
كان يدرِّس فقه العبادات للإخوان ثم كلَّف فقيهاً يسمى محمد عبد الغني
كان يدرِّس مذهب الإمام مالك من كتاب ''أقرب المسالك '' وكان الشيخ رضي
الله عنه يجلس فـي الدرس ويمسك بكتابه ويتابع الدرس وكلما فرغ الرجل من
باب العبادات وأراد أن يدخل فـي باب البيوع طلب منه الشيخ مرة أخرى أن
يعود إلى باب العبادات وألا يتجاوز هذا الباب حرصا منه على تعلُّم
الإخوان الفقه الذي هو لازم لصحة العبادة وقبولها وكان يوصي بالتمهُّل
والتأنِّي فـي تسبيحات الصلاة عند الركوع
(سبحان ربي العظيم)
وعند السجود(سبحان
ربي الأعلى)
.
وكان كثيراً ما يستشهد بالقول المأثور (من تفقَّه ولم يتصوَّف فقد تنقَّص
ومن تصوَّف ولم يتفقه فقد تزندَّق ومن جمع بينهما فقد تحقق) وكان هذا هو
منهجه الراسخ التفقه ثم التصوف.
لم
يكن الشيخ فـي دعوته للطريقة يلجأ إلى الكرامات وكان ينتهج منهج الإقناع
العقلي وكان يحثُّ على الاستقامة والمحبة محبة آل البيت والأولياء ويحث
على الصفاء ''فالحب كنز والصفا مفتاح''.
وكان لا يحب ذكر الكرامات والحديث عنها ولكن كثيراً من مريديه دخلوا
الطريقة بالرؤيا المنامية إذ كان الشيخ يأتيهم فـي الرؤيا ويأمرهم
بالتوجه للزاوية وأخذ الطريقة� وبعضهم كان يأتي وفـي نيَّته أن يسأل
سؤالاً فيمنعه الحياء أو كثرة الناس حول الشيخ فيجيب الشيخ على سؤاله، أو
يخطر بباله خاطر فيكاشفه الشيخ بذلك.
وقد
أعطى أوراداً لبعض المريدين فلم يداوم عليها وقال للشيخ إنه لم يستفد من
الأوراد،فقال له الشيخ هذا لأنك لم تداوم عليها ثم ضرب له المثل بالمكوك
فـي ماكينة الخياطة وقال له: من أي شيء يصنع المكوك؟ قال: من الحديد
الصلب.
ومن
أي شيء يصنع الخيط؟ قال: من القطن� قال: ألا ترى أن المكوك يتآكل من كثرة
مرور الخيط عليه؟فإذا كان القطن يؤثر على الحديد الصلب فكذلك كثرة الذكر
والمداومة عليه لابد أن تؤثر فـي القلب.
وكان للشيخ قصص كثيرة جداً فـي حواره مع كثير من المريدين وبعض المعاندين
وكانت كلمة الشيخ دائماً فيها القول الفصل� قال له رجل من أدعياء السلفية
: كيف تقولون السيد فلان والسيد هو الله؟ قال له الشيخ أتحفظ أسماء الله
الحسنى ؟ قال بلى� قال له أفيها السيد ؟ فبهت الرجل� ثم أوضح الشيخ رضي
الله عنه أن السيد لابد أن يكون من جنس القوم، واستشهد بقوله تعالى
(وألفيا سيِّدها لدى الباب).
كذلك كانت دروس الشيخ مجالاً لسيرته الذاتية إذ كان يحكي عن علاقته مع
المشايخ.
حكى الشيخ مرة أنه أصابه جذب فـي صباه فظنَّ أهله أنه أصابه مسٌّ
من الجنون فأخذوه إلى رجل بالخرطوم بحري يداوي من الجن وكان هناك عددٌ من
المجانين مكتوفين فرُبط الشيخ إلى عمود فـي ذلك المكان وكان يقرأ أوراده
فكانت أوراده السبب فـي شفاء كثير من المجانين الذين كانوا هناك.
ولما فارق المكان كان معظمهم قد برئ وذهب إلى أهله ببركة أوراد الشيخ،
وذكر أيضا أن أهله أخذوه إلى الشيخ قريب الله أبو صالح رضي الله
عنه بأم درمان ولما دخل على الشيخ قريب الله أخذ الشيخ قريب حالٌ لما وقع
بصره عليه فصار يترجم وأيضا أخذ مولانا الشيخ حال وأخذ يترجم حتى تعجب
الناس منهما.
كما حكى عن علاقته بالشيخ عبد الباقي المكاشفي رضي الله عنه فـي
الشكينيبة وكان يزوره من حين لآخر وأيضاً عن علاقته مع الشيخ عبد الباقي
حمد النيل رضي الله عنه بطيبة وحكى عن خروجه للسياحة بجبل موية وكيف أنهم
كانوا يصومون النهار ويقومون الليل وكان هؤلاء المشايخ يعرفون حقيقته وإن
كان يظهر لبقية الناس مثله مثل أي مريد آخر وهكذا كان الشيخ دأبه
ومزيته الخفاء.
وللحديث بقية
محمد
|