العد د الثالث  (نيسان)
 

نص خطــاب الإمــام الشـيـخ إبراهيـم الشـيـخ
 
محـمـد عثمـان لـحـوليـة 2002  

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على من منه انشقت الأسرار وإنفلقت الأنوار وفيه إرتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة ولا شيء إلا وهو به منوط إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط��

إخواني أخواتي�� أبنائي وبناتي في الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية أحيـيكم وأحيي عبركم أمة المصطفي صلى الله عليه وسلم في مشارق الأرض ومغاربها أن السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، يسعدني في هذه الليلة المباركة ونحن نحتفل بسيدي العارف بالله الإمام الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني في ذكراه التي تصادف أول السنة الهجرية كما تصادف مرور مائة عام على مولده الشريف، أن أتقدم إليكم بالتهنئة الحارة والأمنيات الطيبة�� نسأل الله أن يجعل ما بعدها فرجاً وفتحاً مبيناً��

 إخواني أخواتي�� أبنائي وبناتي

قال تعالى في محكم تنزيله�� {قال إهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن إتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} صدق الله العظيم.

اتحدث إليكم الليلة عن أحد هموم العالم الرئيسية إن لم يكن أهمها وأخطرها وهي ظاهرة التطرف الديني التي عانى منها العالم طويلاً خلال الخمسين عاماً الماضية والتي ساهمت التطورات الدولية التي شهدها العالم مؤخراً في بلورتها وإبراز خطرها الذي يقود للإرهاب وقتل الأبرياء وتدمير الأرض بدلاً من إعمارها، ولعل هذا هو النتيجة الطبيعية لعدم فهم التحذير الوارد في هذه الآية الكريمة، فمنذ أن هبط الإنسان على وجه الأرض وكفل له الله كل وسائل المعيشة ويسّر له كل السبل الكريمة، فقد طالبه بالذِكر وحذره من الإعراض عنه، إلا أن بني آدم قد إنشغلوا بما خُلِق لهم وأعرضوا عما خُلقِوا له {عبدي خلقتك لنفسي وخلقت الدنيا لك فشُغلت بما خلقته لك عما خلقتك له} حديث قدسي�� ونحن هنا لا نقف عند وصف العلة كما يفعل الكثير من الخطباء وعلماء الكلام فشرح تفاصيل المرض وخطورته أمر لايهم المريض بقدر ما يهمه معرفة سبب علته وكيفية الشفاء منها ثم الوقاية كي لا يعود مرة أخرى وكل هذا يندرج تحت حديث واحد للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه إذ يقول (صلاح آخر هذه الأمة بصلاح أولها عُلمائِها وأُمرائِها).

وعلى هذا فإنه يجدر بنا ان نستعرض العبرة والعظة من دروس وتوجيهات مولانا الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضوان الله عليه، الذي نبه العالم قبل أكثر من ستة عقود من الزمان من خطر العولمة الثقافية والتطرف الديني، بل إن ما بذله في حياته كلها لم يعدو أن يكون الأساس والوسيلة لحُسن إدارة الأرض وتقويم النفس وتهذيبها وربط الأرض بالسماء، لقد بنى الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني نظاماً استراتيجياً محكماً يرتكز على بناء الفرد (الوحدة) بما يجعل من المريد ممارساً للدين الحق قولاً وفعلا سلوكاً راقياً وأخلاقاً رفيعة صادقاً أمينا بالذكر والصلاة على النبي ، الشئ الذي يؤدي إلى تحقيق السلام داخل الفرد ويشيع التوازن داخله، وبالتالي صلاح وتوازن الجماعة ومن ثم صلاح وتوازن المجتمع الذي يقود إلى تحقيق التوازن والسلم الدوليين والعكس صحيح.

 لقد شهد العالم الإسلامي خلال العقود الماضية العديد من التجارب الدعوية الدينية إنتظمت في معظم أنحاء العالم، والآن وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً على نهاية الحرب العالمية لم يجن العالم غير إضافة همٍ جديد إلى هموم العالم ألا وهو التطرف الديني الذي يمكن أن يقود إلى إفساد عقائد الناس وتهديد مستقبل الأرض والإنسانية، وأمام هذا الخطر الجديد وقف العالم حائراً فنتائج تجارب الماضي أصبحت تفرض تغييراً إستراتيجياً ، ولكن ما هو هذا التغيير وما طبيعته وما هو الخطأ؟

الإخوة والأخوات

من المعروف للكثيرين أن الشيخ محمد عثمان عبده قد أرجع التصوف إلى الكتاب والسنة وأثبت أن التصوف هو لُب الدين ، ولعل من أهم وأخطر ما تناوله الشيخ محمد عثمان هو موضوع مسؤولية الإرشاد والدعوة، فقد شرح من خلال دروسه وكتبه النظام الذي ارتضاه المولى عز وجل للدعوة وارشاد الخلق حدد بموجبه المسؤولية في ذلك للرُسل والأنبياء والأولياء الصالحين، ولم يترك الأمر كما هو مفهوم لدى الكثيرين للاجتهاد البشري ومحل شورى أهل الأرض في إنشاء الجماعات للدعوة وإبتداع الوسائل والأساليب لهداية الناس دون ارتباطٍ بالنظام الإلهي الذي يحكم ذلك، حيث أن عهد الولاية والأئمة المعتمدين قد بدأ بعد نهاية عهد الرسل�� يدل على ذلك النص الشريف (يُبعث على رؤوس الأشهاد في كل مائة عام إمام يجدد للناس أمر دينهم) والنص يقول يُبعث، والبعث ليس للخلق خِيار فيه.

إخواني أخواتي�� أبنائي بناتي

إن الضمان الوحيد للمحافظة على الأرض وحمايتها من الفساد والتدمير الناتج عن أي خللٍ بشري مثل تلك الممارسات الدعوية المتطرفة وغير الرشيدة التي إنتشرت في بقاع الأرض بل وحماية الدين نفسه من العبث والتشويه، يكمن في وجود إتصال بين الأرض والسماء، ولن تأمن الأرض إلا عبر هذا، وهو ما يقود إلى أهمية من إصطفاهم الله وزكّـاهم وأذِن لهم من الأولياء والصالحين لسياسة خلقه وتعليمهم أمور دينهم وتربيتهم، وقد قال تعالى {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} والبصيرة هي فراسة المؤمن التي قال فيها المصطفى  (اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله).  ولعله من المهم للعالم اليوم الانتباه إلى هذه الحقيقة المهمة والتي كان لمجافاتها كل هذا الخلل والفساد الذي أصاب العالم اليوم ، فكما أن الإرادة الإلهية قد إقتضت إرسال الرسل إلى البشرية في مرحلة من المراحل فقد اقتضت أيضاً إسناد مهام الدعوة والإرشاد بعد انتقال المصطفى  للأولياء الصالحين عبر نظام محكم ، ولعل هذا يلتقي مع المنهج العلمي الذي يدعو لإسناد العمل للخبير المختص، إذ أن الدعوة للدين يجب أن يتصدى لها الخبير المختص الذي يؤهلـه علمـه وصلاحـه نتيجة للتقرب بالعبادة والذكر {الرحمن فسئل به خبيراً} وهو أمر يطول شرحه إلا أن مولانا الشيخ محمد عثمان قد أوضحه في دروسه وكتابيه إنتصار أولياء الرحمن وتبرئة الذمة في نصح الأمة حيث أثبت تلك الحقيقة وأرجعها إلى الكتاب والسنة.  وقد كان هذان الكتابين بمثابة رنين أجراس الخطر الداهم للأمة يشد الآذان ويطرق أبواب القلوب والناس في غفلة معرِضون حتى أفاق الناس على أصوات الرصاص والقنابل يقتل الأبرياء في مختلف بقاع الأرض.

ومن هنا تتضح خطورة تولي أمر الدعوة بواسطة من هم غير مؤهلين لذلك وعبر مناهج دينية وتربوية لا تلتقي مع تعاليم الدين الإسلامي السمحة بل تعمل ضدها وما أكثر غير المؤهلين ممن يتخذون من حديث رسول الله  ( بلغوا عني ولو آية) ذريعة لإرشاد الناس فـي هذا الدين الحنيف بالقول بالرأي وعدم الإعتراف بفضل الأئمة المجتهدين فـي الشريعة وإنكار فضل علماء الصوفية الأفاضـل، وقد صدق فيهم قول سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه (إياكم وأصحاب الرأي فإنهم قوم أعجزتهم الحيلة على حفظ أحاديث النبي ) ولكنهم لم يقفوا عند هذا الحد بل ظلوا يعمون الناس عن قدر المصطفى صلى الله عليه وسلم ويرفعون من أقدار مشايخهم، ونسوا الآية الشريفة {لتعزروه وتوقروه} التي قال فيها الإمام الشافعي رضي الله عنه��

(علمتنا هذه الآية أن إحترام النبي أولى من اتباعه).

وقال : (مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) وقال أيضاً (إني أوشِك أن اُدعى فأُجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، حبل ممدود من الأرض إلى السماء وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف أخبرني إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة فانظروا بما تخلفونني فيهما) رواه الإمام أحمد�

ومما قاله الإمام الشافعي رضي الله عنه في هذا الصدد:

   يا آل بيت رسول الله حبكم         فرض من الله في القرآن أنزله

  يكفيكم من عظيم الفخر أنكم        من لم يصل عليكم لا صلاة له

وقال سيدي فخر الدين:

       ولئن سئلتم ما الكتاب فإنه          مـمـا رواه أماجـد الأعــلام

       نِعم الهداة حقائقاً قد سطروا         فهموا اُولي القدر الجليل السامي

إخواني أخواتي�� أبنائي بناتي

 لم يقف الأمر عند هذا الحد فقد حملوا راية العداء لأولياء الله الصالحين رضوان الله عليهم وأنكروا عطاء الله لنبيه من شفاعة وحرموا على الأمة التوسل والتبرك، إنه داء العصر، وإن النتيجة الواقعية التي يعيشها العالم نتيجة ذلك، هي تلك السمعة السيئة التي اُلصِقت بالإسلام وهو بريء منها، وبروز ظاهرة التطرف التي تقود إلى الإرهاب والحجر على عدد من حقوق الإنسان التي كفلها الله وإظهار الإسلام كأنه دين متخلف لا صلة له بالعلم والتقنية والتطور ولا يراعي حقوق الإنسان�

إخواني أخواتي�� أبنائي وبناتي

لقد استشرى هذا الداء�� داء العصر والعالم الإسلامي يقبل على عصر العولمة الثقافية ويواجه فيه مخاطر الغزو الثقافي الغربي في وقت أعمل فيه الفقر بكل معاوله لهدم البنية الاجتماعية لجانب كبير من الأمة الإسلامية الشيء الذي يهدد بانهيار ثقافة وسلوك وحضارة الأمة الإسلامية خلال سنوات قليلة مما يقتضي بالضرورة الإستعداد المناسب لذلك.

و لعله من البديهي أن مواجهة ذلك لا يتم إلا باتباع أساليب ذات أبعاد ومرتكزات استراتيجية ليس لتبادل الحوار مع العالم فحسب بل والإرسال بقوة، ولعله من المهم للعالم الإسلامي وهو يخطط للتصدي لمهام العصر القادم فإنه يجدر به استعراض تجربة الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية التي طرحت نموذجاً إسلامياً صوفياً راقياً يشكل دواء العصر بكل المقاييس، وباشرت عملياً عولمة الإسلام وقامت بتحطيم الحدود الجغرافية بين الدول مما أدى إلى إنسياب النور البرهاني الإسلامي الصوفي في معظم أنحاء العالم حتى في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من بلاد الغرب التي تعاني الآن من ويلات التطرف والممارسات الدعوية الخاطئة والمنحرفة، فيما يزيد عن الخمسين دولة واستطاعت الطريقة أن تغزو القلوب في تلك المناطق في لطفٍ ولين ويسرٍ ومحبة وإكتسبت حب الناس حتى صارت مضرباً للأمثال، وقد تم كل ذلك رغم تباين الظروف البيئية والتطور التكنولوجي الهائل في تلك البقاع من العالم وتعدد اللهجات واللغات والعادات والتقاليد لتصبح الخرطوم محورا ومرتكزاً بل ومرجعاً أساسياً لتبادل الحوار مع شعوب العالم، وسيكون من غير المنطقي ألا يستفيد السودان والعالم الإسلامي من هذه التجربة الفريدة �إخواني أخواتي�� أبنائي بناتي.

إن مواجهة المخططات الأجنبية ومخاطر العولمة الثقافية والغزو الفكري الغربي في ظل غياب أو عدم الإهتمام بالإرشاد أو عبر جهات غير مؤهلة لذلك يؤدي إلى كشف صدر الأمة الإسلامية عارياً بالكامل أمام سهام المخططات الأجنبية الثقافية والدينية المسمومة.

ولعله آن الأوان للعالم الإسلامي لتقاسم الأدوار بين الدولة والطرق الصوفية تتولى بموجبه الطرق الصوفية مسؤولية (التنمية الأخلاقية) تزكية النفوس وتربيتها وصبغها بالقيم النبيلة من صدق وأمانة والتزام إلخ عبر الأسلوب والوسيلة التي ارتضاها المولى سبحانه وتعالى، بينما تتولى الدولة (التنمية العقلية) أي عملية التأهيل العلمي للمواطن بجانب قدر من برامج التربية، وأن ذلك سيؤدي إلى لقاء ثمرة التنمية العقلية والتنمية الأخلاقية لتشكل المواطن الإسلامي الصالح الذي سيصبح فيما بعد الركيزة الأساسية للنهضة الإسلامية الشاملة ويشكل الوحدة الراسخة المتماسكة المتزنة داخل الجماعة التي تقود إلى السلم والأمن الدوليين�� وأن أي إنسانٍ ذاكرٍ ذو قلبٍ مليء بالحب لن يشع منه إلا الحب والخير للبشرية ويسعي إلى خير الناس وإعمار الأرض بدلاً من تدميرها، وعلى هذا فإن الأساس المتين لحماية الناس وحسن إدارة الأرض يكمن في التربية الأخلاقية التي يجسدها التصوف الإسلامي الذي ظل ولا زال وسيظل يحمل أسس وتعاليم وقيم الدين الإسلامي الأصيلة دون تحريف أو تشويه.

لقد حاول البعض التشكيك في التصوف وإظهاره في ثوب الخارج على الدين والشرع، وما التصوف إلا الترقي بين مراتب الدين إسلامه وإيمانه وإحسانه، وقد ميز علماء الصوفية الذين هم أعلام الفقه فى كل زمان ومكان بين هذه المراتب التى يؤدى الخلط بينها إلى الهاوية التى وصل الناس إليها الآن من فشل فى أساليب الدعوة التى لا يستجيب لها أحد اللهم إلا شارد.

أما المتصوفين الذين شغلوا بالمناقب وتركوا الأوراد فقد تخلى عنهم الإمداد وصاروا يحملون أسماء الأباء من غير ميراث، ونحن هنا نبين للناس أن التصوف علم وعمل.

إخواني أخواتي.  أبنائي وبناتي.  قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه

   من كمال العطاء من فيض وهب          أيها الناس جاءكم إبراهيم

 فالعلم المفروض على كل مسلم ومسلمة هو علم الفرائض التى لا يستقيم شرع مسلمٍ ولا وليٍ  إلا بها، حيث يأخذ الشيخ بيد المريد ليعلمه النوافل، وكما أن النافلة ظِل للفريضة وكما أن الشهادة لله والرسول باب الإسلام فإن نافلة الشهادة (ذكر الله والصلاة على النبي ) تشكِّل باب الإيمان وهي باب السير إلى الله {ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} (المائدة)، والإيمان بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق إلى الله وهي النفس الأمارة بالسوء

  أمارة بالسوء بئس شرابها           فهو الزعاف وقمة البلواءِ

  فى قتلها نعم الثواب لقاتل            عنكم أماط مصادر الإيذاء

وأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله شهادة عيان لا شهادة لسان

  من شاهد الوجه الكريم فهل له         أن يستسيغ الراح بالقيعان

إخواني أخواتي. أبنائي بناتي

إن الدين هو مصدر الهداية للناس ومصدر التشريع ولكنه ليس مِحور سيادة دولة على دولة أو تسلط فئة على مجتمع، وأن الإسلام الصوفي وجد القبول عند عامة الناس في شتى بقاع العالم حيث وحدت الطرق الصوفية الكثير من الشعوب والقبائل وذلك لإعتمادها على قيم الإسلام التي تساوي بين البشر، إن الإسلام قد إنساب بلطف في معظم أرجاء العالم عبر القرون الماضية ليس فيه قسر ولا إكراه ولا عنف ولا يعرف الغلظة ولا الفظاظة ولا القسوة ولا العنف وتمكن من وجدان المسلمين بل وأصبح ضرورة إجتماعية بجانب أنه مصدر للهداية ومصدر للقيم الفاضلة والأخلاق الكريمة التي هي أساس المعاملة بل إن الدين الإسلامي الصوفي تجسد في المعاملة، وأثبت عملياً أن العبادات ليست حركات شكلية وإنما أدوات لتزكية الأخلاق تعمل لبناء الشخصية الإنسانية السوية والإنسان الصالح المتصف بالصدق والأمانة والعِـفـة والتواضـع نتيجة للذِكر والصلاة على النبي  والقدوة الحسنة، لا بالقهر التشريعي ولا العقاب القانوني ولا سلطان الدولة {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكـره الناس حتى يكونوا مؤمنيـن} {ولـو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة} {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.

الإخوة والأخوات.

لقد تحدثت عن داء العصر وخطورة تولي مسؤولية الإرشاد لمن هم غير مؤهلين لذلك، وأوضحت إنعكاسات ذلك على الحياة البشرية، إلا أن هذا لا يعني أنه لا توجد أسباب أخرى تهدد الحياة في الكرة الأرضية�� فالإرهاب هو ناتج للتطرف ولا يمكن أن يربط بدين ما أو عرق ما أو ايدلوجية معينـة وقد شهد العالم إرهاباً ممن يدينون بديانات أخرى، وسيكون من غير المنطقي ونحن نتحدث عن سلامة الكرة الأرضية وحسن إدارة الأرض دون أن نتطرق لسلبيات النظام العالمي خلال الخمسين عاماً الماضية وإزدواجية المعايير وما يقف خلفها من مخططات طمعية ساهمت بصورة رئيسية في مفاقمة الأوضاع في العالم وأدت إلى هذا الخلل والإرتباك الذي يعيشه العالم اليوم، وأن المدخل الصحيح للولوج إلى عالم آمِن مطمئن يكمن في مدى النجاح في التوصل لصيغة لإدارة العالم يجتمع فيها العلم والتقنية مع العدالة والمبادئ الإنسانية والأخلاقية.

إخواني أخواتي. أبنائي وبناتي

مع إنتشار النور فى غرب السودان فقد تلألأت أنوار أبو العونين فى جنوب السودان وبلاد النوبة حيث أشرقت أنوار الطريقة البرهانية فـي كل أرجاء السودان وعم النور أطراف الوعاء.

إن الحب فـي الله هو السبيل الوحيد لجمع أبناء السودان شماله وجنوبه وجمع أبناء الوادي شماله وجنوبه على صعيد واحد{لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} (الأنفال).

وفي هذا الصدد أرجوا أن أحيي عبركم إخوتنا في مؤتمر وادي النيل برئاسة الدكتور حسين أبوصالح وهم يحملون هم الأمة ومعاناتهـا�� آمالهـا وطموحاتها�� يعملون في صمتٍ على إرساء أسس ومفاهيم جديدة لممارسة السياسة وإدارة الدولة لطالما ظلت مفقودة في بلادنا تقوم على المنهجية العلمية وترتكز على الصدق والأمانة ومصلحة الوطن، مستندةً على كوادر قيادية تلقت أرقى أنواع التأهيل والتنمية الأخلاقية على يد مولانا الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضي الله عنه فأصبحت بذلك السند والضمان الأكيد لتحقيق النجاح وبناء نظام سياسي وإداري جديد يقوم على العلم والأخلاق وكيف لا وهو يجسد نهج المصطفى الذي قام بتربية صحابته بالذكر والصلاة على النبي قبل أن يوكل إليهم أمر الدولة�� وأن هذا النهج سينعكس خيراً ليس على السودان فحسب وإنما وادي النيل أيضا�� وسيحقق مؤتمر وادي النيل ما بشر به مولانا الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني من أن مصر والسودان سيتوحدان ، وهو أمر باطني سيتحق دون شك أو ريب.

إخواني أخواتي.  أبنائي بناتي

من خلال حديثي هذا تدركون خطورة داء العصر، كما أنكم تدركون دواء العصر، الشيء الذي يعني تعاظم المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعاً في المرحلة المقبلة ونحن نتصدى لأهم مشكلات العصر وهمومه ، مما يجعلني أطلب منكم جميعاً بذل المزيد من الجهد والاستعداد للمرحلة القادمة بكل جدٍ وهمةٍ وحبٍ وصفا ، ولتعلموا بأن مرحلة بذر البذور قد مضى عهدها وحان موعد الانتشار.

 ومع ارتفاع مآذن مسجد سيدي فخر الدين التي بدأت تعانق فضاء القرن الحادي والعشرين، فإن العالم على موعد مع مرحلة من أهم مراحل التاريخ البشري ألا وهي ظهور دولة سيدي إبراهيم القرشي الدسوقي إلى الوجود.

  هذه دولتنا قد حضرت      دولة العِز وكنز الفرحِ

قال تعالى في محكم تنزيله.

{إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}.

إلهي نسألك بمسائلك ونرغب إليك بك في بركات ما أنطقتنا به من حمدك ووفقتنا له من شكرك وتمجيدنا لك فما أيسر ما كلفتنا به من حقك وأعظم ما وعدتنا به من نعمائك ومزيد الخير على شكرك�� إبتدأتنا بالنعم فضلا وطولا وأمرتنا بالشكر حقا وعدلاً ووعدتنا عليه أضعافا ومزيدا وأعطيتنا من رزقك واسعاً كثيراً اختيارا ورضاً وسألتنا عنه شكراً يسيرا�� لك الحمد اللهم علينا إذ نجيتنا وعافيتنا برحمتك من جهد البلاء ودرك الشقاء ولم تسلمنا لسوء قصدك وبلائك وجعلت ملبسنا العافية وأوليتنا البسطة والرخاء وشرعت لنا أيسر القصد وضاعفت لنا أشرف الفضل مع ما عبدتنا به من المحجة الشريفة وبشرتنا به من الدرجة العالية الرفيعة واصطفيتنا بأعظم النبيين دعوة وأفضلهم شفاعة وأرفعهم درجة وأقربهم منزلة وأوضحهم حجةً محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وأصحابه الطيبين الطاهرين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.